عــــــــــــرب 96 .. !

مع بدء عام جديد يتجدد الأمل في أن تتجاوز الدول العربية حالة الانقسام والانغلاق على الذات القائمة الآن، وتثمر الجهود المخلصة التي بذلت طوال عام 95 للتمهيد لإقامة مصالحة عربية على أساس سليم.


إن إزالة آثار العدوان العراقي على الكويت تبدو صعبة، بحيث أصبحت إعادة الثقة بين الدول العربية وبعضها تحتاج إلى ضمانات، وميثاق شرف، ومحكمة عدل عربية، وقوات عربية مشتركة لردع عدوان أي دولة عربية في أي دولة عربية أخرى.. كما أصبحت بعض الدول العربية تلتمس لنفسها الحماية من قوى خارجية في مواجهة أطماع الأشقاء العرب..!


كما أن خلافات الحدود ازدادت وتفجرت وبدأنا نسمع عن حشود عسكرية عربية على الحدود المشتركة مع الأشقاء. ونرى خلافات علنية حول قضايا جوهرية وقضايا فرعية، وأصبح الحديث عن التعاون أو التكامل العربي نوعاً من الأحلام، وتحول بيت العرب (الجامعة العربية) إلى بيت مهجور، وساءت حالة منظمات الوحدة العربية إلى حد أنها لم تعد تجد ما يكفي لمرتبات العاملين فيها.


كان عام 95 هو عام استمرار التمزق العربي، وكان في نفس الوقت عام بذل المحاولات المستميتة لإنقاذ الأوضاع العربية المتردية. في ذلك العام طرح الرئيس مبارك مبادرته المشهورة بمناسبة الاحتفال بمرور خمسين عاماً على إنشاء الجامعة العربية التي تضمنت وضع أسس جديدة للعلاقات العربية، وضمانات لتوفير الأمان لكل دولة.. ولحل الخلافات العربية في إطار قانوني وسياسي قبل أن تتفجر الخلافات، وتتحول إلى معارك.!


الخطر الأكبر الآن هو تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، وهذا التمزق لن يحقق إلا شيئاً واحداً هو أن يفقد العالم العربي قوة عربية كان لها ثقل سياسي واستراتيجي يساعد على حفظ التوازن ويمثل قوة مضافة لحسابات القوة العربية الشاملة.


وكان مثيراً للقلق ما نشر أخيراً من رأي نسب إلى الملك حسين قال فيه إن العراق أصبح مقسماً بالفعل، وهذا أمر واقع، ولم تعد هناك وسيلة لإعادة الوحدة إلى العراق كدولة إلا بإقامة وحدة "كونفيدرالية" في العراق. وإن كان الملك حسين قد صحح ما نشر، بأنه لم يكن يتحدث عن "كونفيدرالية" بل عن "فيدرالية" وفكرته في ذلك أن السلطة القائمة في العراق اعترفت هي نفسها بحالة التقسيم القائمة، بدليل أن الاستفتاء الأخير الذي أجرى في العراق لم يشمل الجزء الشمالي، ولا الجزء الجنوبي، وإذن ليس هناك وسيلة للإبقاء على الشعب العراقي والدولة العراقية إلا بإعطاء استقلال نسبي لكل جزء وتوحدها في دولة فيدرالية، وقال الملك حسين لرؤساء تحرير الصحف المصرية والأردنية أن هذه هي الوسيلة للإبقاء على العراق دولة موحدة، وهناك دول كثيرة قائمة على اتحاد فيدرالي مثل ألمانيا.


هذا الاجتهاد لإنقاذ العراق يؤكد إلى أي مدى وصلت الأمور بالعراق، وأي خطر يتهدده.. ليس فقط خطر الموت جوعاً ومرضاً نتيجة استمرار العقوبات الاقتصادية.. ليدفع الشعب العراقي ثمن الجريمة التي ارتكبتها قيادته.. ولكن هناك خطراً أكبر، هو تمزق العراق، وتبديد قدراته، وتحويله إلى شظايا..


ولذلك كان الموقف المصري – على لسان الرئيس مبارك – هو الإصرار على الحفاظ على وحدة أرض العراق، ووحدة شعبه، وعلى هذا انتهت قمة مبارك – حسين في العقبة منذ أيام.


وهذا الخطر الذي يهدد العراق، يهدد أيضاً دولاً عربية أخرى.. بحيث يمكن القول بأن العرب بعد أن كانوا يسيرون على طريق لتحقيق الوحدة بينهم، أصبحوا يسيرون على الطريق العكسي الذي يؤدي إلى التباعد، والتشرذم، وسيادة النزعات القطرية الضيقة.


منذ أيام وجه المغرب ما يشبه الإنذار إلى الجزائر وهدد بالانسحاب من الاتحاد المغاربي، وانسحبت قطر من اجتماعات مجلس التعاون الخليجي، وطلب العقيد القذافي الهجوم على الأردن لموقفه من العراق، وتوقفت كل منظمات الوحدة الإقليمية العربية،ولم يتبق إلا علاقات ثنائية بين بعض الدول العربية أو تعاون بين مجموعة صغيرة من الدول العربية تقوم العلاقة بينها على الثقة وإن ظهرت فيها الحساسيات من حين لآخر.


ولأن هذا الوضع العربي لا يمكن أن يستمر، ولأنه وصل إلى الدرجة التي أصبح الخطر فيها مجسماً وظاهراً ومحيطاً بالجميع، فقد أصبح التغيير هو البديل المطروح الآن. تغيير الفكر وأسلوب العمل، ووضع آليات جديدة.. لبناء عالم عربي جديد.. على أسس جديدة.


وهناك جهود عربية مخلصة في هذا الاتجاه يقودها الرئيس مبارك والشيخ زايد والملك فهد، ومن يتابع التحرك المصري خلال عام 95 كله فسيجد أنه كان موجهاً نحو هدفين: تحريك عملية السلام ومساندة الفلسطينيين، وتهيئة مناخ سياسي يسمح بالمصالحة العربية.. وكلا الهدفين صعب ولكنه ممكن.


لكن الجهود السياسية وحدها ليست كل شيء.. هناك دور للمثقفين في كل الدول العربية يجب أن يقوموا به، وهو أن يغيروا نغمة اليأس والتشاؤم التي تغلب على أفكارهم، ويقدموا أفكاراً بناءة وإيجابية تساعد على استعادة الثقة في إمكان وجدوى التعاون العربي، وتمهد الطريق للمصالحة التي نأمل أن تنجح الجهود المبذولة من أجلها ليشهد عام 96 مناخاً فكرياً وسياسياً جديداً يسمح بإعادة الحياة إلى التعاون العربي.


إن التحديات أمام العرب في العام الجديد أكبر مما كانت في الأعوام السابقة.. والأمل في أن ينتصر فيه العقل.. ويعود فيه الرشد.. وتجد فيه


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف