أهمية التربية السياسية

فى اجتماعات اللجنة السياسية للحوار الوطنى طالفب بعض أعضاء لجنة الحوار بإنشاء منظمة للشباب ولم يكن أصحاب هذه الفكرة من أنصار الفكر الاشتراكى أو الشمولى ولكنهم كانوا من بين المعروفين باتجاهاتهم الليبرالية ولم يكن دافعهم إلى هذا الاقتراح إلا شعورهم بأن الشباب أصبح يعانى من اللفراغ الفكرى والعقائدى وهذا هو السبب فى أنه وقع ضحية السطحية وقلة, الخبرة والتيارات والمذهب السياسية المختلفة وبطبيعة المخاطر التى تحيط به وبوطنه ولم يحصل على الجرعات الكافية للتحصين ضد المؤتمرات والحرب النفسية وأساليب التجنيد والخداع.


ولم يكن فى ذهن أحد من المنادين بهذا الاقتراح إعادة منظمة الشباب القديمة التى كانت نتاجًا طبيعيًا للمناخ السياسى والعقائدى الذى كان سائدًا فى الستينات حين كان التنظيم ولكن كان الهدف وراء هذا الاقتراح إبراز أهمية موضوع التربية السياسية للشباب وهو موضوع لم يعد يلقى ما يستحقه من الأهتمام العام رغم المحاولات التى تبذل فى بعض القطاعات ونلمس آثارها فيما تبذله الجامعات والمجلس الأعلى لرعاية الشباب.


وقضية التربية السياسية هى القضية التى يجب أن تشغل أنفسنا بها الآن لأنها السبيل الوحيد لتحصين الشباب من الفكر المتطرف والمنحرف كما أن بناء المستقبل وإعداد الأجيال الجديدة متوقف على نجاحنا فيها أليست الديموقراطية هى حرية التعبير والمشاركة فى صنع القرار وهل يمكن أن تتحقق الديموقراطية إلا بأن يكون المجتمع مهيأ لمبدأ الاختلاف وحق كل فرد فى التفكير المستقل وحرية الرأى؟ وهل يمكن أن تقوم ديموقراطية فى مجتمع دون طرفى المعادلة:


الطرف الأول: سلطة تتقبل الاختلاف ولا تضيق بالرأى الآخر ولا تصادره وتحرص فى الممارسة على مبدأ مشاركة الناس فى أتخاذ القرار.. والطرف الثانى للمعادلة مواطنون قادرون – بالفهم والوعى والنضج السياسى – على إبداء الرأى ولديهم من المقدرة ما يجعلهم مؤهلين للمساهمة فى ترشيد القرار وضمان تعبيره عن المصلحة العامة وليس العكس.


وهل يمكن أن يكون المواطنون ديمقراطيين بالوراثة أو بالميلاد ومن تلقاء أنفسهم أم أنهم يصبحون ديمقراطيين إذا نشأوا فى مناخ ديمقراطى.. يبدأ بالبيت الذى يربى أبناءه منذ الطفولة على الثقة بالنفس وعدم التردد أو الخوف من إبداء الرأى وإستقلالية التفكير والإحساس بالمسئولية الاجتماعية والقدرة على المشاركة..


وهل يمكن أن تنمو هذه الاتجاهات الديمقراطية دون أن تكون المدرسة – وهى المؤسسة التربوية المسئولة عن صناعة المواطن – مدركة لدورها وقائمة به بصورة مرضية.. هل يمكن أن ينشأ المواطن ديمقراطيًا إذا لم تكن المدرسة ميدانًا حقيقيًا للتعليم والتدريب على الحياة الديمقراطية وإذا كنا نعرف ونعترف بأن المدرسة ظلت سنوات طويلة مجرد أماكن اعتقال يحشر فيها التلاميذ عدة ساعات ويفرض عليهم حفظ بعض المعلومات واشترجاعها فى الامتحانات.. أما فكرة إيجاد حياة اجتماعية داخل المدرسة فقد أختفت سنوات طويلة ولم تظهر إلا فى الفترة الأخيرة وما زالت فى بداياتها لم تستكمل صورتها بعد والوصول بها إلى الكمال يحتاج إلى مجهودات هائلة من كل مؤسسات ومنظمات وأفراد المجتمع وليس من وزارة التعليم وحدها.


إن المدرسة ظلت لعشرات السنين تدار وفقًا للرأى الواحد وبقرارات تصدر دائما من أعلى دون أن تطرح على القواعد من الآباء أو المعلمين أو الطلبة لمناقشتها وإبداء الرأى فيها.. ومنذ أيام – دانلوب – وحتى وقت قريب والمدرسة تدار بالأوامر.. وأوامر من الوزارة إلى المناطق.. وأوامر من المناطق إلى المدارس.. وأوامر من مديرى المدارس إلى المدرسين.. وأوامر من المدرسين إلى التلاميذ.. وأى محاولة لإبداء الرأى لا تفسر إلا على أنها تمرد وخروج على واجب الطاعة ولم يكتشف القائمون على التعليم إلا أخيرًا أن ذلك يتعارض مع الروح السارية فى المجتمع ولقد سبقتنا دول آسيوية مختلفة فى اكتشاف أن الخلل فى المدرسة هو المسئول عن الخلل فى المجتمع وأن الحياة السياسية السوية تبدأ من سن الطفولة والمراهقة.


ففى الوقت الذى يستطيع فيه أى مواطن أن يقف أماغم رئيبس الدولة ليبدى ما يشاء من آراء والرئيس يعلن أمام الجميع لمن يستأذنه فى أن يبدى رأيه بصراحة: قل ما شئت توافقنى أو تعارضنى.. من حقك أن تقول رأيك دون إذن من أحد.. فى الوقت الذى يشعرفيه المواطن بالأمان والحرية فى قول ما يشاء أمام رئيس الدولة فإن تلميذًا فى المدرسة لا يستطيع أن يرفع أصبعه أمام المدرس ملتمسًا الأذن بتوجيه سؤال حول أسلوب الدراسة أو مناهجها أو نظام المدرسة.. ولا بد أ، نضع فى اعتبارنا أم المواطن الذى يقضى سنوات عمره الأولى فى ظل نظام سلطوى لا يسمح بحرية التفكير أو بحرية التعبير لن يكون قادرًا بعد ذلك على ممارسة الحياة السياسية بطريقة ناضجة..


يضاف إلى ذلك أن المبادىء السياسية الأساسية والمفاهيم الجوهرية التى تكون وعى المواطن وتوجه سلوكه غائبة فى كل مجال من مجالات التنشئة.. البيت.. والمدرسة.. والنادى أو مركز الشباب.


وإذا كان التخوف من قيام منظمة للشباب له وجاهته لأن تلك كانت مرحلة وانتهت فإنه تبقى المهمة قائمة تحتاج إلى من يقوم بها وهناك من يرى أن التربية السياسية للشباب هى مهمة الأحزاب السياسية ولكنى اعتقد أن هناك فارقًا دقيقًا بين التربية السياسية العامة والقومية التى تعد كل الشباب دون تفرقة للتعامل مع مجتمعه بإيجابية وتغرس فيه الشعور بالولاء للوطن وبالانتماء إلى المصالح الوطنية أولاً وأخيرًا وبين التربية الحزبية التى تجعل الفرد منحازًا لحزب معين ومرتبط ببرنامجه وقيادته وأرى أن المهمة الأولى تتجه إلى الشاب من حيث هو مصرى وهدفها ربطه بوطنه وبمفاهيم العصر وتبصيره بالقضايا العامة التى تهم المجتمع ككل.. أما التربية الحزبية فتأتى بعد ذلك فى مرحلة متأخرة وقد ينضم الشاب إلى حزب أو بفضل أن يكون مستقلاً عن الأحزاب وهذا حقه لأنه ليس مفترضا أن يكون كل الناس مشاركين فى الأحزاب ولكن المفترض أن يكونوا جميعًا كشاركين فى القضايا العامة التى تهم الوطن.


إن ما أثير فى مؤتمر الحوار يستحق الأهتمام من زاوية ما يتكشف أمام عيوننا من نتائج لغياب الوعى السياسى وضعف إدراك الشباب لطبيعة الأفكار والنظريات التى تقدم إليه فى صورة جذابة وهى تحمل الدمار لعقله ومستقبله ولا بد أن نسلم بأن الطبيعة لا نعرف الفراغ.. ليس فى الكون فراغ ولن تكون الأفكار التى يملئون بها عقول الشباب مليئة بالأخطاء والسموم وضد مصالح الوطن وعلينا أن نختار.. زنسرع.. لأن ضياع الوقت ليس فى مصلحتنا وإذا انتظرنا نحن.. فإن غيرنا لا ينتظر.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف