أين المشروع العربى؟ (3)

يغضب لأن الحديث عن السوق الشرق أوسطية يزداد، والحديث عن السوق العربية المشتركة يتوارى، ويطلب أن يتحقق العكس. ولكن كل ما يتمنى المرء يدركه، وفى المنطقة العربية دائمًأ تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن وإلا فكيغ يمكن تصور إاقمة مشروع عربى ولحد فى ظل الأوضاع القائمة.. مخاوف عربية من دول عربية.. وحدود عازلة فى مواجهة الغرب ومفتوحى لغيرهم، وتظلم وقوانين مانعة للعرب من الاقتراب والتعامل لغيرهم.. وأكموال تستثمر فى الخارج وتحرم منها الأسواق العربية..؟


كيف يمكن تصور قيام مشروع عربى وقد ذهبت مبادرة الأمين العام للجامعة العربية الدكتور عصمت عبد المجيد "أدراج الرياح" التى قدمها منذ أكثر من عام، وطالب فيها بالمصالحة العربية، وأشار إلى أن هناك دواعى تجعل ههذ المصالحة العربية أمرًا حيويًأ وضروريًا، وأنها يجب أن تكون لها المكانة الأولى فى سلم أولويات العمل العربى المشترك،وأن عوامل الضغط والإلحاح فيها تجعلها لا تحتمل التأجيل فى المعالجة والفرار، لأنها ذات نتائج وإفرازات هامة ومؤثرة فى حاضر الأمة ومستقبلها، ونبه الأمين العام فى مبادرته أيضًا إلى التحديات التى تجعل هذه المصالحة الهدف الأول والأساسى فى هذه المرحلة.. أزمة الخليج التى أصبحت تشكل الآن جوهر المأزق العربى، ومن الممكن أن تؤدى معالجة أسبابها وآثارها مثل إعادة العراق لأسرى الكويت وقبوله مبدأ التعويضات وغيرها.. يمكن أن تؤدى إلى تنقية الأجواء وإعادة الثقة.. وبالنسبة لقضية الشرق الأوسط أن نضع فى اعتبارنا أن المسيرة السلبية أصبحت فى الخيار الوحيد لتحرير الأراضى العربية المحتلة، والعالم العربى الآن على أبواب مرحلة جديدة تختلف فى جوهرها عن المراحل التى سبقتها، ولابد من أن نعمل حسابها، ونسحن الإعداد لها.. ولا ننسى أن التنمية فى كل بلد عربى على حدة مستحيلة، وليس هناك بديل عن إعادة الحياة إلى المشروعات المشتركة التى باتت بها الجامعة العربية ولم تخرج من دائرة الكلام، أو بدأت خطوة أولى ثم تعثرت وتوقفت.. وفى ظل التحولات العالمية الجذرية لن يكون للعرب إلا مكانة هامشية فى النظام العالمى الجديد ما لم يتحركوا جركة جماعية، وأخطر من كل ذلك أن نداءات الأمن العربى تجعل العمل العربى المشترك ضرورة حياة أو موت.. ليس ضرورة قوة وتفوق.. بل ضرورة للوجود ذاته، أن يكون العرب أو لا يكونوا.. فلا يستطيع أحد أن ينكر أن خلو الزطن العربى من وسائل وترتيبات للأمن الجماعى القومى يمثل خطورة شديدة للأمن القومى بما فى ذلك إنشاء قوات حفظ سلام عربية. والإنفاق على خطط وسياسات واستراتيجية لهذا الأمن العربى الذى يتحدث عنه ويتركه مكشوفًاً.


هذه هى نداءات الأمين لاعام للجامعة العربية، اتبعها باقتراح شكيل لجنة لإجراء اتصالات وجولات لاستطلاع الرغبة فى المصالحة وفقًا لمبادىء وموضوعية عادلة.. لكن ههذ الندائات ذهبت – كالعادة -  أدراج الرايح.. وانقضة العام كله دون تحرك يبشر بالخير.


وفى افتتاح الدورة الجديدة لمجلسى الشعب والشورى طالب الرئيس حسنى مبارك بقيام مصالحة عربية على أساس المصارحة حتى لا تكون مجرد شعار براق، وحدد الرئيس الخطوة الأولى لتحقيق هذه المصالحة بالتزام كل الدول العربية – دون استثناء – بعدم الجوء إلى استعمال القوة أو التهديد بها فى مواجهة بعضها البعض، لأن منطق القوة والتدخل فى الشئون الداخلية ينسف مفهوم الأمن القومى ونظام الدفاع العربى المشترك من أساسه، ويلغى مبدأ الاحترام المتبادل وهو أسا كلا علاقة صحيحة.. ولكن المشكلة أن الأقوال عن التعاون العربى هى وحدها التى تم[ الساحة الآن.


المطلوب أن يكون القول العربى مساويًا للفعل العربى وأن يكون العكس أيضًا صحيحًا. ولكن دعوة الرئيس مبارك – فيما أظن -  سوف تجد ترحيبًا عظيمًا على مستوى القول، وسوف تتعثر خطواتها عن الفعل كما هى العادة.


ومنذ أيام عفد (الأهرام) ندوة بالغة الأهمية شارت فيها نخبة من كبار مفكرى العالم العربى وكان موضوعها "نحو مشروع حضاىر عربى" طرحت فيها رؤى تستحق التقدير. وكان الأستاذ محمود عبد العزيز رئيس اتحاد المصارف العربية صريحًأ فى طريحه فى طرحه لجذور الحديث عن التعاون الاقتصادى وإزالة القيود على التبادل التجارى بين الدول العربية – ابتداء من ميثاق الجامعة العربية إلى اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى منذ عام 1950 إلى اتفاقية تسهيل التبادل التجارى وتنظيم تجارة الترانزيت بين دول الجامعة العربية عام 1953 ثم اتفاقية تسديد مدفوعات المعاملات الجارية واتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية عام 1957 والتى شملت حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال وحرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية، وحرية الإقامة والعمل والترانزيت واستعمال النقل والموانى والمطارات، وحقوق التملك والإرث.. وههذ الاتفاقيات هى التى قام عليها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ثم انتهى إلى إنشاء السوق العربية المشتركة.. وما زالت كل هذه المشروعات والأفكار حبرًا على ورق!


كلام عظيم.. من يسمعه يظن أن العالم العربى قد أصبح الآن أقوة قوة اقتصادية فى العالم. وقد بدأ الكلام عن السوق العربية المشتركة قبل أن يبدأ الأوربيون الكلام عن السوق الأوربية المشتركة.. وأنظر إلى الفارق بين كلام هنا يظل كلامًا.. وبين كلام هناك تحول إلى فعل وقوى وأدى إلى ظهور كيان جديد يفرض نفسه على حقائق العالم وتطور أحداثه.


الكلام العربى هو أجمل كلام عن التعاون الاقتصادى العربى.. والفعل العربى أنالتجارة البينية ين الدو لالعربية تمثل 7% من إجمالى الصادرات العربية و8% من إجمالى الواردات العربية.. أليس ذلك شيئًا مضخكًا! والاستثمارات الخاصة المباشرة بين الدول العربية التى تدار على أسس تجارية لم تزد على 10 مليارات دولار خلال ثلاثين عامًا من الخمسينات إلى الثمانينات، موزعة على 2170 مشروعًا، بينما يزيد حجم الأموال العربية المستثمرة فى الخارج على 670 مليار دولار. زتزيد مدخرات القطاع الخاص العربى فى الخارج على 162 مليار دولار. وفقًا لإحصاءات 1992 وهى الآن أكثر.


كلام العرب عن حرية التجارة هو أجمل كلام.. وفعلهم مختلف.. ما زالت مشكلة خفض رؤوس الأموال العربية العاملة فى البلاد العربية.. والعقبات الكثيرة أمام حرية التجارة مثل القيود على الاستيراد من الدول العربية، وارتفاع الجمارك، والرقابة على النقد.. بالإضافة إلى عجز كثير من المنتجات العربية على منافسة الإنتاج الأجنبى من حيث الجودة. ثم أن أذواق العرب الآن أصبحت تفضل المنتجات الأوربية والأمريكية والآسيوية على المنتجات العربية من الدول الشقيقة!


وإذا كان رئيس اتحاد المصارف العربية قد أنهى بحثه بإعادة المطالب المكررة حول اقتناع الدول العربية بأن متطلبات التنمية فى الوطن العربى ككل متكامل أكبر بكثير من الإمكانيات المتاحة فى كل قطر على حدة. ومثل ضرورة إنشاء بنك تنمية إقليمى لتمويل مشروعات البيئة الأساسية، وبنك شامل يستهدف الربح ويساهم فيه القطاع الخاص مع البنوك والمؤسسات الأخرى العاملة فى المنطقة،وإنشاء مناطق حرة، وتنشيط التجارة والسياحة بين الدول العربية، لأن السياح العرب الذين يذهبون إلى الخارج من أبناء الدول العربية أضعاف أضعاف الذين يذهبون للسياحة فى دول عربية شقيقة.


باختصار.. وكما قال شاعرنا العربى أحمد شوقى: وما نيل المطالب بالتمنى.. لن يتحقق الحلم العربى فى التعاون الاقتصادى والسياسى، أو التكامل، أو غيرذلك، بالكلام، والوثائق، والاتفاقات، ولا باجتماعات الجامعة العربية التى يقال فيها كلام غير مفيد وأحيانًا غير مفهوم. ولكن يتحقق ذلك بروح جديدة.. ودم جديد.. بفكر جديد.. بإدراك الخطر الماثل.. أن نكون أو لا نكون كعرب..


وسوف يشهد التاريخ لنا أو علينا.. ولن ترحمنا الأجيال القادمة إذا أهملنا أو قصرنا، وما زالت لدينا فرصة لتدارك الموقف والبدء من جديد، على طريق جديد، من النوايا الطيبة، وإرادة العمل العربى.. والإدارة والعمل.. وليس الكلام عن العمل.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف