فى انتظار ساعة الصفر!
مازلنا ندعو الله أن يجعل عام 2003 عام سلام وأمن واستقرار لنا ولأمريكا وللعالم.. ولكن يبدو أن العدّ التنازلى قد بدأ، وأن ساعة الصفر قد اقتربت لغزو أمريكا للعراق ولتدمير كل مقومات الحياة والتقدم فيه وإعادته إلى القرن التاسع عشر. يقال إن ساعة الصفر تتوقف على استكمال الاستعدادات العسكرية الأمريكية، وقد احتشدت حاملات الطائرات حول العراق، وأوشك العمل فى إعداد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية للهجوم على الانتهاء فى دولة قطر الشقيقة، وتم تدريب القوات الأمريكية فى الكويت قريبا جدا من الحدود العراقية لتعويدها على الحياة والقتال فى الأرض والمناخ اللذين ستدور فيهما الحرب.. وتستكمل أمريكا الآن الضغط على الدول الرافضة والدول المتحفظـة حتى تضطر إلى الانضمام تحت قيادة أمريكا لكى تحصل على نصيب من الكعكة العراقية وبعدها الكعكة الأكبر التى تشمل العالم العربى.
ولا أحــد يريـد أن يعـرف كيف يعيش شعب العـراق هذه الأيام من الترقب، وانتظــار الدمــار القادم.. لا أحد فى واشنطن يفكر فى شعب العراق. إنهم فقط يفكـرون فى إعــداد العملاء العراقيين الذين قبضوا الثمن مقدما ليتولوا المهمة السياسية لفتح الطريق ويصبحوا بعد ذلك هم الواجهة لتمكين الولايات المتحدة من حكم العراق حكما غير مباشر.. لتكون اليد الأمريكية هى الحاكمة فى قفاز عراقى.. وقد أعدت أمريكا نفسها لاصطياد المبرر لبدء الهجوم اعتمادا على احتمال وجود واحد فقط من العلماء العراقيين يمكن أن يبيع وطنه ويحصل فى مقابل ذلك على ملايين الدولارات، وتوماس فريدمان هو الذى كشف فى مقاله فى نيويورك تايمز يوم 2 ديسمبر الحالى بعنوان (فى انتظار زاخاروف عراقى) أن رئيس مفتشى الأمم المتحدة يمكن أن يدعو جنرالا فى الجيش العراقى أو عالما من علماء العراق إلى خارج العراق للتحقيق طبقا لقرار مجلس الأمن، حيث يكشف كل الأسرار العلمية لبلاده مقابل الإقامة و الأمان الشخصى له ولأسرته فى أمريكا، وأمريكا اعتادت أن تجد دائما عددا من ضعاف النفوس فى كل بلد مستعدين لأن يبيعوا بلدهم وشعبهم مقابل الثروة، أو المنصب، كما فعل العالم السوفيتى زاخاروف الذى باع بلده وساعد على هزيمتها وانهيارها، وقبض الثمن!
وفى سهرات أعياد الميلاد لا أحد فى واشنطن سيكون قادرا على فهم ما يقوله العقلاء فى أمريكا.. أو سيهتم بالتفكير فيما قاله الرئيس الأسبق كارتر من أن سياسة القوة التى تتبعها الإدارة الأمريكية الحالية لن تجلب لأمريكا النصر أو الاستقرار، ولكنها سوف تثير عليها العداوات فى كل مكان وستواجه بالإرهاب وهو سلاح الفقراء والضعفاء فى مواجهة القوة الطاغية، ولا أحد سيكون مستعدا لتفهم معنى ما قاله الرئيس السابق بيل كلينتون المنشور فى هيرالد تريبيون فى عدد 19 ديسمبر الحالى بعنوان (أمريكا يجب عليها أن تقود العالم بدلا من أن تسعى إلى الهيمنة) لأن الولايات المتحدة تمر الآن بلحظة فريدة فى التاريخ، تسعى فيها إلى الهيمنة العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، ولكن عليها أن تدرك أن هناك قوى أخرى صاعدة فى العالم. فالاقتصاد الصينى يمكن أن يصل إلى حجم الاقتصاد الأمريكى خلال عشرين عاما، والاقتصاد الهندى يمكن أن يصل إلى ذلك أيضا خلال ثلاثين عاما إذا توقفت الهند عن القتال مع باكستان وتبديد الأموال على الأسلحة، وفى فترة أقل من ذلك يمكن أن يصبح الاتحاد الأوروبى أقوى وأكثر تأثيرا فى العالم سياسيا واقتصاديا.. ومن الحكمة لذلك أن يكون دور أمريكا قيادة العالم لكى يدوم لها هذا التفوق بدلا من السعى إلى الهيمنة لأن الهيمنة لن تدوم،كلينتون أراد أن ينبه الصقور فى الإدارة الأمريكية إلى أن دوام تفوق أمريكا وقيادتها يتوقفان على طريقة استفادتها واستغلالها لهذه اللحظة التاريخية السحرية النادرة، فإما أن تعمل على قيادة دول العالم لدخول القرن الحادى والعشرين، وإما أن تستخدم قوتها لإكراه الشعوب على الخضوع لإرادتها، وأمامها أن تختار أن تمارس قيادتها للعالم بالقدوة والإقناع لتساعد على بناء عالم تتعامل فيه الشعوب مع أمريكا فى المستقبل بتعاون واحترام.. أو أن تختار ممارسة الضغط والقهر وتفرض الإذعان على الآخرين.. وعلى أمريكا أن تفهم أن تعامل الشعوب معها فى المستقبل عندما تتوافر لها القدرة سوف يتوقف على الطريقة التى تعاملهم أمريكا بها الآن وهى فى لحظة انفرادها بالقوة.. ومن حق أمريكا أن تمتلك قوات عسكرية فائقة القوة، ولكن يجب ألا تستخدم هذه القوات أبدا، وعلى الأمريكيين بدلا من ذلك أن يكونوا متواضعين بدرجة تجعلهم قادرين على إيجاد حلول حاسمة للأزمات التى تعانى منها الشعوب، كلينتون بعد تجربة ثمانى سنوات فى حكم أمريكا أراد أن ينبه الإدارة الحالية إلى أن العالم ملىء بالانقسامات والنزاعات السياسية، والدينية والاقتصادية، والاجتماعية، وإذا مارست أمريكا سياسة القوة لفرض الحلول وفق إرادتها ومصالحها وحدها، فإن ذلك يزيد من فرص سقوطها فى يد أعدائها، ويزيد الآلام ومشاعر الاغتراب التى يعانى منها المحرومون فى العالم، الذين يشعرون باليأس من عدالة أمريكا.
هل سيتبقى شىء من كلمات كلينتون وكارتر فى العقول بعد سهرة عيد الميلاد؟.
أعتقد أن كل كلمات صادرة عن العقل والحكمة سوف تتبدد فى صخب هذه السهرات.. وستبقى الكلمات التى تحرض الإدارة الأمريكية على الحرب بحجة إجبار العالم على أن يعرف أن أمريكا هى الآن أقوى قوة على الأرض، وأنها قادرة على فرض إرادتها وإخضاع الجميع لمشيئتها، وسوف يتبادل الجميع التهنئة على ذكائهم لأنهم نجحوا فى تسريب ما أسموه ( خطة الحرب على العراق) وكأنها تسربت بدون موافقة جنرالات الحرب، وقادة المخابرات. بينما الهدف من نشرها تخويف الشعب العراقى والشعوب العربية، والتأثير على معنويات العسكريين والسياسيين والشعب فى العراق، والإيحاء لكل عراقى بأن يبحث عن النجاة لنفسه من الطوفان القادم، وتدعيم المعارضة العراقية فى الشمال والجنوب لكى تقوم بدورها المرسوم لها وتواجه الموت بدلا من القوات الأمريكية التى ستدخل بعد انتهاء القتال لرفع أعلام النصر.. وهدف الدعايات السياسية والإعلامية الأمريكية الآن إثارة الخوف والقلق وخلخلة الجبهتين العراقية والعربية ، وتوزيع الدولارات بالملايين على أمثال (زاخاروف) من العلماء والعسكريين والسياسيين، وكما كتب الجنرال المتقاعد رالف بيترز فى واشنطن بوست إن السيناريو الأمريكى يعتمد على المتمردين من ناحية ، وعلى إمكان ظهور عدد من القادة العسكريين (المخلصين) لأمريكا وممن لهم أطماع شخصية للقتال ضد زملائهم حتى تتحول العراق إلى حرب أهلية تكون أمريكا فيها هى الفائز الوحيد.
طبعا لن يستمع صقور الإدارة الأمريكية إلا لمن قال لهم إن الأسلحة الأمريكية الحديثة وتفوق قواتها الجوية وصواريخها ستكون النموذج الجديد للحرب التى تحقق فيها أمريكا النصر من الجو دون إدخال قوات برية فى المعارك إلا بعد أن تنتهى المعارك.. وسوف يردد الصقور ما قاله أحدهم إن أمريكا فى إمكانها تحقيق النصر الكامل على العراق خلال أربعة أيام!..
ولكن ما هو النصر الذى تريده أمريكا؟ وإلى متى يمكن أن يدوم هذا النصر؟ وهل ستكتفى أمريكا بالعراق؟
ومن الممكن أن تجد أمريكا خائنا عراقيا أو أكثر يبيع وطنه مقابل حفنة دولارات ومنصب وحياة ناعمة.. ولكن من المستحيل أن تجد شعبا يبيع وطنه ويبيع نفسه.. فكيف سيكون الحال فى المستقبل؟.
وعلى صقور الإدارة الأمريكية أن يقرأوا التاريخ.. بعد سهرة عيد الميلاد طبعا!