استراتيجية الإرهــــاب

أفادنا المؤتمر الدولي الكبير الذي عقد في القاهرة، وشاركت فيه كل دول العالم بحثاً عن منع الجرائم الدولية الجديدة التي أصبحت تهدد الجميع، ومن خلال المعلومات والآراء المتعددة التي تجمعت لأول مرة في وقت واحد ومكان واحد.. ومن خلال تجمع كل هذا الحشد الذي لم يسبق له مثيل من علماء وخبراء الجريمة ومكافحتها والمسئولين الحكوميين في مختلف المواقع.. استطعنا أن نصل إلى رؤية جديدة متكاملة للإرهاب كان بعض عناصرها معروفاً لنا، وكان بعضها الآخر مازال في مرحلة الشك والاختبار فأصبح في مرحلة اليقين، وكنا نحتاج إلى الدليل في بعضها فجاءنا الدليل من خبرات الآن .


وبعد هذا المؤتمر ومناقشاته نستطيع أن نقول أن استراتيجية الإرهاب لها أبعاد كثيرة، ومستويات، ومراحل للتنفيذ.. ولها أهداف بعيدة، وأهداف قريبة.. ولكن النقاط الأساسية التي أصبحت فوق كل شك هي:


أولاً: أن الإرهاب الذي شهدت مصر موجهة منه ليس منقطع الصلة بالإرهاب الذي يهدد أمن واستقرار دول كثيرة في الشرق والغرب.. وأن هناك علاقات، تبادل معلومات،ومصادر تمويل، وتسليح، وتدريب، وجسور اتصال دائمة بين الإرهاب في مختلف دول العالم، وهناك ما يمكن تسميته "القيادة الدولية للإرهاب" هي التي تضع الاستراتيجية، والخطط، وتحدد الأدوار، وتوزع المسئوليات، وتشرف على تنفيذ ما تخطط له من عمليات .


ثانياً: إن الإرهاب في كل يتخذ اللون الذي يناسبه.. في اليابان يأخذ شكلاً روحياً غامضاً ولكنه ينتهي إلى الدعوة إلى تدمير المجتمع الياباني القائم بما فيه من حضارة وإنجازات وتقدم علمي وتكنولوجي، وتهديد القيادات، وهز استقرار المجتمع كله. وفي الولايات المتحدة حيث الحريات مفلوتة بغير حدود في شأن العقائد والأفكار الغربية فإن الإرهاب يتخذ أكثر من لون.. عداء ضد السود.. عداء ضد الإسلام والمسلمين.. عداء ضد التقدم الحضاري والعلمي.. عداء ضد النظام الأمريكي كله.. وتهديداً لكل مؤسسات الدولة.


ثالثاً: أن الإرهاب لا يمكن فهمه إلا في ضوء فهم ما أصبح معروفاً الآن باسم "الجريمة عابرة القارات" حيث أصبح الإرهاب يخطط له في بلد، ويتم تدريب عناصره في بلد ثان، ويستمد مبرراته الفكرية والعقائدية من مفكرين من بلد ثالث، ويصل إليه السلاح من بلد رابع، وتتدفق عليه الأموال من بلد خامس، ويتم تجنيده للدفاع عن الإرهاب بكل براعة المنطق وأساليب التجميل الخادعة لإظهاره بمظهر الحركة الإصلاحية التي تسعى إلى إحياء القيم النبيلة، وإقامة حكم على أساس جديد من الطهارة والصلاح والتقوى هو أقرب إلى اليوتوبيا أو "المدينة الفاضلة" التي تحلم بها الإنسانية منذ عشرات القرون.


رابعاً: أن الإرهاب وإن كان يلبس ثوب العقيدة الدينية في بعض البلاد، فإنه لا يفعل ذلك إلا كوسيلة خداع استراتيجي، إذا وجد أن العقيدة الدينية هي المدخل الوحيد الذي يمكن أن يفتح أمامه الطريق، أو يعطيه الشرعية أو المشروعية أما الأهداف الحقيقية، فهي أهداف خفية، لا تنكشف إلا في الوقت المناسب، حين يتحقق الهدف، ويتم إصابة بلد ما بالتصدع ويصل إلى نقطة الانهيار السياسي.


خامساً: أن هدف الوصول إلى نقطة الانهيار السياسي في بلد ما يسعى الإرهاب إليه بطرق متعددة، أولها بإشاعة جو عام من القلق، والتوتر، واللايقين، وفقدان الثقة في الحكم والحكام، وثانيها بالاغتيالات ونشر الخوف من ناحيته.


وثالثها باستخدام وسائل حرب الشائعات والحرب النفسية وهي وسائل سيكولوجية معروفة ولها مناهج وكتب وخبراء.


سادساً: إن الإرهاب يعزف على كل الأوتار في وقت واحد.. فهو يحرك مشاعر القلق في الحياة السياسية ويحرك اتجاهات الرفض وتبادل الاتهامات بالكفر والخروج عن الملة في الحياة الدينية، ويشجع تيارات الرفض وعدم الانتماء في الحياة الثقافية والاجتماعية، لأن هذه التنويعات توصل في النهاية إلى هدف واحد.


سابعاً: إن الإرهاب باعتباره أكبر تنظيم دولي عابر للقارات، والصورة المعاصرة للجريمة المنظمة، أصبح مثل الإخطبوط له أياد كثيرة، ويعمل في أنشطة متعددة، ولا يعلم قادة كل نشاط حقيقة الخيوط غير المرئية التي تربطهم – دون أن يدروا – بالأنشطة الأخرى.. فالإرهاب الديني ليس إلا جناحاً من أجنحة الإرهاب، وكذلك فإن التجارة الدولية في المخدرات والسلاح تمثل جناحاً ثانياً، ثم عصابات المافيا..


ويبدو أن التنظيم الدولي للإرهاب هو حكومة الظل العالمية، أو هو "هيئة الأمم" التي تعمل في الخفاء وتقوم بدورها بالتخطيط والتنسيق وقيادة العمل الإرهابي الدولي بصورة أقوى وأكثر تنظيماً وفاعلية من الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة!


ولكن يبقى أن في كل دولة ظروف محلية خاصة بها، تجعل الشباب فيها قابلاً للاستهواء والوقوع في غواية الإرهاب والانسياق لمخططاته الشيطانية وهو مسلوب الإرادة وهذه هي المسألة الهامة التي يجب ألا نغفلها لكي نحدد بالضبط لماذا يقع بعض شبابنا في تيار الجريمة بشكل عام.. سواء كانت جرائم المخدرات أو الجرائم الجنائية الأخرى.. ولماذا يقع البعض الآخر في تيار جريمة الإرهاب دون أن يكون على وعي وهو في حالة أشبه بحالة التنويم المغناطيسي، ويظل واقعاً تحت تأثير هذه الحالة بحيث يصعب إنقاذه منها.


لابد أن هناك أسباباً لها خصوصية في المجتمع المصري الآن تساعد على إفراز هذه الظاهرة ولقد اجتهدنا طويلاً في محاولات تحديد هذه الأسباب، ووصلنا إلى نتائج لا بأس بها، ولكني أعتقد أننا أصبحنا الآن في حاجة إلى إعادة نظر في الموضوع كله بعد أن عايشنا الخبراء و علماء الجريمة وأطلعنا على أحوال الإرهاب في جميع دول العالم كما تكشف لنا في مؤتمر منع الجريمة بالقاهرة الذي يمثل علامة هامة على طريق العمل الدولي لإنقاذ العالم من الجرائم الكبرى والمنظمة، وأولها جرائم الإرهاب، مهما تكن الأقنعة التي يظهر بها لتضليل أصحاب النوايا الطيبة .


ولكيلا ينتهي مؤتمر الجريمة باحتفالنا بالنجاح في استضافته وتنظيمه يسحن أن نعد لسلسة مؤتمرات تبحث بالتفصيل وفي ضوء الظروف الخاصة بنا كيف نستفيد من أبحاث وتوصيات هذا المؤتمر، وكيف نتعامل مع استراتيجية الإرهاب باستراتيجية مضادة لا تعتمد على براعة ويقظة جهاز الأمن وحده، ولكنها تعتمد على براعة أجهزة الدولة كلها، ويقظة المجتمع كله بكل مؤسساته وأفراده .


.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف