البعض فى أمريكا يريدون الحرب ضد الإسلام.. وليس ضد الإرهاب!
 فى كل  صباح تنشر مئات المقالات، وتصدر عشرات الكتب تعمق معاداة الإسلام وتزيد المخاوف من المسلمين فى الولايات المتحدة ودول أوروبا، ومع الأسف فإن الذين يجهلون ذلك فى العالم الإسلامى كثيرون، والذين يدفنون رؤوسهم فى الرمال وينكرون أن فى الغرب معاداة للاسلام أكثر، والذين لا يريدون أن يقرأوا أو يعرفوا ما يقال عن الإسلام  أكثر وأكثر تصوُّرا منهم أن الجهل نعمة (!) ومع ذلك فإن سيل الكتب والمقالات متدفق بقوة وببراعة، على أيدى مفكرين وأكاديميين وكتّاب وصحفيِّين، ورجال دين، ورجال سياسة، وفنانين، ودعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان.. إلخ.

ولا أستطيع أن أكتم دهشتى حين يقول واحد من أهل الرأى فى العالم الإسلامى بثقة غريبة ومريبة بأن هذه الحملة لكشف ما يقال عن الإسلام فى الغرب تعطى حجما أكبر من الحجم الحقيقى وأن هذه الأقوال صادرة عن قلة فى الغرب لا تأثير لها ولا أحد يأخذ أقوالها مأخذ الجد ومن الأفضل ألا نشغل أنفسنا بواحد أو اثنين من الكتّاب الذين لا قيمة لهم.. لا أستطيع أن أكتم دهشتى لأنى أرى كتّابا غربيين لهم وزنهم يعربون عن الانزعاج الشديد لهذه الموجات من الكراهية والعداء ويعلنون أن انتشارها على النحو الذى صارت إليه ليس فى صالح الغرب.. لا أستطيع أن أكتم دهشتى لأن الغربيِّين يزعجهم هذا  الكم الهائل من العداء للإسلام، والمسلمون لا يشعرون بمثل هذا الانزعاج، ولا يحركون ساكنا للدفاع عن دينهم، وعن مصالحهم المهدَّدة، لأن هذا العداء سوف  يأتى يوم قريب أو بعيد ويعبّر عن نفسه بالعدوان.. لا أستطيع أن أكتم دهشتى لأن المنكرين يرون الرئيس الأمريكى يطالب بتخفيف مشاعر الكراهية للإسلام والمسلمين، ويفعل ذلك بعض  القادة الأوربيين، فلماذا يفعلون ذلك إذا لم تكن المسألة قد تجاوزت حدود الرأى ودخلت فى طور جديد هو تعبئة الرأى العام فى الولايات المتحدة ودول أوربا لاعتبار أن العدو الوحيد للغرب فى هذه المرحلة هو الإسلام..

لا أستطيع أن أكتم شعورى بالدهشة عندما اقرأ مقالا كتبه ويليام فاف فى صحيفة هيرالد تريبيون يوم 5 ديسمبر 2002 بعنوان (توقفوا عن اعتبار الإسلام عدوا).. وقال فيه إن مجموعة من أهل الفكر فى واشنطن يعملون على تحويل الحرب ضد الإرهاب التى تشنها الولايات المتحدة فى عهد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش-إلى حرب ضد الحضارة الإسلامية، وضد الدين الإسلامى، وهذه المجموعة من التيار المحافظ الجديد New conser vative وفى هذه المجموعة شخصيات مؤثرة فى الفكر والقرار فى أمريكا من أمثال اليوت كوهين الأستاذ بكلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، وكينيث أديلمان kenneth adelman مستشار هيئة السياسات فى  البنتاجون (وزارة الدفاع) والذى كان يعمل قبل ذلك إلى جانب الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان، وهذه المجموعة ذات النفوذ والتأثير توجِّه انتقادات علنية إلى الرئيس بوش بسبب ما قاله مؤخرا من أن الحرب الأمريكية ليست ضد الإسلام، ولكنها ضد الإرهاب فقط، وهم يقولون إن الإسلام نفسه هو العدو لأمريكا، لأن الدين الإسلامى والحضارة الإسلامية قائمان على التعصُّب، وعلى معاداة القيم الغربية، وعلى دعوة الناس إلى الدخول فى الإسلام وعلى التوسع وعلى القوة والعنف فى التعامل مع الآخرين، وهذه المجموعة تبنى موقفها على إقناع الأمريكيين بأن الإسلام كان معاديا للغرب قبل أن توجد إسرائيل،ولذلك فإن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى ليست له علاقة بأزمة الإسلام مع الغرب.. ويقول ويليام فاف: إن هذا الموقف الفكرى جديد وقد لا يقنع به كثيرون، ولكن يعزز هذا الاتجاه موقف قطاع من مجتمع البروتيستانت الإنجيليين فى الولايات المتحدة يرددون ويؤكدون أن الإسلام هو (الشر) ومن هؤلاء رجل الدين الذى أشرف على مراسم تنصيب الرئيس بوش عام 2001، ويعلَّق ويليام فاف على ذلك بقوله: إن أمثال كوهين وأديلمان وأتباعهما الكثيرين فى المجتمع السياسى الأمريكى مازال عليهم أن يفسروا أسباب دعوتهم إلى الحرب ضد الإسلام والحضارة الإسلامية، أى ضد أكبر دين على الأرض بعد المسيحية يضم أكثر من مليار مسلم منتشرين فى القارات الست.

***

ويقول ويليام فاف: إن هؤلاء المفكرين وقعوا تحت تأثير نظرية صمويل هنتنجتون القائمة على المغالطة،وذات التأثير الضار على الغرب وعلى  الإسلام معا، لأن هذه النظرية تعتبر أن الحضارات هى المسئولة عن المواقف السياسية، بينما هى فى حقيقتها ظواهر ثقافية، وهؤلاء المفكرون يصدرون أحكامهم على المسلمين ليس على أنهم بشر كسائر البشر فيهم الصالح والشرير، ولكنهم يحكمون على  المسلمين بالإدانة لأنهم مسلمون، فالحكم على الهوية وليس على الأفعال هو الخطأ الذى وقعوا فيه ولم يلتفت إليه كثيرون، وهؤلاء ينتقلون من حتمية الحرب على الإسلام والمسلمين إلى حتمية وشرعية الحرب ضد العراق وشعب العراق، باعتبار أن الشعب لابد أن يتحمل مسئولية ما تفعله حكومته حتى إذا كانت حكومة استبدادية تمارس  القمع وليس للشعب رأى فى سياساتها وقراراتها، ويقول ويليام فاف تعليقا على ذلك:إن ما يقولونه عن العراقيين يمكن أن ينسحب على الإيرانيين والسعوديين، والمصريين، والإندونيسيين، والباكستانيين، وإذا كانت الشعوب مسئولة عما تفعله حكوماتها فلابد أن ينطبق ذلك على الأمريكيين أيضا.. وبناء على هذا المنطق فإن الشعب الأمريكى يحمل جانبا كبيرا من المسئولية عما تفعله حكومته ولا يغيِّر من ذلك أن بعض الأفراد من المواطنين الأمريكيين يعارضون هذه الأفعال..  ومع ذلك فلا المسلمون ولا الأمريكيون يستحقون الموت بسبب انتمائهم إلى دين أو  إلى حضارة، سواء لقى هذا الدين وهذه الحضارة قبولا أو رفضا، والتفكير بهذه الطريقة هو التفكير الاستبدادى الذى يتساوى مع النزعة العنصرية، فالعدو فى نظر هؤلاء يعتبر عدوا بسبب هويته وعقيدته وليس بسب أفعاله، والقول بأن المسلم هو (العدو) سواء كان رجلا أو امرأة، أو طفلا، بسبب الهوية الثقافية أو الدينية وليس بسبب ما يفعله من عمل عدائى، هو الفكر العنصرى بعينه، وهو الفكر الذى كان القادة الألمان أيام الحكم النازى منذ ستة عقود يحرضون بناء عليه الشعب الألمانى على شن الحرب على اليهود لأنهم يهود، ولأن النظرية العنصرية الألمانية كانت تعتبر اليهود فى مرتبة أدنى من مرتبة الألمان عنصريا، وتعتبر اليهود أعداء للألمان لأن هؤلاء يهود وأولئك ألمان دون نظر إلى سلوك وأفعال اليهود، فقد كان كافيا فى الفكر النازى أن يكون اليهودى يهوديا ليكون عدوا للألمانى ولألمانيا، وعلى هذا الفكر بررت النازية النزعة إلى إبادة اليهود، ومثل هذه النظرة التى تنطوى على التعميم فى العداء ما حدث فى الثورة الشيوعية خلال نفس الفترة-منذ ستة عقود-فقد كان الشيوعيون يتلقون الأوامر بقتل ملاك الأراضى والأغنياء وأفراد الطبقة الارستقراطية (الكولاك) وأصحاب المحلات التجارية، وأصحاب المهن والرأسماليين، والمنشقين عن الحزب الشيوعى، وأضافوا إليهم اليهود أيضا، وكان المبرر لقتل كل هؤلاء أنهم أعداء النظام الشيوعى ليس بسبب مواقفهم العدائية، ولكن بسبب أنهم ملاك أراض ورأسماليون ومهنيون ويهود (‍!!) وذلك يجعلهم أعداء بالضرورة للنظام الذى يريد القضاء على  الطبقية والمعارضة..

***

ويصل ويليام فاف من ذلك إلى أن معاداة المسلمين فى الغرب لأنهم مسلمون كمعاداة اليهود فى النازية، لأنهم يهود، ومعاداة المهنيين وغيرهم فى الثورة الشيوعية لأنهم كذلك، وهذا هو التفكير الاستبدادى الذى يمثل أكبر اتهام لأنه يضاف إلى مراحل الإبادة الجماعية التى حدثت فى القرن العشرين بنفس المبررات، ولكن  أديلمان وكوهين ومن يتفقون معهم فى الدعوة إلى الحرب ضد الإسلام، إنما يوجهون العداء إلى ثقافة ليست مسئولة مسئولية سياسية عن أعمال الحكومات بدلا من توجيه النقد السياسى وليس العقائدى، إلى القادة السياسيين وليس إلى الشعوب المؤمنة بدين معين، وإلى الحكومات والقادة والأفراد إذا صدرت منهم أعمال عدائية، أما التعميم والخلط بين العقائد الدينية والمؤمنين بها والمواقف السياسية للحكومات والجرائم التى يرتكبها أفراد ووضعها جميعا فى سلة واحدة وإعلان الحرب عليهم جميعا، فإن ذلك أمر يتجاهل مبدأ مسئولية كل فرد عن تصرفاته دون أن تمتد المسئولية إلى غيره، ومسئولية كل حكومة عن أعمالها دون أن تمتد المسئولية إلى شعوبها، لأن هذا الخلط  سيؤدى إلى كارثة تاريخية، والحروب إذا قامت لأسباب ثقافية ودينية فلن تكون لها نهاية، ولن تصل إلى حل للصراع، لأن الثقافات والأديان والعقائد لا يمكن التفاوض عليها ولا يمكن التوصل إلى حل للاختلافات فيما بينها وإذا سادت أفكار التيار المحافظ الجديد فى أمريكا فإن المسلم سوف يعتبر عدوا لأمريكا وأوربا لأنه مسلم، وسيكون الغرب عنده هو العدو لأنه الغرب، مادام هذا التيار يعتبر الإسلام هو العدو لأنه إسلام ويدعو إلى حرب ضد  المسلمين لأنهم مسلمون، وبذلك سوف تصل الأمور إلى النقطة التى يفقد فيها الجميع التحكم فى مستقبلهم.

ويستدرك ويليام فاف فيقول: إن ذلك كله غير صحيح لأن الصدامات الواقعة اليوم بين أمريكا وعناصر فى المجتمعات الإسلامية تعكس حقيقة أخرى غير صراع العقائد والحضارات والثقافات.. إنها تعكس الصراع على السلطة داخل المجتمعات الإسلامية.. وهذا الصراع قائم بين المتشددين والمعتدلين، وبين أعداء التقدم وأنصاره، وبين التقليديين والمتعصبين السياسيين والمجددين والمصلحين السياسيين.. ويضاف إلى ذلك أن هناك جماعات وحكومات إسلامية معروفة فى صراع مع حكومة الولايات المتحدة بسبب موقفها من إسرائيل ومستقبل الفلسطينيين وأيضا بسبب السيطرة على البترول، ويضاف سبب آخر هو سياسة فرض النفوذ الأمريكى، وفرض التواجد العسكرى الأمريكى فى أراضى الدول الإسلامية، وهذه الصدامات بين المسلمين والأمريكيين-فى حقيقتها-لأسباب سياسية، وهى صدامات خطيرة ولا يمكن التهوين منها، وهى فى حقيقتها أكثر عنفا مما تبدو الآن، ولكنها ليست حربا دينية وأن محاولة تحويلها إلى حرب دينية عمل غير مسئول.

هذا ما يقوله كاتب غربى، ولم يقل مثله كاتب فى  العالم الإسلامى، ربما بسبب الخشية من قول الحقيقة وربما بسبب الجهل.. أو بسبب تبلد الشعور.. أو قصر النظر.. وإذن دعونا نعرف الحقائق من الغربيين أنفسهم (!!)

***

قبل ذلك بأيام خرج (بات روبرتسون) وهو شخصية أمريكية معروفة يملك قناة تلفزيونية إنجيلية والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية وقال فى التليفزيون: إن المسلمين فى الفترة الأخيرة مصممون على قتل اليهود وأن أى أمل فى التفاوض على اتفاق سلام بإعطاء المسلمين الأراضى ليس إلا مجرد وهم، وأضاف: أتمنى أن يستيقظ اليهود فى أمريكا ويفتحوا عيونهم، ويقرأوا ما يقال عنهم.. فإن ادولف هتلر كان سيئا، لكن ما يريد المسلمون أن يفعلوه باليهود هو الأسوأ، بماذا نصف ما قاله بات روبرتسون علنا فى التلفزيون.. هل نخطئ إذا قلنا إن هذه دعوة للكراهية.. أليس فى هذه الأقوال خلط شديد وسموم قاتلة مثل اعتبار الصراع الفلسطينى الإسرائيلى صراعا بين (اليهود) و(المسلمين) أى صراعا دينيا بين أصحاب عقائد تتصادم،وليس صراعا بين (الإسرائيليين) و(الفلسطينيين) أى صراعا سياسيا بين صاحب الأرض وبين من يريد اغتصابها.. وأعتقد أن ما فى هذه الكلمات من تحريض صريح على كراهية الإسلام ومعاداة المسلمين لا يحتاج إلى شرح أو تعليق.. وبات روبرتسون مع القس جيرى فالويل ليسا إلا اثنين فى كتيبة لتعميق العداء والكراهية للإسلام، ولذلك قال فالويل علنا إنه قرأ كتاب المسلمين (القرآن) فوجد أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) كان رجلا عنيفا رجل حرب وقال:أعتقد أن محمدا كان إرهابيا.. وكانت تعليقات فالويل سببا فى قيام عدد من الهندوس بالهجوم على بعض المسلمين وقتلوا منهم عشرة فى غرب الهند بعد أن أثارت هذه الكلمات مشاعر الهندوس ضد المسلمين ومن يدرى ماذا ستكون عليه ردود الأفعال مستقبلا فى أنحاء العالم.

وصحيفة واشنطن بوست هى  التى قالت فى أول ديسمبر 2002 إن كينث ألدمان عضو مجلس السياسة الدفاعية فى  البنتاجون رفض ما قاله الرئيس بوش عن أن الحرب ليست على  الإسلام، ولكنها حرب على الإرهاب.. وقال كينث ألدمان: إن محمدا صلى الله عليه وسلم مقاتل وليس داعية سلام.. وقالت واشنطن بوست: إن الخوف يسيطر على المسلمين الأمريكيين من أن يكون الصقور المتشددين فى إدارة بوش قد كسبوا المعركة خاصة بعد أن أعلن إليوت كوهين عضو المجلس الاستشارى فى البنتاجون والخبير فى  الدراسات السياسية الدولية أن الإسلام وليس الإرهاب هو العدو للولايات المتحدة، وبعد أن أعلن بول ويريش  أحد النشطاء المؤثرين فى البيت الأبيض أن الإسلام فى حرب معنا.. وبعد أن أعلن أستاذ قانون أمريكى مشهور بأن إسرائيل لها الحق فى ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وسخرت شخصيات معروفة فى مقابلات تلفزيونية من حرص المعتقلين المسلمين فى معتقل جوانتانامو الأمريكى على أداء صلاة التراويح وهم مقيدون فرادى بالسلاسل فى أقفاص حديدية، وبعد أن أعلن عن إحباط الأمن الأمريكى للخطة التى كانت مدبرة لتفجير مسجد الملك فهد أثناء تجمع المسلمين الأمريكيين لصلاة العيد.

***

ولم تتوقف موجة العداء عند حدود الولايات المتحدة بل امتدت منها حتى وصلت إلى روسيا، وفى تقرير لصحيفة الحياة اللندنية أن شهر رمضان فى روسيا شهد أجواء من الشكوك والاتهامات التى أحاطت بالمسلمين بعد عملية احتجاز الرهائن فى  أحد مسارح موسكو وما تبعها من حملة إعلامية ضارية ضد الإسلام رافقتها إجراءات بوليسية لم يسبق لها مثيل ضد المسلمين، وكانت هذه الحادثة بمثابة الفتيل الذى أشعل مشاعر التطرف القوى والعداء للإسلام وأطلق حملة ضارية استهدفت المسلمين حتى أصبحت كلمة (إسلامى) مرادفة فى الإعلام للتطرف والإرهاب، فى حين شددت الرقابة على أماكن تجمعات أبناء الجالية الإسلامية فى موسكو وتضمنت الحملات عمليات مداهمة واعتقالات عشوائية بالمئات دون توجيه تهم محددة إليهم، وشكا المسلمون فى موسكو من عسف رجال الشرطة فى  التعامل معهم فى الأسواق والأماكن العامة وعند المساجد حيث تتمركز دوريات للتدقيق فى أوراق الخارجين من الصلاة فى المساجد وتفتيش السيارات، ووصلت الحملة إلى المدارس، حيث تكررت حوادث تعرض الأطفال المسلمون فيها للضرب من زملائهم الذين يتهمونهم بأنهم إرهابيون، وكل هذه الاعتداءات تعنى أن الحملة الإعلامية المعادية قد أثمرت ونجحت فى إحداث خلط فى  الأذهان بين الدين الإسلامى والتطرف، ونقل تقرير الحياة قول متحدث فى قناة تلفزيونية إن القرآن يستخدم كدليل ومرشد للتطرف،ودعا كاتب فى صحيفة ازفستيا إلى إغلاق المساجد، وإجبار المسلمين على تغيير دينهم أو طردهم..

وليس فى روسيا كلها سوى ساعة فى قناة تلفزيونية حكومية واحدة تبث برنامجا قصيرا للمسلمين كل يوم جمعة، وقد أصبح هذا البرنامج هدفا للهجوم حتى أن إحدى الصحف الروسية وصفته بأنه دعوى إلى التطرف، وهاجمت المذيعة التى تقدمه لأنها محجبة، كما هاجمت إذاعة الأذان،وذكر التقرير على لسان الشيخ محمود فيلتوف إمام مسجد منطقة (أترادنوبة) من أن  تفرق كلمة المسلمين فى روسيا، والخلافات بين قادتهم وعدم توافر إمكانات مالية كافية لمواجهة الهجمة الإعلامية كل ذلك يوفر أرضية خصبة للمهاجمين للإسلام.. وهكذا تبدو الصورة فى روسيا.

***

والشىء الغريب أن المسلمين يعقدون كل يوم ندوة، وينشر كل يوم تصريح على لسان قادتهم السياسيين والدينيين، لإعلان أن الإسلام يرفض نظرية صراع الحضارات، ويدعو إلى التعاون بين البشر جميعاً و لا يفرق بين الناس على أساس الجنس واللون أو الدين فكلهم لآدم، واختلافهم لحكمة أرادها الله لكى يكون التفاعل بين المختلفين محققا لمصالحهم جميعاً، واللوحة الفنية الجميلة لا يمكن أن تتكون من لون واحد، ولكنها تكتسب جمالها من تعدد الألوان، ومن الاختلاف بين الضوء والظل، وهكذا خلق الله الكون، الاختلاف فيه ثراء وتنوع والتكامل فيه ممكن بل ضرورى لتقدم البشر جميعاً، هذا ما يقوله قادة الرأى والسياسة والدين المسلمين ولكن فى الغرب تكتسب نظرية صراع الحضارات، انصاراً يتزايدون يوماً بعد يوم، وينشرونها فى الرأى العام الأمريكى والاوروبى حتى أصبحت من المسلمات التى لا تحتاج إلى نقاش أو دليل أو مراجعة.. هذه النظرية التى أعلنها استاذ العلوم السياسية صمويل هنتنجتون عام 1993 وبلغت شهرته الآفاق بسببها، وقد خصصت مجلة لوبوان الفرنسية مقالا طويلا فى عدد 14 سبتمبر 2001  للإشادة بعبقرية هنتنجتون ونظريته بعنوان (الرجل الذى تنبأ بصدام الحضارات) بقلم اليزابيث ليفى وقالت فيه: من الممكن أن تكون حرب الثقافات قد بدأت، وكل شئ يوضح بأن التسلسل المزعج للأحداث كما ذكرها بدأت تتحقق فالطائرات الانتحارية التى دمرت مركز التجارة العالمى قد تكون إعلانا لحرب الإسلام على الغرب، وهنتنجتون الذى عمل مستشاراً للرئيس الأسبق جيمى كارتر ويعمل الآن استاذا للعلوم السياسية بجامعة هارفارد نبه إلى هذه الحرب بقوله: (إذا كان القرن التاسع عشر قد شهد صراع القوميات المستقلة، وشهد القرن العشرون صدام الايديولوجيات، فإن القرن الحادى والعشرين سيشهد صدام الحضارات، لأن الحدود بين الثقافات والأديان والعرقيات ستكون من الآن فصاعدا مثاراً للانقسامات، ويرجع ذلك إلى أن الديانات تمثل قلب الحضارات السبع التى اقتسمت العالم، والديانات قوى اكثر خطورة، وغموضا، من الايديولوجيات، وحيث إن انهيار الشيوعية قد أدى إلى اختفاء العدو المشترك للغرب والإسلام، فقد اصبح كل معسكر من معسكرى الغرب والإسلام هو التهديد الرئيسى للآخر).

وتقول اليزابيث ليفى إن الغرب عليه أن يواجه عدوه الطبيعى حالياً، وهو الإسلام، وسيكون عدوه بعد ذلك الحضارة الكنفوشية فى الصين، أما الذين يعتقدون أن الخطر على الغرب يأتى من الجماعات المتطرفة فقط فهم ضحية اعتقاد ساذج وسطحى، لأن الطابع القتالى والعنيف للمسلمين فى نهاية القرن العشرين حقيقة لا يمكن إنكارها، وخلال ألف وأربعمائة عام ثبت أن المشكلة الرئيسية بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية، ولكن المشكلة أن الإسلام حضارة مختلفة وأصحابها مقتنعون بأن ثقافتهم هى الأرقى، وأن قوتهم هى الأضعف، فالمشكلة بالنسبة للإسلام لا تكمن فى جهات المخابرات أو وزارة الدفاع الأمريكية، ولكنها تكمن فى أن حضارة الغرب أيضاً حضارة مختلفة، وأصحابها مقتنعون بأن حضارتهم حضارة عالمية، ومؤمنون بتفوق هذه الحضارة على ما عداها، وبتفوقهم وقوتهم وقدرتهم يؤمنون بأن ذلك يعطيهم الحق فى نشر هذه الحضارة فى جميع أنحاء العالم، وأمام مقاومة هذا الهدف فإن الحرب الشاملة لا مفر منها، وقد بدأت فعلا مع بداية تفكك الإمبراطورية السوفيتية وكانت البداية فى افغانستان وتقول إليزابيث ليفى إن المبرر للحرب أن أفغانستان المأوى المزعوم لأسامة بن لادن، وبين انعدام بصيرة الغرب، والتصميم الإسلامى اجتمعت عناصر المأساة، والأمريكيون هم الذين أعطوا السلاح والأموال بسخاء لهؤلاء المجاهدين فى أفغانستان لكى يحاربوا السوفييت نيابة عنهم، وقاموا بذلك بتقوية وتسليح الذراع التى انقلبت عليهم بعد ذلك، وقد فعلوا ذلك أيضاً مع طالبان، ويوضح هنتنجتون الموقف كما يراه فيقول: (فى الوقت الذى يشهد فيه الغرب انتصارا للعالم الحر يشهد المسلمون انتصارا للإسلام) ومن هنا فإن الصراع الذى انتهى بهزيمة الجيش السوفيتى لم يتوقف، واستمر فى التصاعد، ومنذ عام 1979 حدث ما يشبه الحرب بين الحضارات، إذ كان المسلمون يرون أن الغرب يشن حرباً ضد الإسلام، والغرب يرى أن جماعات إسلامية تشن حربا ضد الغرب عموماً، ومن البديهى إذن أن تندلع الحرب فعلاً.

***

وتقول إليزابيث ليفى: إن صمويل هنتنجتون شرح تفصيليا سيناريو نهاية العالم، وسبق أن تنبأ بها زميله فرانسيس فوكوياما الأستاذ بجامعة هارفارد الذى يؤمن بأن الرأسمالية ستصبح هى صورة المستقبل للبشرية، والذى أعلن أن مصدر الفخر للغرب أنه انتصر إلى الأبد، وانهارت الشيوعية إلى الأبد ، وأن المسلمين والصينيين والهنود وسائر الشعوب ستسارع بالانضمام إلى نظام الاقتصاد الغربى الحر بعد أن أصبح هو النظام الوحيد و لا بديل له، وبالإضافة إلى ذلك فإن ادعاء الغرب بأن دفاعه عن مصالحه ليس إلا لدواع اخلاقية ومعنوية ادعاء فيه استهانة بعقول الشعوب، فالغرب يحشد قواه للدفاع عن مصالحه ويدَّعى أنها مصالح المجتمع الدولى كله، غير أن ما يريدون فرضه كنوع من العالمية يراه الآخرون نوعا من الامبريالية، والحقيقة أن التأكيد على المبادئ الإنسانية والعالمية يتماشى مع مداومة الحديث فى الغرب بلغة مزدوجة فنحن ندافع عن الديمقراطية بشرط ألا تؤدى الديمقراطية إلى حكم الأصوليين الإسلاميين، وننادى بخطر الانتشار النووى بالنسبة للعراق وإيران ولكن لا نحظر ذلك على إسرائيل، ونقول بأن حقوق الإنسان تمثل مشكلة فى الصين، ولكن لا نقول ذلك عن دول أخرى صديقة لأمريكا تنتهك فيها حقوق الإنسان، وفى ظل هذه الظروف، فإن الفرصة الوحيدة للبقاء بالنسبة للغرب وعلى رأسه أمريكا، قد تكون الإقلاع عن فرض تصوراتهم فى كل مكان فى العالم، والتراجع عن فكرة (القرية الكونية الصغيرة) التى تقودها أمريكا.

وصمويل هنتنجتون يرى عدم مصداقية نظرية أمريكا الخاصة بالحق فى التدخل فى الشئون الداخلية للدول والتى صاغتها فى نظرية (التدخل الإنسانى) ولذلك قال: إن الاعتقاد الغربى بأن هناك رسالة عالمية لثقافة الغرب ينطوى على ثلاثة عيوب، أولها أنها نظرية كاذبة، وثانيها أنها نظرية غير أخلاقية، وثالثها أنها نظرية تؤدى إلى نتائج خطيرة لأن أى تدخل من الغرب فى شئون الحضارات الأخرى سيكون من أكثر العوامل خطورة وسيؤدى إلى زيادة عدم الاستقرار، والحقيقة المؤكدة أن الصدام بين الإسلام والغرب حول الوجود والهوية، يستتبعه صراع جغرافى- اقتصادى قد يصل إلى زوال أحد الطرفين كما قال الباحث الأمريكى ألكسندر ديلى، أما هنتنجتون فإن القضية بالنسبة له واضحة، وتتلخص فى أن هناك هجوما على الغرب من خصوم واثقين من أنفسهم وهم ضعفاء فى نفس الوقت ولا يرون من الغرب الا النقائص والجرائم ويرون أن الغرب متجه إلى الأفول، ومن الصعب الانقياد للغرب مادامت اسطورة أمريكا التى لا تقهر قد انهارت تحت أنقاض برج التجارة العالمى،بالرغم من أن القوة الأمريكية لم تكن أبداً بمثل هذا الجبروت الذى صارت إليه بدون منازع خلال السنوات الأخيرة، ومع ذلك فإن اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر يمكن أن تكون شهادة ميلاد لكيان إرهابى جبار يناسب حجم (القوة الكبرى)، ولا أحد يستطيع التنبؤ بعواقب هذا الصراع وإن كل التاريخ يشهد بأن تحطم الأسطول الأمريكى فى ميناء بيرل هاربر كان نقطة انطلاق ورد الفعل الذى أسفر عن الانتصار العسكرى والسياسى للولايات المتحدة، إلا أنه يبقى سؤال تطرحه الباحثة اليزابيث ليفى هو: هل إذا تأكدت الشبهات حول مسئولية بن لادن، ستبقى نظرية اعتبار الإسلام العدو الأبدى للغرب؟، وتجيب على هذا التساؤل بقولها: إن فكرة انقسام العالم إلى حضارات كبرى انتهت ولم يعد لها ما يبررها، وإذا بدأت الحرب فى وول ستريت،حى المال والبورصة ورجال الأعمال فى نيويورك، فمن الممكن ألا تكون هذه الحرب بين الإسلام والغرب، وتكون حربا فى هذا (العالم الواحد) الذى يعيش تحت وطأة السوق الواحدة، وما يؤدى إليه نظام السوق الحرة من ازدياد أعداد الفقراء والمنبوذين وازدياد العنف بينهم كلما شعروا بالدونية.

 ومن ناحية أخرى، ألم يتحدث هنتنجتون نفسه عن (ثقافة دافوس) حيث يتجمع كبار رجال المال والاعمال والسياسة لتكريس نظام الاقتصاد الحر وفتح الأسواق أمام الدول الصناعية الكبرى، واعترافه بأنه حتى فى داخل البلاد الغنية، فإن ثقافة دافوس لا تحرك سوى النخبة ولا تحرك الشعوب، وقد كتب هنتنجتون يقول: (إن الحكومات والجماعات والمؤسسات الغربية مثل البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى قد حاولت ملء الفراغ الايديولوجى بقواعد الاقتصاد الارثوذكسى الجديد والديمقراطية السياسية، وفى الصراعات الحضارية، على عكس الصراعات الايديولوجية، فإننا ننحاز إلى إخواننا وتقول اليزابيث ليفى إن هنتنجتون بقوله هذا يتناسى الانقسامات التى مرت بالمجتمع الإسلامى أثناء حرب الخليج، ويرى على العكس أن حرب الخليج كانت لحظة حاسمة للتحرك الإسلامى، وإذا كان صدام حسين بالنسبة للكثيرين طاغية فقد اعتبروه واحدا منهم، والمشكلة تكمن فى أن أمريكا تحت ستار أنها تؤدى رسالة، وتنشر القيم، فإن سلاسل المحلات والمنتجات الأمريكية تنتشر وتحقق مبيعات هائلة لكل شعوب العالم، دون أدنى مراعاة لحقوق الدول والشعوب، وأخيراً فإن الطائرات الانتحارية من المحتمل أن تهدد مواقع خارج أمريكا، ويكون هدفها السادة الجدد لهذا العالم الذى لم تعد فيه حدود، والذى يخضع للرأسمالية الطاغية التى لم تعد احتكاراً قاصراً على الغرب وحده.

 وكما قال استاذ العلوم السياسية الأمريكى بنيامين باربر فإن العالم موزع الآن بين قوتين متناقضتين ومتكاملتين فى نفس الوقت، وكل منهما غير مستعدة للتعايش مع الأخرى، غير أن كلا منهما لا تستطيع البقاء بدون الأخرى، فإن (ماك ورلد) المسئولة عن التسويق الإلكترونى فى العالم تحت سيطرة أسواق جعلت نفسها أسواقاً مطلقة، تعطى فيها صورة لما سيحدث (سوف يجمع الدول جميعها فى ساحة واحدة، وفى نفس الوقت سيكون الجهاد الذى أفرزته المعتقدات القاصرة مؤدياً إلى انقسام الدول المستقلة الكبرى حيث ستشهد مواجهات بين قبيلة وأخرى، وبين شعب وآخر، وبين ثقافة وأخرى، مع أن بشائر العصر الجديد تشير إلى أن (الجهاد) و(ماك ورلد) سوف يعملان معاً فى نفس المكان، وفى نفس الزمان، وبعيداً عن الصراع، وازدراء القوة الأمريكية يمكن أن تتوافق مع التطلع إلى اتباع نظام الحياة الأمريكى، وقد عبر بنيامين باربر عن فكرته هذه لتبسيطها فقال: إن ستة أشخاص من الشباب بوسعهم ارتداء الجينز والاعتياد على شرب الكوكاكولا، وأكل الهامبورجر، وسماع موسيقى الراب، ومع ذلك يقومون بتفجير طائرة ركاب أمريكية‍، وفى نهاية المقال تقول اليزابيث ليفى: (بدلا من الصدام بين الإسلام والغرب، ألم يكن الاقتران الدامى بين (الجهاد) و(ماك ورلد) هو الذى تم فى سماء نيويورك يوم 11 سبتمبر 2001)؟..

هكذا نرى كيف يؤسس مفكرون فى الغرب نظرية تبرر الحرب ضد الإسلام، ونرى فى نفس الوقت من يحاول تفنيد هذه النظرية، وإن كانت أصوات الداعين للعداء والحرب هى الأقوى والأقرب إلى صناع القرار.

***

أما الداهية الإسرائيلى شمعون بيريس فقد طرح نظرية فى منتهى الخبث خلط فيها أولاً بين الإسلام والإرهاب دون أن يذكر اسم الإسلام، وطرح فيها الحل الوحيد أمام الغرب لحماية نفسه من هذا الإرهاب بعزل الإرهاب أى عزل الإسلام، وطرح هذه الرؤية الكاتب الأمريكى توماس فريدمان وهو أشد خبثا من بيريس، فى مقال بعنوان: (شدوا أزر الاخيار فى الحرب الأهلية الإسلامية) فى عدد 15 سبتمبر 2001 فى صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية قال فيه: إذا كان الهجوم الإرهابى الذى تعرضت له الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر ونفذته خلية إرهابية واسعة الانتشار يعادل اندلاع حرب عالمية ثالثة، فقد حان الوقت للتفكير فى آثارها الجيوبوليتيكية المحتملة على المدى البعيد، وكما أفرزت الحربان العالميتان الأولى والثانية نظما وتقسيمات جديدة، فإنه من المحتمل أن يحدث نفس الشىء فى هذه الحرب، فما هو الشكل المحتمل لهذا التقسيم؟.

ويطرح توماس فريدمان تصور شمعون بيريس الذى تولى عدة مرات منصب وزير الخارجية ومنصب رئيس الوزراء فى إسرائيل، ويقول بيريس: لقد اكتشفوا منذ عقود أن التدخين يسبب السرطان، وسرعان ما بدأ الناس يطالبون بتخصيص أماكن خاصة للمدخنين، وأماكن أخرى لغير المدخنين، والإرهاب هو سرطان هذا العصر، وطوال عقد من الزمان كانت معظم الدول تنكر هذه الحقيقة أو تميل إلى تلمس أسباب لتبرير استمرارها فى التعامل مع الإرهابيين، ولكن بعدما حدث فى نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر 2001 فإن كل شخص أصبح يدرك أن الإرهاب هو السرطان وأنه خطر علينا جميعاً، ولذلك يجب على كل دولة أن تقرر الآن ما إذا كانت تفضل أن تكون دولة مدخنة أو أن تصبح دولة غير مدخنة، أى هل ستكون دولة تدعم الإرهاب أو دولة لا تدعمه، وبيريس يقصد بذلك أن هناك نوعا من التقسيم للدول فى طريقه للظهور، وأن الولايات المتحدة ستضع عددا من الدول فى قسم المدخنين المؤيدين للسرطان، أى المؤيدين للإرهاب، وتضع الدول الأخرى فى القسم الثانى الذى يرفض ويقاوم الإرهاب معها.

ويقول توماس فريدمان إن ذلك كما لاحظ شمعون بيريس لا يمثل صراعا بين الحضارات، أو بين العالم الإسلامى من جانب ضد المجتمعات المسيحية والهندوسية والبوذية واليهودية على الجانب الآخر، لأن الصراع الحقيقى ليس بين الحضارات ولكن داخل الحضارات، بين المسلمين، والمسيحيين، والهندوس، والبوذيين، واليهود، ذوى الرؤية العصرية والتقدمية، ضد الآخرين من ذوى الرؤى المختلفة التى تنتمى إلى القرون الوسطى، وسيكون خطأ كبيراً إذا استبعدنا العالم الإسلامى من هذا التحالف فإن ذلك يجعلنا لا ندرك كيف أن معظم المسلمين يشعرون بأنفسهم أنهم يعيشون فى دول ضعيفة، ويتطلعون إلى الولايات المتحدة بوصفها نموذجا مثالياً، ومصدر إلهام لهم.

***

وكان (سيتفن كوهين) الخبير فى شئون الشرق الأوسط قد لاحظ أن الرئيس الأمريكى الأسبق (لينكولن) قد ذكر فى حديثه عن أهل الجنوب الأمريكى فى أعقاب الحرب الأهلية أنه يتعين ألا ننسى أنهم يصلون لنفس الإله الذى نصلى له، ولذلك ذكر ستيفن كوهين أن الأمر ذاته ينطبق على العديد والعديد من المسلمين، ولذلك يجب علينا أن نحارب هؤلاء المسلمين الذين يؤدون الصلاة لإله الكراهية وحده، غير أننا لا نود أن نخوض حربا مع الإسلام ومع الملايين من المسلمين الذين يتوجهون بالصلاة لنفس الإله الذى نصلى له، فالإرهابيون الذين اعتدوا على الولايات المتحدة فى سبتمبر 2001 هم قوم يصلون لإله الكراهية ، ولم يستهدفوا من وراء إرهابهم تغيير مسار سياسة معينة للولايات المتحدة، لأنهم لم يتقدموا بأية مطالب، فإرهابهم مدفوع بالحقد وحده، وبمعتقدات عدمية تؤمن بأن المجتمع فاسد وينبغى تدميره، وكانت أهداف ذلك الإرهاب المؤسسات التى تشكل عصب النموذج الأمريكى من أسواق المال، إلى القوات العسكرية لذلك فإنه يجب استئصال جذور هؤلاء الإرهابيين والقضاء عليهم، ولكن يجب أن يتم ذلك بالطريقة التى لا تجعل أمريكا هى العون الرئيسى لأسامة بن لادن على تحقيق أهدافه، لأن هؤلاء الإرهابيين لا يريدون قتل الأمريكيين فقط، ولكنهم يفكرون بشكل استراتيجى،ويرغبون فى إشعال نار هذا الانتقام الأمريكى الذى لا يفرق بين الإرهابيين، والمسلمين الآخرين، وسيكون ذلك انتصارهم النهائى، لأنهم ينظرون إلى العالم على أنه صراع بين الحضارات، ويعملون على أن تكون هذه هى نظرة كل مسلم لينضم إلى جهادهم.

***

ثم يعود توماس فريدمان إلى نظرية شمعون بيريس عن السرطان الإسلامى فيقول: إن الأمريكان لم يتمكنوا من التغلب على شركات السجائر الكبرى إلا عندما قام أشخاص من داخل هذه الصناعة بكشف كثير من أسرارها للرأى العام، وأبدوا معارضتهم لها ولرؤسائهم الذين يروجون لمرضى السرطان، وبالمثل فإن الفرصة الوحيدة للتغلب على هؤلاء الإرهابيين المتطرفين لن تكون فى الهجوم عليهم فقط، مع أن ذلك أمر ضرورى، غير أنه ليس كافياً، لأنه سرعان ما سيخلفهم جيل آخر، ولذلك فإن مجتمعاتهم، والمتدينين من دينهم، هم الذين يمكنهم أن يقيدوا حركتهم وينزعوا عنهم الشرعية، ولن يحدث ذلك إلا عندما تعترف أغلبية المسلمين بأن أسامة بن لادن وأتباعه يقودونهم إلى الدمار، وإلى تشويه صورة دينهم ومجتمعاتهم ، وهذه الحرب الأهلية داخل الإسلام بين العصريين والمتخلفين سوف تستمر لسنوات وخاصة فى الجزائر ، والأردن ، وباكستان، ومصر، والسعودية، الأمر الذى يتطلب استراتيجية اقتصادية وسياسية ، واجتماعية، مماثلة للاستراتيجية العسكرية الأمريكية فى ضخامتها وقوتها وتطورها، وإن عدم الرد بشدة على الهجوم الإرهابى الذى تعرضت له الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر سوف يؤدى إلى تنفيذ هجوم  أسوأ على أمريكا فى المستقبل، وسيؤدى إلى اندلاع حرب بلا نهاية مع الإرهابيين، ولكن الرد دون تفرقة بين الذين يصلون لإله الكراهية والذين يصلون إلى نفس الإله الذى نصلى له، سوف تسفر عن حرب بين الحضارات لن يكون لها آخر،حرب قد تجعل الجميع فى قسم المدخنين (المدعمين للإرهاب)!.

 

***

إذا كان كل ذلك وأكثر منه يقال عن الإسلام والمسلمين، وإذا كان وزير الأوقاف العالم الفاضل الدكتور محمود حمدى زقزوق قد ذكر بنفسه فى حديث صحفى إن العداء للإسلام يتخذ صفة علمية وإنسانية وتقدمية وحضارية، وإن المسلمين لذلك يجب أن يسلحوا أنفسهم بنفس الأسلحة، وأضاف إلى ذلك حقيقة مفزعة، إذ قال إن المستشرقين الفوا 60 ألف كتاب للهجوم على الإسلام بينما المسلمون نائمون.. وقد أرضى الدكتور زقزوق ضميره العلمى حين أعلن هذه الحقائق، ويبقى أن يستكمل ما بدأه لتصحيح المفاهيم الغربية المضللة عن الإسلام.

وهل يكفى ما أعلنته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة فى وثيقة وزعتها فى 16 ديسمبر 2002 أن دعت فيها المسلمين إلى وقفة حازمة لرفض المحاولات التى يبذلها أعداء الإسلام للإساءة إلى الدين الإسلامى، وذكر الدكتور عبد العزيز التويجرى مدير المنظمة أن الأمة الإسلامية مطالبة بممارسة النقد الذاتى البناء، والمصارحة الداخلية الإيجابية لايجاد السبل لاخراجها من الأزمة الثقافية والحضارية التى تعيشها، وضرورة القيام بتغيير جذرى لآليات العمل وأساليب التعامل مع الغرب لمخاطبته بلغته وبمنطقه والتمكن من التأثير فى المجتمع الغربى.

هل فى هذا البيان الكفاية؟.. وماذا بعده؟؟.

وقد أطلق المسلمون البريطانيون موقعاً على شبكة الإنترنت لمواجهة موجات العداء المتزايدة ضد المسلمين فى الغرب، ويشرح حقيقة الإسلام بعد الحملة الشعواء من التشويه التى تعرض لها عقب أحداث سبتمبر 2001 وبعد توجيه الاتهام فى هذه الاحداث إلى المسلمين وخاصة من العرب وما تلاها من تشويه متعمد للإسلام فى العالم.

هل فى ذلك الكفاية أمام القوة الطاغية الشاملة المعادية للإسلام والمسلمين؟..

هل يكفى بيان أو موقع على الإنترنت وأمامنا مقال خطير للدكتور بهجت قرنى فى ملف الأهرام الاستراتيجى الصادر فى يناير 2002 بعنوان (الصورة النمطية للعربى والمسلم فى الغرب)، يقول فيه: إن روبرت جرفيس الأستاذ الشهير للعلاقات الدولية فى جامعة كولومبيا فى  نيويورك يعتبر من خبراء العلاقات الدولية الذين تماثل شهرتهم شهرة كيسنجر وهنتنجتون ، وقد اسس شهرته على موضوع (التصورات) وتأثيرها السياسى، وقال إن سلوكنا لا يقوم على الحقائق، ولكن يقوم على تصوراتنا لهذه الحقائق وكيفية إدراكنا لها، فإذا كان أحدنا مصابا بعمى الألوان مثلا ورأى قميصا أصفر بينما هو فى الحقيقة أزرق، فإنه سوف يصدق بأنه أصفر، ويتصرف على هذا الأساس عند اختياره، ومن هنا تنبع أهمية موضوع صورة العربى والمسلم فى الخيال الشعبى الأمريكى، ويلخصها الدكتور بهجت قرنى فى خمسة تصورات وفقا للأبحاث المتعددة التى أجريت فى أمريكا:

العربى المسلم: بدوى، غير متحضِّر، خسيس، تقوم حياته على الخطف والغزو القبلى.

الراقصة الشرقية: المبتذلة، الرخيصة، التى تهدف فقط إلى اثارة الغرائز.

رجل البازار، التاجر، الشره، الذى يساوم طول الوقت وهدفه استنزاف أكبر قدر من نقودك.

البليونير: محدث نعمة، مقامر، مستهتر، يحاول شراء كل شىء حتى النساء وكرامة الآخرين.

الإرهابى: قاذف القنابل ، الوحشية كامنة فى ثقافته، وسلوكه البربرى قائم على ذبح الأطفال والنساء لتحقيق أهدافه، عديم الإنسانية فى تنشئته وليس لظروف البيئة المحيطة به.. هذه هى صورة المسلم!

ويشير الدكتور بهجت قرنى إلى لقاء له مع بعض الليبراليين الأمريكيين عبروا فيه عن تخوفهم من تأثير هذه التصورات السلبية وتقديمها على أنها جزء لا يتجزأ من الثقافة العربية الإسلامية، وقد يفلت الزمام لمن يروجون للحديث عن (التلوث الثقافى) الذى يهدد المجتمع الغربى نتيجة لوجود بعض العرب والمسلمين الأمريكيين، وقد تستغل بعض الجماعات المتطرفة هذا الظرف المواتى للمطالبة بنوع من (التطهير الثقافى) كما حدث فى البلقان.

إذا كان الأمر كذلك..

هل يمكن أن يقوم الأزهر بدور للدفاع عن الإسلام المهدَّد فى وجوده وكيانه بدلا من التركيز على الخلافات فى أمور فرعية مهما بلغت أهميتها فلن تصل إلى أهمية هذه الحرب المعلنة على الإسلام والمسلمين؟.

وهل يمكن أن توجه وزارة الثقافة بعض أموالها التى تبعثرها على المهرجانات ودعوة فرق الرقص لتخصصها لدعوة بعض المثقفين والمفكرين وقادة الرأى فى الغرب لحوارات حول تصحيح المفاهيم المشوهة عن الإسلام؟.

وهل يمكن أن يخصص التليفزيون قناة فضائية بعدة لغات تخصص لعرض صور الحياة العصرية فى الدول الإسلامية ، وترد على الاتهامات الموجهة للإسلام والمسلمين، وتشرح حقائق الإسلام وتجيب على الأسئلة المثارة حوله؟.

وهل يمكن أن يضاف إلى اختصاص المكاتب الثقافية فى الخارج عقد لقاءات وندوات مع الصحفيين والمفكرين المسلمين والأجانب فى الدول التى تعمل بها لإجراء حوارات حقيقية عن الإسلام، وهذه المكاتب تكلف الدولة ملايين الدولارات ولا تعمل شيئاً سوى إرسال أوراق طلبة البعثات إلى الجامعات الأجنبية وتلقى تقارير عنهم من هذه الجامعات وارسالها إلى الوزارة، وهو عمل يمكن أن يقوم به موظف واحد؟.

وهل.. ؟. وهل .. ؟.

لمن نتوجه بالسؤال.. أو بالرجاء .. أو بالأمل؟.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف