أعراض الناس .. هل أصبحت مستباحة ؟
شئنا أو لم نشأ، فقد أصبح موضوع تداول شرائط تتعلق بالحياة الخاصة لبعض الناس موضوعا للحديث فى المقاهى والبيوت والدواوين ومجالس النميمة. والمسألة ليست مسألة راقصة ورجل أعمال.. وقبلها كانت مسألة رجل دين معزول.. المسألة مسألة مبدأ وحقوق الإنسان وأعراض الناس بصرف النظر عن هذا وذاك.

لقد شاهد بعض هذه الأفلام- إن لم يكن كلها- المراهقون والكبار من الرجال والنساء، وأصبحت موضوع السمر وجلسات النميمة ولم يعد أحد يشعر بالخجل فى وصف ما شاهده بالتفصيل، وكأن هذه الأمور مثل أسعار الدولار والغلاء وغزو العراق ومأساة الفلسطينيين.. من الموضوعات التى لا يخلو منها مجلس يجتمع فيه اثنان فأكثر.

كيف تسربت هذه الأشرطة؟ ومن المسئول؟

 مع ما فى ذلك من مخالفة للدستور والقانون. ففى الدستور نص لحماية الحياة الخاصة للمصريين، وهذا النص ملزم منذ يوم 11 سبتمبر سنة 1971 يوم صدور الدستور، والنص واضح على أن الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، والاعتداء على الحرية الشخصية جريمة لا تسقط الدعوى القضائية الناشئة عنها بالتقادم.. هذا النص ليس بدعة، فهو موجود فى دول العالم المتحضرة وفى فرنسا قانون خاص لحماية الحياة الخاصة صدر فى 17 يوليو 1970، وفى أمريكا قانون مماثل صدر فى سنة 1974، وفى كل الدول التى تحترم المواطن و.. تحترم حقه فى الخصوصية، وفى القانون المدنى المصرى نصوص تفرض القيود على فتح المناور والشرفات وتحديد مسافات معينة لها، حتى لا يكون من السهل التطفل على أسرار الجيران وخصوصياتهم.. والاعتراف بالحق فى الخصوصية هو مؤشر على درجة التحضر التى وصل إليها أى مجتمع، وانتهاك الحرية الشخصية من مظاهر التخلف والهمجية.. والشريعة الإسلامية سبقت القوانين الوضعية فى إقرار الحق فى احترام الحياة الخاصة، وقد نهى الرسول عن تتبع عورات الناس.. وقال فيما معناه من فعل كذا وكذا واستتر فهو فى ستر الله.. وقال أيضاً فيما معناه من تتبع عورات الناس تتبع الله عوراته وله عند الله حساب شديد.. والنص القرآنى صريح جدا وقاطع جدا وفى صيغة الأمر الإلهى:(ولا تجسسوا، ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) صدق الله العظيم.

أمر الله إليكم: لا تجسسوا.. ولا تتعقبوا عورات الناس.. ولا تستبيحوا الأعراض..

والقوانين فى العالم المتقدم المتحضر تعتبر المضايقة والتشهير من الجرائم التى تستوجب عقوبة كل من يقوم بها فى حق الآخرين.. والفكرة أن حماية الشخصية الإنسانية واجب على المجتمع وعلى الدولة.. ومن هنا جاءت النصوص التى تمنع الاطلاع على حسابات الأشخاص فى البنوك بدون إذن قضائى باعتبار ذلك احتراماً للحق فى الحرية الشخصية.. كذلك النص فى القوانين على حرمة المسكن.. وحرمة الأحاديث الخاصة وعدم مشروعية استخدام التسجيلات الخاصة التى تتـم بدون إذن النيابة كدليل على إدانة شخص ما، وبذلك فإن الشريعة والدستور والقانون والأخلاق أيضا تفرض حماية الحياة الخاصة لكل إنسان.. وحماية الإنسان وهو فى بيته على الأقل، والقانون المصرى- والفرنسى- لا يشترط فى جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة أن يلحق ذلك ضرراً، ولكن العقاب واجب سواء وقع ضـرر أو لم يقع، ومع التقدم التكنولوجى فى عمل المونتاج بالكمبيوتر أصبح من السهل تزوير مشاهد وتسجيلات صوتية للناس للتشهير بهم لأغراض سياسية أو اجتماعية أو لخصومات شخصية أو.. أو..

وضمان الحق الدستورى والقانونى فى حماية أعراض الناس ليس مسئولية الدولة وحدها، ولكنه مسئولية الصحافة والإعلام، فإذا لم تلزم الصحافة نفسها باحترام أسرار وأعراض الناس فيجب أن يردعها العقاب المنصوص عليه فى القانون . خاصة أن الدستور جعل هذه الجريمة من الجرائم التى لا تسقط بالتقادم، أى يمكن رفع الدعوى فيها ولو بعد عشرات السنين.. كذلك فإن التربية لها دور فى تكوين (الضمير الاجتماعى) الذى يترفع عن التجسس والتلصص واستراق السمع وإشاعة حديث الفاحشة وانتهاك الأعراض..

والدستور ينص حتى على حرمة المراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية، وحرمة المسكن، والقانون المصرى يجرّم التسجيل لمحادثات تجرى فى مكان خاص.

وشيوخنا يشيرون إلى ما جاء فى مرجع مهم هو كتاب (نيل الأوطار) للشوكانى من حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) رواه أبو هريرة: (من اطلع فى بيت قوم بغير أذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه)..

ومنذ سنوات كان موضوع انتهاك الصحافة للحياة الخاصة للمواطنين موضوع بحث فى مجلس الصحافة البريطانى وأعد تقرير مهم معروف باسم تقرير كالكوت Calcutt يوصى بوضع نظام قانونى لمحاسبة الصحافة التى تنتهك الحياة الخاصة للمواطنين، وكالعادة قال البعض إن هذا انتهاك لحرية الصحافة، ولكن تغلب الرأى بأن حرية الإنسان أهم.. وحماية المجتمع من أن يتفكك أخلاقيا أهم.. ومنع انتشار الفضائح أهم.. وإعطاء دروس للشباب فى الفساد الأخلاقى أهم..

هل نسمح بتفكيك القيم الأخلاقية والاجتماعية بمثل هذا الشريط الذى جعل الناس يشاهدون ويتحدثون علنا عن أمور كان ينبغى أن تظل فى ستر الله؟

هل فكرتم فى الآثار والنتائج على المجتمع كله وليس على أطراف الفضيحة وحدهم؟

هل سيتحرك القانون لمطاردة المسئول عن تسرب مثل هذه الشرائط ومحاكمته.. أو سيأخذ القانون إجازة طويلة؟!.*
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف