أحلام 95


عام جديد يبدأ اليوم أولى خطواته في عالمنا..


نستقبله بابتسامة تفاؤل وترحيب.. وننتظر منه الكثير.. ننتظر أن يتحقق فيه ما لم يتحقق في عام 94 وما قبله، كما ننتظر فيه جني ثمار ما زرعناه في العام الذي انقضى.


وفي يومه الأول نستسلم للأحلام.. فكل الأعمال الكبيرة بدأت أحلاماً.. أحلام الإنسان الفرد هي خطة عمله ودليل حياته.. وأحلام المجتمع هي أهداف غالية تحتاج إلى عمل كبير لتحقيقها.


وأحلامنا في عام 95 كثيرة..


نحلم بأن ينتهي تماماً ذلك الكابوس الرديء الذي فرض نفسه علينا بوجهه الأسود، وادعاءاته الكاذبة.. ذلك الإرهاب الذي جاءنا من وراء الحدود.. وتم تصديره إلينا لكي يشوه صورة الإسلام والمسلمين، ولكي يكون حجة وذريعة لأعداء الإسلام ليقولوا أنه دين همجي، يعادي الحضارة، ويكره التقدم، ويقتل الإبداع، ويعتدي على الحرمات وأولها حرمة الدم والمال.. هذا التشويه لدين عظيم هو في حقيقته رسالة للحب والتسامح والتقدم.. وهو القوة الدافعة التي حولت حياة العرب من حياة البدو في خيام شبه الجزيرة، إلى حياة العلم والصناعة والفن والحضارة الشاملة التي قدمت للإنسانية أعظم إنجازات العقل.. كيف تكون اليوم ضد العقل.. وضد العلم.. وضد التقدم.. وضد الحضارة.. وضد الثقافة..؟


نحلم بأن يفيق المخدوعون، الذين يستهويهم حلو الحديث، وظاهر القول، ولا يرون ما يخفيه من سموم قاتلة.. ولا يدركون أنهم يعملون على تحقي أهداف أعداء الإسلام دون أن يشعروا..


نحلم بأن تتحول طاقة الشباب المضلل من تهديد المجتمع إلى العمل لحماية المجتمع.. ومن قتل الأبرياء إلى إحياء روح العمل والبناء.. ومن السعي بالفساد في الأرض إلى حشد الطاقة للعمل المنتج لصالح الفرد ولصالح المجتمع، وليذكروا قولة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس".. ولم يقل خير الناس أكثرهم تهديداً للناس أو أكثرهم قتلاً للناس.


نحلم بأن يقر في ضمير هذا الشباب المخدوع أن الأهداف النبيلة لا يمكن أن تتحقق بالجريمة.. بالقتل.. أو التهديد.. ويذكروا قولة رسولنا صلى الله عليه وسلم: "المؤمن من آمن الناس من لسانه ويده" وليقفوا عند العبارة ويتأملوا معناها بدقة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو المسلمين جميعاً إلى أن يكونوا مصدر أمن وحماية لكل الناس، لا فرق بين مسلم وغير مسلم.. ولا فرق بين الورع والفاسق، لأن الفاسق أمامه طريق التوبة مفتوح.. وما يدريك لعله يزكى..؟


نحلم بأن يكون عام 95 هو عام "العمل".. ولا شيء غير العمل.. تقلب فيه الأحزاب صفحة المهاترات وحملات التشويه، وادعاءات الباطل، وتكرس جهدها لما ينفع الناس.. تنتقل من "العمل السياسي السلبي" الذي يرتكز على الهجوم بالحق وبالباطل للإساءة إلى كل من يعمل وينتج وينجز.. وتشويه كل عمل وكل قرار وكل توجه.. ومحاولة كسب الرأي العام بالشتائم وادعاء بطولة في غير موضعها، واختلاق معارك في ساحة ليست هي الساحة المناسبة.. لكي تبدأ في "العمل السياسي الإيجابي"، وأقصد به أن تقدم الأحزاب دراسات عن المشاكل التي تواجه المجتمع.. وتضع رؤية جديدة لحل هذه المشاكل.. وتطرح مبادرات لتحسين الأحوال وللتقدم في كل المجالات.. وتبدي من الآراء.. وتقدم من الخطط. ما يتفق أو يختلف مع آراء وخطط الحكومة.. لكي يقوم الخلاف على أسس موضوعية، وحول رؤى يستفيد المجتمع من تعددها.. ولكيلا تتحول التعددية السياسية إلى "خناقة سياسية" بالمفهوم الدارج. حيث تسيطر الانفعالات والرغبة في تأكيد الذات، والعزة بالإثم لتطغى على إرادة الإصلاح وخدمة مصالح المواطنين خدمة حقيقية.


نحلم بأن تصل الأحزاب السياسية إلى سن الرشد، وتقدم الدليل على نضجها الفكري والعقلي والسياسي والاجتماعي.. تشارك في الانتخابات بروح سمحة ودون حساسيات.. تتخلى عن سلوك التمرد الطفولي.. وعن أفعال المراهقة بما فيها من ادعاءات ورسم صورة للذات تفوق الحجم الحقيقي بكثير.. وتنظر الأحزاب إلى نفسها في مرآة الحقيقة.. فلا ترى نفسها أكبر من حجمها الحقيقي.. ولا تدعى ما ليس لها من سطوة على الرأي العام، أو قدرة على تمثيل الشعب، بأكثر مما يعطيها الشعب هذا الحق.


نحلم بأن يلتقي المثقفون على كلمة سواء بأن يكون كل فكرهم.. وكل مشاعرهم.. وكل إبداعهم.. من أجل مصر.. وفي خدمة أهدافها ومصالحها العليا.. وللارتقاء بالعقل المصري والعربي.. فلا يترخص قلم.. ولا يقبل أن يرتزق على حساب الحق والوطن.. ولا ينساق وراء اندفاعات الرغبة في الظهور على حساب المصلحة العامة.. وليتنا نتفق على ميثاق شرف.. أن يكون المثقفون نماذج، ومثلاً عليا، للرقي الأخلاقي، وعفة القلم واللسان والعمل من أجل بناء العقل والتصدي بقوة لمحاولات هدم العقل المصري والعربي... أو تشويهه، أو تسميمه..


نحلم بأن يقوم المثقفون بحملة أكبر من حملة الحكومة التي بدأتها لحماية المواطنين من الأفكار المسمومة.... ومن النظريات والأقوال والتفسيرات المغشوشة... ظاهرها براق ولكنه مضطر خادع، لأن باطنها خواء...وشراك خداعية تحاول أن تبعد عقولنا عن التفكير في القضايا المتعلقة ببناء الوطن وتقدمه، وننشغل بقضايا خلافية سطحية وهامشية لا تفيد... ولا تحقق تقدما..


المثقفون هم وحدهم المسئولون عن التصدي للفكر الضال والشارد والمنحرف.. وتوضيح مدي اتفاق الإسلام مع التقدم الهائل في العلوم الاجتماعية، والحقوق الكاملة للمواطنين بصرف النظر عن ديانتهم وأفكارهم... وهم المسئولون عن رفع التناقض القائم بين معتقدات المسلم وتصرفاته المعاصرة، وإزالة حالة ازدواج الشخصية القائمة... في أحكام الاقتصاد والقيم الاجتماعية والمثقفون هم القادرون علي الدفاع عن أيديولوجية تقوم علي مبادئ الإسلام دون أن يكون فيها دعوة للعودة إلى الوراء، أو قبول الأمر الواقع، أو تلقي الوحي من قيادات فكرية خارج الحدود تتلقي هي الأخرى وحيها ممن يدفع لها الثمن...!


نحلم في 95 بأن يعو العقل إلى مكانه.. ويعود الرشد الوعي لمن فقد أحدهما أو كليهما.... ليقف المصريون صفاً واحد ضد الهجمة الخبيثة التي تخفي حقيقتها المدمرة وراء شعارات لها سحرها وجاذبيتها لمن ليست لديه القدرة علي اختبار الأفكار، وفحص المقاولات، واكتشاف المقاصد الخفية...


وكما سيكون عام 95 عام انجازات اقتصادية بتنفيذ برامج خطة التنمية... وانجازات سياسية بانتخابات جديدة.... لا بد أن يكون عام الدفاع عن العقل المصري والعربي في مواجهة الذين يحاصرون هذا العقد ويتآمرون عليه ويسعون إلى تدميره ويبدءون بمحاولة تضليله... لكي ينحرف عن طريقة السوي ليدخل في متاهات نفقده حيويته وفاعليته... وتنتهي بالقضاء عليه..


فلنبدأ منذ اليوم في حمل سلاح الفكر والوعي... للدفاع عن العقل المصري والعربي... إلى أن يتحقق له النصر علي أعدائه وأهوائهم وهم ليسوا قله.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف