حماية الصحافة..وحماية العقول!

عندما يصدر مجلس الصحافة البريطانى تقريره تتقبل الصحافة يتقبل الصحفيون هذه القرارات بالاحترام وألاستجابة، وذلك لأن ألعلاقة أصبحت وأضحة، بين هذا المجلس الذى يمثل ضمير المجتع والحارس للقيم، وبين الصحافة التى قد تنزلق خطوة أو خطوات بعيدأ عن الطريق المستقيم.. ربما جريا وراء الرواج الرخيص، أو بحثا عن ألارثارة الصحفية على حساب ألاخلاقيات التى يجب الحفاظ عليها والحرص على تاكيدها. ولكن الأمرعندنا مختلف، فما يكاد المجلس الأعلى للصحافة يصدر توصية . وليس قرارا. يطالب فيه الصحافة بالتزام الموضوعية والصدق والحرص على المصالح العامة، أو يناشدها أن تلتزم باخلاقيات بالتزم باخلاقيات المهنة وبميثاق الشرف الصحفى، أو يطلب ضمانات لجدية الصحف الجديدة التى أصبحت تحصل على تراخيص بالعشرات حتى انتشرت ظاهرة "الصحف  العشوائية".. مايكاد المجلس يفعل شيئا من ذلك حتى تعلوا اصوات بعينها تنعق.. هذا عدوان على حرية الصحافة.. وكانهم يريدون أن يستقر فى مصر مفهوم " فوضى الصحافة" على أنه "حرية الصحافة" وهذا موضوع يحتاج الى مناقشة.


فالمجلس ألآعلى للصافة ليس سلطة الدول باى حال من الأحوال، ولكنه سلطة الصحافة ذاتها، فاعضاؤه هم قيادات الصحف القومية والحزبية وأساتذة الصحافة.. ليس بينهم غريب عن المهنة.. وليس فيهم ممثل للحكومة باى صورة من الصور.. وسلطة المجلس حتى ألأن لأتخرج عن أسداء النصيحة، وابداء الرأى، والتوجه للصحف بالمناشدة والرجاء مع ذلك فان بعض الذين يمسكون باقلام ألأرهاب يحاولون تشويه صورة هذا المجلس واشاعة الخوف بين اعضائه لكى يقبلوا استمرار الصحف العشوائية واساليب الصحفى، أو على أنها مظهر لحرية الصحافة، بينما هى فى الحقيقة مظهر للآنحلال، والتدهور، والسقوط يجب أن نحمى الصحافة المصرية منه فى الوقت المناسب.


واذا كان هناك من لوم يمكن أن يوجه إلى المجلس الأعلى للصحافة فليس لأنه يحاول النيل من حرية الصحافة أوأنه يسعى إلى فرض قيود عليها. ولكن العكس هو الصحيح، أى أنه يحتاج ألى لوم لانه حتى الأن لم يستخدم سلطته كقوة ضبط ذاتى للعمل الصحفى، ولم يسلك طريق الحزم الواجب لكى تسير الصحافة المصرية فى طريق البناء، وتلتزم التزاما دقيقا بميثاق الشف الصحفى.. واذا لم بكن المجلس الأعلى للصحافة هو الرقيب وهو الحسيب، فمن أذن يمكن أن يراقب ويحاسب غيره..؟ هل ندع الآمور بلا رابط ولاضابط حتى نقع فيها وقعت فيه صحافة لبنان التى تحولت فى يوم من الأيام الى معاول تهدم الديمقراطية وتدعى أنها تمارس الديمقراطية، وتهدم المجتمع وتدعى أنها تحمى المجتمع، وتمد خيوطها خارج حدودها بمالا نستطيع التصريح به.. وهذه كلها أمور أستطاعت الصحافة اللبنانية أن تغيرها، وتصحح مسارها، وتعود إلى الطريق الصواب لكى تلتزم بمصلحة وطنها ولاتمد خيوطها إلى مصالح خارجة، وليس من المعقول أن نسير نحن على نفس الطريق ونكرر نفس الأخطاء وندفع الثمن الباهظ الذى دفعه لبنان.


كذلك ليس مقبولا أن يوافق الملجلس الأعلى للصحافة على منع ترخيص لاصدار عشرات الصحف لحزب واحد، يفوق عددها عدد أعضاء الحزب كله بقياداته وقواعده، دون أن يسأل: من اين التمويل.. واين هم المحررون.. ومن هم.. وكيف ستدار هذه الصحف.. لان الترخيص بأصدار صحيفة ليس كالترخيص بمزاولة مهنة ألارشاد السياحى او فتح كشك لبيع السجاير.. الصحافة الآن صناعة ضخمة.. مكلفة.. عالية التكلفة.. لاتحقق مكاسب ابدا اذا اعتمدت على مواردها الذاتية من التوزيع وألأعلانات الأبصعوبة بالغة.. ولدينا أمثلة لصحف كبرى تحقق خسائر فى العالم كله.. فى فرنسا.. وبريطانيا.. والولايات المتحدة .. ولكن مصادر تمويلها معروفة ومعلنة.. فلماذا تغضب بعض الاقلام اذا اراد المجلس الاعلى للصحافة أن يستوثق من توافر التمويل المشروع والكوادار الصحفية الحقيقية..؟


وغريب أن الجميع متفقون على خطورة تزايد الممارسات الصحفية الخاطئة ثم يقفون ازاءها مكتوفى الأيدى.. وهل يرضى أصحاب الضمير والأخلاق والغيورون على الصحافة، والمدافعون عن الحق والشرف.. حين يرون موجة الأختلاق التى انتشرت فى بعض الصحف الحزبية، وتعمد الاثارة، وتشويه الحقائق، ونشر قصص غير صحيحة تشوه سمة الشرفاء استنادا الى أن الكبار لايجدون الوقت لضياعه فى الخصومات والمحاكم واصدار التكذيبات التى لاتنشرعادة، أو تنشر مبتورة.. وهل يمكن أن يستمر الشكوت على ظواهر التشوه فى الصحافة.. صحف ليس لها هياكل مالية أو صحفية أو أدارية.. فكيف يمكن اعتبارها صحفا.. وصحف ليس لها مصادر تمويل معلومة ومعلنة.. وهل هى مشروعة أم غير مشروعة.. ولملذا يغضب المسئولون عنها  حين يطلب منهم اعلان مصادر تمويلها..؟ ثم هل  يمكن أن يتولى أمر للصحف من لاتتوافر فيهم شروط القانون .. بحيث يمارس مهنة الصحافة غير الصحفيين ونرتد بذلك إلى بدايات القرن حين كانت الصحافة مهنة العاطلين ومن لامهنة لهم، ونتراجع عن المكاسب التى تحققن وقد أصبحت الصحافة مهنة محترمة، والصحفيون موضع تقدير فى المجتمع، لانهم من أهل الراى والموهبة والتخصص..؟


وهل يمكن أن يسكت المجلس ألأعلى للصحافة على مايتريد الأن علينا وباصوات عالية من أن بعض الصحف الحزبية يتم بيعها أوتاجيرهاللغير.. ويحصل الحزب  على" أيجار" معلوم..؟الا تمس هذه الاوضاع كرامة وحرية ومصداقية الصحافة المصرية..؟الآتهدد المكانة التى وصلت اليها الصحافة عندنا بفضل جهاد عمالقة الصحافة فى هذا القرن، وبفضل المناخ الديمقراطى الذى تتمتع به الصحافة الآن، والذى يجب أن يكون مجالا لازدهارها وارتفاع شانها وليس مجالا لانحرافها وضياعها فى متاهات البحث عن الرواج الرخيص والربح السهل..؟ وهل يمكن أن يسكت المجلس الأعلى للصحافة على الحالة التى هبطت إليها بعض الصحف ويراها الناس بعيونهم..؟


لاحد يفكر فى المساس بحرية الصحافة.. بل أن نظام الحكم قائم على كفااة هذه الحرية حتى أصبحت علامة أساسية من علاماته.. ولكن الواجب أن يبدأ المجلس الأعلى للصحافة فى تنقية العمل الصحفى من السليبات التى يضج الجميع بالشكوى منها.على الأقل بالايعطى ترخيصا باصدار صحيفة جديدة الأ بعد التعرف على الهياكل التحريرية والادارتة ويزانية كل صحيفة ومصادر تمويلها واسماء المحررين لضمان أن يكونوا صحفيين فعلا.


هل هذه قيود؟


والذين يعتبرونها قيودا، ماذا يريدون..؟


هل يريدون استمرار التدهور والانحدار فى اساليب الخطاب العام فى الصحافة الى مستوى السوقة بحيث يخجل الرجل من إدخال الصحيفة الى بيته أو يطع عليها أبناؤه..، وهل يريدون أن يمسك العالم بهذه الأوراق الصغراء هى مصر..؟


باختصار: إن أوضاع الصحافة والممارسة الصحفية تحتاج إلى وقفة، ويجب ألا نهتم كثيرا بمن يتاجرون بحرية الصحافة، ويحققون ثرواتهم من إدعاء العدوان على الحريات، ويجعلون أنفسهم أبواقا ووكلاء عن كل من يريد تشويه الحقائق فى مصر. ولتكن هذه بداية حوار.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف