الإرهــاب .. والإعــلام!

في مؤتمر صانعي السلام في شرم الشيخ أشار عدد من قادة الدول إلى الرابطة بين الإرهاب والإعلام، وهي إشارة وإن كانت تبدو عابرة في سياق حديث كل منهم، إلا أنها تمثل قضية بالغة الأهمية، لم تحظ حتى الآن بما تستحقه من الفهم والتحليل والاهتمام، لأن الذين تنبهوا إلى أن وسائل الإعلام – في مختلف الدول – تقدم دعماً غير مقصود للإرهاب، وخدمة دعائية مجانية للترويج له، ومساعدة بطريق غير مباشر لتحقيق هدفه.. الذين تنبهوا إلى ذلك ما زالوا قلة، وأغلبية المشتغلين بالإعلام في العالم لم تصل هذه الحقيقة إلى وعيهم بالدرجة الكافية..


ولابد أن نضع في اعتبارنا أن من بين المشتغلين بالإعلام – في أي دولة – من يعتنق بعض الأفكار والمبادئ التي يريد الإرهاب أن يفرضها على المجتمع، وعلى سبيل المثال، فإن المنظمات الإرهابية – في مصر مثلاً – تبدأ في قضية أن هذا المجتمع كافر، وأنه لا يطبق الشريعة الإسلامية، وبالتالي يسري على كل من فيه حكم الكفار والمرتدين.. ومع أن هذا القول لا يمثل قضية شرعية حقيقية، ولا يستقيم مع المنطق، أو مع الواقع، إلا أن هناك من يخدم هذا التصور بشكل أو بآخر في وسائل الإعلام المختلفة.. بالصورة.. والمقال.. والخبر.. والكاريكاتير.. والتعليق.. وبالإشارة العابرة – الخبيثة – في ثانيا الحديث العلني.. وبكلمات موحية مدسوسة في عبارات مقال طويل.. وهناك من يكتب صراحة، وبكل وضوح، لنشر هذه الفكرة وتعميق الإحساس بها في نفوس الناس يوماً بعد يوم، ومع التكرار، والإلحاح، وتنوع الأساليب، ونغمة الثقة الزائدة، واليقين، ومهاجمة كل من يناقش هذه القضية المغلوطة وتشويه صورته.. مع هذا العمل الإعلامي المنظم فإن الأرضية الفكرية والنفسية للإرهاب تكون قد انتشرت واتسع نطاقها من حيث لا تستطيع الدولة أو أجهزة الأمن أن تلاحقها، لأن مواجهة الفكر المنحرف في مسئولية أصحاب الفكر المعتدل وليست مسئولية أجهزة الأمن.


وهناك مقالات تنشر في صحف مطروحة للبيع ليست في حقيقتها مقالات رأي، ولكنها منشورات تحريض على الدولة، وعلى المجتمع، واستعداء على المواطنين الذين يعيشون آمنين مؤمنين بأن حياتهم تسير وفقاً لما أمر الله وهم يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويؤدون الصلاة، ويخرجون الزكاة، ويصومون رمضان، ويهرعون إلى الحج كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.. فكيف يمكن أن يجرؤ مدع على اتهامهم بالكفر.. لكن الإرهاب أصبح إخطبوطا له رءوس متعددة، وأيد وعيون كثيرة، بل إن الإرهاب أصبح صناعة عالمية ويمثل مصدراً من مصادر الدخل الأساسية لبعض الدول، ومصدراً للثراء والحصول على أموال بغير حساب للرءوس الكبيرة، ومصدراً للحصول على عمل يتكسب منه أصحاب الرءوس الصغيرة.. هذه الصناعة الكبرى أصبحت صناعة دولية.. وكما أن هناك شركات عابرة للقارات .. لاتهمها الاعتبارات الوطنية أو القومية، ولا مصالح الشعوب.. فإن هناك الآن منظمات إرهابية دولية عابرة للحدود، مستعدة لتقديم الخدمات والعمليات والمعدات الإرهابية لكل من يقدر على أن يدفع الثمن الباهظ لذلك، وما أسهل تقديم خدمات إضافية لتبرير عمليات الإرهاب، وتحسين صورة الإرهابيين وتقديمهم وكأنهم أصحاب قضية، أو أصحاب رسالة، أو أنبياء العصر، أو مناضلون من أجل الحرية، بحسب الظروف.. وهذا ما يفسر لنا لماذا نجد الإرهاب في دولة في شكل حركة دينية، وفي دولة أخرى في شكل حركة سياسية، وفي دولة ثالثة في شكل عصابات للقتل والسرقة وإثارة الفزع بين الناس لفرض إتاوات عليهم.. تتعدد الأشكال والجوهر واحد..


جوهر الإرهاب واحد.. والهدف أيضاً واحد: هو إثارة الخوف العام، ونشر القلق والتوتر على نطاق واسع بين الناس.. الوسيلة هي القنبلة أو الرصاصة، والغاية هي السيطرة على المجتمع عن طريق تخويف الجميع وإشعارهم بأن حياتهم في خطر إذا لم يذعنوا لما يطلبه الإرهابيون.. ومن هنا فإن الإعلام يساعد الإرهابيين على تحقيق الهدف.. وهو يمارس حقه في نشر الأخبار، ويقع في مصيدة البحث عن الإثارة وجذب القراء وزيادة التوزيع.. حيث يضيف إلى كل حادث إرهابي بعض الرتوش التي تجعل قلوب القراء تمتلئ بالخوف من هذا الخطر الداهم المجهول الذي لا قلب ولا عقل له.. وأحياناً تتوسع الصحف والإذاعات والتليفزيونات في شرح الحادث الإرهابي وعرض صور الضحايا الممزقة إلى أشلاء... ومعروف أن كل إرهابي ينفذ جريمة من جرائمه، يترقب بقلق معرفة نتائج فعلته ليطمئن إلى مدى نجاحه في تحقيق الهدف.. فهو يفتح كل تليفزيونات القنوات الفضائية.. ويحصل على كلب طبعات الصحف ليرى أثر ما فعله ويقيس رد الفعل وربما يحصل من الصحف على معلومات عن اتجاه تحرك الأمن وتفسير الأجهزة لكل حادث .. والصحف تقدم أحياناً كل هذه الخدمات.. فتنشر بالعناوين العريضة وفي الصفحات الأولى أخبار وصور العمليات الإرهابية لكي تقدم دليلاً على نجاح الإرهاب في الوصول إلى غايته.. وأحياناً تكتب الصحف قصة الحادث الإرهابي بشكل يثير التعاطف مع الإرهابيين.. وكأنهم أصحاب قضية.. أو كأنهم أبطال مجهولون يؤثرون الموت من أجل هذه القضية السامية..!


ولو أننا قمنا بدراسة تحليلية هادئة لكل الصحف الصادرة خلال السنوات الماضية فسوف نكتشف أن هناك أخطاء بعضها مقصود ومتعمد من جانب بالذات.. يعرف حقيقة ما يفعله.. ويقصد إليه.. ويقدم خدمات مباشرة ودفاعاً مستميتاً عن الإرهاب، ويعرض أفكاره بأساليب جذابة وبحماس وإيمان واقتناع.. ولكن أكثر الصحف سنجدها قد وقعت في الشباك دون قصد..


وهذا ما يدعو إلى وقفة.. نراجع فيها.. ونعيد النظر.. ونتفق: كيف ننشر أخبار الإرهاب دون أن نحجبها أو نفرض عليها رقابة باعتبار أن من حق المواطنين معرفة كل ما يجري في المجتمع.. وكيف نفعل ذلك دون أن نروج فكر الإرهاب أو نثير التعاطف معه.. ودون أن تظهر نتائج العمليات الإرهابية بأكبر من حجمها الحقيقي فنثير الخوف العام دون داع.. ودون أن نظهر الإرهابيين بمظهر الأبطال.. وينبغي ألا ننسى أن الشباب في سن المراهقة يمكن أن يتعلق بهذا النوع من البطولة الإجرامية.. وكمن من المجرمين الصغار اعترفوا بأنهم ارتكبوا جرائمهم نتيجة الإعجاب والرغبة في تقليد المجرمين العتاة.. يجب ألا ننسى أن الشر له أنصار.. وإن كان الخير له أنصار أكثر.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف