الإرهاب .. وخيانة المثقفين!

نخطئ إذا لم نضع الإرهاب في موضعه الصحيح لنرى أنه حالة حرب غير معلنة لتخريب المجتمع وهزيمة الشعب المصري من الداخل، وراءها تنظيم وتمويل وتسليح من طرف أو أطراف أجنبية لها مصلحة في ذلك. وأن "العقل المدبر" الخارجي هو الذي يخطط لتجنيد هذه العناصر القابلة للانحراف والتضليل.


وكما هي العادة في الحروب يسعى "العدو" إلى كسب الحرب ليس بالسلاح ولكن بتحقيق الهزيمة الداخلية.. بالتأثير في العقول والتأثير على الروح المعنوية، ويظهر العملاء والطابور الخامس، وتظهر أيضاً حالات الانتهازية وغياب الرؤية الصحيحة لدى بعض المثقفين تسمى أحياناً "خيانة المثقفين" لأنهم – بقصد أو بغير قصد – يخدمون أهداف العدو وينشرون أفكاره ويهيئون الرأي العام لقبول الإرهاب والإرهابيين بل ويدعون إلى التعاطف معهم.. وتظهر خيانة المثقفين في صور متعددة:


تظهر أولاً في صحف بعينها تدافع عن الإرهاب والإرهابيين دفاعاً صريحاً وعلنياً دون أدنى مواربة، وتتحدث عن كل عملية من عمليات الإرهاب وكأنها انتصار للإرهابيين وهزيمة للمجتمع.. هذا الدفاع العلني مقصود به إيجاد جو من القبول العام للإرهاب، وإضفاء نوع من المشروعية على جرائمه.


وتظهر خيانة المثقفين ثانياً في نشر صور الإرهابيين وأخبارهم بشكل يوحي بأنهم أبطال وليسوا مجرمين، وأحياناً تعطي بعض الصحف لهؤلاء الإرهابيين وممثليهم فرصة نشر أفكارهم والدفاع عن معتقداتهم المغلوطة والإقناع بنبل مقاصدهم واتفاقها مع الشريعة، وأحياناً أخرى تنشر بعض الصحف مقالات تدافع عن حق الإرهابيين في أن يعملوا علانية، وأن ينشروا أفكارهم دون قيود، وأن يمارسوا نشاطهم في الضوء وينتقلوا من العمل تحت الأرض وفي الظلام للعمل في النهار أمام الجميع وتحت حماية أجهزة الدولة، وأن يجدوا الصحف والتنظيمات والتسهيلات التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم.. وإن كان هذا المطلب يبدو غريباً ومتعارضاً مع أبسط مبادئ الوطنية إلا أن هناك من يعلن ذلك في مقالات في صحف ومواعظ في مساجد وندوات في مواقع مختلفة.. بل وهناك من يقول بعدم شرعية فكرة الوطنية ذاتها!.


أما الصورة الخطيرة لخيانة المثقفين فهي حملة الهجوم غير المفهومة على جهاز الأمن في هذا الوقت بالذات، وليس هناك من لا يعرف أن جهاز الأمن هو خط الدفاع الأول أمام هجمات الإرهاب للدفاع عن المجتمع وحماية أرواح وممتلكات المواطنين..وليس هناك من يجهل أن الشهداء من رجال الأمن يتساوى عددهم مع عدد شهدائنا في المعارك الحربية، وأن غالبية الشهداء من القادة وأصحاب الرتب الكبيرة، وهذا يعني أن قادة الشرطة لديهم الشجاعة والاستعداد للتضحية من أجل القضية التي يؤمنون بها، والشعب الذي يدافعون عنه، والواجب الذي يؤدونه، إلى حد التقدم، وعدم التردد في مواجهة الخطر أياً كان.. ويكفي أن نتابع طابور الأرامل والأطفال اليتامى من أسر شهداء الشرطة لنشعر بقدر التضحية التي لا يمكن أبداً التعبير عن العرفان والامتنان عنها مهما قدمنا لهم..


ويكفي أن نزور بعض المناطق التي تتركز فيها الجماعات الإرهابية لندرك أن الشرطة تقوم بواجبها في ظروف صعبة، فواجبها الأول أن تضمن الأمن لكل مواطن.. وإن تحمي حقه في التحرك بحرية ودون قيد.. وعليها في الوقت نفسه أن تعرف عناصر الإجرام وتجهض محاولاتها وتتصدى لها إذا شرعت في ارتكاب جرائمها.. والمجرمون من حيث المظهر لا يمكن تمييزهم.. وكلما قامت أجهزة الأمن بوضع يدها على تنظيم يظهر تنظيم آخر، لأنها في حقيقتها تنظيمات صغيرة، وكلما وصلت أجهزة الأمن إلى معلومات عن بعض العناصر تكون شبكة التجنيد التي يحركها "العقل المدبر" قد أوقعت عناصر جديدة غير معروفة لأجهزة الأمن.. فالمعركة ليست سهلة، خاصة إذا أضفنا إليها أن الأهالي لا يعرفون على وجه الدقة، أو لا يريدون أن يصدقوا أن أبناءهم أصابهم الوباء وتحولوا إلى مجرمين.. وحتى لو أدركوا الحقيقة فإن العاطفة والطبيعة القبلية والعائلية والقيم الاجتماعية السائدة التي تفهم مبدأ "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً".. فهما خاطئاً تدفعهم إلى التستر عليهم.


في مثل هذه الظروف يحتاج جهاز الأمن إلى مساندة شعبية كاملة بحيث يلقي العون والدعم والمعلومات من كل الناس وفي كل مكان، ويحتاج أكثر من ذلك إلى أن يشعر أن المجتمع كله ودون استثناء في حالة اتفاق عام على ضرورة هذه المعركة، وعلى تقدير الجهد الذي يبذله، والتضحية التي يقدمها.. فإن ذلك هو الذي يخلق الروح المعنوية العالية التي يعتبرها المتخصصون في الإستراتيجية أهم عامل للنصر في المعارك.. قبل السلاح والتخطيط.. لأنه لا قيمة لكل هذه العناصر إذا لم يكن المقاتل مؤمناً بجدوى المخاطرة بروحه.


خيانة المثقفين أن يهاجموا رجال الأمن وهم في حالة حرب.. أثناء المعركة والاشتباك.. وهم متأثرون بتساقط أخوانهم، ولا يصلح للتبرير القول بأن كل شيء قابل للنقد وأن جهاز الأمن مثله مثل سائر الأجهزة ليس فوق مستوى النقد.. وهذا صحيح.. ولكن هناك فرق بين النقد والهجوم.. وهناك فرق بين النقد بقصد التوجيه نحو تحسين الأداء وبين النقد بقصد إظهار عدم جدوى العمل والتشكيك في التخطيط والقيادة..


ومن حسن الحظ أن رجال الأمن هم أقدر الناس على التمييز بين ما يقال عن رغبة في الإصلاح والإخلاص لهم ولنجاح عملهم، وبين ما يقال لتصفية حسابات أو اكتساب بطولة زائفة في غير وقتها، أو لتحقيق أهداف معينة لآخرين .. ورجال الأمن مدربون على الاحتفاظ بالحصانة النفسية والعقلية ضد محاولا اختراق عقولهم أو التأثير في معنوياتهم.. وليس هناك خوف عليهم.. ولكن يتبقى للقضية جانبان آخران: جانب الأثر على الجماهير من هذه الحملات، وجانب الدور الذي يجب أن يقوم به المثقفون في المجتمع.. ولابد أن يحدد كل مثقف موقعه وموقفه: مع من هو .. وضد من؟.. وعليه أن يختار: الشعب والمجتمع أم الإرهاب؟.. وغير مسموح في هذا الوقت بالذات بالوقوف الانتهازي التقليدي بإمساك العصا من الوسط، والاحتفاظ بصداقة الطرفين لركوب أي موجة ترتفع.


غير مسموح الآن بالانتهازية السياسية والفكرية..


وغير مسموح بتبرير الخيانة من المثقفين أو من غيرهم.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف