(الإعلام.. والإسلام (3

ا يكاد يختلف أحد من المراقبين والمتابعين للإعلام الغربى على أن فيه تشويهًا فى عرض الإسلام ذاته كدين السماحة والتعاون على البر والتقوى وليس على الألم والعدوان وكحضارة ارتبطت بالتقدم العلمى والاجتماعى والأخلاقى وقدمت للإنسانية أساس حضارتها الحديثة. وكثقافة متفتحة على كل ثقافات العالم، ولذلك فإن جوهرها لا يتفق مع القضية المطروحة الآن فى الغرب عن صراع الحضارات والثقافات وبالذات بين الحضارة أو الثقافة الإسلامية من جانب وثقافة الغرب وحضارته من جانب آخر. فلقد تعايشت حضارة الإسلام وتفاعلت مع الحضارات وأضافت الكثير من خلال هذا التفاعل الخلاق.


ولا يكاد يختلف أحد أيضًا على أن هذا الإعلام غير المنصف وغير الدقيق. وريما غير الأمين أيضًا، قد يساهم مساهمة كبيرة فى صنع الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام والمسلمين فى العالم الغربى، وفى إيجاد رأى عام معاد، أو على الأقل غير متعاطف، وغير متجاوب، وغير متفهم، للإسلام والمسلمين وهذه قضية مستقبل ومصير، ولذلك فإنها تحتاج إلى وقفة طويلة، ومناقشة هادئة بحثًا عن طريق العمل.


وهناك دراسة نشرت منذ سنوات، وكان ينبغى أن تلفت الأنظار، ويدور حولها بحث ينتهى إلى خطط عمل، لكنها مرت دون أن تلفت أنظار أحد. مسئول أو غير مسئول، مع أن حقائقها ما زالت صارخة وقائمة، وهى بعنوان "صورة العرب فى عقول الأمريكيين"، وأعدها فى إطار بحث علمى أكاديمى أستاذ مقيم فى الولايات المتحدة هو الدكتور ميخائيل سليمان. يقول فيها: إن أغلب الأمريكيين لا يفرقون بين العرب، والأتراك، والإيرانيين، ويخلطونهم جميعًا كمسلمين من فصيلة واحدة، وأن صورة إيران قبل ثورتها فى العقل الأمريكى كانت تتلخص فى: حضارة قديمة، وسجاد إيرانى، وبترول، وحاكم اسمه "الشاد" وبعد الثورة الإسلامية أصبحت الصورة تتلخص فى أن الإيرانيين متعصبون قساة، غير متحضرين، يستسهلون القتل. وتركيا فى عقول الأمريكيين لا تختلف عن إيرانم قبل الثورة، فهى بلاد قديمة، صديقة وحليفة للغرب، والأتراك مقاتلون أشداء. وصورة الإسلارائيليين فى عقول الأمريكيين أنهم: يهود، مصممون على تأسيس دولة خاصة بهم، مقاتلون، لديهم سلوك عدوانية، أما العرب فصورتهم فى العقل الأمريكى بشكل عام تتلخص فى أنهم: أغبياء، متخلفون، بدائيون، غير متحضرين، ملابسهم غريبة، يسيئون معاملة المرأة، يبدون مولعين بالحروب، متعطشون للدماء، يتميزون بالغدر والمكر، وبرغبة دائمة فى استخدام القوة، وبالقسوة. وهذه الصورة بالطبع فى مجملها مشبوهة، وغير صحيحة، وغامضة إلى حد كبير، ولكن الإعلام المعادى للعرب والإسلام يستخدمها بذكاء. وبحنكة، بحيث لا تظهر نوايا الإساءة والغربة فى التشويه، ويستدعى هذه القوالب الذهنية بطرق غير مباشرة غالبًا العرب والمسلمين. وبقاء هذه الصورة فى الرأى العام تسهل على أى معاد أن يستثير فى الرأى العام الغربى عمومًا، والأمريكى خصوصًا، المشاعر ضد العرب والمسلمين، وضد أى زعيم، أو بلد، أو شعب عربى أو مسلم، لأن هذه الصور الذهنية متغلغلة فى الوجدان بفعل تراكم سنوات من العمل الإعلامى والتعليمى والثقافةى المنظم، رغم أنها صورة – كما تبدو لأى عقل محايد أو منصف – عامة، ومشوهة، وغامضة وغير صحيحة، يضاف إليها أن الإعلام الغربى بشكل عام يلح، ويكرر بكل وسيلة فى عرض الصور والأحاديث والأحداث والشخصيات لاثبات أن العرب والمسلمين ضد العالم، وضد الاحتكام إلى العقل، ولا يخضع تفكيرهم للمنطق، ويؤمنون بالخرافات، كسالى، غير قادرين على القيام بالأعمال الكبرى الطموحة التى تحتاج إلى حشد القوى والدأب على العمل الصعب، وهم أيضًا يتميزون بالعناد، خانعون أمام السلطة، شهوائيون، لا يفكرون إلا فى المسائل الحسية، أما الفنون الراقية، والأفكار الهامة، والمثل العليا، فليس لها فى حياتهم مكان(!).


نبهنا الدكتور ميخائيل سليمان فى دراسته التى استغرقت سنوات، واستخدام أدق الأساليب العلمية والإحصائية، أن الغربيين ينظرون إلى العرب والمسلمين على أنهم قوم يتميزون بالتزمت ويضيقون بحرية الفكر ولا يحتملون طرح فكرة جديدة تعارض أو تختلف مع ما ألفوه واستقرت عليه حياتهم العقلية، وأن الأمية منتشرة بينهم، كما أن التواكل يشل إرادتهم نتيحة مفهومهم عن القضاء والقدر.. فلا يدركون قيمة الحرية الفردية، ولا قدسية الحياة الإنسانية، ولا يشعرون بأهمية التكنولوجيا إلا كمستعملين لها دون دراية، وهم أعداء التحديث والتجديد فى أى صورة.


تقول الدراسة كلامًا موجوعًا يعكس حقيقة ما فى أعماق العقل الغربى والأمريكى عن العرب والمسلمين. أن الإعلام هناك، بخصوص الأفلام السينمائية، وبرامج التليفزيون، ووسائل التسلية، تصور العرب بصورة متكررة على أنهم جماعة منبوذة فى العالم الواسع، لا شاغل لهم إلا الجنس والعنف، وهم مصدر خطر دائم، والقيم التى يعتنقونها وتوجه سلوكهم هى فة حقيقتها قيم غير أخلاقية، يبددون ثرواتهم، ويتصرفون دون شعور بالمسئولية، ويهددون الاقتصاد الغربى، ويمكن أن يعرضوا الحضارة الغربية للخطر، لأنهم قوم عاشوا خارج التاريخ قرونًا طويلة.  


تقول الدراسة أيضًا أنه بقدر ما تعمل وسائل الإعلام الغربى فى شكل حملة مستمرة لبناء صورة إيجابية عن إسرائيل وأهدافها، فإنها تدس قوالب ذهنية سلبية عن العرب تشوه صورتهم، وتقدمهم للأجيال المتتابعة التى لا تعرف، ولم تحتك بالعرب والمسلمين، فى هذه الصورة الظالمة.


لابد أن نعود إلى هذه الدراسة وأمثالها مرات أخرى لكى نحلل، ونفهم، ونبحث عن طريق للعمل، ولا نكتفى بإدانة الإعلام الغربى والأمريكى بالظلم، لأن الآخرين ليسوا مطالبين بأن يعملون من أجلنا، ولكننا نحن الذين يجب أن نعمل من أجل أنفسنا وإذا هانت علينا أنفسنا، كانت على الناس أكثر هونًا، وهذا أمر طبيعى.


من السهل أن نوجه الاتهامات إلىالإعلام الغربى والأمريكى ونتهمه بالانحياز، وهذا حق، ولكنه لا يكفى لحل المشكلة. كما لا يحل المشكلة أن نكتفى بالقول بأن المنظمات الصهيونية تسيطر على الإعلام هناك، والأفضل من ذلك أن نسأل أنفسنا: ماذا فعلنا وماذا يمكن أن نعمل لنواجه ذلك كله؟!!


لكيلا تكون الصورة قاتمة لابد أن نضع فى اعتبارنا ثلاثة أمور، أولها: أن هناك فئات وقطاعات من المثقفين وعامة الشعب فى الغرب عمومًا لديها صورة ذهنية إيجابية عن العرب والمسلمين. لكن هؤلاء ليسوا الأغلبية، وثانيها: أن هناك نماذج من شخصيات عربية وإسلامية مؤثرة فى الرأى العام الغربى ومشرفة تقدم صورة حية منصفى لقدرة العرب والمسلمين على التعامل مع العصر والتفوق فيه، وثالثها: أن ثمة جهودًا إعلامية وسياسية واتصالات على مستويات عليا، تفيد كثيرًا فى تقديم صورة منصفة للتفكير والسلوك العربى والإسلامى المتحضر. ويضاف إلى ذلك أنه ليس من مصلحة أمريكا والغرب عمومًا معاداة العالم العرببى والإسلامى وهذه عوامل فى صالحنا، ويبقى علينا أن نعد الخطط ونبدأ العمل بخطوات ثابتة، وبعقلية علمية ترعى أن فنون الاتصال الجماهيرى والإعلام أصبحت الآن من العلوم الدقيقة، لها مناهج وخبراء، وأدوات ولم يعد مجديًا شن الحملات الدعائية أو إطلاق العبارات والشعارات العاطفية. أو حجز مساحات إعلانية فى الصحف ومحطات التليفزيون الكبرى تكلف ملايين الدولارات ولا تغير شيئًا.


من هنا أقول أن اجتماعات وزراء إعلام الدول الإسلامية، التى جرت فى القاهرة مؤخرًا ومبادرة مصر والسعودية بطرح تصور لاستراتيجية جديدة للإعلام تواجه الإعلام المضاد وتقدم الصورة الصحيحة عن الإسلام والمسلمين، كل ذلك ضرورى، وبالغ الأهمية، فى هذا الوقت بالذات.


لكن الموضوع ما زالت فيه جوانب تحتاج إلى تفصيل.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف