من يسىء إلى الإسلام؟

من يتابع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يلاحظ أنها تنشر أخبارًا وموضوعات بذانها تشوه صورة العرب، وتضخم من حجم أحداث الإرهاب وتصور الإرهابيين على غير حقيقتهم، وبين السطور لا يخطئ المحلل أن الصحيفة تسعى إلى غرس انطباع لدى قرائها بأن كل المسلمين إرهابيون. أو من الممكن أن يكونوا إرهابيين. وأن الإسلام فى ذاته ينطوى على دوافع ومبررات الإهارب، وهذه هى حملات التشويه التى نشكو منها.


وما تفعله "نيويورك تايمز"  تفعله أيضًا وكالة رويتر فى أحيان كثيرة, وأكثر من صحيفة ومجلة ووكالة أنباء.. ويكفى أن نتابع تغطيات الإعلام الغربى لأحداث الجزائر، والأردن، والسودان، ومصر، وإيران لنرى الدليل واضحًا.  


ومن الطبيعى أن تشغل هذه الظاهرة المثقفين المصريين والعرب والمسلمين ليحاولوا معرفة الأسباب ويبحثوا عن الوسيلة الصحيحة لتقديم الإسلام فى صورته الصحيحة.. دينًا للسماحة والسلام والعلم والعقل والحضارة.


الذين يحسنون الظن - مثل فضيلة المفتى الدكتور محمد سيد طنطاوى -يرجعون للسبب إلى الجهل. فكل دين  لديه الصالحون والأشرار. وهم يرون ما يحدث عندما بقتل بعض المسلمين بعضًا بقسوة ووحشية، ويقولون أن هذا هو الإسلام، فإن المراقب من بعيد الذى لا يعرف حقيقة الإسلام، ولا يرى إلا الأحداث المتفجرة على السطح التى تلفت النظر قد يقول: لو كان المسلمون فيهم خيرًا ما  فعلوا بأنفسهم وبإخوانهم، وواجبنا أيضًا أن نعيد طرح الصورة الصحيحة للإسلام.. وواجبنا أيضًا أن نقدم النماذج الصالحة من المسلمين.. من العلماء والمفكرين واتلمصلحين، ليعرف العالم غير الإسلامى أن الذين يخربون باسم الإسلام، ويدبرون المؤامرات للاعتداء على النفس والعرض والمال بعيدون عن الإسلام الحقيقى.. واجبنا أيضًا أن ننبه الإعلام الغربى إلى أن يأخذ الإسلام من مصادره الصحيحة، وأن يدرسه من خلال نماذج من الأسوياء وليس من مرضى النفوس.


رؤية أخرى ترجع المسألة إلى الحالة التى وصلت إليها الحضارة الغربية بشكل عام، يعبر عنها الدكتور حسن عباس زكى المفكر الإسلامى والاقتصادى ملخصها أن الحضارة الغربية وصلت إلى حالة إفلاس اقتصادى وحضارى وهم يعلمون أن الإسلام – تاريخيًا – هو الذى أثار أوروبا وأخرجها من عصور الظلام، وربما تكون الاتجاهات العدوانية على الإسلام سببها الشعور أن هذا الدين يمكن أن ينتج حضارة عالمية جديدة متماسكة أخلاقيًا وروحيًا كبديل للحضارة الغربية والتاريخ يمكن أن يعيد نفسه لكن المسلمين هم أنفسهم مقصرون فى حق أنفسهم، وفى حق دينهم لأنهم حتى الآن لم يقدموا للغرب ما يقنع بأن الإسلام = كدين وحضارة – لم يصل إلى التدهور أو الانهيار ولكن المسلمين هم الذين تخلوا عنه. وبعضهم أساء فهمه، وأساء السلوك باسمه.


لقد نبه المؤرخ الكبير توينبى إلى ظاهره انهيار الحضارات، وتكرر المعنى مؤخرًا فى كتابات الرئيس الأمريكى الأسبق نيكسون والمفكر السياسى الاستراتيجى بريجنيسكى، وكل المفكرين الغربيين ينتهون إلى أنه ليس هناك مخرج لأزمة الحضارة الغربية إلى بالدين والتربية. ويرى بعضهم أنه بعد انهيار الشيوعية لم تعد هناك نظرية متماسكة ومتكاملة إلا الإسلام، ولكن أهل الإسلام – مع الأسف – يبدون أمام العالم أعداء لأنفسهم وللغربيين العذر إذا ربطوا ربطًا غير منطقى وغير واقعى بين الإسلام والإرهاب والعنف والجريمة.


المسلمون هم المسئولون.. وسائل إعلامهم لا تعكس القيم الإسلامية الصحيحة بوضوح للغرب، وهناك جماعات جعلت رسالتها للتركيز على نقاط الاختلاف، وتكبيرها حتى يبدو فى الظاهر أن المسلمين ليسوا متفقين على دينهم، أو أن هذا الدين ينطوى على الخلاف فى داخله وأن الصراع بين أهله جزء من تكوينه بحيث لا يستطيع المسلمون الاتفاق فيما بينهم حتى لو أرادوا.


كيف نعرض الإسلام؟ هذه هى القضية. وهل نعرضه بالكلام والشرح والتوضيح أن نعرضه من خلال سلوك أبنائه وأعمال المؤمنين به والساعين إلى إعلاء كلمته.. ما هى وسيلتهم لإعلاء كلمة الإسلام.. هل هى وسيلة خيرة أم شريرة.. وهل هم يعتنقون نظرية الغاية تبرر الوسلة، فيتحولون إلى مجرمين ولصوص هدفهم إقامة الدولة الإسلامية، أم يعتنقون نظرية أن الغاية النبيلة لابد أن يكون للوصول إليها بوسائل نبيلة؟


مسألة التفرقة بين الإسلام والمسلمين لا يفهمها كثير من أبناء الغرب. ولهم العذر فى ذلك أنه من الصعب أن نقدم نماذج عدوانية من المسلمين ونريد أن يصدقنا الآخرون بأن الإسلام دين سلام ودعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وتعاون على البر والتقوى وليس تعاونًا على الإثم والعدوان. ومن الصعب أن يصدق الغرب أن أكثر الناس تمسكًا بالإسلام فى الظاهر – هم أكثر الناس بعدًا عن روح الإسلام، وأنهم مسلمون بالاسم فقط، أو بالادعاء، وبعضهم غير مؤهلين وغير قادرين على مسايرة تغيرات العصر والتخاطب بلغته وبعضهم يؤمن بأن الجريمة هى الوسيلة المثلى لإعلاء كلمة الإسلام.


وبدلاً من أن نتجه باللوم على الغرب يجب أن نبدأ بتوجيه اللوم إلى أنفسنا، لأننا ضيعنا عشات السنين فى العالم الإسلامى دون أن نحقق التنسيق والتناغم بين مؤسسات التعليم ومؤسسات الدعوة ومؤسسات الإعلام، ودون أن نقدم حلولاً صحيحة لأزمات حقيقية ظهرت فى المجتمعات الإسلامية مثل تفكك الأسرة، وفقدان التواصل بين المعلم والطالب، وابتاع أسلوب تعليمى يعتمد على التلقين بدون تفكير بحيث تحول بعض الشباب إلى آلات صماء يسهل تلقينها مبادىء منحرفة ومفاهيم خاطئة، وفوق ذلك ظللنا نريد شعار بناء الإنسان ولم نصل حتى إلى تصور واضح لبناء الشخصية.


هذه أيضًا رؤية تفيدنا فى فهم الموضوع.


وإن كانت هناك رؤية أخرى للدكتورة نعمات أحمد فؤاد ملخصها أن االغرب لا يجهل الإسلام، ولكنه يدعى الجهل، فالعلماء والمفكرين فيه درسوا الإسلام دراسة جيدة، والمستشرقون الذين أنصفوا الإسلام والذين ساءوا إليه يعلمون قوة الإسلام، وهناك على سبيل المثال كتاب فى الفكر اليهودى من تأليف حاخام اليهود فى بريطانيا يقول فيه أن عصر حكم المسلمين فى الأندلس كان أكثر العهود التى عاش فيها اليهود فى ظل حكم منصف لهم ومتسامح معهم، ولا يفرق بينهم وبين غيرهم من أهل الديانات الأخرى، هم إذن يعلمون سماحة الإسلام، ويعلمون أن ما يظهر على السكح لا يمثل حقيقة الإسلام.


فالمستشرقون يعرفون أن أفريقيا فيها الآن ألف مليون مسلم، وأن كثيرًا من العلماء يدخلون الإسلام وبعضهم يخفى إسلامه، وهؤلاء يسمون أنفسهم بـ "مسلمى بيت الأرقم" بشارة إلى بداية الدعوة الإسلامية حين كان المسلمون يلتقون فى بيت الأرقم، ولكن هؤلاء المسشترقين هم الذين يركزون الأضواء على عناصر المتشددين والمنتظمين من بين مئات الملايين من المسلمين المعتدلين، هم يعلمون أن الإمام ابن حزم كان يستمع إلى الغناء ويصلى الفجر حاضرًا ويعلمون أن أئمة المسلمين الكبار كانوا وراء نهضة الفنون ابتداء من العمارة والخط العربى وانتهاء بالموسيقى الراقية. وكانت حضارة الإسلام فى عصر ازدهار حضارة العلم والفن والصناعة والرخاء.


هكذا تبدو المسألة ذات أبعاد كثيرة، والرؤى فيها متعددة.لكن الموضوع مهم وعاجل لأن صورة الإسلام كدين للتقدم أو للهمجية وصورة المسلمين كبشر متحضرين أو متخلفين لها آثار مباشرة فى تعاملات الغرب مع العالم الإسلامى، وفى تلقى وسائل الإسلام للأحداث التى تقع فيه. وفى فهم وتفسير ههذ الأحداث، وعلى أساس رؤية الغرب للإسلام تنغكس مواقفه السياسية والاقتصادية، وتتحدد المواقف عداء أم صداقة.. تخوفًا أو اطمئنانًا.. تعاونًا أم تنافرًا.


وبد أن نسغل أنفسنا بهذا الموضوع، ونفكر كثيرًا إلى أن تتبلور لدينا الرؤية الصحيحة، ونعد أنفسنا لعمل كبير يحشد طاقات كل مجتمع إسلامى فى داخله كما يحشد طاقات العالم الإسلامى – بقدر الإمكان – لإنقاذ الإسلام من مؤامرات وحماقات بعض أبنائه، ثم إنقاذه من سوء الفهم، أو سوء القصد، الذى نلمسه ونشكو منه فى الغرب والذى ينعكس فى الإعلام الغربى ظلمًا وإصرارًا على علم الإنصاف.


ولكى تغير الصورة المشوهة لابد ـن تصحح الأصل فى المجتمعات الإسلامية.


تصحيح الأصل يؤدى إلى تصحيح الصورة.


وبعد ذلك يأتى نور المثقفين باعتبارهم طليعة الفكر والعمل.


والمبدأ فى العمل "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف