فى غياب "اللوبى" العربى

من حين لآخر نعيد اكتشاف الحقيقة التى نعرفها جميعًا منذ سنوات طويلة، وهى أن اللوبى الصهيونى فى أمريكا له حضور قوى هناك، وله نشاط فعال ومؤثر، وله قدرة على مخاطبة الرأى العام الأمريكى بالوسائل وباللغة التى تتفق مع طبيعة العقلية، والثقافة الأمريكية، وهو لذلك يفوز "بالنقط" لصالح إسرائيل، ولتشويه كثير من القضايا والحقائق التى تتصل بحاضر الغرب ومستقبلهم.. ومع أننا نعرف هذه الجقيقة جيدًا، ونعرف أنه من الضرورى أن يكون للعرب "لوبى" يعرض وجهات نظرهم، ويشرح آراءهم، ويدافع عن مصالحهم، ويطرح مطالبهم.. نعرف كل ذلك ونعرف أكثر أن مصالحنا مرتبطة بالمواقف الأمريكية.. إلا أننا لم نحقق إنجازًا كبيرًا من أجل تكوين هذا "اللوبى".. ليس لأننا لا نستطيع.. ولا لأن المجتمع الأمريكى لا يسمح لنا بذلك.. ولكن لأننا – كعادتنا كعرب – نتحدث كثيرًأ ونعمل قليلاً.


ولقد اكتشفنا هذه الحقيقة مرة أخرى فى الفترة الأخيرة حين ظهرت "حملة" فى أكثر من صحيفة أمريكية، تتسخدم الحجة التقليدية عن حرية الصحافة فى أمريكا، وتقدم حقائق مغلوطة فى اتجاه محدد هو إقناع الأمريكيين بأن العرب لا يستحقون مساعدتهم(!) والمفروض ألا نكتفى بالشكوى أو بالغضب، أو حتى بالتعبير عن الاستياء، ولكن علينا أن نتعامل مع المجتمع الأمريكى بما يتفق مع طبيعته، فهو مجتمع مفتوح، وللعرب أنصار ليسوا فئة فى مراكز صنع القرار الأمريكى على المستويات المختلفة، وهناك عدد لا يستهان به من المسئولين والمثقفينوقادة الرأى فى أمريكا يريدون التعاون ولكنهم يجدون من جانب العرب ما يساعدهم علىذلك بصورة كافية.


ولقد كتب جيمس زغبى الأمريكى من أصل عربى وصاحب المكانة المعروفة فى المجتمع الأمريكى مقالاً منذ أيام يوجه فيه الدعوة إلى الساسة والمفركين العرب "التحقوا بنا.. تعالوا إلى أمريكا.. انشروا هنا.. خاطبوا المهتمين بالشئون العامة.. التقوا مع مجالس التحرير كبريات الصحافة.. فالمطلوب هو مزيد من الحضور العربى حتى ى يتسفرد اللوبى الإسرائيلى بالتحرك وحشد الرأى العام الأمريكى.. فمن البديهيات فى السياسية أن الطرف الذى يحدد القضايا المطروحة للسجال السياسى، هو بفضل الحقائق والوقائع السياسة أو حتى الطريقة التى يدار بها هذا السجال.


ويشير جيمس زغبى فى مقاله إلى أن القوى الموالية لإسرائيل كانت ولا تزال منذ أكثر من ستين عامًا هى  السباقة، وكان الفوز نصيبهم، لأنها أدركت قوة الأفكار فى بلورة السياسة، ولذلك كانوا الأسبق فى إثارة القضايا أمام الشعب الأمريكى، وتمكنوا بذلك من تحديد شروط ونتائج كل قضية من هذه القضايا.. ويكفى أنهم نجحوا فى ترسيخ فكرة محورية فى العقل الأمريكى هى أن الصراع بين إسرائيل والعرب هو صراع بين قوة الحضارة وقوى الصحراء والتدمير،، ونجحوا فى تصوير الإسرائيليين على ا،هم نماذج للكفاح من أجل الحياة بعد نجاحهم من فظائع ألمانيا النازية، وهم الآن فى "الأرض الجديدة" يعيدون سيناريو الصراع الحضارى الأمريكى مع الهنود الحمر.. ولذلك فإن تقديم الفلسطينيين مثلاً فى الإعلام الأمريكى يتم على أنهم إرهابيون (موضع احتقار) أو لاجئون (موضع رثاء) وايسوا بشرًا ككل البشر لهم الحق فى الحياة فى وطنهم.


وهكذا الحال فى تصوير كل الشعوب العربية بصورة كاريكاتيرية بقصد التشويه الكامل لإنسانية العرب.. بينما النشاط العربى على مستوى المعلةمات والأفكار وحملات التأثير المخططة الذكية غائب، أو ردىء، أو فج يكتفى بشراء صفحات إعلانية.. والمسئولون العرب يشعرون أن النقاش مع المسئولين الأمريكيين كاف.. والمثقفون العرب يرون أن شكواهم من تحيز الإعلام الأمريكى فيه الكفاية، والأمثلة على ذلك ما تنشره الصحف وتبثه الوكالات، وتذيعه محطات التليفزيون من أخبار وتعليقات عن السعودية ومصر ودول الخليج وسوريا وليبيا.. وكل الدول العربية هو عمل منظم بدقة للتشويه.. والحملة الواسعة لإظعار الإسلام بمظهر الدين المعادى للغرب وليست له وسيلة للحوار إلا العنف والتقل والتخريب، وفى النهاية فإن جيمس زغبى ليست كافية، لأن مواردهم محدودة. ولأنهم يحتاجون إلى انضمام المثقفين العرب ليذهبوا إلى أمريكا ويخاطبوا منابر السياسة العامة فيها وليوجهوا الدعوة إلى قاعدة الرأى فى أمريكا لزيارة المنطقة والتعرف على الحقائق مباشرة..


ويختم جينس زغبى مقاله فى شبه صرخة بعبارة يقول فيها: "ساعدونا فى موازنة السجال هنا.. فى الواقع الذى يتم فيه".


وما جاء فى مقال جيمس زغبى قد لا يكون جديدًا علينا، فقد سبق أن قبل أكثر من مرة، ولكنه يكتسب أهمية خاصة هذه الأيام مع ظهور مخطط جديد للإساءة إلى كل بلد عربى على حدة وتشويه صورة العرب وقضاياهم ومطالبهم بالتفصيل، وتزيد أهميته فى التوقيت الذى يواكب عملية البحث من أجل إعادة رسم أوضاع منطقة الشرق الأوسط، وتغيير طبيعة العلاقات بين العرب وإسرائيل، والعمل على غرس أفكار، ومفاهيم ومشاعر جديدة لدى العرب.. ولدى الأمريكيين أيضًا.. ومن الضرورى أن نضع فى اعتبارنا أن عضو الكونجرس الأمريكى المنتخب لا يستطيع أن يعلن رأيًا لا يوافق عليه أبناء دائرته الانتخابية، وأنه يلجأ إلى استطلاعات الرأى قبل أن يقول كلمته فى مسائل مهمة تمس إسرائيل والعرب.. وليس من مصلحتنا استمرار صورة إسرائيل فى العقل العام الأمريكى على أنها الدولة التى تناضل بشجاعة لاستخلاص حقها فى الحياة.. والعرب على أنهم المتخلفون الذين ياعاملون بهمجية فى الفكر والسلوك.. ةإن كل ما يهم أمريكا أن تقترب ممن لها مصلحة عنده.. بالقدر الذى يتناسب مع المصلحة.. فإذا تقصلت المصلحة تراجعت عن الغرب.. وإذا انتهت المصلحة ولم يعد لذلك الطرف العربى دور لخدمتها فلا حاجة لها فى الاقتراب منه.. وهذا شىء يجب أن تتفهمه، ولا تنظر إليه بمفاهيمنا الأخلاقية عن الصداقة الدائمة فى السراء والضراء.. ولكن يجب أن ننظر إليه فى ضوء فلسفة الحياة التى تحكم السلوك الأمريكى، وهى فلسفة "البراجمانيزم"، أو "النفعية".. ما يحقق منفعة لى فهو حق.. وكا م لا يحقق مصلحة مباشرة لى فهو باطل، أو على الأقل لا يستحق منى الاهتمام، وربما لأننا لا نتعاطف مع هذه الفلسفة ونراها غير إنسانية، لكنها هى التى يراها الأمريكيون دافعًا للعمل والنجاح والتفوق والثروة..


والخلاصة أننا يجب أن نفهم الأمريكيين أكثر ما دمنا نريد أن نعقد معهم صداقة تحقق مصالحنا، ولابد بعد ـن نفهمهم أن نتفاهم معهم ونتحدث إليهم بالوسائل الخاصة بهم، وباللغة التى يفهمونها، والطريق أمام العرب مفتوح.. فى استطاعتهم أن يزروا أمريكا كما يشاءون..ويوفدوا جماعات من المثقفين وقادة الرأى وأعضاء البرلمانات وقادة الجمعيات الأهلية، والنشاط غير الحكومى، لكى يقابلوا نظراءهم ويشرحوا، ويفسروا، ويؤثروا، ويدعوا كل من له تأثير فى المجتمع الأمريكى للحضور إلى المنطقة والتعامل مع حقائقها عن قرب.


وذلك يحتاج إلى عزيمة أولاً.. زتخطيط ثانيًا.. وتمويل ثالثًا..


وأهم من كل ذلك يحتاج إلى اختيار من يذهب إلى هنا ومن يأتى إلى هنا.. فلا يذهب إلا من يستطيع أن يتحدث ويشرح ويؤثر ويقنع ويكون صورة مشرفة بحق، ولا يأتى إلا من له قيمة وتأثير هناك.. لكيلا تتحول المسألة فى النهاية إلى رحلات سياحية لمشاهدة المعالم السياحية وحضور الولائم السخية على الطريقة العربية.. وطلها مجالات للاستمتاع، ولكنها ليست وسائل العصر فى الإقناع.


وبعد لك فإن التأخير له ثمن يضاعف خسائر العرب.. والعمل السريع له عائد نحتاج إليه الآن لأن الظروف لا تسمح بالانتظار إلى أن يفيق الغافلون.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف