دعوة لكل القوى الوطنية

في خطاب الرئيس حسنى مبارك في مجلس الشعب دعوة مفتوحة لكل القوى الوطنية لكي تشارك بالرأي وبالعمل في المرحلة القادمة.. وهي مرحلة بناء مصر والبدء في تحويل "الحلم المصري" إلى حقيقة.. مرحلة أعطى الرئيس في خطابه إشارة البدء لتحرك كبير لكل المصريين .. الحكومة والمواطنين .. الأغلبية والأقلية.. الرجال والنساء.. وما دامت الفرصة متاحة أمام كل مصري للمشاركة فإن لتخلف عن الركب – في هذه الظروف – فيه درجة من درجات الخيانة للوطن.


في فترة من فترات التاريخ المصري كانت هناك فئات ممنوعة من المشاركة السياسية والاجتماعية، الآن لم تعد هذه القيود قائمة.. وكان العمل الوطني في فترة أخرى مقصوراً على فئة احتكرت الوطنية والإخلاص، الآن كل المصريين سواسية، والوطن وطن الجميع، بلا تفرقة ولا تمييز، وكل من يحمل الجنسية المصرية له ذات الحقوق، وعليه ذات الواجبات كسائر المصريين.. والخطاب الذي أعلن فيه الرئيس مبارك فتح أبواب العمل والاجتهاد أمام الجميع هو في حقيقته عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم في مصر في المرحلة القادمة، أو هو عهد قطعه الريس على نفسه أمام الشعب، وفي حضرة ممثليه، وهو ميثاق للعمل الوطني يرسي قواعد وضوابط العمل العام، والممارسة الديمقراطية على وجه الخصوص في اتجاهات رئيسية من واجبنا أن نستمسك بها، ونعمل على أساسها، ونظل محتفظين بها حية للأجيال المقبلة، لتمثل قواعد الحياة السياسية لمصر الحديثة وهي:


* ليست هناك تفرقة بأي صورة من الصور بين الحكام والمحكومين، أو بين الأغلبية والأقلية، في الإخلاص لمصر، وفي حق الحصول على فرصة العمل للخدمة العامة وتحقيق الأهداف الوطنية، وأى تفرقة في هذا المجال خيانة للمبادئ الوطنية ينبغي عدم السكوت عليها، لأنها وإن ظهرت بمظهر الحرص على الصالح العام، إلا أنها في حقيقتها ضد الصالح العام، قد تكون تعبيراً عن النفاق الرخيص، أو الانحراف الخطير، أو السعي إلى الانفراد بالعمل بعيداً عن الآخرين لإخفاء ما لا يحب أصحابه أن يطلع أو يشارك فيه الآخرون.. وواجبنا أن نظل يقظين لكي يبقى هذا المبدأ فاعلاً وحياً في كل لحظة وفي كل مجال، ليس في الميدان السياسي فقط، بل في الميادين الاجتماعية، والاقتصادية أيضاً.


* لا مصادرة على حق كل مواطن في الاختلاف، وليس الهدف أن يكون المتصدرون للعمل الوطني نسخاً متكررة، ولم يعد مقبولاً أن يقف الجميع في حالة الشلل في انتظار "التوجيهات".. أو "الرأي الجاهز" الذي يجب أن تعمل في إطاره العقول .. آن الأوان لكي تتحرر العقول وتطلق العنان للفكر وللمبادرات والاجتهادات الفردية، وكل رأي يقابله رأي، وكل حجة لا تهزمها إلا حجة أقوى منها، والبقاء في صراع الآراء للرأي الأقوى والأصلح للمجتمع، فالرئيس مبارك في هذا الاتجاه يعلن تكامل الرؤية، فالانتقال من مرحلة التخطيط المركزي والاقتصاد الشمولي إلى آليات السوق وإطلاق الحرية المبادرات الفردية لا يكتمل إلا بالانتقال من مرحلة الرأي الواحد، والحكم الشمولي، إلى فتح ساحات العمل الوطني لكل المصريين دون تفرقة، ومن خلال تفاعل الآراء والأفكار يتوصل المجتمع إلى أفضل صيغة للعمل والتقدم، وآليات الحرية السياسية كفيلة بكشف كل فكر منحرف، وكل رأي يخفي وراءه أهواء ومصالح شخصية، وكل من يدس السم في العسل وهو لغة الخطاب العام، وقد وصل المصريون إلى مرحلة متقدمة من الوعي، بعد 15 عاماً من الانفتاح الفكري والسياسي، وأصبحوا قادرين على التمييز بين الصدق والخداع.. وبين كلمة الحق المخلصة وكلمة الحق التي يراد بها باطل.


