واجب الدول الإسلامية الآن

يتزايد اهتمام الغرب بالإسلام بدرجة ملحوظة في هذه الأيام.. يبدو الاهتمام في صورة الهجوم عليه واعتباره العدو الجديد للغرب بعد اختفاء الشيوعية التي كانت تمثل ايديولوجية متكاملة تريد التوسع والانتشار والسيطرة على العالم.. والآن يظهر الإسلام كقوة، وايديولوجية تريد الانتشار والسيطرة على العالم بنفس المنطق والأساليب التي كانت تتبعها الشيوعية .


هكذا يقول أنصار هذا الاتجاه في الغرب، وهم ليسوا قلة، وهم يحشدون بالحق وبالباطل أدلة وأسانيد تؤيد وجهة نظرهم، وأقواها ظهور جماعات الإرهاب والعنف التي تخرب في بلاد المسلمين وفي بلاد الغرب على السواء رافعة رايات الإسلام، ومدعية أنها تمثل الإسلام بوجهه الحقيقي.. ولو كان هذا هو الوجه الحقيقي للإسلام فمن حق العالم أن يشعر بالقلق الشديد منه..


ويبدو أن أصحاب هذا الاتجاه يزداد عددهم، حتى أن سكرتير عام منظمة حلف الأطلنطي، لم يراع اعتبارات منصبه، فاندفع في التحذير من انتشار الإسلام لأنه يعني انتشار الهمجية والقتل والفوضى بما فيها من خطر شديد على حضارة الغرب. ولم يكن وحده.. فهناك تصريحات كثيرة .. ونظريات كثيرة.. لعل أشهرها نظرية "نهاية التاريخ" التي وضعها الباحث الأمريكي الياباني الأصل ميشيل فوكوياما واشتهرت بسبب ما توصل إليه في نهاية بحثه من أن الصراع القادم سيكون بين الحضارة الغربية وبين الإسلام.. ومنها أيضاً ما كتبه الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون عن الإسلام من أنه خطر زاحف يجب أن يحتاط الغرب لنفسه منه.. وغير ذلك كثير ليس مجال عرضه الآن..


ولكن القضية الآن هي أن العالم الإسلامي يجب أن يتنبه جيداً، ويدرك أن هناك نظرية جديدة يتم بناؤها والإقناع بها يوماً بعد يوم بصبر شديد، وفي كل يوم يتصيد أصحاب هذه النظريات أحداث العنف التي تجري في أي مكان من العالم باسم الإسلام ليؤكدوا صدق نظريتهم.. كما أنهم يجمعون بصبر ودأب لا يخطر على بالنا كل ما يكتب وما يقال عن الغرب، أو عن غير المسلمين، على ألسنة متسرعة، أو بأقلام غير متخصصة وغير مسئولة ليقدموا أدلة على أن الفكر الذي يحرك التيار الإسلامي الراديكالي الجديد ليس إلا نوعاً جديداً من أنواع الفكر الفوضوي، يحمل دعوة إلى التخريب، والقتل، والعدوان، وعدم احترام الآخر، ورفض مبدأ حرية الفكر، بل ورفض قيمة العقل الذي يمثل حجر الزاوية في الحضارة الغربية .


وليس الغرب كله اتجاهاً واحداً، ومن الخطر أن نقع في التعميم فنتصور أن صورة الإسلام قد أصبحت مشوهة في كل أنحاء العالم الغربي، أو أن هذا التشويه يمثل خطة، أو مشروعاً معادياً، أو فلسفة تتبلور لتبرير العدوان على الإسلام والمسلمين.. قد يكون في الأمر شيء من ذلك لدى بعض المتعاملين مع القضية.. ولكنه ليس كذلك مع الجميع..


وحين التقيت مع مجموعات كبيرة من المسلمين وغير المسلمين الذين يمثلون مختلف الاتجاهات والمستويات في الولايات المتحدة أثناء مصاحبتي لفضيلة المفتي في جولته في بعض الولايات الأمريكية اكتشفت بما لا يدع مجالاً للشك أن المسلمين مقصرون في عرض دينهم بالصورة التي تناسب العقلية الغربية.. وفي نهاية القرن العشرين.. في عصر أصبح فيه من المستحيل قبول أن تشكيك أو استهانة في قيمة العلم.. والعقل.. والحريات .. واكتشفت أن أكثر الباحثين.. وأغلبية الناس العاديين يشاهدون على شاشات التليفزيون أحداث القتل والعدوان التي تتم من جماعات تدعي أنها تمثل الإسلام ولا يجدون من يشرح لهم إن كان ذلك هو الإسلام حقاً أم أن هذه الجماعات تمثل تياراً آخر.. وما هو هذا التيار.. وما هي أصوله.. ولماذا اختار الظهور في ثياب الإسلام.. ولماذا أصبح الحكم على المسلم بأنه "كافر" سهلاً بحيث يستطيع مجموعة من الشباب أن يصنفوا المسلمين.. فيحكموا على هذا بالكفر. وعلى هذا بالإيمان.. وهذا شيء لا يستطيع الغربيون أن يفهموه..


اكتشفت أيضاً أن معظم الجهود التي تبذلها المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة هي جهود محدودة، وروتينية، ولا يتعدى نطاق تأثيرها مساحات صغيرة من الأرض، وعدداً قليلاً من الناس، والمسألة تحتاج إلى جهد أكبر لابد أن تقوم به الدول الإسلامية جميعها، وأن تضع سياسة لإيفاد المفكرية الإسلاميين القادرين على عرض حقائق الدين الإسلامي بصورة تقنع أهل الحضارة الغربية الذين يتعاملون يومياً مع أحدث منجزات العلوم والتكنولوجيا.. ويرون بأعينهم أنهم وصلوا إلى القمر.. وحققوا طفرات علمية جعلتهم لا يقتنعون إلا بما يعتمد على فكر واضح، وعلى مقدمات منطقية سليمة تقود إلى نتائج سليمة.. ولا يصدقون إلا ما يقوم عليه دليل من الواقع.. ولا يستطيعون أن يفصلوا بين الإسلام كفكر.. ونظرية.. وبين المسلمين كما يرونهم من خلال سلوكهم وفكرهم واستجاباتهم للواقع ولمعطيات الحضارة ..


واكتشفت أيضاً أن الإسلام له في الغرب أصدقاء كثيرون.. لديهم الاستعداد والقدرة على تقديم يد العون لمن يريد أن يعمل على توضيح حقائقه.. ولكنهم ينتظرون أن تكون الخطوة الأولى من أصحاب القضية أنفسهم.. لأن تقصير أصحاب الشأن لا يعطي فرصة لمن يريد مساعدتهم.. ولأن منطق الغربيين هو أنهم لا يستطيعون مساعدة من لا يساعد نفسه.


واكتشفت كذلك أن هناك جماعات قائمة في الولايات المتحدة وفي دول غربية كثيرة يشارك فيها علماء الأديان ومجموعات من صفوة المثقفين وأساتذة اللاهوت، ورجال الدين، وهدف هذه الجماعات عقد لقاءات مع نظرائهم من المسلمين في حوارات هدفها أولاً التعرف على حقيقة الإسلام الذي يقدمه البعض على أنه دين العنف والعدوان، ويقول البعض أنه ليس كذلك، دون أن تتاح فرصة المناقشة، والفحص، والدخول في تفصيلات وأعماق العقيدة والشريعة الإسلامية واستعراض مجمل التاريخ الإسلامي وتحليل الواقع الإسلامي الآن لكي يخرجوا من محصلة ذلك بصورة متكاملة وواضحة، ودقيقة لحقيقة الإسلام..


هؤلاء يريدون أن يعرفوا.. ويتعرفوا.. ولكنهم لا يجدون الاستجابة الكافية من جانب المنظمات والمؤسسات الإسلامية.. وإذا كانت جولة فضيلة المفتي قد حققت أثراً كبيراً.. فلا يزال هناك مجال واسع جداً للعمل يحتاج إلى جهد جماعي.. ومنظم.


من هنا أقول أن الدول الإسلامية جميعها يجب أن تتحرك.. لتشكل هيئة جديدة للدفاع عن الإسلام.. أو لتوكل هذه المهمة إلى جهة بعينها وتشارك كلها في دعم هذه الجهة.. وأعتقد أن الأزهر الشريف مؤهل للقيام بهذه المهمة.. كما يمكن أن تشكل "مجموعة عمل" يقودها فضيلة المفتي وهو أقدر من يقوم بهذه المهمة..


وهذا موضوع كبير يستحق أن ننشغل به.. بدلاً من أن نهمله ثم نبكي على ما صار إليه الحال بإهمالنا .


.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف