أسئلة ضرورية عن السلام والمستقبل

من حق الرأي العام في مصر أن يتساءل بالدهشة والاستنكار معاً: ما هو الهدف الحقيقي وراء المواقف والتصريحات الإسرائيلية المتتالية التي تتسم بنغمة العداء، أو التهديد، أو البحث عن مبرر لإثارة المشاكل؟.


هل: السبب اقتراب الانتخابات في إسرائيل، ومحاولة السيد إسحق رابين رئيس الوزراء مخاطبة الناخبين من الجناح الإسرائيلي المتشدد والمتطرف والمعادي للعرب وللسلام.. هل يمكن اعتبار تصريحاته مواقف انتخابية ومزايدات على الصقور وجنرالات الحرب.. ليس لها مدلول حقيقي سوى أنه للاستهلاك المحلي.. خاصة وقد استقر في نفوس المصريين أن السيد إسحق رابين وحكومته راغبان حقيقة رغبة أكيدة في إنجاز السلام كهدف استراتيجي لا تراجع عنه، ولإدراك السيد رابين أن مصر – والعرب – قد أصبح خيارهم هو السلام..؟


أم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد أن يستخدم سلاح الإرهاب السياسي والسيكولوجي لكي يفرض على مصر – وبقية الدول العربية – سياسة الانعزال وعدم التفكير في تحقيق صورة جادة للتعاون أو التكامل أو حتى التقارب العربي..؟


أم أنه يسعى إلى هدف آخر أكثر عمقاً ومكراً، هو أن يدق أسفينا بين الأطراف العربية ويحاول الوقيعة بين الجميع.. بين الدولة في مصر ووزارة خارجيتها.. وبين الحكومة المصرية وشعبها، وبين مصر وسائر الدول العربية، وبين الشعب الفلسطيني وقيادته، لكي لا يتبقى من الجميع إلا شظايا وبقايا..؟


وإلا فكيف يمكن أن نفهم ما صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي من مواقف سياسية وتصريحات في عدة مناسبات خلال فترة قصيرة. فهو يعلن أن على إسرائيل أن تستعد لحرب مع العرب على المديين المتوسط والبعيد، ثم يعقب ذلك تسريب وثيقة من الخارجية الإسرائيلية تتضمن مقترحات أو خطة لعقاب مصر في حالة عدم استجابتها لمطالب  إسرائيل بتطبيع العلاقات بالكامل وفوراً، وبعدها محاولة افتعال أزمة لا أساس لها بعد قمة الإسكندرية بين الزعماء مبارك وفهد والأسد بادعاء أنها كانت موجهة ضد إسرائيل، ثم تصوير القمة الرباعية التي عقدت في القاهرة بين مبارك وعرفات وحسين ورابين بأنها كانت لإزالة آثار قمة الإسكندرية ولبحث خطوات تطبيع العلاقات والإسراع بخطط ومشروعات التعاون الاقتصادي، بينما لم تبحث هذه القمة سوى موضوع واحد هو تحريك عملية السلام وتنفيذ الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني بما فيه من إجراء الانتخابات في مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، وإعادة انتشار القوات الإسرائيلية والفلسطينية، وإيقاف إجراءات القمع الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.. وأخيراً جاءت قمة الإثارة في تصريحات السيد رابين أمام الكنيست بأن الخارجية المصرية تتخذ مواقف عدائية من إسرائيل، وكأن الخارجية المصرية دولة داخل الدولة، أو كأن لها سياسة مستقلة عن سياسة مصر.


ما معنى تتابع هذه السلسلة من التصريحات والمواقف الإسرائيلية ..؟


هل يمكن أن تتصور إسرائيل أن الضغط يمكن أن يفيد في دفع مصر إلى التخلي عن اعتبارات الأمن القومي المصري والعربي..؟ هذا أمر مستحيل، وكما تملأ إسرائيل الدنيا بالحديث عن ضرورات أمنها القومي، فإن من حق مصر والعرب أن يحرصوا على اعتبارات الأمن.. وهذا أمر له من الجدية والخطورة ما يفوق قدرة أي قائد أو حكومة على التساهل فيه..


وهل يمكن أن يتصور السيد رابين أن الزوابع التي يثيرها يمكن أن تغطي على الموضوع الرئيسي، وهو أن إسرائيل تملك سلاحاً نووياً، وأنها ترفض التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي، وترفض التفتيش على منشآتها النووية، وترفض المبادرة المصرية بأن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل..؟


أم تظن إسرائيل أن مثل هذه الحملات يمكن أن تضع مصر في موقف الدفاع فتسكت عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية، وسياسة القمع التي تتبعها ضد الشعب الفلسطيني بما في ذلك حرمانه من الطعام والعمل والتنقل والتعليم..؟


أم تريد أن تنفض مصر يديها من عملية البحث عن "العدل" في السلام القادم، وتدع مهندسي السلام الإسرائيلي وحدهم لينفردوا بوضع تصميمات هذا السلام على هواهم دون خلاف أو اعتراض.. أو تستخدم "الابتزاز" ظناً بأنه قد يؤدي إلى أن تفتح مصر – والعرب – كل الأبواب لإسرائيل وتعطي كل ما تطلبه دون أن يطلبوا شيئاً، ودون أن تعطي هي شيئاً بالمقابل.. وهل يتصور العقل السياسي الإسرائيلي أن القفز على الواقع الحالي بغير أساس ودون تمهيد.. أو أن الوصول إلى النتائج بغير مقدمات يمكن أن يؤدي إلى إقامة سلام.. وأي سلام سيكون هذا على فرض تحقيقه.. وهل سترضي الشعوب العربية الآن أو غداً أو حتى بعد ألف عام.. وهل السلام يمكن أن يدوم بين غالب ومغلوب.. أم أن السلام العادل هو وحده الجدير باسم السلام..؟


وأخيراً فهل كل خلاف في وجهات النظر المصرية مع وجهات نظر إسرائيل ليس له تفسير إلا العداء.. أم أنه الجدل والحوار الطبيعي بحثاً عن نقطة التلاقي التي ترتضيها كل الأطراف، وتحقق مصالحها، وتعبر عن ضرورات وجودها..؟


هذه الأسئلة أصبح طرحها الآن ضرورياً.. وأصبح من الضروري أن توضح إسرائيل إجابتها عليها بالتحديد، لكي يكون التعامل على أساس الوضوح وبغير مراوغة، لأن الخاسر في صفقة السلام هو الطرف الذي سيخرج منها محققاً كل أهدافه ومصالحه، على حساب أهداف ومصالح الطرف الآخر.. لأنه لم يكن قد وصل إلى الحل، ولكنه يكون قد صنع مشكلة..


إجابات إسرائيل ضرورية. أما الإجابات المصرية فهي في غاية الوضوح .


.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف