الإعــــــلام والإرهـــــــاب

ما هو الهدف الحقيقي للإرهاب..؟ هل يطمع هؤلاء الصبية بما هم فيه من جهل، وضيق أفق، وقلة خبرة، في أن يحكموا مصر..؟


هل يتصورون أن الشعب المصري بما فيه من مخزون الحكمة والخبرة والتجربة السياسية والحضارية يقبل هذه الشرذمة لتتولى القيادة، وتتصدر الصفوف، وتوجه دفة البلاد في عالم مضطرب مليء بالمخاطر والاحتمالات، وفي بلد قائد بحكم تاريخه وموقعه وفاعلية دوره..؟


المؤكد أن الإرهاب لا يهدف إلى حكم مصر.. لأن الإرهابيين مهما بلغ بهم الجموح والجنون فلن يصل خيالهم إلى ذلك الهدف.


والمؤكد أن الهدف الحقيقي للإرهاب هو تعطيل مسيرة التقدم.. إثارة جو عام من القلق والتوتر.. خلق مناخ من عدم الثقة.. وإحساس بأن هذا بلد غير مستقر.. وأن من يستثمر أمواله فيه يعرضها للمخاطر، ومن يزوره أو يعيش فيه لن يجد فيه الحد الأدنى من الأمن.. وعمليات القتل والتدمير هدفها الوصول إلى "الإعلام" لتحويل الفزع إلى حالة عامة.


الهدف الحقيقي للإرهاب هو أن تصبح مصر على الحال الذي يتمناه لها أعداؤها.


وليس الهدف إقامة الشريعة.. أو الوصول إلى الحكم كما يفهم خطأ بعض المراقبين الذين لا يعرفون طبيعة وتكون جماعات الإرهاب.. ولا طبيعة وتكوين الشعب المصري، والشريعة ليست الأغطاء..أو قناعاً.. أو شعاراً مما اعتدنا أن نصفه بأنه كلمة حق يراد بها باطل.


ولو أردنا أن نحدد التصنيف الصحيح للإرهاب فلن نجد إلا أنها عصابات ترتكب جرائم موجهة ضد الوطن كله وليست ضد فرد أو سلطة أو جماعة.. وأن ذلك كله يحدث تنفيذاً لمخططات أجنبية.. وهذا ما يفسر أن هذه الجماعات يتم تدريب قياداتها في دول معينة.. وتتلقى الأوامر والتعليمات والخطط كما يصل إليها التمويل والسلاح من الخارج.. فهي في النهاية صورة من صور الحرب المعلنة على الشعب المصري من دول لا تريد، أو لا تستطيع أن تعلن عن نفسها لتعلن علينا الحرب صراحة. ومثل هذه الحرب ليست جديدة علينا.. فقد تعرضت مصر على امتداد تاريخها لغزوات متعددة بعضها معلن وصريح وبعضها خفي ومن وراء أقنعة مختلفة.. كما تعرضت مصر، ومازالت تتعرض لأنواع متعددة من الحروب.. حروب عسكرية.. وحروب اقتصادية.. وحروب نفسية.. والصورة الأخيرة لهذه الحروب، وهي الإرهاب، تجمع بين أهداف ووسائل هذه الحروب جميعاً.


إلى هنا والمسألة واضحة ولا تحتاج إلى شرح أو أدلة جديدة. الأمر الذي يحتاج إلى وقفة حاسمة هو موقف بعض الأطراف في الداخل التي تؤيد الإرهاب علناً من خلال صحف منشورة.. وأحزاب رسمية.. ومن فوق منابر حكومية أيضاً.. وعند هذا الحد لا يجوز السكوت..


بعض الأحزاب وصحفها تحولت إلى منابر تحرض وتشجع الإرهاب وتسعى بكل الوسائل لتصوير الإرهابيين وعصاباتهم الإجرامية على أنهم فتية آمنوا بربهم وأرادوا إصلاح وطنهم.. ولابد أن يقال صراحة أن هذا الموقف المؤيد للإرهاب ولأفكاره – صراحة أو ضمناً – هو موقف يتعارض مع الوطنية، ولا يتفق مع الإخلاص الواجب لمصالح مصر العليا، ولا يحقق إلا أهداف ومصالح أعدائها.


وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الأحزاب وصحفها تساعد الإرهاب وتهيئ له المناخ الملائم بالسعي إلى إيجاد رأي عام ساخط على كل ما هو قائم، وبتحريض واضح على إثارة مشاعر العداء للسلطة القائمة ولكل رموزها وقياداتها دون تفرقة، وبتوجيه الاتهامات إلى الجميع دون سند أو دليل، ومن يحلل مضمون الخطاب الذي تتوجه به هذه الأحزاب وصحفها إلى الجماهير فسوف يجد فيه تحريضاً واضحاً على الرفض والعنف.


الأكثر خطورة أن هذه الأحزاب وصحفها ترفض كل فعل وكل قرار تتخذه مصر، وتؤيد في نفس الوقت كل فعل وكل قرار يتخذه الآخرون.. فتحولت  إلى أبواق تردد مزاعم قوى أجنبية معينة تنطلق منها الدعايات العدائية وتنطلق منها أيضاً جماعات الإرهاب.. وتأتي منها بطرق ملتوية الأفكار المدمرة والأسلحة المدمرة.


ولو راجعنا ما تنشره هذه الصحف منذ فترة طويلة وبدأب شديد، فسنجد بعد كل حادث إرهابي أنها لا تنشر عنه بالحجم الحقيقي له، ولكنها تعطيه حجماً أكبر بكثير من حجمه الحقيقي، بما يتجاوز مهمة الإعلام إلى مهام أخرى.. إثارة الفزع في نفوس الناس داخل مصر وخارجها.. تصوير الإرهاب وكأنه أصبح قادراً على ارتكاب ما يريد من جرائم دون قوة تردعه.. تحريك مشاعر الخوف والقلق.. وأخيراً ترك انطباع لدى القارئ بأن الإرهاب ينتصر..!


وفي ذلك تحقيق للهدف الأول للإرهاب.. وهو الهدف الدعائي والنفسي.. للتأثير في الروح المعنوية للشعب المصري..


تفعل ذلك أقلام مصرية، وتكتب ذلك في مصر، وتنشره في صحف مصرية، وتظن أن هذا المكر الخبيث لن يكشفه المصريون.


في هذه الصحف نقرأ اتهاماً للحكومة لأنها تقبض على الإرهابيين، ونقرأ عنواناً يقول: "هجوم على قطار سياحي" مع أنه لم يكن هجوماً ولكنه كان إطلاق رصاصات لاذ أصحابها بالفرار.. ومع أنه ليس هناك قطار سياحي فكل القطارات يركبها السياح والمصريون، وطلقات الإرهاب العشوائية لا تستطيع أن تختار السياح وحدهم، ولكنهم يريدون أن يثيروا الفزع لدى السياح، كما يريدون لفت أنظار المراسلين الأجانب لينقلوا هذه الصيغة الخبيثة لكي يتحقق الهدف وهو تخويف السياح، وضرب السياحة، أي ضرب الاقتصاد المصري وحرمان الشعب المصري من مصدر أساسي من مصادر الدخل القومي.


نقرأ أيضاً عنواناً يقول: فندق الموت في نويبع عنواناً لموضوع عن تصدع مبنى بسبب الزلزال الأخير لم يكن فندقاً – كما أعلن وزير السياحة – ولكنه كان استراحة متواضعة ولم تحدث خسائر إلا وفاة شخص واحد، ولكن المقصود هو تخويف السياح من القدوم وخلق انطباع بأن الإقامة في الفنادق في مصر خطر على من يغامر ويقيم فيها..


والأمثلة كثيرة لما تقوم به بعض الصحف من دور مشبوه لتحقيق الهدف الإعلامي والسيكولوجي الذي يريد الإرهاب أن يحققه. ولا ندري إن كانت هذه الصحف تقوم بهذا الدور عن قصد وتدبير أو دون قصد.. فكلاهما أمر مؤلم.. وخطير.. ولا يمكن السكوت عليه..


 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف