كيف نقدم الإسلام للغرب؟

كيف نقنع الغرب بأن الإسلام برىء من الإرهاب؟



بالنسبة لنا تبدو المسألة سهلة لأننا نعرف الإسلام معرفة من قريب، ولدينا تراكم قرون من الخبرة والمعرفة والمعايشة، ونستطيع أن نفرق بين ما هو إسلام وما هو دخيل عليه من دعاوى وأفكار وممارسات.


ولكن الأمر بالنسبة للغربيين مختلف، فهم يرون عمليان القتل فى أكثر من بلد إسلامى تحدث بشكل همجى وعشوائى باسم الإسلام وشريعته، ويبحثون وراء هذه الأحداث فيجدون أفكارًا تحكم على المسلمين بالكفر وتبيح دماءهم، ولا يستطيع العقل الغربى أن يوفق بين هذه المتناقضات. دين يقول أهله أنه دين التسامح ويظهر فيه متعصبون ويقولون أنه دين الرحمة، وتظهر فيه جماعات تستخدم أقصى درجات القسوة إلى حد قتل الأبرياء فى الشوارع، ويقولون أنه دين الاعتدال يظهر بين أبنائه متطرفون.. كيف يستطيع العقل الغربى، ووهو عقل منطقى يبدأ بأحداث الواقع ويتدرج فيها إلى الحكم والحكمة والفكرة.


 ولا نستبعد بطبيعة الحال سوء القصد لدى بعض الباحثين الغربيين، كما لا نستبعد نظرية المؤامرة، أو سوء الفهم والخطأ فى قراءة النصوص والأحداث فى العالم الإسلام اليوم، ولكن نضيف إليها سببًا آخر هو ما يظهر على السطح من عنف يتحول إلى سلاح ضد الإسلام يستخدمه الغرب بسوء الفهم أبو بسوء القصد.


وفى دراسة حديثة للأستاذ غسان سلامة الأستاذ بمعهد الدراسات السياسية فى باريس بعنوان "الإسلام والغرب" يشير أيضًا إلى أن كثيرًا من خبراء الاستراتيجية الغربيين اعتبروا الإسلام هو العدو الجديد للغرب بعد انتهاء الحرب الباردة مع أن هؤلاء الخبراء لا يعرفون إلا القليل عن الإسلام، وكل ما يعرفونه أن البرنامج السياسى للإسلاميين يسعى إلى إحياء التاريخ القيدم بصورة يغالى فيها، وأنهم يتحركون بدافع من الاغترا بعن النظام العالمى الراهن، ويرون أن وضع العالم الإسلامى فيه قد أصبح هامشيًا بصورة ظالمة إذا قيس بأمجاد الإسلام القديمة، وهم يسعون إلى أحياء التراث كله, ومقاومة الغرب, ومعاداة توجهاته الفكرية والسياسية الأساسية. والحقيقة أن الإسلاميين يتبنون برنامج القوميين ويترجمونه بمصطلحات دينية ويعدون بتحقيقه إذا وصلوا إلى السلطة.


لقد ساعدت الهجمات الغربية على الإسلام, والصورة السلبية التى يقدمها الإعلام الغربى عن الإسلام والمسلمين إلى تأكيد ريبة المسلمين عن مؤامرة مفترضة للغرب على الإسلام, كما أن بعض الباحثين غذوا فكرة أن الإسلام دين فريد للغاية لا يمكن أن يتكيف مع معطيات العصر ولا أن يقبل التعايش مع الحداثة والديموقراطية, وقد وقع بعض أبناء الإسلام فى هذا الفخ واظهروا العداء لكل ما هو حديث فى الفكر والنظم والتكنولوجيا وساهموا بذلك فى تصوير المسلمين على أنهم أصحاب دعوة للعودة إلى الحياة فى الكهف بعيدًا عن الحضارة الحديثة!.


ويشير غسان سلامة إلى مسئولية الغرب عن زيادة الحجم التطرف فى الجانب الإسلامى, فلو أن الغرب ساهم فى حل المشكلة الفلسطينية وإعادة الحقوق إلى هذا الشعب الفلسطينى المظلوم لكان فى لذلك تهدئة للرآى العام فى العالم الإسلامى الذى يتعمق فيه الشعور بأن الغرب يدعم القوى التى تغتصب أرضه وحقوقه ويعرقل وصول الحقوق إلى أصحابها الفلسطينيين, وأن ما يحدث للفلسطينيين يمكن أن يقرره الغرب مع غيرهم.. كما أن هناك شعورًا عامًا بأن هناك نزعة التدخل لدى الغرب فى العالم الإسلامى طوال السنوات الماضية: سوريا "1983" ليبيا "1986" إيران "1988" الصومال "1993" فى حين أن الدوافع قد تختلف فى كل حالة إلا أن النتيجة هى التوجس من الغرب والتشكك فى دوافع تدخله حتى ولو كان هذا التدخل لأسباب إنسانية, لأن هناك شعورًا يتعمق بأن الغرب يتعامل مع العالم الإسلامى بانحياز ضده, وبعدم موضوعية, وبأنه يكيل بمكيالين.


ملخص هذه النظرية أن الغرب هو البادىء بالاعتداء الفكرى والموضوعى على الإسلام والمسلمينوأنه يبحث لنفسه عن مبرر فلسفى أو نظرى لهذا العتداء فلا يجد ذلك إلا فى الأفكار الغربية المحدودة الإنتشار عن عداء الإسلام لغير المسلمين, أو عن احتقار المرأة ككيان إنسانى, أو عن رفض الحضارة التكنولوجيا الحديثة والديموقراطية, أو عن استسهال الحكم على الناس بالكفر, أو فى ظهور جماعات العنف وإرتكابها لجرائم غير مبررة, والحقيقة أن هذه كلها ظواهر كان ينبغى النظر إليها فى حجمها الحقيقى, وفى إطار نشاتها وظروف وجودها, وبحسابات قدرتها على البقاء والاستمرار واحتمالات المستقبل بالنسبة لها, وتجاوب أو رفض الرأى العام فى العالم الإسلامى لها.. ثم بمقارنتها بما فى الإسلام الصحيح المعتدل من معطيات ومبادىء وأفكار هى بلا شك مع التقدم والحداثة, وع الحريات وحقوق الإنسان, ومع الاخاء الإنسانى والسلام والتعاون الدولى.. ومع كل ما فى العالم من مبادىء تقدمية هى صياغات وترجمات لروح الإسلام, لأن حضارة الغرب الحديثة قامت أساسًا على العلم والثقافة والحضارة الإسلامية وهذه حقيقة يتعرف بها كل الباحثين الغربيين دون أستثناء.


ولكن المشكلة أن المسلمين أصبحوا أكثر الناس تغنيا بالماضى الذى ذهب, وأكثر البشر حياة فى العصور التى انقضت.. لأنها كانت عصور ازدهارهم.. وبعض المفكرين استسهلوا الحياة فى الماضى ومحاولة استعادته بدلاً من أن يتعبوا أنفسهم, ويبدأوا بحقيقة أنه ليس هناك عصر مضى يمكن أن يعود, وكل عصر يأتى لا بد أن يكون جديدًا, ولكن القيم الجوهرية الخالدة فى الإسلام هى الباقية التى لا تتغير بتغير العصور والأزمان.. يركب المسلمون الجمل أو الطائرة أو الصاروخ لا يهم.. لأن لكل عصر وسيلته.. يستخدمون صحائف من الجلد ليكتبوا عليها أو أجهزة كمبيوتر.. ليس ذلك شيئًا يتعلق بالعقيدة.. ولكنهم فى كل الأحوال يتمسكون بالمبادىء.. الإسلام مبادىء.. وقيم.. وأسلوب الحياة راقية فى العبادات والمعاملات.. وهو ليس دينًا منقطع الصلة بغيره من الأديان السماوية, لأنها كلها من مصدر واحد.. ولذلك فهو يتفق معها ويعترف بها ويتعاون مع أهلها, وما ينفرد به فى العقائد والعبادات ليس سببًا فى وجود عداء من أى نوع مع الآخر, وهذا ما يفسر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم للمهاجرين الأوائل بالهجرة إلى الحبشة ليعيشوا فى رعاية نجاشى الحبشة المسيحى, وزواجه عليه الصلاة والسلام بالسيدة ماريا القبطية, ووفاته ودرعه مرهونة عند يهودى أشارة إلى أن علاقات المسلمين بسائر الأديان علاقات أخوة وتعاون وليست علاقات عداء أبتداء بحكم العقيدة الإسلامية كما يروج بعض المفكرين الغربيين.


هناك افتراءات كثيرة ضد الإسلام والمسلمين على الساحة الفكرية الغربية تزداد يومًا بعد يوم, وهذه حقيقة لا أعرف لماذا يحاول بعض كتابنا أنكارها أو التقليل من شأنها, مع أنها تمثل خطورة على الإسلام وعلى العالم الإسلامى, لأن سكوتنا بالعجز أو الإستهانة يؤدى إلى ترسيخ هذه الأفكار واتساع نطاقها.. وللحق لابد أن نقول أن المؤسسات الإسلامية لم تؤد واجبها كاملاً حتى الآن.. لم تحشد المفكرين الكبار.. لم تحصر أوجه الهجوم على الإسلام.. لم تضع خطة للرد وتوضيح حقائق الإسلام فى كتب وبحوث, وفى مؤتمرات وحلقات بحث علمية على أعلى مستوى.. ولم تدع أصحاب الفكر المعادى لزيارة العالم الإسلامى والتعرف على المساحة المتغلغلة فى ملايين المسلمين ليعايشوا الفكر الإسلامى من خلال الممارسات اليومية البسيطة المتعدلة..


ولابد أن ندق ناقوسًا يوقظ الغافلين.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف