رؤية غربية لحالة المسلمين

كلما تعمقنا فى تحليل أسباب سوء الفهم القائم فى الغرب للإسلام والمسلمين نكتشف أن الموضوع متعدد الزوايا، وأن أسبابه عديدة. وعميقة، ضاربة فى التاريخ الوسيط والحديث هنا وهناك، كما تبين أن هناك الجهل المتبادل، وأحيانًا نجد سوء الظن المتبادل أيضًا. فى العالم الإسلامى تزدهر نظرية المؤامرة، وينمو إحساس عام بأن الغرب ينظر إلى الإسلام كعدو، وأن جسور التعاون والتفاهم والانفتاح الفكرى بين الغرب والإسلام، هذه الجسور ليست مدودة أو مفتوحة بالقدر الكافى لتحقيق ذلك.. كما تزدهر نظرية أرى تريد فيما يشبه المسلمات أن "الشرق شرق والغرب غرب"، ولن يلتقيا، وهى عبارة قالها مفكر غربى، ولكن صاداها وتأثيرها فى العالم الإسلامى تضخم إلى حد أن أصبحت وكأنها تعبير عن حقيقة أزلية أبدية لا فكاك منها.


وفى الغرب هناك كتابات كثيرة تشىء إلى الإسلام وتشوه صورته، منها ما يتخذ شكل الكتابات العلمية والبحوث الأكاديمية والفنية الأخرى وبخاصة فى برامج التليفزيون ومسلسلاته. وفى الأفلام السينمائية، وحتى فى الأعمال الأدبية والروائية.. ولذلك نقول إن حالة سوء الفهم القائمة الآن تحتاج إلى وقفة طويلة للفهم والإعداد لعمل يحقق ما ينادى به البعض من ضرورة "حوار الثقافات والحضارات" وهو أمر مطلوب وواجب ولكن يجب أن يتحقق بتوافر شروطه وليس بمجرد التمنى والمطالبة والرجاء.


ولقد دلنى الأستاذ ثابت عيد وهو باحث مصرى متميز فى جامعة زيورخ بسويسرا إلى بعض كتابات صحفى سويسرى مشهور هو "أريك جيسلينج" أبرز المتخصصين السويسريين فى شئون الشرق الأوسط يميزه أنه من الفئة التى تعمل فى الغرب على تصحيح صورة الإسلام. وقد ألف ثلاثة كتب عن الشرق الأوسط، آخرها كتاب وضعه مع باحث سويسرى معروف هو "ارنولط هوتيتنجر" بعنوان "الشرق الأوسط بؤرة الصراعات" ويهدف فيه إلى تقديم الإسلام – ما عرفه – إلى المواطن السويسرى العادى، وهو يريد – بقدر ما يستطيع – أن يلعب دورًأ فى تقريب المسافة بين العقليتين. ويشير إلى أن الأوربيين والأمريكيين يواجهون صعوبات فى فهم ما يجرى فى الشرق الأوسط من أحداث وصراعات.. فهل يرجع السبب إلى خلفيات سوء الفهم القديمة.. أم إلى الاختلاف الكبير بين العثليتين.. أم هى الخلافات الدينية والثقافية بين الحضارتين.. أم أن اختلاف اللغة هو العائق الرئيسى للتواصل والتفاهم بين الطرفين.. أم لأن الغربيين أصبحت لدهم فكرة ثابتة غير قابلة للتغير بأن العالم العربى (والإسلامى) لا يتصرف إلا بطرقة عاطفية..


يقول الباحث السويسرى أن هذه الفكرة الثابتة ليست صحيحة حتى إطلاقها. فالسياسيون العرب يتعاملون مع الأمور بنفس الوعى والعقلانية اللذين يتصرف بهما سياسيو أوروبا.. وهناك طبعًا بعض استثناءات ولكنها موجودة فى الجانبين والفارق الحقيقى أن السياسة فى العالم الغربى (والإسلامى) ليست مسألة موضوعية ومجردة تخضع للنظريات محددة وواضحة، ولكنها موضوع تتم معالجته حسبالحوال من منطلق عملى ومحسوس.. فليس لدى العرب (والمسلمين) كثير من واضعى النظريات السياسية أو مؤسسى المذاهب، كما هو الحال فى الغرب، يضاف إلى ذلك أن هناك مجموعات من العرب فى مختلف الدول العربية تجد صعوبة فى الإحساس بالانتماء.. ويضاف إلى ذلك أيضًا تعدد ظهور أنظمة مصطنعة وهياكل شكلية للحكم فى فترات مختلفة من التاريخ العربى. كما أن الحدود بين الدول الفعربية تم رسمها بطريقة عشوائية بأقلام حمراء وزرقاء عن طريق القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية، وتستغل ههذ الحقيقة استغلالاً سيئًا فى بعض الأحيان حتى أن صدام حسين خين غزا الكويت كانت حجته أن الحدود بين  البلدين وضعها الاستعمار البريطانى، ونمى أن عدم الاعتراف بحدود الكويت يؤدى منطقيًا إلى التشكيك أيضًا فى شرعية حدود العراق لأن الاستعمار البريطانى هو الذى وضعها..!


وفى تحليله لأسباب سوء الفهم بين الغرب والعالم العربى يقول إن هناك اهتلافًا فى النظام السياسى, فهذا النظام السياسى يقوم فى المجتمعات الغربية على أساس توزيع السلطات. والحد من تركيز السلطة, وممارسة نظام تعدد الأحزاب, والاعتراف بحقيقة تنوع الثقافات. هذه الأفكار ليست غريبة على العالم العربى. كما أنه يجب أن نتعرف بأن الشعوب العربية هى وحدها القادرة على اختيار النظام السياسى الذى يناسبها..


لكن الباحث حين يتعمق فى بحث جذور الفكر النظرى الذى نستند إليه نظريات وأنظمة الحكم فى العالم الإسلامى فإنه يرى أن هناك اختلافًا فى فهم وممارسة مفهوم "الحرية" فى العالم الإسلامى والغرب, كما أنه من الناحية النظرية ليس هناك إجماع بين المذاهب الإسلامية حول نطاق حقوق الإنسان, أو حول الجبر والاختيار, وقضية حقوق الإنسان هى أحد أوجه الخلاف الرئيسية بين الغرب والعالم الإسلامى.


فى رأيه أيضًا أن القومية العربية, والسلفية الإسلامية حركتان قامتًا كرد فعل من جانب الشعوب اللعربية الإسلامية ضد الغرب الذى تدخل بطريقة جافة وقاسية فى حياة العرب, وبعد الحملة الفرنسية على مصر فى القرن التاسع عشر, وسيطرة التفوق الاقتصادى والسياسى للعرب, أصبح العرب والمسلمون يسألون أنفسهم عن سر ضعفهم, وعوامل تخلفهم, وأسباب تفوق الأوربيين عليهم, وبدأوا يحللون الماضى فى محاولة لفهم الحاضر, وأيضًا لإيجاد مخرج من حالة التخلف التى وجدوا أنفسهم عليها, وهكذا ظهرت جماعة من المثقفين العرب يقول بوجوب نقل العلوم من الغرب والإستفادة بها فى حل المشاكل, وتطير المجتمعات الإسلامية, كما ظهرت جماعة أخرى بنظرية مختلفة, ملخصها أن سبب ضعف المسلمين هو ابتعادهم عن تعاليم الإسلام وقواعده, وأن الحل الوحيد لمشاكل التخلف هو العودة إلى هذه التعاليم والقواعد مرة أخرى, وإذا كان فى هذا التيار متطرفون فإن فيه معتدلين حتى داخل الثورة الإيرانية ذاتها.


وحتى قضية القومية العربية فقد كان فيها هى الأخرى تياران, تيار يمينى, يمثله مفكر مثل ساطع الحصرى, وتيار يسارى كان يمثله ميشيل عفلق, وكانت هى الأخرى, تمثل خطأ دفاعيًا ضد الغرب, مع فاروق أن القوميين العرب – من التيارين – كانوا يدركون الحاجة إلى تحديث المجتمع العربى, ويضيفون إلى ذلك ضرورة نقل التكنولوجيا الغربية, والأستفادة من التقدم الحضارى والثقافى والعلمى فى الغرب عمومًا.


وينبهنا الباحث السويسرى إلى فكرة قد تكون غائبة عن كثير من الباحثين فى حالة سوء الفهم الغربى للإسلام, حين يشير إلى أن العالم الغربى يتوجس خيفة من الفكرة الإسلامية بتقسيم العالم إلى جزءين أو عالمين" دار الإسلام, ودار الحرب. ويستنتج الغرب منها خطأ أن المسلمين يعتبرون أنفسهم – بحكم دائم من الدين اللإسلامى ذاته – فى حالة حرب مستمرة مع الدول غير الإسلامية وقليل فى الغرب من يعرفون – ويتذكرون – أن الدول الإسلامية عاشت فى سلام لعصور طويلة جنبًا إلى جنب مع الدول الأوربية, حتى أن حالات الحرب بين العرب والأوربيين تمثل حالات استثنائية فى التاريخ.


لكن عصور الحرب بين المعسكرين تركت أثارًا عميقة على الجانبين, وكان أولها فى القرنين السابع والثامن عندما توسعت الحضارة الإسلامية وامتدت من شمال أفريقيا إلى أسبانيا وجنوب فرنسا. وفى القرنين الحادى عشر والثانى عشر فى الحروب الصليبية, ثم الحملة الفرنسية على مصر التى يعتبرها العرب نقطة تحول هامة فى المنطقة, حيث بدأ الغرب يمارس تفوقه العلمى والتكنولوجى, وبإحتلال فرنسا للجزائر عام 1930 ووحشية معاملة الفرنسيين للشعب الجزائرى شهدت العلاقات العربية – والأوروبية تدهورًا جديدًا, ثم جاء احتلال بريطانيا للسودان, وإحتلال إيطاليا وفرنسا بقية شمال افريقيا فى الفترة بين عامى 1901و1911, وأخيرًا جاءت معاهدة سايكس – بيكو الغربية التى قسمت العالم العربى إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية, وبعدها وعد بلفور.. وليس غريبًا أن يكون الاستعمار هو التحدى الأكبر بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية, وأن تقوم الثورة بعد الثورة للتخلص من الاحتلال الغربى, حتى ترسخ فى الوجدان العربى والإسلامى أن التحرر معناه الثورة على الغرب.


ربما تساعدنا هذه الرؤية على فهم بعض عوامل سوء الفهم للإسلام فى العالم الغربى, ومهما اتفقنا أو اختلفنا مع الباحث السويسرى فإلإننا نسجل له إخلاصه فى البحث عن الحقيقة بالقدر الممكن بالنسبة له. كما نسجل للباحث المصرى الأستاذ ثابت عيد إخلاصه أيضًا فى البحث عن رؤية الغربيين للإسلام لتكون بين أيدينا ونحن نفكر فى حاضرنا ومستقبلنا.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف