الشباب.. والثقافة السياسية
ظواهر الانحراف والقلق التي تنتشر بين الشباب تقدم كل يوم دليلاً جديداً على مدى القصور في عملية الرعاية، والتوجيه، والتربية، وتكشف مدى حاجة الشباب المصري، في هذه المرحلة بالذات، إلى عمل منظم لتقديم الثقافة السياسية إليه، لكي تسلحه هذه الثقافة بالوعي بظروف الوطن، وبالمخاطر التي تحيط به، وبدوره في التصدي للمناورات والمؤامرات التي تستهدف التأثير على عقله وإرادته.. وهي مؤامرات ومناورات من الخارج.. ومن الداخل أيضاً.
ولقد أتيح لي في الأيام الماضية أن ألتقي بمجموعات من الشباب في الإسكندرية، والمنصورة، والقاهرة، لمست فيها نبض الوطنية في الجيل الجديد، كما لمست فيهم الحيرة والقلق.. لأنهم يقرأون ويسمعون الكثير.. وتختلط أمامهم الحقائق بالأكاذيب .. والنوايا الطيبة بالنوايا الخبيثة.. والدعوة المخلصة لبناء الوطن بالدعوة الخبيثة إلى هدم كل شيء تحت شعارات جذابة وبراقة في كلما حق يراد بها باطل..
وليس كل الشباب المصري سلبياً.. أو فاقداً للولاء والانتماء لوطنه كما يروج البعض.. بل إن هناك قطاعاً عريضاً من الشباب لديه إحساس بالمسئولية، ويريد أن يشارك بجدية في عمل كبير يساهم من خلاله في بناء مستقبل بلده ويخدم مواطنيه.. وأهم من ذلك أن هذا القطاع العريض من الشباب يريد أن يعرف.. والمعرفة حق لكل مواطن.. ويريد أن يعرف الحقائق من مصادر يثق فيها.. ويحتاج إلى أن يفتح قلبه وعقله أمام من يتعاطف معه، ويقدر على التفاعل مع مخاوفه وأحلامه وأفكاره.. وهذا شيء طبيعي.. فمرحلة الشباب هي مرحلة طرح الأسئلة، والبحث عن الحقيقة، والرغبة في إثبات الذات، وتفتح المواهب والقدرات الخاصة، والاستعداد للتضحية من أجل المبادئ والمثل العليا، وفي هذه المرحلة تشتد لدى الشباب احتياجات نفسية واجتماعية إذا لم يتم إشباعها فإن ذلك يؤثر سلبياً على شخصيته وسلوكه.
ونحن نقول للشباب دائماً أن عليه أن يعمل من أجل الوطن.. فماذا يفعل بالضبط إذا أراد الاستجابة لهذا النداء؟ .. إننا لم نضعه أمام مشروعات كبرى أو مجالات محددة يستطيع من خلالها أن يحقق رغبته في خدمة الوطن ويعبر من خلالها عن استعداده للتضحية.
ونحن نقول للشباب كل يوم إن هناك أعداء ومخاطر في الخارج والداخل، لابد من اليقظة لكي لا نعطيهم الفرصة ليحققوا أهدافهم في المساس بوحدة الوطن، أو بأمنه، أو بما يحققه في المجالات السياسية والاقتصادية، ولكننا لا نقول للشباب: من هم هؤلاء الأعداء.. ولماذا يريدون تخريب البلد.. وكيف يمكن حماية الوطن منهم.. وما هو المطلوب بالضبط من كل شاب لكي يؤدي واجبه.. فالأمر أقرب إلى جيش نحشده ونعطيه جرعات زائدة من التعبئة المعنوية عن ضرورة التضحية والفداء، دون أن نضع أمامه أهدافاً واضحة ومحددة.. ودون أن نعطي لكل فرد فيه واجباً محدداً عليه أن يقوم به كاملاً وبإخلاص، فيكون بذلك قد أدى ما عليه نحو الوطن.. إذا لم يكن كل فرد في هذا الجيش على بينة بما هو مطلوب منه هو شخصياً ولديه القدرة على القيام به، وتم تدريبه وتسليحه للمهمة.. فكيف يكون فرداً مؤثراً لحظة احتدام المعركة؟ .. هذا هو الشأن بالنسبة للشباب .. نقول له: عليك بالتضحية.. واجبك الانتباه.. دون أن نحد الدور الذي يمكن أن يقوم به كل شاب ليؤدي واجبه..
ولابد من أن نضع في اعتبارنا أن هناك من يشكك ويغرس الشكوك في كل شيء.. والشباب لا يعرف أين الصواب وأين الخطأ.. وهناك من يسعى ويتقرب إليه بالتعاطف وتقديم خدمات بسيطة، ويدعي أنه يقوم بدور الإرشاد والتوجيه، وأنه يأخذ بيده إلى الطريق الصحيح ثم يوجهه إلى الطريق الخطأ، ويقوده إلى بحر الرمال الناعمة، يغوص فيها يوماً بعد يوم، دون أن يدري أنه يسير في طريق الضلال.. ولو أننا درسنا كيفية عمل الجماعات الإرهابية في جذب الشباب إليها وأساليبها في التأثير وغسل المخ وسلب الإرادة، فسوف نعرف طبيعة الخطر الذي يحيط بالشباب، وبمدى التقصير من جانبنا..
ومن الأفضل أن نعترف بالتقصير، وإن كانت هناك جهود تبذل في مجال نشر الثقافة السياسية بين الشباب، فهي جهود مشكورة، ولكنها تتم في إطار جزئي، ولا تصل إلا إلى نسبة قليلة جداً من الشباب، وهي لا تتم إلا في المناسبات، وتنتهي بعد أن تسلط عليها الأضواء، ويتم الإعلان عنها.. بينما نحتاج إلى عمل سياسي منظم ودائم ويشمل كل الشباب منذ المراحل المبكرة ووفقاً لبرنامج وفلسفة وأهداف محددة. وعلى أيدي خبراء ومتخصصين متفرغين وليسوا متطوعين، يقومون بهذا العمل الجليل في أوقات الفراغ.
حين التقيت بطلبة وطالبات كلية الآداب بجامعة المنصورة، أحسست أن هناك نواة طيبة تبشر بخير، وأن ذلك يتم بمبادرة جماعية من المحافظ اللواء فخر الدين خالد، ورئيس الجامعة الدكتور أمين حمزة، وعميد الكلية الدكتور وسام عبد العزيز.. ولو أن ما يحدث في هذه الكلية حدث مثله في كل الكليات، وفي كل الجامعات، وفي كل المدارس، وفي كل الأندية، وفي كل مراكز الشباب والأندية الريفية، لكنا قد ارتحنا من كثير من المتاعب التي يعاني منها، أو يتسبب فيها، الشباب الحائر الذي يبحث عن إجابات لأسئلة تشغله وتقلقه، فلا يجدها .. ويريد أن يجد من يفهمه، ويتعاطف معه، ويستمع إليه، ويشاركه همومه وأفكاره ومخاوفه .. فلا يجد .. ويريد أن يجد مجالاً للطاقة الكبيرة التي يفجرها الشباب لكي تكون هذه الطاقة للبناء ولخدمة المجتمع، بدلاً من أن تكون طاقة للهدم والتخريب فلا يجد..
وإذا كنا نقول إننا نمر بمرحلة تحول كبرى، فإن معنى ذلك أننا نسعى إلى التغيير، وإننا نتخلص من أفكار وقيم ومبادئ الماضي التي أدت إلى التخلف، لكي نستبدلها بما يناسب المستقبل الذي نعمل لبنائه.. ولاشك أن غرس مبادئ وقيم وأفكار جديدة ليس أمراً سهلاً.. ولا يمكن أن يتحقق من تلقاء نفسه.. ولكن لابد من عمل اجتماعي وسياسي كبير.. عمل لا يتم أمام كاميرات التليفزيون فقط .. ولكن يتم كل يوم .. وكل لحظة .. وفي كل مكان .. ليصل إلى كل شاب.. من السلوم إلى حلايب.. وليس الأمر من السهولة بحيث يستطيع أحد أن يدعي أن ذلك يتم الآن..