وإذا كانت الحرية بطبيعتها تحتاج إلى إطار يحدده ويتفق عليه المجتمع لكي لا تتحول الحري إلى فوضى، فإن السياج الذي يحمي الحرية في مصر هو "الاعتصام بحبل الوطنية المصرية".. هذا الاعتصام لا يعني مصادرة الحق في الاختلاف، أو في طرح فكر جديد، ولكنه يعني أن تكون الديمقراطية المصرية، كما في العالم المتقدم، قائمة على "الاختلاف في إطار الاتفاق".. ونقطة البدء هي أن الاختلاف لا ينطلق من العداء أو التصادم، أو محاولة فرض الرأي بالقوة والعنف، ولكن نقطة البداية هي المبادئ، والأهداف، التي يتفق عليها الجميع وتلتقي عندها كل القوى مهما تعددت منطلقاتها، إذ لابد أن يكون هناك – ومنذ البداية – مبادئ أساسية تتفق على عدم المساس بها، لأن ذلك يهدد كيان المجتمع، ويصيبه بالتصدع، وما دام كل القوى تريد الإصلاح والبناء فلا يتفق ذلك مع حرية الغرب في الأساس الذي يقوم عليه المجتمع.. الأساس العقائدي والروحي.. والأساس السياسي والأخلاقي..الخ.


يفرض علينا ذلك أن نناقش معاً وتتفق: ما هي المبادئ والأسس التي تضع عندنا خطاً أحمر بإرادتنا واختيارنا لكي نضمن حماة المجتمع، وفي إطار هذه المبادئ، فإن الجميع يقفون صفاً واحداً لحماية أسس المجتمع، وبعدها فإن الخلاف ممكن، بل هو مرغوب ومطلوب، لأنه بدون الخلاف وتعدد الآراء لا يمكن اختبار الرأي والقرار.. ولا يمكن تصحيح أو استكمال ما هو قائم، ولا يمكن التقدم ..لأن التقدم وليد تجدد الرأي.. وتفاعل الرأي الجديد مع الرأي السائد.. والوصول إلى رأي جديد فيه عناصر وتطلعات جديدة تجعلنا نتقدم خطوة إلى الإمام.. أما الاستمرار على آراء بعينها دون تغير أو تطور فهذا هو الجمود الذي يؤدي إلى الاضمحلال والموت..


آن الأوان لكي يسود اتفاق عام بين الأغلبية والأقلية، وبين الحكومة والمعارضة، وحتى بين المواطنين والخارجين على الإجماع، بحيث يدرك الجميع أن حماية الوطن والأسس التي يقوم عليها المجتمع هي واجب كل المصريين.. وأن الاختلاف يأتي فيما هو بعد ذلك حول أساليب الوصول إلى الأهداف.. ومحاسبة الأشخاص القائمين على التنفيذ.. وطرح رؤية جديدة للعمل.. بمعنى آخر لابد أن نحدد ما هي "الأصول" التي لا خروج عليها وما هي "الفروع" التي يجب أن تختلف حولها، إلى أن نتفق بالحوار الحر وبالتفاعل الخلاق بين الآراء والاجتهادات.


* بعد ذلك تأتي أهمية مبدأ "المكاشفة" لكي يشارك المواطنون لابد أن يشعروا أولاً بالثقة فيما يقال ويعلن، وأن يجدوا الحقائق كاملة في متناول أيديهم، لأنه لا تفكير دون معلومات صحيحة وكاملة.. وغياب الثقة بين الحكم والجماهير يجعل الشعب في واد والحكم في واد آخر كما قال الرئيس..


ولكي يتحقق ذلك كله لابد من إعادة النظر في أداء الأحزاب القائمة، دون محاولة للدفاع الأعمى عما هو قائم، وتغيير أساليب العمل والتعامل مع الجماهير، ونزول القيادات إلى الناس والاستماع إليهم، وإفساح المجال أمام القيادات الطبيعية الشابة لكي تأخذ فرصة التدريب على القيادة، وأن يكون العمل العام قائماً على استطلاع الرأي العام بأسلوب علمي – وليس بمجرد الشعور والانطباع – وإيجاد قنوات شرعية مفتوحة ومخلصة في توصيل الآراء والاتجاهات من القاعدة إلى القمة، لكي يشعر المواطن إنه ليس مجرد آلة تسمع وتعمل ولكنه إنسان له رأي وإرادة مطلوبان ومؤثران في القرار.


وهذه كلها قضايا تحتاج إلى نظر.. وإلى حوار واسع..

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف