الأمـن أولاً والبوتاجاز ثانيـــــاً!
تواجه البلاد أزمتين، أزمة بسبب غياب الأمن فى الشارع، وأزمة بسبب نقص بعض مواد التموين الأساسية.. البوتاجاز، والسولار وغيرهما، وهما فى الحقيقة وجهان لعملة واحدة ولهما مصدر واحد نكشفه بسهولة إذا بحثنا: مَنْ المستفيد مِنْ حالة الفوضى والعنف وانتشار البلطجية المسلحين بالأسلحة النارية والخرطوش والأسلحة البيضاء وقنابل المولوتوف ويثيرون الذعر فى أماكن معينة وفى مواقف معينة تجذب الإعلام المحلى والعالمى وتصور الحالة فى مصر وكأنها على مشارف حرب أهلية كما قال فضيلة المفتى!
مَنْ المستفيد مِنْ الأزمات وإثارة القلق والفزع فى المجتمع؟ هل نسينا ما قيل أثناء ثورة 25 يناير من أن غياب النظام السابق سيؤدى بالبلاد إلى الفوضى؟ وهل هناك شك فى أن هذا الإعلان كان تحذيرا من مخطط سوف يشعل النيران فى البلد.. نار الحرائق التى خربت أكثر من موقع مهم وكان من بينها مركز اتصالات وزارة الداخلية.. ونار الفتنة بين مسلمين وأقباط لأسباب كانت تمر قبل ذلك دون أن تسيل كل هذه الدماء التى سالت فى إمبابة بسبب شاب أحب سيدة وارتكب الاثنان جريمة قانونية لأنهما تزوجا عرفيا قبل أن تطلق السيدة من زوجها الأول، وكان يمكن أن يوكل الأمر إلى القضاء فيحكم عليهما بما يستحقان وتنتهى المسألة فى حدودها باعتبارها حالة فردية كانت تحدث منذ مائة سنة دون أن يقتل فيها 12 انسانا وتحرق كنيسة وبعض البيوت المجاورة.. ألم يكن ذلك غريباً ويلفت النظر؟ ثم تجمع شباب من الأقباط أمام مبنى التليفزيون وأقاموا خياماً ليقضوا فيها الأيام والليالى ويتولى البعض إقامة منصة وميكروفونات ويتولى الخطباء شحن الشباب فيستمرون فى الإقامة ليل نهار وتصل بهم الإثارة نتيجة لما يسمعونه إلى حد إعلانهم الاستعداد للاستشهاد من أجل المسيح مع أن المسألة لم تصل الى هذا الحد وقد استجاب مجلس الوزراء لمطالبهم وكان المفروض أن يشكروا سرعة الاستجابة وينصرفوا، واستمروا حتى بعد أن أصدر قداسة البابا بيانا طالبهم فيه بالانصراف وقال إن تصرفهم خرج عن حدود الاحتجاج.. وينتهى الأمر بالمشهد المأساوى الذى دارت فيه معارك بالسلاح والسيوف وسالت فيه دماء المصابين الذين زاد عددهم على سبعين مصابا من المسلمين والمسيحيين، وبعد المعركة التى كانت بسبب لا يستحق كل هذا العنف.. المحتجون شكلوا منهم لجانا لتفتيش المارين فى الشارع وعندما استوقفوا شابين من راكبى الموتوسكلات رفض الشابان أن يخضعا للتفتيش، ودارت معركة تم فيها الاعتداء على الشابين فانصرفا وعادا مع مجموعة من الشباب ودارت المعركة.. لماذا يصل الأمر إلى هذه الدرجة من العنف لأسباب لا تستحق وكان يمكن معالجتها بقليل من التفاهم والحكمة وروح المحبة؟
المخطط وراء ما يحدث من أعمال العنف هو الذى سبق الإعلان عنه، ورأيناه منفذاً فى أكثر من مكان.. فى ميدان التحرير عندما اقتحم البلطجية الميدان بالخيل والجمال والسيوف وقطع السيراميك وقتلوا عددا من شباب الثورة وأصابوا عددا أكبر بينما كان شباب الثورة يهتفون «سلمية..سلمية» وتكرر المشهد بدون خيول وجمال ولكن بالبلطجية وأسلحتهم. وتواترت معلومات عن وجود فرق من البلطجية تحت الطلب لتنفيذ العمليات التى يكلفون بها، ويتقاضون عن ذلك أجورا سخية وتعويضات فى حالة الإصابة، وهؤلاء كانو يظهرون فى الانتخابات لإسكات أصوات أنصار بعض المرشحين وفرض السيطرة بالعنف فى دوائر معينة، وهم الذين قاموا بحماية مصالح أسيادهم وتأديب خصومهم، ولا يزال هؤلاء تحت الطلب وينفذون الخطط والعمليات التى تؤرق المواطنين وتثير الذعر.. الهدف أن يصل الناس إلى درجة يرون فيها أن الثورة سببت لهم المشاكل والأزمات وانعدام الأمن وكان النظام السابق يمارس الاعتقال والتعذيب ونهب ثروات البلد ولكنه كان قادرا على فرض الأمن والاستقرار.. وهذه هى نظرية الثورة المضادة التى نجدها فى كل الثورات السابقة.
والثورة ليست لعبة تتم فى أيام وينتهى الأمر ويعود الناس إلى حياتهم التى كانوا عليها. الثورة تغيير شامل.. وقضاء على الفساد والمفسدين.. ومحاكمات.. وسياسات جديدة فى الاقتصاد والتعليم والإسكان وتوفير فرص العمل وإنصاف المظلومين وتحقيق العدالة والحكم بالقانون.. الثورة دستور جديد.. وبرلمان جديد.. ورئيس جديد.وقوانين جديدة.
ونظام جديد للحكم.. وقيادات جديدة فى كل شىء.. وهى بطبيعتها فيها قلق وتحدث أثناءها أزمات.. وتواجه مشاكل يسببها أعداؤها فى الداخل والخارج.. ومن ينكر أو يتجاهل هؤلاء الأعداء فهو لا يبصر الحقيقة الواضحة أمام الجميع وضوح الشمس.
فى الثورة لابد من تضحيات من أجل هدم النظام القديم وبناء النظام الجديد.. ومن أجل بناء مستقبل لابد من القبول بهذه التضحيات.. نتحمل نقص البوتاجاز بضعة أيام.. ولقد صبرنا وتحملنا طويلا جدا فلماذا لا نصبر ونتحمل قليلا لنستعيد الحقوق والكرامة.. وليكن تحقيق الأمن هو الهدف الأول وبعده تأتى بقية الأهداف.



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف