الأصابع الخفية وراء العداء للإسلام
 قالت الإذاعة البريطانية يوم 30 ديسمبر 2002: إن الرئيس الأمريكى جورج بوش أغضب أنصاره بسبب عبارة قال فيها: إن الإسلام دين يقوم على أساس السلام والتعاطف مع الآخرين، وكان يقصد بذلك إزالة آثار العبارة التى أعلن فيها أن الولايات المتحدة سوف تشن حربا صليبية، واعتبرها بعد ذلك زلة لسان.

وذكرت الإذاعة البريطانية أن أنصار بوش المحافظين قالوا: إن الرئيس مخطئ فى توجهه للتقارب مع المسلمين، وكتب بول ويريتش، وهو أحد المحافظين البارزين: إن الإسلام فى حالة حرب مع أمريكا، والإسلام ليس دين سلام أو تسامح!! وذكرت الإذاعة البريطانية أن العديد من المحافظين يعلنون أن الرئيس بوش متردد فى قول الحقيقة تجاه الإسلام مخافة أن يزعج حلفاءه من العرب المعتدلين!

وفى أول يناير من عام 2003 نظمت الجمعية الإسلامية الأمريكية مؤتمرا  فى ولاية شيكاغو تحت عنوان: (المسلمون فى أمريكا) حضره آلاف من أبناء الجالية الإسلامية الأمريكية لبحث أوضاع المسلمين الأمريكيين بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وكيفية مواجهة الاتجاهات والأفكار التى سادت الولايات المتحدة بعد هذه الأحداث، وتناول المؤتمر طبيعة المعركة التى يخوضها المسلمون الأمريكيون من أجل الحصول على الحقوق المدنية، وقال رئيس الجمعية الإِسلامية الأمريكية فى كلمته: إن المسلمين الأمريكيين يمرون بفترة حرجة بعد أحداث سبتمبر 2001، ويواجهون المصاعب، وقال د. زاهر بخارى أحد مسئولى الحلقة الإسلامية فى شمال أمريكا:إن المسلمين الأمريكيين يواجهون ثلاثة تحديات: التحدى الثقافى، وتحدى الهدف، وتحدى المنهجية، وأضاف: لقد كان من السهل قبل هذه الأحداث الإجابة عن سؤال: ما هو الإسلام؟ بالقول بأنه دين السلام، ثم الحديث عن أركانه الخمسة، ومبادئه.. ولكن الأمر أصبح أكثر صعوبة بعد سبتمبر، فقد أصبحت الأسئلة أكثر تعبيرا عن الشك وسوء الفهم والتأثر بالأكاذيب التى يبثها الإعلام، مثل ما هو مفهوم الجهاد والفتح، والحدود؟ ومن هم (الكافرون) فى نظر الإسلام؟ وكيف كان سلوك المسلمين مع غير المسلمين عبر التاريخ؟ وغير ذلك من الأسـئلة التـى لـم تكن ورادة فى أذهان المواطنين الأمريكيين من قبل.

وكتب جراهام فولر مقالا يوم 10 سبتمبر 2002 قال فيه: إن التوتر بين العالم الإسلامى والغرب لم يكن أسوأ مما وصل إليه بعد أحداث سبتمبر، وإن أسامة بن لادن نجح فى إحداث مواجهة بين العالم الإسلامى والولايات المتحدة، رغم أن الأثر البعيد لهجمات 11 سبتمبر مازال غير واضح سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو بالنسبة للشرق الأوسط، لكن الأمور سيئة للغاية وقد تسوء أكثر.. أما بالنسبة لبقية العالم فالنتائج تمثل كارثة، لأن الولايات المتحدة تمارس الآن نفوذا قويا وضغطا كبيرا على عدد كبير من دول العالم بطرق لا ترضى هذه الدول، وأصبحت المسائل الأمنية تحتل الأولوية الآن فى العلاقات الدولية قبل المساعدات الاقتصادية أو الاستثمارات أو التنمية البشرية، والإرهاب أصبح القضية الأولى على جدول أعمال أى مباحثات دولية.. أما بقية القضايا فأصبحت هامشية..

***

وبالنسبة للمسلمين-كما قال جراهام فولر-فإن الآثار أسوأ بكثير، لأن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا دبلوماسية قوية على غالبية الدول الإسلامية، وخصوصا الدول العربية، وأطاحت الولايات المتحدة بنظام طالبان، وكان ذلك ضربة لمصالح باكستان، وستهاجم الولايات المتحدة العراق، كما أن علاقة الولايات المتحدة بالفلسطينيين وصلت إلى الأسوأ، وباسم الحرب على الإرهاب تعمل الولايات المتحدة جنبا إلى جنب مع أكثر الحكومات الإسرائيلية قسوة ويمينية، وإضافة إلى ذلك استفاد قادة روسيا والهند والصين والفليبين من الحرب على الإرهاب للانقضاض على الأقليات المسلمة فى بلادهم، وأصبحت علاقات روسيا والهند مع واشنطن أقوى مما كانت عليه لعقود طويلة..

واليوم تحوم الشبهات حول المسلمين أينما ذهبوا، ليس فى الولايات المتحدة فقط.. بل على مستوى العالم أيضا، والمسلمون فى الولايات المتحدة والغرب عموما أصبحوا تحت المراقبة الشديدة، وأصبح حصول المسلمين على تأشيرات إلى الدول الغربية مسألة صعبة، واستفاد بعض حكام الدول الإسلامية من الحرب على الإرهاب لتعزيز قبضتهم وقمعهم لشعوبهم، وهكذا فقد المسلمون حريتهم،<u> وفى الولايات المتحدة تعزز موقف الجماعات المؤيدة لإسرائيل وجماعات المسيحية الصهيونية وتيار المحافظين الجدد ذوى الأطماع الإمبريالية، وقد منحهم أسامة بن لادن سلاحا قويا، وزادت الهجمات الفكرية والسياسية ضد الإسلام والمسلمين ولم يعد من يحاول توضيح الموقف الإسلامى والعربى للأمريكيين قادرا على الحصول على فرصة لعرض هذا الموقف فى وسائل الإعلام</u/>، لأن هذه الوسائل مفتوحة لـمن يتعاطفون مع الأفكار المعادية للتربية الإسلامية والأفكار التى تلصق الإرهاب بالإسلام وينظر غالبية الغربيين إلى المدارس الدينية فى العالم الإسلامى على أنها مدارس لتدريب الإرهابيين، ومن الصعب الآن أن يجادل أحد لصالح الإسلام، ليس فى أمريكا وحدها، ولكن فى أى مكان فى الغرب.. وقد أثبتت نظرية هنتنجتون صحتها عن صراع الحضارات وعلى المسلمين أن يدركوا المخاطر التى تنتج عن قناعتهم بأن (الفكر الجهادى) هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع الغرب أو مع أى شخص آخر، وأن الطريقة التى يفسرون بها تعاليم الإسلام وممارسة هذا التفسير سيكون لها أكبر الأثر على مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب، فهل سيأخذون بالتفسير الذى يشجع على العداوة أو بالتفسير الذى يتمشى مع العالم المتحضر؟.

هكذا يفكر الأمريكيون الآن.. إنهم يحمّلون المسلمين مسئولية جريمة ارتكبها عدد محدود من الإرهابيين، وانسياقا وراء هذا المفهوم يبررون العقاب الجماعى للمسلمين بإعلان الحرب عليهم، والتضييق عليهم فى التنقل والسفر، ووضعهم تحت المراقبة واعتبارهم مجرمين إلى أن يثبت العكس.

وهذا ما جعل الكاتب البريطانى فيكرام دود Vikram Dodd فى مقاله بجريدة الجارديان يوم 20 ديسمبر 2002 بعنوان: (المسلمون المعتدلون يخشون أن تؤدى الحرب إلى زيادة عزلتهم).. يقول:إن المجلس الإسلامى البريطانى حذر من أن العدوان من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا سوف يساعد الإرهابيين وحدهم، وقال الأمين العام للمجلس إقبال ساكرانى Sacranie: إن الإسلام محاط بالكراهية والغضب اللاعقلانى، ويبدو أن إرهاب 11 سبتمبر لم يهدم أكبر برجين فى العالم فقط، ولكنه هدم أبراجنا العالية من المساواة فى الحقوق، وكان رد الفعل عبارة عن هجمات بالسباب والضرب للمسلمين البريطانيين، والحرب مع العراق ستؤدى إلى مزيد من التمزق الاجتماعى، وقال الأمين العالم للمجلس الإسلامى البريطانى أيضا: إن المسلمين منبوذون ومبعدون، وهم مطالبون بالاندماج فى المجتمع البريطانى، بينما المجتمع البريطانى يرفض اندماجهم، وقد صدرت تصريحات تسهم فى تعميق (الاسلامو فوبيا).. وقال أيضا: إن اعتقال عدد من المواطنين البريطانيين فى العالم لأنهم مسلمون يمثل خطأ كبيرا.

***

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المسلمين يتعرضون للضغوط والمضايقات بأشكال مختلفة فى الولايات المتحدة ودول أوربا، حتى أن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى (إف. بى. آى) كان المتحدث الرئيسى فى المؤتمر الكبير الذى عقده المجلس الإسلامى الأمريكى فى 27 يونيو 2002 فى مدينة الإسكندرية بولاية فرجينيا، وقال فى كلمته أمام المؤتمر: إن أحداث 11 سبتمبر (أثرت بعمق) على المسلمين الأمريكيين، وإن الجالية الإسلامية عانت من نتيجة الهجمات، ووجد المسلمون الأمريكيون أنفسهم أهدافا للهجمات والتهديدات، وأعمال التمييز العنصرى وواجهوا التشكيك فى إخلاصهم بسبب دينهم وأصولهم العرقية وتعرض مسلمون أمريكيون للشتائم وألحقت أضرار ببعض المساجد، وانتهكت حرمتها، وتعرض عدد من المسلمين الأمريكيين للتهديد، وهوجم أفراد ليسوا مسلمين خطأ على أنهم مسلمون.. بل تم قتل البعض.. وعلق مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية على ذلك بقوله: إن هذه الهجمات ضدكم وضد أفراد جاليتكم، تستحق الشجب كالإرهاب.. بل إنها أيضا هجمات ضد الإنسانية وتحدث بعد ذلك عن قلق المسلمين الأمريكيين وعن جرائم الكراهية ضدهم، وختم كلمته بمطالبة المسلمين الأمريكيين بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالى الذى يعمل فيه 11ألف ضابط ولا يستطيعون مكافحة الإرهاب بدون هذه المساعدة كما فعل المضيفون والركاب الشجعان على الطائرة الأمريكية التى كان إرهابى ضمن ركابها يخفى قنبلة فى حذائه وتغلبوا عليه، بينما هم يجتازون المحيط الأطلنطى فى رحلتهم من باريس إلى نيويورك.

وقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية: إننا نحتاج إلى مساعدة منكم لتعليم ضباط المكتب كيفية التعامل مع المجتمعات الإسلامية فى أمريكا وفى كل العالم، وكلما كانت معرفة المحققين بالثقافة الإسلامية أفضل،كلما كانت تحقيقاتهم فعّالة أكثر، ومثال ذلك أن ضابطا من المكتب فى أطلنطا ذهب لمقابلة امرأتين من أصل أفغانى، وسارت المقابلة بصورة جيدة وعامل الضابط المرأتين باحترام، ولكنه وجد فيما بعد أنه انتهك الثقافة الأفغانية بالجلوس فى بيت هاتين السيدتين بدون حضور رجل أفغانى خلال المقابلة، وذهب اثنان من ضباط المكتب بعد ذلك للقاء أربعة مندوبين أفغان على مائدة عشاء لمعالجة الخلافات، وخرج الجميع وقد أدرك كل منهم أسباب القلق ووجهة نظر الآخر، وكانت النتيجة أن أعد مكتب التحقيقات الفيدرالية برنامجا باسم (مد الجسور وردم الفجوة) لتعريف الضباط بالتقاليد والثقافة الإسلامية.

وطالب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية من الأمريكيين المسلمين بالتعاون مع ضباط المكتب، كما تعاون الطيارون الأمريكيون الأفريقيون وحاربوا بشجاعة ضد الأعداء فى أجواء أوربا فى الحرب العالمية الثانية، ومثل الهنود من قبيلة (نفاهو) الذين وضعوا بلغتهم المعقدة -وهى على وشك الانقراض- شفرة سرية لقوات مشاة البحرية الأمريكية فى مسرح العمليات فى المحيط الهادى،وكانت شفرة لا يمكن حل رموزها أبدا.. وقال: واليوم تواجه أمريكا حربا عالمية جديدة أشد خطورة، وتواجه تهديدات مراوغة وتحركات تكتيكية متغيرة باستمرار للإرهابيين، وتواجه أعداء غير متطورين وأسلحتهم هى أدوات الإرهاب من سيارات مفخخة وقنابل قذرة، والجبهة الأمامية لهذه الحرب هى أمريكا، وشوارعها ومدنها ومناطقها السكنية، وعلينا فى مكتب التحقيقات الفيدرالية أن نقوم بدرونا، ونحن نعتمد على الجالية الإسلامية الأمريكية لتقوم بدورها معنا.

وكان فى اعتراف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية بما يلاقيه الأمريكيون المسلمون من سوء المعاملة ما يكفى للرد على من أنكروا وجودها.

***

وبول فندلى عضو الكونجرس لمدة 22 عاما له كتابان: الأول بعنوان (من يجرؤ على الكلام) وقد ترجم إلى اللغة العربية تناول فيه تأثير اللوبى الصهيونى على السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، والكتاب الثانى بعنوان (كفى صمتا) تناول فيه تشويه صورة الإسلام فى أمريكا بصراحة فى مواجهة الضغوط التى يتعرض لها كل من يحاول إنصاف الإسلام فى أمريكا.

وبول فندلى حاصل على العديد من الجوائز، وعلى وسام من رتبة قائد وهو أرفع وسام فى ألمانيا، وحصل على جائزة أكاديمية لينكولن من جامعة إلينوى الأمريكية، وجائزة حقوق الإنسان من المنظمة الدولية لمكافحة التفرقة العنصرية، وجائزة المنتدى العربى الأمريكى المناهض للعنصرية، وألقى محاضرات عديدة فى الجامعات الأمريكية، وفى مصر، وكندا، وبريطانيا، وماليزيا، وجنوب أفريقيا، والأردن، واليمن، والإمارات، وحصل على العديد من درجات الدكتوراه الفخرية من جامعات لينكولن، وليندنوود، وإلينوى ومن جامعة صنعاء باليمن.

وفى كتابه (كفى صمتا) يقول: إن صورة العالم الإسلامى كانت غامضة فى ذهنه مثل كل الأمريكيين، ولم تساعد الحكومة الأمريكية على توضيح أو تصحيح هذه الصورة، ولكن زيارته إلى اليمن كانت نقطة تحول فى حياته، فقد اكتشف خلالها الحضارة الإسلامية، ولمس أن هذه الحضارة تعتمد على قيم الشرف  والكرامة، وأن التسامح قيمة أساسية فيها، لا تختلف-كما كان يعتقد-عن أصول المسيحية التى ينتمى إليها، ويقول إنه لم يكن مهتما بالأقلية المسلمة فى أمريكا وإنجازاتها فى المجالات العلمية، والتجارية والأكاديمية، ولكنه بعد فوزه فى انتخابات الكونجرس عام 1980 اتهمه خصومه السياسيون بمعاداة السامية بعد أن عرفوا علاقته بالعالم الإسلامى ومطالبته بحقوق الفلسطينيين فى بلدهم، وكلما قابل أمريكيا يهوديا كان يجد نفسه دائما فى موقف الدفاع عن أفكاره مما جعله يكتب هذا الكتاب.

ويقول بول فندلى: إنه عندما كان فى السادسة من عمره كان يذهب إلى مدارس الأحد بمدينة (جاكسونفيل) بولاية إلينوى، وكانت المعلمة تلقن  الأطفال معلومات خاطئة عن الإسلام والمسلمين، فتقول: إن المسلمين شعب بدائى وعنيف، يعيش فى الصحارى، ويعبد إلها غريبا، وتكرر (أنهم ليسوا مثلنا)، ويعلق على ذلك بأن المعلمة هى أيضا تعلمت هذه الأفكار ممن سبقوها وهكذا..

ثم يقول: فى  اليمن سألت مرافقى: هل تسمح حكومة إسلامية لغير المسلمين بممارسة عبادتهم، فرد عليه: طبعا، فالمسيحية وغيرها من الديانات موضع ترحيب وحرية الأديان مكفولة وأشار إلى كنيسة فى الطريق وقال: هذه واحدة وأمثالها كثير، ويعلق على ذلك بأنه اندهش لأنه لم يكن يعلم هذه الحقيقة وقد بلغ الثالثة والخمسين من عمره، وفى يوم الجمعة شاهد جموع المصلين فانبهر بالمشهد، وعندما زار المتحف الحربى فى صنعاء دهش عندما رأى فتاة تقوم بدور المرشدة، وعلم أنها طالبة فى كلية الصيدلة، وكانت ترتدى ملابس غربية بلا حرج.. ويقول: هذه الزيارة جعلتنى أبدأ فى الاهتمام بتفهم الإسلام والاختلاط بالمسلمين فى لوس أنجلوس، وشيكاغو، ونيويورك، وكذلك فى القاهرة، وجدة، وعمان، وماليزيا.. وفى نيوجرسى ذهب إلى المسجد فوجد مشهدا غير مألوف فى المجتمع الأمريكى هو وقوف المصلين من جميع الأجناس يصلون معا كتفا بكتف، وقابل شابا أمريكيا قال له إنه اعتنق الإسلام وهو فى الأربعين من عمره، لأنه وجد فى هذا الدين الطمأنينة، واكتشف أن المرأة فى الإسلام لها كيان مستقل اقتصاديا واجتماعيا، ولا تأخذ اسم زوجها، كما أن لها ذمة مالية منفصلة، وتستقل بدخلها المالى، ولا تجبر على ضم أموالها إلى أموال زوجها، كما يحدث فى الغرب، ولذلك يقول بول فندلى: وجدت أن قيم العدالة والحرية هى أهم القيم الاجتماعية فى الإسلام.

وبسبب ما قاله عن الإسلام والمسلمين هزم بول فندلى فى انتخابات الكونجرس عام 1968، وأعجب بحرص المسلمين على أداء الصلوات فى مواعيدها، وقال له أحدهم: الصلاة صلة بالله ويجب أن نكون على صلة دائمة بالله.. ويتحدث بعد ذلك عن سيدة مسلمة تقوم بدور كبير فى الحياة الاجتماعية، هى السيدة نور نصير وهى خبيرة مالية، ورئيسة لمنتدى إسلامى دولى، هدفه تعميق روح التعايش بين أصحاب الديانات المختلفة، وزوجها (نور) باحث اقتصادى مولود بالمغرب، وسمع منهما آيات من القرآن لا تفرق بين الناس بسبب الدين أو الأصول العرقية وتذكر أن الناس جميعا من أب واحد وأم واحدة، وأن حكمة الله فى الاختلاف بين الناس أن يتعارفوا لا أن يتصارعوا.. ويقول: وجدت أن من يقرأ القرآن سوف يدرك على الفور أن ما يقال عن أن الإسلام دين عنف ليس إلا كذباً وافتراء، خاصة أنه وجد أن الإسلام يعترف بالدين المسيحى وبالدين اليهودى، ولو تمت دراسة الإسلام دراسة جيدة فسوف يكتشفون الأصول الأخلاقية التى تقارب بين الإسلام والمسيحية واليهودية، وسوف تتوقف مدارس الأحد عن ترديد مقولة:(إن المسلمين ليسوا مثلنا) ويقول: إنه لاحظ أن بعض أصدقائه المسلمين لا يؤدون الصلاة بانتظام، وهؤلاء يشبهون بعض المسيحيين الذين لا يذهبون إلى الكنيسة إلا فى الأعياد، ومع ذلك فهم مسيحيون.. ويقول: إنه يتفق مع الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا فى أن المسيحيين يمكنهم أن يتعلموا الكثير من المسلمين، ويتفق مع ما قاله فى محاضرة جامعة اكسفورد عام 1993 :إن مساهمة الحضارة الإسلامية كانت حضارة عظيمة. وكانت سبباً فى تقدم الحضارة الغربية، وينقل عن الأمير تشارلز قوله: (إن الإسلام يمكنه اليوم أن يعلمنا وسيلة لفهم العالم والحياة فيه، بعد أن أصبحت المسيحية تعانى من وعكة، وأصبحت مهددة بالانقراض، ففى قلب الإسلام تكمن رؤية كلية للعالم، فالإسلام يرفض فصل الإنسان عن الطبيعة ويرفض فصل العلم عن الدين، ويرفض فصل العقل عن المادة، كما يحافظ الإسلام على رؤية موحدة للبشر وللعالم على السواء)

***

يروى بول فندلى كيف أن السود كان يجلبهم النخاسون ليعملوا عبيدا عند السادة البيض فى أمريكا، وكان أكثرهم مسلمين من أفريقيا، وكان أسيادهم يجبرونهم على ترك ديانتهم، ولذلك كانت أمريكا موطنا لأغلبية من المسلمين منـذ القـرن السـادس عشـر، ولكن هذه الحقيقة التاريخية لا يعرفها الأمريكيون، ولا يحبون الاعتراف بها.. ويشير إلى محمد على كلاى معجزة الملاكمة ومحبوب الجماهير فى جميع أنحاء العالم، وقد اعتنق الإسلام، وبعد اعتزاله بدأ الاهتمام بقضية حقوق الإنسان فى العالم، وبقضية السلام، ويعتبر محمد على كلاى وجها مشرفا للولايات المتحدة، قالت عنه (نيويورك تايمز): إنه بأخلاقه الرياضية غير عالم الرياضة فى العالم بتسامحه الشديد، ودعوته إلى نبذ العنصرية التى كان يجسدها منافسه جو لويس.. ويذكر قول كلاى: (لو لم أكن مسلما لكنت قد أسلمت الآن وعلى الفور).. ويشير بول فندلى أيضا إلى اللاعب الأسطورى كريم عبد الجبار، وهو مسلم أمريكى من أصل أفريقى، تم اختياره كواحد من أشهر لاعبى كرة السلة فى عام 1995، ولاعب كرة السلة شريف عبد الرحيم الذى حقق الفوز بالبطولات لفريقه، وتبرع بمائة ألف دولار للمدارس الإسلامية، ولويس فراخان زعيم جماعة أمة الإسلام الأمريكية التى تدير أكثر من مائة مسجد فى الولايات المتحدة، وأنشأ مدارس إسلامية.. وكانت بدايات هذه الجماعة مضطربة عقائديا، إلا أن ليونارد محمد تولى بعده زعامة (أمة الإسلام)، وأعلن أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وكانت هذه نقطة تحول فى تاريخ هذه الحركة نحو الإسلام الصحيح بعد الممارسات الغريبة عن الإسلام التى أدخلها لويس فراخان، ويؤكد بول فندلى -مستشهدا بالإحصائيات- أن مسلمى أمريكا هم الأقل من حيث معدلات البطالة، ومن حيث معدلات الجرائم، وكثير منهم لهم شهرة بتفوقهم العلمى والأدبى والتجارى، مثل أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل فى الكيمياء، وهو مصرى المولد، وجاء فى حيثيات الجائزة أن اختراعاته فتحت مجالا جديدا فى العلوم التكنولوجية، ثم يذكر أسماء كثيرة لعلماء مسلمين أمريكيين، منهم البروفيسور البرت شفيتزار أستاذ العلوم الإنسانية، ومدير معهد دراسات ثقافات العالم بجامعة نيويورك، والبروفيسور إبراهيم أبو لغد رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة نورث ويسترن بولاية إلينوى، والبروفيسور شريف بسيونى الأستاذ بجامعة دى بول بشيكاغو، والبروفيسور هشام شرابى الأستاذ بجامعة جورج تاون، والمخرج السينمائى المشهور مصطفى العقاد، وغيرهم كثيرون.

***

ويؤكد بول فندلى أن الجالية الإسلامية فى الولايات المتحدة من أكثر الجاليات نموا، وربما يكون ذلك سببا لما تلاقيه من متاعب.. ويركز على مكانة الأسرة فى الإسلام والترابط الوثيق بين أبناء العائلة، وشعور المسئولية لدى كل فرد عن أبويه وأفراد أسرته.. ويقول: إنه قضى سنوات من الاتصال بالمسلمين فى مختلف دول العالم، لكن ذلك لم يكن كافيا ليكون ملماً بكل دقائق هذا العالم، إلا أنها جعلته يحكم على الإسلام والمسلمين حكما واقعيا، ويتفهم كيف أن الصورة سيئة فى الولايات المتحدة، حتى أن كل جريمة يرتكبها مسلم ينسبها البعض فى أمريكا إلى الإسلام والمسلمين، كما حدث مع المجرم ريجينالد كورى الذى اقتحم أحد البنوك فى مدينة (نيو آرك) فى يوليو 1999، وصاح فى الجميع: بسم الله.. معى قنبلة.. ولا أتردد فى قتل نفسى معكم فى سبيل قضية الإسلام.. ضعوا كل الأموال فى حقيبتى.. وبالرغم من أن هذا الشخص مجرم ككل المجرمين من أى دين، ولا يمكن أن يؤدى إلى القول بأن الإسلام هو الذى قام بسرقة البنك، فإن رد فعل هذه الجريمة كان عنيفا ضد الإسلام، حتى أن أحد الأمريكيين حاول إشعال النار فى مركز كولورادو الإسلامى، وقام رجل آخر بإطلاق النار على مسجد بمدينة ممفيس، فأصيب المسجد بتلفيات، كما أصيب أحد المصلين، وقام بعض الأمريكيين المتطرفين بإلقاء القاذورات على المسلمين والوقوف أمام المساجد ليشربوا الخمر ويتعاطوا المخدرات، ويأتون بكلابهم للتبول على جدار المسجد!

***

ويذكر بول فندلى أنه بعد انتفاضة الأقصى فى أكتوبر 2000، وبينما كان المسلمون يؤدون الصلاة فى المركز الإسلامى بجنوب كاليفورنيا، قذف بعض الأمريكيين الحجارة على مبنى المسجد، فتناثر الزجاج على المصلين، وقال أحد مسلمى المنطقة: إنه من الضرورى أن يعرف هؤلاء الناس من نحن حتى لا نصبح أهدافا للتعصب، كلما تأزمت الأمور فى الشرق الأوسط..

ويضيف فندلى أن بعض النماذج السيئة نشأت داخل الكونجرس نفسه، فإن هناك من يعمل على تشويه صورة الإسلام عند صناع القرار السياسى فى أمريكا، وقد نبه (رالف برايانتى) إلى ذلك عندما أشار إلى كتاب صدر فى أعقاب تفجير مبنى التجارة العالمى عام 1993 من تأليف يوسف بودانسكى، وهو محرر فى مجلة سلاح الطيران الإسرائيلى، وقال فيه بالنص: (إن الإرهاب الإسلامى قد أعلن الجهاد على الغرب عامة، وعلى الولايات المتحدة خاصة).. ويعلق فندلى على ذلك بأن مثل هذه الأقوال تزيد من مخاوف الأمريكيين، وترسخ الصورة السيئة عن الإسلام، حتى أن بعض السياسيين والمواطنين تناسوا أن دستور الولايات المتحدة دستور علمانى وأمريكا ليست دولة دينية، وأصبحوا يعلنون أن أمريكا دولة مسيحية، وأن الإسلام هو الخطر الذى يهددها بعد زوال الخطر الشيوعى، وحتى بين المفكرين والأكاديميين من يردد هذه الأقوال، ويصوغها فى نظريات تبدو علمية، مثل عاموس بيرلـموتر الذى أعلن أن الإسلام يشن حربا ضد المسيحية والصهيونية والرأسمالية الغربية، والبعض يجعل (الخطر الأخضر) أى خطر الإسلام، و(الخطر الأصفر) أى خطر الصين، هما أكبر أعداء أمريكا فى هذه المرحلة.

ويتفق بول فندلى مع البروفيسور إدوارد سعيد، وهو أستاذ أمريكى مشهور بجامعة كولومبيا من أصل فلسطينى يحمل الجنسية المصرية والجنسية الأمريكية، ويتساءل: ماذا حدث للأكاديميين الأمريكيين من أمثال جوديث ميلر، وصامويل هنتنجتون، ومارتن كرامر وغيرهم، فقد أصبحوا يرددون أقوال ونظريات الأكاديميين الإسرائيليين عن خطر الإسلام، واعتباره التهديد الشامل للديمقراطية والليبرالية الاقتصادية الغربية، ويرددون أن الإسلام بطبعه معاد للسامية، ويكررون ذلك فى كل وسائل الإعلام التى ترحب دائما بهم وتريد المزيد فى هذا الاتجاه، حتى أصبحت كلمة الإسلام مرادفة للقتل والإرهاب فى الوعى الغربى، وهذه الأفكار-كما يقول فندلى-تنبت فى نفوس حاقدة على الإسلام، كما فعل ستيفن إمرسون فى برنامج تليفزيونى عرض فى عام 1994 بعد تفجير مبنى التجارة العالمى، وكان عنوان البرنامج (الجهاد فى أمريكا: بحث فى التطرف الإسلامى فى الولايات المتحدة) وكان هذا البرنامج مسيئا للإسلام بشكل فج ووقح، وترك أثرا بالغا فى الوعى الجماهيرى، ورسخ مفهوم الإرهاب بوصفه مرادفا للإسلام.. وقد بدأ معدو البرنامج بتعريف الجهاد الإسلامى بأنه زرع قنابل موقوتة لقتل الأبرياء فى كل مكان فى العالم، وكانت الرسالة التى عمل البرنامج على توصيلها إلى المشاهدين أن الأصولية الإسلامية هى الخطر الأعظم على الدول الغربية وعلى الديمقراطية..

وقد حاول أندرو بيترسون فى كتابه (الدفاع عن الإسلام) شرح مفهوم الجهاد فى الإسلام على أنه جهاد النفس لفعل الخير، وهو جهاد ضد الظلم، ودفاع عن النفس أمام الاعتداء على المسلمين، ولكن (إمرسون) فعل بالإسلام فى برامجه فى التليفزيون ما كان يفعله السيناتور جوزيف مكارثى أيام موجة المكارثية فى الخمسينات من القرن العشرين، فى هجومه الضارى على الشيوعية والاشتراكية، فلقد اتهم مكارثى موظفى الحكومة الأمريكية-أو بعضهم-بعدم الولاء لأمريكا، وبالتجسس لحساب الاتحاد السوفيتى، وكذلك فعل إمرسون فى برامجه مؤكدا على أن مسلمى الولايات المتحدة يتلقون مساعدات مالية من الخارج، ويحاولون تكوين امبراطورية إسلامية فى أمريكا (!) وليس ذلك فقط.. بل إن إمرسون ظل يكرر فى برامجه التحذير من وجود ميليشيات عسكرية إسلامية منتشرة فى أنحاء كثيرة فى العالم وفى أمريكا، ليقوموا بأعمال التخريب فى الدول الغربية، ويؤكد إمرسون فى مقالاته التى يكتبها عن الخطر الإسلامى على أن المنظمات والجمعيات الإسلامية فى الولايات المتحدة أصبحت مرتعا للأصوليين الإسلاميين، وأن الإرهاب يمتد من الخرطوم والقاهرة إلى بروكلين، ومن غزة إلى واشنطن (!).. ويقدم بول فندلى مثالا على ذلك من مقال فى صحيفة (وول ستريت) المعروفة، كتبه إمرسون ليؤكد فيه أن الإسلاميين يتخذون المساجد والجمعيات الإسلامية فى أمريكا المقار التحتية لنشاطهم الإرهابى، ويتساءل بول فندلى: كيف انتشر تعبير الأصولية الإسلامية فى جميع وسائل الإعلام فى دول الغرب تعبيرا عن الصورة السيئة للإسلام، مع أن هذا المصطلح لا يعرفه الإسلام أصلا، ولم ينتشر إلا حديثا، وعلى أقلام وألسنة الغربيين أنفسهم.. ويتساءل أيضا عن معنى ما حدث للمسلمين فى أعقاب تفجير مبنى أوكلاهوما، والإجماع على توجيه الاتهامات إلى المسلمين مما أدى إلى حالة من الكراهية عمت الشارع الأمريكى، ونتيجة لذلك تعرض المسلمون لمضايقات كثيرة، وكان المحققون يأمرون باعتقال أعداد كبيرة لمجرد أنهم من أصول عربية وأن دينهم الإسلام! ثم أثبت التحقيق أن المسلمين أبرياء، وأن الذى فجر المبنى هو الأمريكى المسيحى تيموثى ماكفاى، فهل قال أحد إن هذا هو الإرهاب المسيحى أو إن هذا هو الإرهاب الأمريكى؟.. ولولا أن الضابط تشارلز هانجر شاهد ماكفاى بعد الحادث يقود سيارته بسرعة، وبدون رخصة قيادة، ورأى أسلحة فى السيارة فقام بالقبض عليه، ولولا أن المصادفة كشفت الحقيقة ماذا كان سيحدث؟ يقول فندلى: لو لم يتم القبض بالمصادفة على ماكفاى كانت سوف تسود ادعاءات إمرسون وغيره من جهابذة وخبراء الإرهاب الذين رددوا بثقة أن الإسلام وراء هذه الجريمة.

***

ويقول بول فندلى:إن أسامة بن لادن أساء إلى الإسلام والمسلمين أكثر مما أساء إمرسون وأمثاله، فقد ظهر بن لادن بعد حادث أوكلاهوما فى برنامج على شبكة (بى.بى.سى)، وكان البرنامج يتحدث عن بن لادن على أنه المدافع عن الإسلام، وكانت عبارات بن لادن دموية وشريرة تدعو إلى قتل الأمريكيين فى كل مكان، وقال بن لادن: إن أمريكا هى العدو الوحيد للإسلام، وقد ساد الرعب الجالية الإسلامية بسبب هذه التصريحات التى أدت إلى زيادة تيار العداء لهم.. وبذلك تعرض مواطنون أمريكيون للغضب والإهانة دون سبب سوى أنهم مسلمون، وبعد هذا البرنامج ظل المسلمون الأمريكيون يتلقون رسائل ومكالمات تهديد بالقتل، وتعرضوا لمضايقات فى العمل والشارع والاجتماعات.. إلخ.. وأخرجت هوليود عشرات الأفلام تسىء للإسلام وللعرب، وتصور المسلمين فى أبشع صورة، وأسهمت بذلك فى ترسيخ الصورة السيئة عن الإسلام والمسلمين.

ويروى بول فندلى أن حوارا دار مع ستة ركاب فى الطائرة أثناء رحلة إلى شيكاغو أجمعوا على أن الإسلام هو الخطر الحالى الذى يواجه الولايات المتحدة.

***

ويصل بول فندلى إلى الحقيقة المسكوت عنها فى أمريكا، فيقول: إن أعضاء اللوبى الصهيونى فى أمريكا يساهمون فى نشر نماذج وصور سيئة عن الإسلام والمسلمين، ويصورون الإسلام دائما على أنه دين عنف، وسفك دماء، والمسلمين على أنهم مجرمون وإرهابيون، ويفسر ذلك بأنهم يستخدمون الهجوم على الإسلام والمسلمين كاستراتيجية لتبرير ممارسات العنف غير الشرعية التى تمارسها السلطات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، كما أنهم يحصلون بهذه الحملة على دعم كبير ومستمر بالمال والأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة من الولايات المتحدة للدولة الإسرائيلية.. وينقل عن أحد كبار الضباط الأمريكيين واسمه جون بيرد أن هذا الدعم الأعمى من أمريكا لإسرائيل وتغلغل اللوبى الصهيونى فى السياسة الأمريكية له آثار سلبية على أمريكا، فإنه يؤدى إلى تدمير المصالح الأمريكية فى مناطق كثيرة، منها الدول العربية، ويجعل الولايات المتحدة تبدو فى المحافل الدولية فى صورة الدولة الظالمة، خاصة بعد أن قامت أمريكا بالاعتراض عدة مرات على محاولات الأمم المتحدة لإرسال مراقبين لحماية أرواح المدنيين الفلسطينيين من بطش القوات الإسرائيلية.

ويقول بول فندلى: إذا سمحنا بالربط بين الدين الإسلامى والإرهاب، لمجرد أن هناك إرهابيين مسلمين، فإن ذلك سيؤدى إلى إدانة الدين المسيحى والدين اليهودى بالإرهاب، لأن هناك حوادث يرتكبها إرهابيون مسيحيون ويهود، بينما الحقيقة التى يجب أن تكون ماثلة دائما أن الأديان السماوية لا تدعو إلا للحب والخير والسلام والعدل بين البشر أجمعين، ويستشهد بما قاله ديفيد ووترز أحد الكتاب الدينيين: (فى أمريكا عندما نفكر فى الإسلام نستحضر على الفور الصورة التى تبثها وسائل الإعلام وتصور فيها العنف ومعظم ما تبثه وسائل الإعلام الأمريكية يتضمن معلومات خاطئة وبعيدة عن حقيقة الإسلام)..

وهكذا وجدنا فى أمريكا من يقول الحقيقة، وهذا شىء نادر الآن، ولذلك سمى كتابه (كفى صمتا) أو (لا تستمروا فى الصمت أكثر من ذلك) Silent no more وإن كان قد دفع ثمن إعلان كلمة الحق فى وقت يسود فيه الباطل فى بلاده..

***

ويقول بول فندلى: إن الأمريكيين يعتقدون أن حكومة (طالبان) هى النموذج الحقيقى لكل دولة إسلامية بسبب قلة معرفتهم بالإسلام، وهذا جعل مخاوف الغرب تتزايد حول مستقبل أية حكومة إسلامية يمكن أن تنشأ فى أى مكان فى العالم، لأن حكومة طالبان الهمجية شوهت صورة الإسلام أكثر مما فعل كل أعداء الإسلام، وأدى ذلك إلى مخاوف فى أمريكا من أن يندمج المسلمون الأمريكيون فى المجتمع الأمريكى، ويصلوا إلى مواقع مؤثرة فى السلطة والحكم فى المستقبل.

ويقول أيضا: إن الرأى العام الأمريكى يعتقد أن نظام الشورى الإسلامى غير ديمقراطى، لأنه يختلف عن النظام الأمريكى، وينقل ما قاله مراسل الإذاعة البريطانية رحيم الله بوسفراى: (إن الحكومات التى تطلق على نفسها اسم حكومات إسلامية ما هى إلا محاولات تصيب أو تخطئ، إلا أنها لا تصبح هى الإسلام.. وفى الحقيقة فإن هذه الحكومات ليست إسلامية)..

ويقول فندلى: إن الإسلام يحرم تعاطى المخدرات والاتجار فيها، بينما اقتصاد حكومة طالبان كان يعتمد على تجارة المخدرات، خاصة الهيروين والأفيون، وكانت تجارة المخدرات هى المصدر الرئيسى للدخل القومى فى أفغانستان فى فترة حكمهم، وقد بررت ذلك دينيا بحالة الفقر التى يعيش فيها الأفغان، وهذا غير صحيح، لأن كبار ملاك الأراضى هم الذين يتحكمون فى سوق المخدرات، ويعود ناتج هذه التجارة إليهم، ولم تتحسن أحوال الفقراء فى أفغانستان.. بل ازدادت سوءاً..

ويضاف إلى ذلك أن وضع المرأة فى نظام طالبان ونظرة الاحتقار وسوء المعاملة لها تجعل طالبان بعيدة عن الإسلام، فالقوانين التى منعت المرأة من الخروج بدون زوجها حتى فى الحالات الضرورية، وحظر لجوء المرأة إلى طبيب مع ندرة وجود طبيبات من النساء، وحرمان المرأة من التعليم واعتبار مشاهدة التلفزيون حراما شرعا، وأمثال هذه القوانين لا صلة لها بالإسلام، ولكنها أساءت إلى الإسلام فى العالم.

ويقول بول فندلى: إن إلقاء اللوم على الغرب وحده فى تشويه صورة الإسلام أمر غير موضوعى، حيث يوجد كثير من المسلمين يشوهون صورة الإسلام بممارساتهم السيئة، وتفسيرهم المضلل للنص القرآنى، وهؤلاء يتسمون بعدم التسامح، ومتعصبون، ومن ناحية أخرى فإن العالم الإسلامى كله يستحق اللوم بسبب سلبياته وعدم التصدى لما يسىء إلى دينهم، ولا يعملون بما فيه الكفاية لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام فى الغرب، وبهذه السلبية جعلوا الغرب يعتقد بصحة هذه الأكاذيب.

ومن أمثلة هذه الأكاذيب فكرة الغرب عن تحقير الإسلام للمرأة، وهذه الفكرة منتشرة حتى بين الأكاديميين. وهناك مئات الكتب وآلاف المقالات تردد هذه الفكرة، مثل كتاب (الزواج والأسرة) الذى كتبه (ديفيد نوكس) و(كارولين شاخت) الذى يدور حول مظاهر احتقار المرأة فى العالم الإسلامى، فلا يجوز لها أن تسبق زوجها أو أن تسير إلى جانبه ومكانها دائماً فى المواقع الخلفية فى البيت وفى الاجتماعات، ولا يمكنها تناول الطعام إلا بعد أن يفرغ زوجها وأولادها الذكور من طعامهم لتأكل ما يتبقى منهم، ولا يمكنها الحديث مع زوجها فى وجود آخرين، وفى النهاية يقول المؤلفان إن الإسلام ينظر إلى المرأة على أنها (لا شىء)!

ويذكر بول فندلى واقعة عايشها، فقد طلب المعلم فى إحدى مدارس ولاية أوهايو من التلاميذ كتابة موضوع عن معاملة المرأة فى الشرق الأوسط ومقارنتها بمعاملة المرأة فى الولايات المتحدة، وذهب التلميذ المسلم (كريم) إلى والده وذكر له أنه كتب أن المرأة فى الشرق الأوسط فى وضع مهين وفق تعاليم الدين الإسلامى، وضرب أمثلة مما فى كتاب الزواج والأسرة، وذهل الأب المسلم وقال لابنه: لكن هذا غير صحيح، فرد عليه الابن قائلا: أنا أعلم أنه غير صحيح، ولكنى إذا قلت غير ذلك فلن أحصل على درجات النجاح، كما أن المعلم عرض علينا فيلما يصور المرأة المسلمة فى أوضاع مهينة.. كذلك الحال بالنسبة لموضوع تعدد الزوجات، وتوجيه الاتهامات إلى الإسلام بسببه، ونظام تعدد الزوجات يثير فى الغرب الرفض على أساس أنه نظام بدائى يرجع إلى عصر العبودية، ولم يقتنع أحد ممن حضروا محاضرة للسفير الأردنى مازن النشاشيبى حين قال إن نظام تعدد الزوجات من دعائم الحياة القبلية الصحراوية ولكنه غير منتشر بكثرة فى المدن أو حتى فى الريف، وكانت له أسباب اجتماعية فى الماضى، وهو أمر اختيارى فى العقيدة وليس فرضا على كل مسلم.. بل إن قلة قليلة جدا من الرجال هى التى تجمع بين أكثر من زوجة فى وقت واحد.. ويذكر فندلى ما يثيره الحجاب والخمار فى نفوس الغربيين.. كما يذكر ما كتبته زينب البرى من أن منصب الرئيس ونائب الرئيس فى الولايات المتحدة مقصور على الرجال بينما وصلت المرأة فى بعض الدول الإسلامية إلى منصب الرئيس ورئيس الوزراء وهى أعلى مناصب السلطة والحكم، كما حدث فى إندونيسيا وبنجلاديش وباكستان وتركيا، وإن المرأة الأمريكية انتظرت مائة واثنين وثلاثين عاما لكى تحصل على حق التصويت بينما هذا الحق مكفول للمرأة فى معظم الدول الإسلامية.

***

ويتحدث بول فندلى عن موضوع آخر يثار كثيرا فى حملات الهجوم على الإسلام والمسلمين هو (ختان البنات) ويرى الغربيون أن ذلك يمثل جريمة ضد المرأة ترجع إلى العصور الهمجية، وينقل عن عدة مصادر إحصائيات تقول إن نسبة 84% من الفتيات فى مصر تجرى لهن هذه العملية البشعة، ومعظم هذه العمليات تجرى فى البيوت بدون إشراف طبى مما يؤدى فى بعض الحالات إلى مضاعفات، وأحيانا تؤدى إلى الوفاة. ويذكـر فندلى أن وزير الصحـــة المصرى د. إسماعيل سلام أعلن فى عام 1998 تحريم ختان الإناث وقال إنها ليست من الإسلام ولكنها عادة قديمة منذ أيام الفراعنة، فتعرض لهجوم الأصوليين، وتبين أن هذه العادة منتشرة بين مختلف الطبقات وتتم سرا، ويقول أخيراً: كلما زادت حالات الختان فى بلد فلابد أن تتأكد من سوء حالة البلاد الاجتماعية والتعليمية. وتقارير المنظمات الدولية تؤكد أن الختان ينتشر فى الدول ذات الأغلبية المسلمة، والعكس صحيح، فالدول ذات الأغلبية المسيحية لا ينتشر فيها الختان، وكذلك إسرائيل.

***

وفى كتابه (من يجرؤ على الكلام) يذكر بول فندلى الضغوط والمؤامرات التى تعرض لها بعد كتاباته ومحاضراته لإنصاف الإسلام والمسلمين ومطالبته بحقوق للفلسطينيين، ويقول: بعد 19 عاما قضيتها عضوا فى الكونجرس قامت لجان العمل السياسى والأفراد الموالون لإسرائيل بتنظيم حملة ضدى فى انتخابات 1979 وجمعوا تبرعات هائلة لذلك، ولكنى حصلت على الفوز بشق الأنفس فى انتخابات الحزب الجمهورى الأولية، ويقول إنه فى هذه الحملة اكتشف التأثير الخفى للوبى الإسرائيلى على مسرح السياسة الأمريكية، حتى أن كبار السياسيين لا يستطيعون إعلان آرائهم خوفا من هذا اللوبى الإسرائيلى، ومن الاتهامات التى ستوجه إليهم فى الصحف اليهودية فى طول البلاد وعرضها، ومن تهمة العداء للسامية التى يمكن أن تقضى على مستقبل أى إنسان فى أمريكا.

ويقول إنه كان على علاقة وثيقة مع الرئيس ريجان، ولكن أثناء حملة ريجان الانتخابية تلقى إنذارا من اللوبى الصهيونى بأنه إذا أظهر تقاربا مع بول فندلى فسوف يخسر أصوات نيويورك، وكان لهذا الإنذار تأثير على ريجان ومنظمى حملته الانتخابية، وحتى الفنان الكوميدى المعروف بوب هوب وافق على مساعدة بول فندلى فى حملته الانتخابية عام 1980، ولكنه تراجع وأبلغ فندلى أنه يتعرض لضغط شديد من اليهود فى كل أنحاء البلاد، ووصل الأمر إلى حد أن محامى بوب اليهودى الذى يتولى أعماله لمدة 35 عاما هدد بالتخلى عنه، وقال بوب هوب (إن الضغوط تتجاوز المعقول وليس لها مثيل من قبل)، وذكرت وكالة أنباء اسوشيتد برس أن أنصار إسرائيل الأمريكيين عادوا إلى صب الأموال فى حملة ملتهبة لإزاحة النائب بول فندلى عن مقعد الينوى الوسطى، وبالرغم من أن ريجان تشجع وعمل على مساعدته، كما تشجع جورج بوش وكان نائبا للرئيس وزميلا له فى مجلس النواب وحضر أحد المؤتمرات الانتخابية لتأييده، لكن اللوبى الصهيونى كان أقوى من الجميع. وخسر بول فندلى مقعده فى مجلس النواب الذى ظل يشغله 19 عاما بسبب قوله كلمة حق عن الإسلام والمسلمين، وعن حق الفلسطينيين فى وطن.

ويقول بول فندلى إن أشهر ما فى الكونجرس الأمريكى اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة (إيباك) وما أن يذكر اسم هذه اللجنة أمام أى عضو فى الكونجرس حتى يمتقع وجهه، لأن إيباك هى صاحبة السلطة الغالبة بين المجموعات الضاغطة فى أمريكا. حتى أنها هى التى تتحكم فى تصرفات الكونجرس الخاصة بالشرق الوسط، ويكاد جميع أعضاء مجلسى الشيوخ والنواب يطيعون بلا استثناء أوامر هذه اللجنة لأنها القادرة على إنجاحهم فى الانتخابات أو القضاء عليهم، وقد أصبحت إيباك مرادفة للسلطة الطاغية.. وقالت عنها صحيفة نيويورك تايمز (إنها أقوى التجمعات ذات المصلحة فى السياسة الخارجية لأمريكا، وأحسنها إدارة، وأكثرها نفوذا فى واشنطن) وقال النائب السابق بول ماكلوسكى بصراحة أكثر (إن إيباك ترهب الكونجرس) ولم يقل أحد مثل هذه العبارة الصريحة غيره وإن كان الكثيرون من أعضاء الكونجرس يتفقون معه فى الرأى سرا.

وإن كانت (إيباك) قد أصبحت أقوى المنظمات اليهودية، فإن هناك 38 منظمة يهودية رئيسية أخرى معها مثل رابطة مكافحة التشهير، وبناى بريت، والصندوق الوطنى اليهودى، والنداء اليهودى الموحد، واللجنة الأمريكية اليهودية، وإيباك هى الجزء الظاهر للعيون من اللوبى الذى يعتمد نفوذه على المؤسسة التى بناها يهود أمريكا فى أنحاء البلاد وتعمل بواسطة أكثر من 200 تجمع وطنى، وأشهر نشرة تصدرها (إيباك) اسمها (أخبار الشرق الأدنى) توزع على 60 ألف شخصية كما توزع على الصحف وأعضاء الكونجرس وكبار المسئولين الحكوميين، ومن الناحية الفعلية فإن تجمعات اللوبى اليهودى فى أمريكا هى امتداد للحكومة الإسرائيلية، وقد اتضح ذلك عام 1981 عندما وزعت (إيباك) على أعضاء الكونجرس بيانا رسميا تدافع فيه عن قصف إسرائيل المفاعل النووى العراقى، ووصل هذا البيان إليهم قبل أن يصدر رئيس وزراء إسرائيل هذا البيان.

ويقول فندلى: لا تجادل أية منظمة يهودية فى التزامها علانية بالمواقف والسياسات التى تتخذها إسرائيل، والمثال على ذلك عندما أعلن الرئيس الأمريكى ريجان خطة السلام أيدها مدير (إيباك) التنفيذى توماس داين بحماسة شديدة، ولكن بمجرد أن رفضتها إسرائيل لزم الصمت ولم يقل كلمة عنها. ويذكر فندلى (دون بيرجون) السفير الأمريكى السابق الذى قال: (إننا كنا فى وزارة الخارجية نتندر فنقول إذا أعلن رئيس وزراء إسرائيل يوما أن الأرض مسطحة وليست كروية فسوف يصدر الكونجرس قرارا بذلك خلال 24 ساعة). وقال ستيفن روزنفيلد الكاتب الكبير فى صحيفة واشنطن بوست إن (إيباك) هى القوة السياسية اليهودية الرئيسية فى أمريكا اليوم.

ويضيف فندلى: بمرور السنين تغلغل اللوبى الموالى لإسرائيل فى نظام الحكم بأكمله، وحتى رئيس الولايات المتحدة يلجأ إلى (إيباك) كلما واجهته مشكلة سياسية معقدة لها علاقة بالنزاع العربى الإسرائيلى. وعندما واجه الرئيس ريجان معارضة علنية لوجود مشاة البحرية الأمريكيين فى لبنان لجأ فى أكتوبر 1983 إلى (إيباك)، فساندته فى الكونجرس ومررت التشريع الذى كان يريد تمريره لمنحه سلطات واسعة تتجاوز قانون الحرب الأمريكى. وحين أراد ريجان زيادة المساعدات الخارجية 7 مليارات دولار عام 1983 ساعدته (إيباك) فى الحصول على موافقة الكونجرس. وصدر بيان من جون ولهيلم المدير التنفيذى للجنة الرئاسية التى وضعت هذا المشروع يحمل المديح والامتنان للوبى المؤيد لإسرائيل لموافقة الكونجرس على المساعدات الخارجية التى اقترحها الرئيس (!)

ويقول أيضا إن (إيباك) هى التى رسمت الاستراتيجية لزيادة المعونة الأمريكية لإسرائيل عام 1983 رغم أن الحكومة عارضت هذه الزيادة، وعندما أعلنت إيباك أن هذه الزيادة مجرد اختبار لمعرفة من يقف مع إسرائيل ومن ضدها، لم يعترض أحد فى الكونجرس على الزيادة، وغلبت الحكومة على أمرها.!

ويقول فندلى إن (إيباك) ليس فيها غير عدد محدود من الموظفين، ولكنها تعمل بعدد كبير من المتطوعين المنضبطين، وبالتعاون مع رئيس الولايات المتحدة أحيانا، ويقتصر دورها على دعم سياسات إسرائيل دون صياغتها، ولذلك فهناك اتصال يومى بينها وبين السفارة الإسرائيلية فى واشنطن، كما يجتمع مديرها التنفيذى بمسئولى السفارة مرة فى الأسبوع على الأقل. والاجتماعات التى يعقدها أعضاء (إيباك) هى الوسيلة لحشد المجندين، ويشارك فى هذه الاجتماعات الشخصيات الإسرائيلية والأمريكية البارزة (وتذكر أن كلينتون كان يحضر هذه الاجتماعات وهو فى منصب الرئيس، وأن هيلارى كلينتون لم تحصل على تأييد إيباك لانتخابها عضوا بمجلس الشيوخ إلا بعد إلقائها خطابا فى مؤتمر نيويورك تراجعت فيه عن تصريحها بأن الفلسطينيين لهم الحق فى إقامة دولة) ويحضر هذه المؤتمرات السفير الإسرائيلى فى واشنطن، وكبار مساعدى الرئيس فى البيت الأبيض، وأعضاء بارزون فى مجلسى الشيوخ والنواب، ولم ينجح جورج بوش الأب فى انتخابات الرئاسة إلا بعد أن اجتمع مع المسئولين فى (إيباك) وهو نائب الرئيس ريجان وتعهد أمامهم بالاستمرار فى محاربة (اللاسامية) فى الأمم المتحدة، وإلغاء قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية، واتهم منافسيه فى الانتخابات عن الحزب الديمقراطى بالتساهل إزاء معاداة السامية.!

***

وأمام مؤتمر (إيباك) عام 1983 وقف رئيس مؤتمر الحزب الجمهورى الخاص باختيار مرشحى الحزب فى انتخابات الكونجرس ووصف نفسه بأنه عضو فى (إيباك) بحكم الواقع، وحضر معه 43 من أعضاء مجلس النواب و16 من أعضاء مجلس الشيوخ! وذكر نائب مدير (إيباك) آرت تشوتن أن المنظمة عقدت حلقات دراسية فى مختلف أنحاء أمريكا زودت فيها (الفئة الموالية لإسرائيل بما يلزم من مهارات ليكون لها تأثير فعّال فى العمل السياسى لاختيار أصحاب الأصوات القوية المناصرة لإسرائيل). وتوثق (إيباك) علاقاتها مع جماعات وروابط مسيحية.. وقال مدير (إيباك) إن هدف هذه العلاقات (إدخال هذه الطوائف فى إيباك)، وتقام (مائدة دينية سنوية لصلاة الفطور لأجل إسرائيل)، وتعمل (إيباك) على نشر رسالتها بين آلاف الطلبة فى المدارس الثانوية والجامعات، وتنظم هى والهيئات اليهودية الأخرى رحلات إلى إسرائيل تساعد على إنشاء قاعدة شعبية لبرنامج (إيباك). وعلى سبيل المثال كانت رحلة 1982 لمدة أسبوع واشترك فيها 1500 يهودى أمريكى، وقال مسئول إيباك المسئول عن الرحلة (لقد أخذوا فكرة عن أروع ما يمكن أن يتصوروه فى أى بلد، وتركت أثرا عميقا، وخلقت روحا للقضية، وعادت بتبرعات) وقال أيضا: (إن المشرفين على الرحلة أعدوا لها على أساس علمى.. فهم يعرفون كيف يضغطون على كل الأزرار، ولذلك ملأت هذه الزيارة نفوس أفراد الرحلة بالرهبة، وهذه الرحلات دورية ومنتظمة، ولا تقتصر على اليهود فقط، بل إنها تشمل حكام الولايات، وأعضاء فى الكونجرس، وأعضاء فى المجالس التشريعية فى الولايات، وزعماء الطوائف، وكبار الصحفيين ورجال الإعلام، وتنظم (إيباك) أيضا رحلات للقادة السياسيين فى الأحزاب والكونجرس، وبعض هذه الرحلات تتحمل الحكومة نفقاتها على أنها (رحلة عمل)، وهنـاك فئـة أخـرى قــد يكون لها نفوذ محتمل ولا يفطن إليها أحد غالبا، هى فئة موظفى الكونجرس، وهؤلاء تعمل (إيباك) على التأثير عليهم وتنظم لهم رحلات مجانية إلى إسرائيل بالتعاون مع الجماعات الإسرائيلية، وتعمل (إيباك) فى نفس الوقت على إبعاد من تستطيع إبعادهم من المشاركين فى الحياة السياسية الأمريكية عن زيارة البلاد العربية، والذى يزور هذه البلاد تعمل على التأثير عليه قبل أو بعد الزيارة بوجهات نظر إسرائيل دون سواها. وعندما نظمت الجمعية الوطنية للأمريكيين المنحدرين من أصل عربى رحلة مجانية إلى الأردن دعت إليها جميع النواب الأمريكيين وزوجاتهم، استطاعت (إيباك) التأثير عليهم، فلم يذهب سوى ثلاثة نواب.. ولا تترك (إيباك) كلمة تنشر لإنصاف الإسلام أو الفلسطينيين إلا وترد عليها بمقالات مضادة، وفى عام 1983 أصدرت كتابا أنيقا بعنوان (قائمة الأعداء: الحملة لتشويه إسرائيل) وتضم أسماء 21 منظمة و39 شخصية تعتبرها (إيباك) أهم أعداء المصالح الإسرائيلية، وقد وضعت فى قائمة الأشرار شخصيات مهمة مثل وكيل وزارة الخارجية السابق جورج بول، والسفراء المتقاعدين سيلى وأندرو كيلجور وجون وست، وجيمس أكنز، والسيناتور السابق جيمس أبو رزق، وعدد من العلماء واليهود المنشقين.

وفى الوقت ذاته أصدرت رابطة مكافحة التشهير (بناى بريت) قائمة أخرى بأسماء الأعداء بعنوان (الدعاية الموالية للعرب فى أمريكا) ضمت أسماء 31 منظمة و34 شخصية، وهذان الكتابان هما (القائمة السوداء) التى أعلنوا عليها الحرب فى كل مكان، وحكموا عليها بالفشل والندم.

***

ليس هذا كل شىء.

إن بول فندلى يقول أكثر من ذلك بكثير عن (إيباك). لكن ذلك قد يكفى للإجابة عن السؤال.!
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف