ليست أزمة .. إنها كارثة
عندما كان أوباما يتحدث عن الأوضاع الاقتصادية السيئة التى تسببت فيها سياسات بوش كان يعتبرها أزمة، وفى المؤتمرات واللقاءات مع الناخبين كان يؤكد على وعوده بتقديم برنامج لعلاج هذه الأزمة فى وقت قصير.. ولكنه بعد أسبوع واحد من تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، اكتشف الحقيقة التى كانت إدارة بوش تخفيها أو تهون من شأنها.. اكتشف أن الأزمة الاقتصادية أكبر بكثير جدا مما كان يتصور، ولهذا قال فى خطابه الأخير إلى الشعب الأمريكى إن هذه أكبر أزمة مرت بها الولايات المتحدة وإنها فى الحقيقة كارثة مستمرة تهدد العائلات الأمريكية. اكتشف أوباما أن سياسات بوش وصلت بالاقتصاد الأمريكى الذى كان أقوى اقتصاد فى العالم، إلى أن أصبح يعانى من هذه الكارثة وأن تأثيرها المدمر – كما وصفها – ليس على أمريكا وحدها بل على العالم.
وقال إنها كارثة معقدة تشمل تسريح العمال، وديون الرهن العقارى، وتبخر المدخرات المخصصة للتقاعد، وفقدان المنح الجامعية كلها أزمات معقدة تهدد الحلم الأمريكى، حتى أصبح الحلم الأمريكى يسير عكس الاتجاه كما قال!
أوباما نوع جديد من الرؤساء، ليس مثل بوش، لا يجيد الخداع والكذب مثل بوش، ولذلك صارح الشعب الأمريكى بالحقيقة ولم يحاول التخفيف من وقع هذا الوصف (كارثة) الذى يمكن أن يصيب الأمريكيين وشعوب العالم بالصدمة والإحباط، لم يكذب كما فعل بعض السياسيين فى دول العالم الثالث بإدعاء أن هذه مجرد أزمة عابرة ولن تصيب القاعدة العريضة من الشعب الأمريكى.. اختار أن يقول الحقيقة وهى أن الانكماش الاقتصادى يتفاقم.. والأزمة تزداد.. وديون الرهن العقارى بمئات المليارات، وعجز المدينون عن السداد .. وإلغاء 171 ألف وظيفة فى فترة قصيرة.. وإفلاس 6 بنوك.. وانهيار أكبر شركات صناعة السيارات.. وتبخر المدخرات المخصصة للمعاشات.. وما خفى كان أعظم.. فكل يوم تظهر كارثة من صنع بوش وحاشيته.
عمدة نيويورك أعلن عن تسريح جماعى للموظفين وقال إنه على وشك الإعلان عن إفلاس الولاية! وسيتم إلغاء 33 ألف وظيفة حكومية، ووصل الحال إلى حد أن مجلس النواب قرر تجميد مرتبات أعضائه لمدة سنة كاملة بسبب هذه الكارثة الاقتصادية وذكر فى القرار أن ذلك سيساعد على توفير 2.5 مليون دولار من أموال دافعى الضرائب.
***
قال أوباما إن مستوى معيشة الطبقة المتوسطة سوف ينخفض، وإن كل أسرة مكونة من أربعة أفراد ستكون خسارتها فى حدود 12 ألف دولار من دخلها السنوى.. أما الفقراء فسوف تطحنهم الأزمة.. ولذلك بدأ على الفور فى تنفيذ خطة لتحفيز الاقتصاد الأمريكى تتكلف 800 مليار دولار والمتوقع أن تصل التكلفة أكثر من ترليون دولار! وشكل فريق عمل باسم (قوة إنقاذ الطبقة المتوسطة) بإشراف نائب الرئيس جوزيف بايدن، ومهمة هذا الفريق المكون من مجموعة من أكبر الاقتصاديين والسياسيين تنفيذ برنامج لتعويض الطبقة المتوسطة عما فقدته من مبالغ وهى مبالغ بلغت ترليونات الدولارات.
***
منتدى دافوس الاقتصادى فى سويسرا الذى جمع رؤساء دول ورؤساء ووزارات ووزراء اقتصاد وكبار رؤساء بنوك وشركات من أنحاء العالم.. كان عبارة عن مأتم كبير تبادل فيه الجميع التعبير عن ضخامة حجم الأزمة التى بدأت فى الولايات المتحدة بسبب توسع البنوك فى منح القروض بدون حدود وبدون ضمانات، وتزامنت مع ذلك أزمة فى أسواق المال، مع تزايد إنفاق المستهلكين بالسحب على المكشوف ببطاقات الائتمان، ثم جاء تراجع أسعار العقارات، وارتفاع أسعار البترول.. كل ذلك أدى إلى عجز البنوك عن تحصيل القروض لعجز المقترضين عن السداد، ومع إفلاس البنوك وإفلاس الشركات الكبرى، وفقدان الملايين من الأمريكيين لوظائفهم، وانخفاض معدل الإنتاج الصناعى، مع كل ذلك كان طبيعيا أن تشهد الأسواق حالة من الكساد الكبير وهبوط نسبة الادخار الوطنى.. واكتشف اوباما أن حجم الديون الأمريكية بلغ 14 ترليون دولار بعد أن كان 8 ترليونات.. ولذلك قال: نحن الآن فى بلد مثقل بالديون دخل مرحلة التدهور ويبدو أن الحل يحتاج إلى قرارات صعبة وإلى خطة طويلة الأجل، والشعب الأمريكى يحتاج إلى ديمقراطية بأداء أفضل، وأن حاجة الأمريكيين إلى هذه الديمقراطية أكثر من حاجة العراقيين والأفغان، بل إن أمريكا فى حاجة إلى إعادة بناء الدولة لأن نظامنا السياسى كان معطلا! وقد هبطت أسعار أسهم الشركات الصناعية إلى مستوى لم يحدث منذ 34 سنة.. ترك بوش قيادة أمريكا وفيها 39 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، وبدد بمغامراته أكثر من 12 مليار دولار كل شهر فى الحروب التى اسماها الحرب على الإرهاب.
***
الصورة كما وصفها أوباما فى حديثه إلى الشعب الأمريكى كما يلى: الأزمة ليست أزمة مالية ولكنها أصبحت أزمة اقتصادية والانكماش الاقتصادى يزداد.. أعداد الأمريكيين الذين يحتاجون إلى إعانة البطالة فى زيادة مستمرة. والحلم الأمريكى مهدد بأن يصبح الكابوس الأمريكى.. ومع ذلك فإن مديرى البنوك والشركات يستنزفون أموال البنوك والشركات بما يحصلون عليه من مرتبات ومكافآت ومزايا خيالية بالملايين على حساب المواطنين دافعى الضرائب، حتى أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ طالبوا بمحاسبة هؤلاء اللصوص الكبار واسترداد الملايين التى استحلوها لأنفسهم.. وقال أوباما ردا على ذلك إن إدارته ستنفذ على الفور إستراتيجية لإنعاش النظام المصرفى لتشجيع المصارف على منح القروض للأفراد والشركات مع فرض الرقابة عليها لكى لا تذهب أموال القروض إلى الأغنياء لتزداد بها ثرواتهم.
أوباما لم يخدع شعبه.. لم يقل إن الكارثة ستنتهى بسرعة.. على العكس.. قال إن الحل يتطلب سنوات وليس عدة شهور كما ظن البعض.. وحتى خطة الإنعاش التى وافق عليها الكونجرس واعتمد لها 800 مليار دولار لن تكون كافية لإنشاء ملايين الوظائف المطلوبة وهى لا تقل عن أربعة ملايين وظيفة ولمساعدة ملايين المتعثرين عن سداد أقساط البيوت التى عجزوا عن سدادها.
***
كارثة بوش أصابت العالم كله.. امتدت الكارثة إلى دول أوربا. أعلن جولدن براون رئيس وزراء بريطانيا أن الاقتصاد البريطانى دخل مرحلة الأزمة ولم تفلح عملية تدخل الحكومة لإنقاذ البنوك. إيطاليا أعلنت أن الأزمة وصلت باقتصادها إلى نقطة الخطر. فرنسا أعلنت – على لسان وزيرة الاقتصاد كريشنى لابارد - أن الأزمة بلغت فى فرنسا وفى أوربا وفى العالم إلى الحد الذى يخشى معه أن تتسبب بوقوع اضطرابات اجتماعية، ولن تكون هذه الاضطرابات فى فرنسا وحدها ولكنها ستكون اضطرابات عالمية! ورئيس أوكرانيا حذر من وقوع كارثة فى بلاده ستصل قريبا إلى حد عدم صرف رواتب الأطباء والمعلمين وجنود الجيش.. وهكذا كرر بقية الرؤساء والمسئولين التعبير عن هذه الحالة فى منتدى دافوس.
أما فى الصين فقد وصلت إليها الأزمة بعد أن كنا نظن أنها بعيدة عنها وأعلنت حكومة الصين أن ملايين العمال فقدوا وظائفهم ونزحوا إلى العاصمة وإلى المدن الكبرى بحثا عن فرصة العمل ولقمة العيش!!
والنتيجة أن 72% من الأمريكيين أعلنوا فى آخر استطلاع للرأى أنهم لا يثقون فى اقتصاد بلادهم، و64% قالوا إن دخلهم لم يعد كافيا للحصول على الضروريات، و38% قالوا إنهم يجدون صعوبة فى توفير الطعام، 73% قالوا إن الحصول على وظيفة أصبح صعبا جدا، و80% أبدوا عدم رضاهم عن العولمة والتجارة الحرة.
وفى مصر.. ما زالت الوعود الوردية تنهال علينا..


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف