حقــــوق الإرهـــــــاب

مع تزايد نشاط الجماعات الإرهابية، وانتقال عملياتها التخريبية من الداخل إلى الخارج، يلفت النظر ظهور جماعات غير معروفة الهوية، أو من بعض فلول جماعات انتهى دورها في المجتمع المصري، هذه الجماعات تعمل هي الأخرى بنشاط يثير الدهشة، وأحياناً يثير الريبة.


هذه الجماعات تدافع عن حقوق الإرهابيين وتخلط مفاهيم الدفاع عن حقوق الإنسان.. وفي ساحة الفوضى الفكرية القائمة أصبحنا في حاجة إلى أن نعيد ترتيب الأوراق لكي تستقر مفاهيم حقوق الإنسان في مجتمعنا على أساس سليم.


وقضية حقوق الإنسان أصبحت مصدر رزق من يتاجر بها، فسرعان ما يجد التمويل والمساندة من هيئات يبدو أن هدفها الرئيسي هو تشويه صورة مجتمعات معينة بإظهارها في شكل الجماعات التي تصادر الفكر وتقمع الحريات وتعادي التقدم وتفرض بالبطش سيطرة على المواطنين.. وبعد ذلك تنشط هذه الجماعات في الهجوم والتشهير، متخذة من أقوال عدد معين من الكتاب المصريين شاهداً على صدق ادعائهم بأن ثمة تنكراً أو إنكاراً لحقوق الإنسان في مصر.


وليس سهلاً الدخول في حوار مع هؤلاء، لأنهم يتاجرون في بضاعة تدر عليهم ثروات لا تقل عما تدره تجارة المخدرات، ثم هم نجوم في تجمعات وندوات دولية تعقد خصيصاً للتشهير بمصر وبعض آخر من الدول بذاتها، وهم دائماً يكلفون بإعداد أبحاث ليست سوى تكرار للاتهامات الجاهزة بأن حقوق الإنسان مهدرة في مصر، ويحصلون على مكافآت مقابل هذه الأوراق تفوق الخيال.


وبعيداً عن موضوع التجارة والمتاجرين بقضية حقوق الإنسان وأهدافهم الحقيقية، سواء كانوا في الداخل أو الخارج، فقد أصبحنا في حاجة إلى توضيح مفهوم حرية الإنسان والاتفاق عليه.


هل الإرهاب تعبير عن رأي؟.. وهل هذا الأسلوب في التعبير عن الرأي بالقتل والتدمير والاغتيالات مما ينطبق عليه شروط الحماية المقررة في مبادئ حقوق الإنسان ..؟


إن النظام القانوني المصري يعطي للمجرم حقوقاً كاملة سواء في مراحل القبض والتحقيق أو في المحاكمة والسجن، وهي حقوق مقررة بالدستور والقانون،ولكن هل يمكن أن تمتد الحماية السياسية أو القانونية إلى حد الدفاع عن حق المجرم في ارتكاب جرائمه، بادعاء أنه لا يهدف إلا للتعبير عن موقفه، أو أنه ليس إلا ضحية لمن غرر به؟..


ونحن نرى كيف أن الدولة النموذج في الديمقراطية والليبرالية والمدافعة عن حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، وهي الولايات المتحدة، قد استعانت بقوات عسكرية في المناطق التي ظهر فيها الإرهاب خاصة في حادث تفجير المبنى الإداري في أوكلاهوما، وكيف قامت السلطات باعتقال عدد كبير من المشتبه فيهم كإجراء وقائي، كما شاهدنا على شاشات التليفزيون ما سجلته عدسات المحطات الأمريكية وأذاعته من مشاهد معاملة البوليس الأمريكي للمتهمين.. ورأينا كيف صدر قانون بسرعة البرق يعطي السلطات الأمريكية الحق في الاعتقال والاستعانة بالجيش واتخاذ إجراءات استثنائية عديدة لمواجهة الإرهاب. كما رأينا كيف أصدرت ألمانيا قانوناً غاية في الشدة لمواجهة الإرهاب يعطي للسلطات حرية مطلقة استثناء من الإجراءات القانونية العادية لمواجهة الإرهاب.


فالنظرة السياسية والتشريعية للإرهاب في العالم المتقدم تفرق الآن بشدة وبوضوح بين جرائم الإرهاب والجرائم الأخرى العادية، وترى أن جرائم الإرهاب لها طبيعة خاصة، لأنها تهدد أمن وكيان المجتمع كله، وتحيط جميع المواطنين بالخطر الغامض الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة وفي أي مكان وعلى يد أشخاص مجهولين، وبالتالي فإن السلطات تحتاج إلى حرية حركة تسمح لها باتخاذ إجراءات وقائية من ناحية، وإجراءات تضييق الخناق على المجرمين وتمكن من القبض عليهم قبل ارتكابهم لجرائمهم.


لكن الغريب أن نرى من يتحدث عن حق الإرهاب في أن يمارس حرية الدعوة تحت شعار حرية الرأي، وتحت شعار أن أخطاء الحرية لا تعالج إلا بمزيد من الحرية، وتحت الادعاء بأن كل القوى في المجتمع من حقها أن تعلن عن أفكارها وتمارس نشاطها بما في ذلك القوى التي تدعو إلى تخريب المجتمع وتهدف إلى تغيير النظام عن طريق نشر الفوضى والاغتيالات والقتل العشوائي. والمدافعون عن حق الإرهاب في العمل العلني لديهم من الأساليب المراوغة، والأفكار التي تبدو بريئة في ظاهرها، وتخفي السم في العسل، ما يجعلهم يظهرون في ثوب الحريصين على أمن المجتمع، وأن ذلك يقتضي إعطاء مزيد من الحرية لكل الاتجاهات بما في ذلك الاتجاهات الداعية إلى إعلان الحرب على المجتمع وتقويض دعائمه.


ولو أن المسألة هي حرية رأي، فإن مجال حرية الرأي مفتوح على مصراعيه في القنوات الشرعية، ولو أن القضية هي الديمقراطية، فلن نكون بدعة،ولنأخذ من أكثر الدول الديمقراطية انفتاحاً أساليبها في حماية الأمن والاستقرار، وقصر الحرية على الفكر المشروع العلني الصريح، ووضع إطار لممارسة الحرية بحيث لا يتجاوزها إلى الفوضى أو الدعوة إلى التخريب أو العدوان على المواطنين وثرواتهم وممتلكاتهم وأرواحهم، أو إثارة الفزع بين الآمنين. ولن يختلف أحد في أن حقوق الملايين من المواطنين الآمنين أولى بالرعاية من حفنة من الخارجين على الإجماع والشرعية والشريعة.


لا نقول إن من حق المجتمع أن يواجه جماعات الإرهاب بذات أسلوبها، ولكن نقول أن المجتمع لابد أن يحمي نفسه، والسلطة مسئولة عن حماية كيان الدولة وممتلكاتها وأرواح المواطنين، وإذا وجدت نفسها في حرب ضد عصابات مجهولة ممولة ومسلحة فلابد أن تستخدم كل الوسائل التي تمكنها من وقف وإحباط هذا الخطر.


إننا نلوم أجهزة الدولة – بقسوة – عقب كل حادث إرهابي ونسأل لماذا لم تتخذ الاحتياطات وتضرب الإرهاب ضربة إجهاض قبل أن يسيل دم الأبرياء، فكيف نلومها إذا فعلت ذلك..؟ وهل يمكن أن تكون حقوق الإرهابيين لها الأولوية والأفضلية على حقوق المواطنين ومستقبل الوطن؟..


ألسنا في حاجة الآن إلى جمعيات للدفاع عن حقوق المواطنين في أن يتمتعوا بالأمن والاستقرار ويمارسوا حياتهم في حرية دون إرهاب؟..


أليست هذه هي مسئولية كل المثقفين .. وكل المواطنين.. المخلصين..؟


 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف