أين المشروع العربى؟ (1)

عندما عقد مؤتمر الدار البيضاء منذ أسابيع قليلة لبحث أوجه التعاون الاقتصادى بين دول الشرق الأوسط كانت القضية الأولى بالنسبة للدول العربية هى: هل سيكون الشرق الأوسط الجديد هو المجال الحيوى للعرب مستقبلاً، ويمكن به الاستغناء عن الخريطة القديمة للعالم العربى، وبمعنى آخر: هل سيكون التعاون بين دول الشرق الأوسط عربية وغير عربية على حساب التعاون العربى.. هل هى نهاية الفكرة العربية.. والسوق العربية المشتركة.. وأحلام التكامل العربى، بل الوحدة العربية أيضًا..؟


هذه الأسئلة التى تعبر عن القلق على المستقبل العربى تستمد مشروعيتها من الواقع العربى الممزق الآن خاصة بعد عدوان صدام حسين على الكويت، وظهور نواياه التوسعية، وظهور العراق كخطر على جزء من العالم العربى يزيد فى خطورته على التهديدات غير العربية، لأن الضربة من الشقيق من حيث لا يحتسب، تؤلم وتمزق أكثر من ضربة العدو المتوقعة. كما أن هذه الأسئلة تجد مشروعيتها من حالة الضغط الشديد الذى تعانى منه الجامعة العربية بحيث تحولت إلى مجرد إطار شكلى لإلغاء الخطب، وعمل الدراسات النظرية، وا‘ضاؤها لا يريدون أن تكون لها المقدرة أو الفاعلية التى تمكنها من تحقيق أى هدف من أهدافها، ولوليس العيب فى جهاز موظفى الجامعة العربية، ولا فى نصوص ميثاقها، ولا فى نظام العمل فيها. ولكن العيب يكمن فى غياب الإرادة السياسية للدول العربية.. الإرادة السياسية بإحياء هذه الجامعة، والعمل من خلالها بجدية، واحترام قراراتها وتنفيذها،والمشاركة فيها بجدية.. وعلى أى حال فليس هناك دليل على عجز الجامعة العربية أبلغ من عجزها تمامًا فى هذه المرحلة عن عقد مؤتمر قمة عربة لأى سبب، ولا حتى لمجرد أخذ صورة تذكارية للقادة العرب ىف عام 94 أو 95 أو ما بعدهما.


هذا العجز العربى لابد أن يؤدى إلى الشعور بأن إسرائيل سوف تكون المستفيدة الوحيدة، لأن المشروعات المشتركة بينها وبين كل دولة عربية على حدة تجد أذانًأ صاغية، ونوايت طيبة للتنفيذ، بينما يجد كل مشروع للتعاون العربى أذانا صماء، والدليل أن الحديث مستمر ليل ونهار عن أهمية قيام مشروعات اقتصادية ومالية مشتركة بين الدول العربية ولكن الكلام فى وادٍ والتنفيذ فى وادٍ آخر.. وهناك شركات عربية مشتركة تكونت فى الماضى وتعانى من التعثر وتتعاظم المشاكل ولا تجد مساعدة جادة لحسم مشاكلها بالتركيز على المشروعات الناجحة وتصفية الشركات الخاسرة أو دعم ما يمكن إنقاذه منها، وتبدد الصورة وكان المطلوب أن تبقى هذه الشركات فاشلة ومتعثرة وعاجزة لتكون أمثلة حية لمن يريدون إثبات فشل المشروعات العربية المشتركة وعدم جدواها.


وهناك قوائم بهذه الشركات تتضمن الشركات العربية للملاحة، وشركات البوتاس، والمؤسسة العربية للاتصالات، والشركة العربية البحرية لنقل البترول، والشركة العربية لبناء السفن، والشركة العربية للاستثمارات البترولية، والشركة العربية للتعدين, والشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية, والشركة العربية للصناعات الدوائية.. لم يفكر أحد فى تشكيل لجنة عليا لديها صلاحيات إصدار القرار لبحث موقف كل منها، وإتخاذ الإجراءات اللا زمة لإصلاحها, ولتصفيتها أو لإشراك القطاع الخاص فى ملكيتها وإدارتها.. وهناك أمثلة أخرى كثيرة.


وهناك مشروع قديم بإنشاء بنك عربى للتنمية تشارك فيه الصناديق العربية, ويشارك فيه أيضًا رجال المال والأعمال العرب, وهناك أفكار قديمة لزيادة رؤوس أموال صندوق النقد العربى, وشركة ضمان الأستثمار، وأفكار أخرى لإنشاء مراكز لاستغلال ثروات كل بلد او مجموعة بلاد عربية بحيث يكون هناك مركز للتنمية البترولية والصناعات البتروكيماوية فى البلاد البترولية، ومركز لتنمية المناجم فى بلد آخر، ومركز للبحث العلمى المشترك تساهم كل الدو لالعربية فى تمويله لأن البحوث العلمية احقيقية مكلفة جدًا فى هذه الأيام وتخصص له الدول الكبرى مليارات الدولارات، ولكنها تستفيد من عائد بحوثها ونتائجها أضعاف ما تنفقه. وهناك أفكار أن يكون البحث العلمى العربى المشترك فى شكل شركات وليس فى شكل أجهزة حكومية تتغلب عليها البيروقراطية، ومن الممكن أن تشارك فى تمويلها البنوك والمستثمرون من القطاع الخاص، ومن الممكن أن تكون مجالات البحث العلمى فى الميادين الهامة التى يتخلف فيها العرب جدًا عن غيرهم عن طريق مراكز أبحاث كبيرة بتمويل يتناسب مع ضرورات البحث فيها، لكى تتخصص فى الأبحاث الكيماوية، والهندسة الوراثية، والصناعات، وهى تحتاج إلى معاهعد علمية لتخضع للأنظمة الحكومية، لكى تستيع تعبئة العقول العربية، وخلق المناح العلمى المناسب للابتكار والإبداع..


والأفكار كثيرة.. والمشروعات كثيرة.


ولكن التنفيذ معدوم تقريبًا، لعدم وجود الإرادة السياسية المشتركة.


والظاهرة المحيرة التى عبر عنها السيد صفوت الشريف وزير الإعلام فى ندوة بالأهرام منذ أيام هى أن نسبة النجاح معقولة إذا كانت المشروعات المشتركة بين بلدين عربيين فقط. فإذا دخل شريك عربى ثالث فإن نسبة الفشل ترتفع ارتفاعًا ملحوظًا، وينتهى المشروع إلى الموت غالبًا. وكان السيد ثفوت الشريف يتحدث عن ظاهرة، ولكنه وضع أصابعه على الداء، وقام بتشخيص المشكلة، وهى أن العالم العربى أصبح الآن فى حالة من التخوف والتشكك وفقدان الرغبة فى التعاون إلى حد أن كل عمل تشترك فيه أكثر من دولتين عربتين ينتهى بالفشل.. والمرض كما هو ظاهر مرض سياسى، والمسئول عنه هم السياسيون، ولا يمكن أن يأتى العلاج إلا على أيدى السياسيين.


وقبل ذلك طرح السيد حسن عباس زكى وزير الاقتصاد الأسبق فكرة نشكيل تكتلات إقليمية تجمع المشتغلين بالسلع الأساسية التى تحتاج إلى تعاون مشترك مثل الألومونيوم، والحديد، والملابس الجاهزة، والكيماويات، وضرب مثلاً بالألومونيوم الذى تنتجه ثلاث دول عربية هى: البحرين، الإمارات، ومصر حوالى 15% من حاجة العالم منه، وهى تواجه أساليب إغراق قد تعصف بصادراتها، ولا منقذ لها، إلا أن تتجمع للضغط على منافسيها، وليس من السهل أن تقوم كل دولة بذلك منفردة.


وطرح أيضًا حقيقة أن الاستثمارات العربية فى الخارج تزيد على 800 ألف مليون دولار، وهى تمثل احتياطات نقدية، واستثمارات فى ودائع، أو أذون خزانة، أو عقارات، أو اتستثمارات فى شركات فى الولايات المتحدة وأوربا، وليس من مصلحة أصحاب هذه الثروات من الدول والأفراد أن تكون الاستثمارات فى عملة واحدة، وليس من الحكمة ألا يستغل جانب صغير من هذه الثروات فى خلق سوق مالية عربية، وفى مشروعات استثمارية فى الدول العربية لتساهم فى التطوير الاقتصادى والاجتماعى والحضارى للعالم العربى، وتسهم فى إيجاد مناخ سياسى يؤمن بجدوى التعاون العربى..


الأفكار كثيرة.. الأموال العربية موجودة.. والخامات موجودة فى الأرض العربية.. واحتياجات الاستثمار من أرض، وعمالة فنية وكوادر متخصصة، موجودة، والسوق العربية واسعة، والقدرة الشرائية فيها تكفى لإقامة صناعات كبيرة.


أردت أن أقول باختصار للذين يصرخون هلعًا من نتائج مؤتمر القمة الاقنصادية فى الدار البيضاء وما طرحت فيها من مشروعات مشتركة بين دول عربية وغير عربية.. وقالوا أن العروبة..؟ نقول: تعالوا إلى مؤتمر مماثل لبحث فرص الاستثمار والتعاون الاقتصادى العربى المشترك لتكون له الأولوية.


الشرط المكلوب شرط واحد.. الجدية.


هل هذا ممكن..؟

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف