(الإعلام.. والإسلام (4

الذين يرون أن مسئولية الإساءة إلى صورة الإسلام فى العالم تعود إلى المسلمين أنفسهم بأكثر مما تعود إلى غيرهم، محثون دون شك لأننا مهما نشرنا النصوص من القرآن والسنة لكى نبين للعالم إن الإسلام دين حضارة، وعلم، وتقدم، وأنه دين تسامح، وتعاون على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان.. مهما بذلنا الجهد فى ذلك من الممكن أن يهدمه بعض أعمال الفئة الشيطانية التى ترتكب جرائمها الوحشية بغير قلب ولا ضمير باسم الإسلام. فينتهز الفرصة أعداؤنا، وأحيانًا أصدقاؤنا، ليضعونا فى موقف حرج حينن يتساءلون: "أليس هؤلاء مسلمين..؟ أليست هذه الشعارات المعلنة شعارات إسلامية..؟" وتضيع أصواتنا وسط صخب وفرقعة الجرائم ونحن نشرح للاعلم أن هؤلاء ليسوا مسلمين، ولكنهم عبء على الإسلام والمسلمين.


ولقد انشغل باحث عربى أكاديمى كبير مقيم فى أمريكا بهذه القضية، وأعد فيها مجموعة دراسات، هو الدكتور ميخائيل سليمان، فلسطينى الأصل، أمريكى الجنسية، يعمل أستاذًا للعلوم السياسية فى جامعة كانساس، أفادتنا أبحاثه فى فهم السبب فى اهتمام الإعلام الغربى بإبراز أنباء أحداث الإرهاب التى تسىء إلى الإسلام والمسلمين بأكثر من إبراز صورة الإسلام المعتدل الرشيد.. بعد تحليل مضمون إعداد المجلات والصحف الأمريكية الكبرى خلال فترة طويلة ومنها مجلات تايم، ونيوزويك، ويو اس نيوز، وغيرها توصل إلى أن الصحافة الأمريكية ليست محايدة، ولا متوازية فى نشرها للأنباء المتعلقة بالعالم العربى والإسلامى ولا فى تحليل وتفسير هذه الأنباء، وحصل على درجة الماجستير من جامعة وسوكونس ببحث أعلن هذه النتيجة المستندة إلى احصائيات وتحليل مضمون ما نشرته الصحف الأمريكية، واستند إلى تقرير نشره معهد الصحافة الدولية بعنوان "الأنباء فى الشرق الأوسط" انتهى إلى نتيجة واحدة هى أن العرب ضحايا للقوالب الذهنية الجاهزة من ضغوط الصهيونية على الإعلام الأمريكى، وكذلك من خوف كثير من رجال الإعلام الأمريكيين من إظهار العرب والمسلمين بصورة إيجابية حتى لا تطاردهم المنظمات اليهودية بالاتهام الجاهز المعروف بمعاداةالسامية، وأشار هذا التقرير المشهور، إلى أن المحررين الأمريكيين يخافون من ذكر الحقائق لأنهم يعرفون مدى قوة الضغط الذى يمارسه اللوبى الصهيونى. أما دراسة الدكتور ميخائيل سليمان فهى تبين بالأدلة وجود تحيز أكيد من جانب المجلات الأمريكية الكبرى ضد العرب وتصورهم غالبا على أنهم عاجزون وغير قادرين على إنجاز شىء. وأن العدوان والعنف جزء لا يتجزأ من طبيعتهم، أما إسرائيل فتقدمها هذه المجلات على أنها دولة نموذج، صانعة للمعجزات، تحول الصحراء إلى فردوس على الأرض، وتمارس الديمقراطية بصورة لا مثيل لها(!) وأكثر من ذلك أن المراسلين الأمريكيين فى العالم كله يقدمون صورة مشوهة للإسلام والمسلمين والعرب لا يذكرون ما يسىء إلى إسرائيل.. لأنهم لا يستطيعون ذلك، بينما يستطيعون إدانة أعمال الحكومة الأمريكية ذاتها(!).


وجمع الباحث مجموعة الخصال التى ينسبها الكتاب الأمريكيون إلى العرب والمسلمين فوجدها فى الغاليب تدور حول معان محددة مثل الحياة البدوية، انخفاض مستوى المعيشة، التعليم الردىء، إهداء حقوق المرأة، توج عام، معاد للديمقراطية، عدم الأمانة، عدم الكفاءة، الانقسام والصراع وعدم القدرة على التعاون أو العمل الجماعى.. الخ، بينما تدور الخصال الإسرائيلية حول مستوى تعليم عال وحديث، اعتماد بطولى على النفس، أمانة ثقة باذات، ديمقراطية، توجه يتفق مع الحضارة العالمية.. الخ.


وينتهى بعبارة بالغة الدلالة يقول فيها: "هل أصبح من الصعب أن يكون الإنسان عربيًا أو مسلمًا فى هذا الزمان" بعد أن تزايد الانحياز الإعلامى فلم تعد هناك وسيلة للانصاف أو الرؤية المتوازية، خاصة بعد أن وسع دائرة بحثه من الصحافة إلى دراسة وتحليل النكت، والاستعراضات الهزلية التليفزيونية التى تبين التحامل والسخرية والانتقاد بشكل عام للعرب والمسلمين.


وفى هذه الأيام ملاح أن الصحف الغربية وإذاعات ومحطات التليفزيون تبرز بشكل واضح أحداث الإراهب والعنف، وتقدم الإرهاب بأعمالهم الإجرامية وقتلهم السياح والأطفال والنساء الأبرياء على أنهم الممثلون لفكر وتوجهات الإسلام والمعبرون عن الروح العدوانية الحقيقية الكامنة فى العقيدة الإسلامية ذاتها والتى يحاول المثقفون الإسلاميون إخفاءها من العيون.


ولابد من جهد كبير يبدأ من الجامعات ومراكز البحث العلمى وكبار المفكرين والعلماء وينتهى بمخطط إعلامى شامل يتوجه إلى كل من القنوات والوسائل الثقافية والإعلامية، وبالأسلوب الذى يتفق مع العقلية الغربية لكى تبين للعقل الغربى أن هناك فرقًا بين الإسلام كدين وعقيدة ونظام حياة، وبين المسلمين وهم بشر بعضهم يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا، وبعضها ينحرف بهذا الفهم يحسن نية زيادة فى الإخلاص والحماس، أو بسوء نية وما أكثر العملاء الين يرفعون راية الإسلام ويعملون ضد الإسلام.. والتاريخ ملىء بهؤلاء منذ عصر النبوة حتى اليوم. كما نحتاج إلى توضيح فكرة أساسية تزيل المخاوف التى انتشرت فى الغرب وتجد أصداء لها فى الكتابات العلمية والثقافية العامة والمتخصصة، وتتسع هذه الأصداء لتردد فى وسائل الإعلام المختلفة، وهى أن الإسلام أصبح هو التهديد للغرب فى هذا العصر، وأن على الغرب أن يحمى نفسه من طغيان هذه المواجهة العدوانية التى تعتمد على العنف والإكراه وعدم القدرة على الحوار، لابد من أن نبين ونوضح أن الاضطرابات التى تظهر فى العالم الإسلامى لها جذور اجتماعية واقتصادية وتاريخية ولكن ليس لها جذور فى العقيدة الإسلامية ذاتها، لأنها عقيدة ترفض العدوان والعنف، ووسيلتها الوحيدة هى الحكمة والموعظة الحسنة، ومبدأها الأساسى لا إكراه فى الدين، وروحها أن الله لا يحب المعتدين، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده.. الخ.


أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لكى يلتقى المسئولون عن الإعلام والفكر والثقافة فى العالم العربى والإسلامى لكى يدرسوا بجدية أساليب الإساءة المنظمة إلى الإسلام بمظاهرها المختلفة، ويحللوا عواملها وأسبابها، ويضعوا تصورًا لعمل كبير يبدأ بالفكر وينتهى بالإعلام – وليس بالعكس – ويحشد طاقات المثقفين والمفكرين والإعلاميين العرب والمسلمين، وهم كثيرون ومنتشرون فى أنحاء العالم، ونبدأ حملة للدفاع عن الإسلام، وتوضيح حقائقه باللغة والمنطق والأسلوب الذى يتفق مع العالم الغربى لكى نبرأ الإسلام مما يقال عنه من اتهامات ظالمة، ونعيد إلى أذهان العالم الصورة الصحيحة المشرقة للإسلام على أنه الدين الذى يحفز على بناء الحضارة وصنع التقدم، ويرفض كل صور التخلف والرجعية فى الفكر والسلوك، وعلى أنه الدين الذى قامت عليه حضارة اتسمت بازدهار الثقافة، وحرية العقل، والالتزام بالمنطق، وحب الحياة والعمل على تطويرها وترقيتها، وهو الدين الذى يعطى أتباعه القوة الملهمة للعمل لأن الله يحب إذا عمل المسلم عملاً أن يتقنه، ولأن الله يرى أعمال العاملين ويحاسب عليها من أساء ومن أحسن ومن فرط ومن أتقن.. وهو الدين الذى يدعو أتباعه المخلصين والصادقين فى إخلاصهم له ليكونوا مثل رسولهم – قدوتهم – فى رفض العنف، وإيثار الدعوة الهادئة.


وأهم من ذلك أن نبين للعالم الغربى كيف أن التاريخ الإسلامى كان فى كل عصوره مليئًا بالمنافقين الذين اتخذوا الإسلام ستارًا لتغطية جرائمهم وعدوانهم على الإسلام، وهذا تاريخ طويل يحتاج إلى إعادة كتابة ليس فقط ليعرف العالم أن عليه أن يميز ويفرق بين المسلمين حقيقة وبين من يدعون أنهم مسلمون لتشويه الإسلام، ولكن أيضًا لكى يعرف شبابنا التاريخ الطويل للمؤامرة على الإسلام حتى والقرآن ينزل والوحى يدل رسولنا الكريم على المنافقين والمدعين والمتسترين بالإسلام..


نحتاج إلى أن نشرح لشبابنا وللعالم كله معانى قول الله سبحانه وتعالى: "ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا، ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعة فى الأرض ليفسد فيها، ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد".


صدق الله العظيم                                                        


 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف