معايير نجاح مهرجان القراءة

لفت نظرى ازدياد الشكوى من كبار وصغار لعدم قدرتهم على الحصول على مجموعة الكتب التى أصدرتها مؤخرا اللجنة العليا لمهرجان القراء للجميع برئاسة السيدة سوزان مبارك، وحددت سعر الكتاب بين عشرة قروش وخمسين قرشا، وحين نقلت هذه الشكوى إلى الدكتور سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب علمت منه أ، هذه الكتب طرحت منها فى ألاسواق عشرات ألآلآف من النسخ، وتقوم الهيئة   بإعادة طبع كميات أضافية منها.. وفى هذا مؤشر يكفى للدلالة على نجاح هذا     المهرجان ، كما أنه دليل على أن القراءة الجادة لها جمهور واسع من ألاطفال والشاب والشيوخ، ولكن ارتفاع سعر الكتاب هو الذى يحول دون اشباع       العطش إلى المعرفة.. وقودنا هذا إلى إعادة الحديث عن دور ومسئولية الدولة..وعن أهمية الثقافة التى لاتقل عن أهمية الرغيف.. وبالتلى حقها الواجب من الاهتمام العام.


وفى نتائج بحث للدكتورين سنية صالح الأستاذة بالجامعة الامريكية وحسن شحاتة الأستاذ بكلية التربية بجامعة عين شمس ما يوكد أن برنامج القراءة للجميع أصبح تجسيد للديمقراطية، لأنه جعل المعرفة متاحة بعد أن أوشكت أن تصبح مقصورة على فئة دون فئة من أبناءمصر، ومن التنوع فى اختيار الكتب من التراث القديم والمؤلفات الحديثة العربية والعالمية يمكن خلق بيئة ترية تسمع بمشاركة الانسان المصرى على أساس  القدرة على التفكيروالاختيار دون أن   يكون هذا الانسان مبرمجا أو مصاغا فى قالب واحد معد سلفا يسلبه القدرة على ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ النفكير بحرية.


وقد توسعت حمعية الرعاية المتكاملة فى أنشطة هذا المهرجان فلم تعد مقصورة على القراءة فقط ولكنها أمتدت إاى إيجاد فرص لممارسة الأنشطة الفنيثة والثقافية .. فاصبحت تشمل مسرح الطفل، ومسرح العرائس، ومسابقات فى القراءة والرسم والكتابة والمعلومان العامةولقاءات مع الكتاب والآدباء وتشجيع أصحاب المواهب على كتابة الشعر والقصة والمقال واصدار صحف واعداد بحوث.. وبذلك يتحقق أمل قديم  لم يكن يجد من يرعاه، وهو ايجاد "حضانات" لاصحاب المواهب والقدرات الأبداعية من الأطفال والشباب..وكنا تقول أن دول العالم المتقدم لم تعد تترك للحظ والمصادفة ظهور عباقرة المجتمع، وعلماء، مخترعين وأدباء، ومفكرين، ولكنها تعد برامج واسعة لاكتشاف هذه المواهب فى سن مبكرة، واحتضانها، وتوفير الرعاية الخاصة لها بالتوجية والتدريب والأشراف المتخصص واتاحة فرصة التواصل والأتصال مع كبار المبدعين والعلماء فى المجتع.. لأن عملية التقدم فى الوطن  ليست وليدة الصناعة والاقتصاد فقط ولكنها فى الآساس وليدة حسن توظيف رأس المال الأهوهو العنصر البشرى.. الأنسان ولكننا لم نبدأ إلا منذ ثلاث سنوات بهذا البرنامج الجاد.


وقد كشفت تقارير المتابعة عن أن الأطفال والشبان الذين انتظموا فى البرنامج الصيفى للقراءة أصبحوا من المتفوقين  دراسيًا وارتفع تحصيلهم الدراسى بشكل عام، كما أصبحوا أكثر قدرة على المناقشة وإبداء الرأى، والتمييز بين الأفكار، وإصدار الأحكام، كما أنهم اكتسبوا مهارات وأداب الحوار والقدرة على ممارسة وتقبل النقد واحترام الرأى الأخر.


وإذا كانت السيدة سوزان مبارك قد بدأت الاهتمام على نطاق واسع بمحو الأمية فى مصر باعتبارها أكبر عائق أمام التنمية والتقدم، وأول عقبة أمام مجتمعنا وهو يستعد لدخول القرن الحادى والعشرين بما فيه من قفزات حضارية وعلمية، وتركيزها على محو أمية المرأة بشكل خاص بإعتبارها العنصر الأكثر معاناة من ههذ المشكلة، والأكثر أهمية وتأثيرًا فى تكوين الأجيال الجديدة من المصريين، فإن مشروع القراءة للجميع هو الوجه الآخر من القضية، لأنه معركة من أجل القضاء على الأمية الثقافية، ومحاربة الجهل، وإنهاء حالة العزلة بين المواطن وبين تيارات الفكر والعلم والفن والحضارة السائدة فى العالم باحتوائها وتأثيرها على تنمية قدرة الإنسان على التعامل مع العصر.


ولكن المشكلة التى ما زالت قائمة توفير التمويل اللازم لزيادة مساحة مشروع القراءة لكى تصل المكتبات إلى كل حى وكل ناحية فى كل قرية، بل وعلى كل بيت، وليس هذا غريبًاـ ونحن نعرف كيف أن المكتبة جزء أساسى من البيت الأدبى الأوروبى واليابانى والأمريكى والروسى.. وهنا تظهر أهمية مشاركة رجال العمال فى عملية التمويل، لتوفير مجموعات الكتب والمجلات للأسر غير القادرة وإنشاء مزيد من المكتبات فى الجمعيات والمساجد والأندية الريفية.


ويبدو أننا نحتاج إلى مجهود إعلامى كبير من التليفزيون على وجه الخصوص لإقناع الآباء والأمهات بأهمية الكتاب والقراءة وغرس عادة القراءة فى نفس كل مواطن مهما تكن درجة تعليمه، [نه يغير حماس الآباء والأمهات وإدراكهم لأهمية هذا البرنامج لن يقوم البيت بدوره المفترض، وهو إثارة اهتمام الطفل فى مراحل عمره المبكرة بالقراءة كوسيلة للاستكشاف وإرضاء حب الاستطلاع لديه، وللإجابة عن الأسئلة العديدة التى تشغله ولا يجد بين الكبار من يقدم له عنها إجابات ترضيه وتكفيه وتفيده غى تكوينه العقلى. والبيت هو المجال الأول والأهم لإيجاد الألفة بين الطفل والكتاب، والدليل على ذلك أن الأطفال والشبان الأكثر اهتمامًا بالقراءة تبين أن آباءهم مهتمون بالقراءة وأنهم يعيشون فى بيت توجد فيه كتب ومجلات ويقرأ بعض أفراده بانتظام. وهذه حقيقة علمية تدعونا إلى التركيز على الكبار للوصول إلى الصغار.


وهناك حقائق ومعلومات أصبح من الضرورى لإنسان القرن العشرين أن يعرفها وإلا انعزل عن تيار التقدم الإنسانى كله.. فلم يعد متصورًا ألا يعرف المواطن  شيئًا عن علوم الفضاء والهندسة الوراثية والليزر.. ومعلومات صحية لازمة لحمايته من الأمراض..ومعلومات عن التاريخ ومبادىء الاقتصاد والسياسة ةالعلوم السلوكية.. والذين سافروا خارج الحدود لفت نظرهم بشدة مدى إقبال الناس من كل الأعمار فى أمريكا وكل دول أوروبا على القراءة فى كل وقت وكل مكان.. فى المترو.. والحدائق العامة.. ووقت الغداء الخفيف.. فضلاً عن أوقات الفراغ والراحة، لأنهم وصلوا إلى إقتناع كامل بأنه لا حياة لإنسان بغير ثقافة، ولا ثقافة بغير قراءة.. وتعلموا أن هناك وقتًا كثيرًا يشيع دون يستفيد منه الإنسان. ومن الأفضل أن يتعلم كل دقيقة شيئًا جديدًا، لأن العالم تظهر فيه كل دقيقة نظرية علمية جديدة أو كتاب هام جديد، أو بحث جوهرى يغير بعض ما هو سائد من أفكار.. ومعايشة العقل لتطو رالفكر يجعله أقدر على التمييز بين الزيف والحقيقة، وبين الصدق والخداع، وبين ما فيه مصلحة وما فيه ضرر، وبين الواجب والحق، وبين إتقان العمل وحطورة التهاون فيه..


بإختصار إن الشفافية هى المكون العقلى والوجدانى لإنسان متحضر فى تفكيره وسلوكه وعلاقاته..


ولهذا السبب أعتقد أن أهم ما تفعله هو أن نساهم جميعًأ فى انجاح وتوسيع برنامج القراءة للجميع إلى أقصى درجة ممكنة..  ونشارك فيه جميعًا.. لأنه يتصل بجوهر مستقبلنا.. ومستقبل أجيالنا القادمة دون أدنى شك.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف