سلبيـــــات وإيجابيــــات

مع مجلس الشعب الجديد تنتعش الآمال في سريان دماء جديدة، وأفكار جديدة في الحياة السياسية في مصر.. وليس المقصود أن يكون هذا المجلس صفحة جديدة تتجاهل أو تتناسى ما تم إنجازه، ولكن المقصود أن يواصل المجلس مسيرة البناء السياسي والاقتصادي بروح جديدة أ كثر قدرة على المواجهة والاقتحام والحسم للمشاكل القائمة.


وبهذه الروح الجديدة أيضاً لابد أن نواجه السلبيات التي ظهرت في الانتخابات. والانتخابات بطبيعتها مناسبة تظهر فيها المشاكل والسلبيات الكامنة في المجتمع والخافية عن العيون.


ومثال ذلك ما ظهر من عنف في سلوك كل المرشحين وأنصارهم تقريباً، لا فرق في ذلك بين حزب وآخر، ولا بين من يشغل موقعاً قيادياً ومن يقف عند القاعدة. فقد ظهر العنف في المعركة الانتخابية بكل صوره. العنف في الفكر واللفظ، حيث ساد استخدام لغة عدوانية، فيها مبالغات، وتجاوزات، وتحريض، واتهامات طائشة بغير أساس ولا دليل، وإثارة المشاعر العدائية دون مراعاة لطبيعة المعركة الانتخابية، وهي معركة ليست عدائية، ولكنها منافسة في الوصول إلى موقع يسعى فيه المرشحون إلى خدمة الوطن أو خدمة أنفسهم حسب الأحوال.


وأعتقد أن من واجب الباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع وعلم السياسة أن يتفرغوا لدراسة دلالات العنف التي ظهرت على نطاق واسع. والتي وصلت إلى استخدام أسلحة نارية، وتصنيع أنواع جديدة مبتكرة من الأسلحة البيضاء، واستخدام جامعات من المرتزقة لإثارة المعارك.


وقد يقال أن العنف شيء طبيعي في جو المنافسة المحتدمة، وفي ظل الحرية التي شعر بها الجميع، فقد وجدوا فرصتهم هم للتدخل حيث لم تتدخل الحكومة، وقد يقال أيضاً أن هذا العنف يمثل ظاهرة شائعة في كل البلاد الديمقراطية تقريباً، ولا يظهر في مصر إلا حين تتسع مساحة الحرية وتقل مساحة التدخل الحكومي، بدليل أن الانتخابات التي كانت تجري في الستينيات كانت تمر هادئة، لأن نتائجها كانت محسومة من قبل أن تبدأ، ولكن مع وجود الأحزاب، وشعورها بالنقص لضعف هياكلها وقلة كوادرها المؤهلة لقيادة عمل سياسي حقيقي، ظهر العنف بديلاً عن الكفاءة والثقة. وكل هذا صحيح إلى حد كبير، ومع ذلك فإن حجم العنف الذي ظهر أكبر مما يتناسب مع هذه المبررات، ولابد أن ندرك أن سلوك العنف في المجتمع يحتاج إلى مواجهة قبل أن ينتشر أكثر من ذلك.


والانتخابات هي الاختبار الأكبر للمرشحين وللأحزاب، وقد كشفت المعركة الأخيرة أن المال، والعصبية العائلية أو القبلية، مازالت لهما قوة تأثير كبيرة، كما أثبتت ما هو أهم، و هو أن الأحزاب مازالت محتاجة إلى وقت ومجهود لكي تتبلور وتصبح لها الفاعلية والتأثير في الحياة السياسية. والأهم من ذلك أن هناك أحزاباً ظهر أنها استنفدت أغراضها، وأصبحت محتاجة إلى إعادة نظر، هل تبقى أم تلغى. ولابد أن نسأل أنفسنا: إذا كان المواطنين قد حكموا على حزب بالإعدام، فكيف نؤخر تنفيذ هذا الحكم، وسؤال آخر: ما هي الفائدة التي يمكن أن تعود على الحياة السياسية من وجود أحزاب لم تحصل على مقعد واحد في أي دائرة في كل أنحاء الجمهورية، بل ولم يحصل مرشحوها جميعاً على أصوات كانت تكفي لفوز مرشح واحد في دائرة واحدة؟ وماذا عن الشخصيات التي سحبت منها الجماهير الثقة وقيل أن هذه مفاجأة؟


وإذا كان هناك من يستخلص من نتائج هذه المعركة الانتخابية أن نظام الانتخاب بالقائمة كان أفضل، فهذا الرأي يمكن مناقشته، ويمكن أن نعود إلى بحث أي النظامين أصلح لظروف المجتمع المصري: الفردي أم القائمة، ولكن لابد أن نذكر أن مصر لم تعرف في تاريخها نظاماً إلا النظام الفردي، وعرفت معه سلبيات مما رأيناها ولكنها لم تكن بهذا الحجم، مما يدل على أن المسألة ليست نظام الانتخابات، ولكنها التغير الذي حدث في تركيبة المجتمع،و في نوعية المرشحين، وفي عقلية إدارة المعارك الانتخابية، وهذا هو ما يحتاج إلى وضع قواعد وضوابط تجعل المعارك السياسية لا تصل إلى حد الاشتباك وإثارة معارك حقيقية.


ومن الظواهر الجديدة في هذه الانتخابات أن وزير الداخلية لأول مرة يعلن بصراحة، وبشجاعة،ودون مواربة، أن هناك حالات تجاوز ومحاولات تدخل من بعض رجال الشرطة تم ضبطهم واتخاذ الإجراءات ضدهم وإحالتهم إلى المحاكمة العسكرية، وهذا شيء جديد يحدث لأول مرة، ولابد أن يذكر بالتقدير للسيد حسن الألفي وزير الداخلية، وقد أدى هذا الموقف من جانبه إلى إشاعة الطمأنينة في نفوس الجميع إلى أن القانون هو الحاكم، وأن سيف العدالة لن يتهرب منه أحد محتمياً بموقعه أو بمنصبه أو بالهيئة التي ينتمي إليها، وهذا الشعور في غاية الأهمية لتحقيق الاستقرار في المجتمع، وإعادة الشعور بالثقة لدى المواطنين، وإشعارهم بأن العدالة مبدأ قائم وليست شعاراً تردده الألسنة.


وقد يرى البعض أن عدد الناجحين من مرشحي أحزاب المعارضة أقل من الحد الذي يحقق ممارسة برلمانية صحيحة، فيها الرأي، والرأي الآخر، وفيها تعدد الاجتهادات والاتجاهات، وهذا في مجمله صحيح، ولكن لابد أن نراعي أن من بين المستقلين الذين فازوا من هم قريبون بفكرهم وانتمائهم السياسي إلى أحزاب المعارضة، وكما أن من بين المستقلين من يمثل "الرصيد الاحتياطي" للحزب الوطني، فإن منهم أيضاً من يمثل الرصيد الاحتياطي للمعارضة، ويضاف إليهم عدد من نواب الحزب الوطني ذاته الذين عرفوا بمواقفهم المستقلة نسبياً، وعدم التزامهم التزاماً أعمى بكل ما يتخذه الحزب، وكانت لهم مواقف في مجلس الشعب السابق تدل على أنهم في وقت اللزوم يتحولون إلى معارضة هادئة.


لقد نجح المصريون في اختيار مجلس شعب يتناسب مع درجة الوعي السياسي ونضج الممارسة الديمقراطية، وسوف تثبت الأيام أنه سيكون قادراً على بدء صفحة جديدة تزيد حيوية وفعالية المجلس، وتجتذب قطاعاً من الأغلبية الصامتة للمشاركة السياسية.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف