معاداة السامية ومعاداة الإسلام.. لماذا التفرقة؟!
 وكان إجماع النقاد فى الغرب على أن الرواية لا تستحق شيئا من الاهتمام الذى لقيته، فالأسلوب معقد وسخيف، والبناء الروائى مفكك، وهى فى مجملها رواية ركيكة ومملة، وكل ما فى الموضوع أن المؤلف ملأ صفحاتها بالسب والقذف فى الإسلام والقرآن والرسول-صلى الله عليه وسلم-وصحابته وآل بيته، وأعلن أنه فخور لأنه تخلص من هذا الدين ومعتقداته وقال إنها معتقدات تدل على تخلف الشعوب الإسلامية، واستخدم ألفاظا بذيئة، واختلق وقائع كاذبة نسبها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. ولم يترك شخصية لها قدرها فى التاريخ الإسلامى إلا ووجه إليها السباب والاتهامات بألفاظ مقذعة، وأشار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم باسم (ماهاوند) وقال عنه عليه الصلاة والسلام إنه شرير، ونبى مزيف، مصاب بالصرع، ومعرض لنوبات من الهلوسة، ولا يتورع عن القيام بأى عمل مهما يكن متعارضا مع الأخلاق ما دام يحقق له أغراضه، ويصور زوجات الرسول- أمهات المؤمنين- على أنهن مجموعة غانيات يعملن فى بيت للدعارة يحمل اسم (الحجاب)، وتروى كبيرتهن كيف تزوجها النبى هى والسيدة عائشة فى يوم واحد، ويصور كبير الملائكة من مؤيدى اللواط، وجبريل عليه السلام على أنه بذىء اللسان، ويدّعى أن الشيطان خدع الرسول صلى الله عليه وسلم وأجرى على لسانه عبارات ادعى الرسول أنها آيات منزّلة من الله تذكر أوثان الجاهلية: اللات، والعزى، ومناة، على أن لها شفاعة عند الله، ويدّعى أيضا أن الصحابى الجليل سلمان الفارسى-رضى الله عنه-قام بتزوير القرآن وخدع بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقال سلمان رشدى فى روايته ما هو أكثر من ذلك مما سبق أن أشرت إليه فى أحد فصول كتابى (الغرب والإسلام).

وأرجو أن يسامحنى الله، ويسامحنى القارئ، لأننى لا أستطيع تكرار كل ما قاله، وإن كنت أعلم أن ناقل الكفر ليس بكافر، وأن واجب المسلمين أن يعرفوا ماذا يقال عن دينهم ورسولهم وقرآنهم، لأن تجاهل ذلك يجعلنا نعيش فى عالم غير واقعى وندفن رؤوسنا فى الرمال لكى ننكر الأمور التى يعرفها ويصدقها ويتناقلها كثيرون فى الغرب.

***

وليست رواية سلمان رشدى وحدها المليئة بالسموم، ولكن تصريحاته وأحاديثه الصحفية ومحاضراته فيها ما هو أكثر بشاعة، ومقالاته التى تنشرها الصحف البريطانية والأمريكية تقطر سما.

فى صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقال بعنوان (كفى تطرفا) No More Fanaticism as Usual فى عدد 27 نوفمبر 2002 يقول فيه: لقد مر أسبوع مظلم فى عالم الإسلام العجيب، فقد نشأ صدام بين الإسلام ومنظمى مسابقة ملكة جمال العالم، حين تجرأت بعض المشتركات فى المسابقة وأعلنَّ الاعتراض على حكم أصدرته محكمة نيجيرية تنفذ الشريعة الإسلامية فى أحكامها، وكانت القضية على امرأة نيجيرية أدينت بارتكاب جريمة الزنا، فحكمت عليها المحكمة بتطبيق الشريعة الإسلامية بالرجم بالحجارة حتى الموت، واحتجاجا على هذا الحكم هددت المتسابقات القادمات من جميع أنحاء العالم بمقاطعة المسابقة، فاضطرت حكومة نيجيريا إلى الإعلان بأنها لن تنفذ الحكم، وبعد ذلك تجرأت كاتبة نيجيرية اسمها (ايسيوما دانيال) فى مقال نشرته فى صحيفة مسيحية تصدر فى العاصمة النيجيرية قالت فيه: لو كان النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) حيا اليوم، ربما كان سيتزوج واحدة من أمثال تلك المرأة الفاجرة التى تظهر بالمايوه أمـــام النـــاس! وبـدأ المسلمون فى نيجيريا الاحتجاج على هذا المقال، ويقول سلمان رشدى (لقد بدأ المؤمنــون المسلمـون المهمـة المقدسة التى يدعوهم إليها دينهم وهى: القتل، والنهب، والحرب، والدعوة إلى قطع رأس كاتبة المقال.

وقال سلمان رشدى أيضا فى مقاله: من يستطيع أن يلوم هؤلاء المسلمين إذا كان رئيس نيجيريا نفسه قد ألقى اللوم على الصحيفة وكاتبة المقال، كما ألقى اللوم أيضا على سيدات من أصل بريطانى جريمتهن فى نظره أنهن من أنصار المساواة بين الرجل والمرأة لأنهن أظهرن الاستياء من القرار الذى صدر بنقل مسابقة ملكة جمال العالم من نيجيريا وإقامتها فى بريطانيا. وقال سلمان رشدى: يبدو أن فكرة إلقاء المسئولية على القتلة والذين قاموا بعمليات السرقة والنهب وإشعال الحرائق بعيدة عن اهتمام المسلمين!

***

وقال سلمان رشدى: إن ما حدث من المسلمين فى نيجيريا حدث مثله فى جمهورية إيران الإسلامية، فقد ثار المسلمون ضد واحد منهم له تاريخ سياسى مجيد فى تنفيذ تعاليم الإسلام هو (هاشم أغايارى) الذى فقد إحدى ساقيه فى المعركة الإسلامية الشهيرة حين استولى الطلبة على السفارة الأمريكية فى طهران واعتبروها (سفارة الشيطان الأكبر) بقرار من رجال الدين الذين تولوا قيادة الثورة الإسلامية الطائشة، على حد قوله، وكانت سبب الثورة على هاشم أغايارى أنه وجّه انتقادا إلى آيات الله من الجناح المتشدد الذين يسيطرون على مقاليد الأمور فى الدولة، ويقول سلمان رشدى: ليس من الضرورى أن تكون لديك أفكار وقحة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) لكى تستحق القتل، فإن إثارة مشاعر المسلمين أمر سهل ولأى سبب أقل من ذلك بكثير. ولكن آلاف الشباب الإيرانيين قاموا بمظاهرات احتجاج اعتراضا على حكم الإعدام على الكاتب الإيرانى هاشم أغايارى فى قضية من قضايا الرأى ليس فيها مساس بالعقيدة من قريب أو بعيد، وكان رد فعل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله على خامينئ معارضا لهؤلاء الشباب المؤيدين للإصلاح. وجاء فى بيانه إليهم التوبيخ وكان بيان مرشد الثورة الإيرانية إشارة البدء للهجوم المضاد على الإصلاحيين عموما، فقد حرك أكثر من عشرة آلاف شاب من المتطرفين طافوا بشوارع طهران لإعلان تأييدهم للإسلام المتشدد ومعارضتهم للدعوة إلى الإصلاح أو التسامح.!

ويمضى سلمان رشدى فى تعبئة مشاعر القارئ الغربى ضد العالم الإسلامى كله فيقول: إن فى مصر أيضا كان مسلسل تليفزيونى (فارس بلا جواد) يعرض للجماهير العريضة ويدعو إلى معاداة السامية، ويتحدث عن (بروتوكولات صهيون) على أنه كتاب حقيقى فيه المخطط اليهودى السرى للاستيلاء على العالم، بينما هو كتاب مزيف، وثبت منذ عهد بعيد أنه وثيقة مزورة من صنع البوليس السرى التابع للقيصر نيقولا الثانى وتم تسريبها كحقيقة تاريخية. وطبعا لا يذكر سلمان رشدى أن مصر ليست فيها معاداة للسامية ولكن فيها رفض لاعتداءات إسرائيل على الأرض والشعب الفلسطينى، ولا يذكر أن كل ما جاء فى هذا المسلسل أن هناك كتابا وقع فى يد بطل الرواية أراد أن يعرف ما فيه وعملت منظمة صهيونية على منعه من الوصول إليه، وانتقل البطل من الكتاب إلى الواقع فذهب ليساهم فى الدفاع عن فلسطين فى مواجهة العصابات الصهيونية التى كانت تغتصب أرضها وتقتل شعبها دون تمييز ولا تستثنى النساء أو الشيوخ أو الأطفال.

لا يذكر سلمان رشدى شيئا من هذه الحقائق طبعا، لأنه لو ذكر شيئا منها لحرم من الأضواء والأموال التى تنهال عليه، ولذلك قال: نعم، هذه هى مصر نفسها التى تخضع فيها وسائل الإعلام للرقابة الشديدة لمنع أية كلمة تمس السلطة، ولا تمنع بطل المسلسل من القول بأنه يمارس حرية الرأى حتى لو كان هذا الرأى فيه إساءة إلى الصهيونية، وهو يعلن الوعود بأن يقدم المزيد!

ولا يكتفى سلمان رشدى بتمرير الكذبة المعهودة عن أن الإعلام فى مصر مقيد برقابة شديدة، لأن مثله لا يمكن أن يفهم ولا يريد أن يفهم أن فى مصر الآن حرية إعلام، وحرية رأى، ولو أراد أن يفهم ذلك فما عليه إلا أن يقرأ الصحف الحزبية، بل الصحف القومية التى يسميها هو وأمثاله صحفا حكومية، وأن يشاهد ندوات التليفزيون، أو يشاهد فيلم (معالى الوزير) وهو من إنتاج جهة حكومية وفيه جرأة شديدة فى نقد سلوك وزير فى السلطة، وإن كان الفيلم طبعا من نسج الخيال، إلا أنه دليل- هو وعشرات مثله- على أن فى مصر حرية حقيقية لا تحتاج إلى شهادة سلمان رشدى.

***

ويقول سلمان رشدى بعد ذلك: دعنا لا ننسى القصة المروعة للسيدة الهولندية المسلمة (آيان هيرسى على) التى اضطرت إلى الفرار من هولندا لأنها قالت إن الرجال المسلمين يضطهدون المرأة المسلمة، وأغضب هذا القول الرجال المسلمين إلى الدرجة التى أدت إلى توجيه تهديدات ضدها بالقتل!

ويتساءل سلمان رشدى بخبث: هل جمع كل هذه الأفعال البشعة معا فيه ظلم للإسلام؟ ويجيب: ربما..! ولكن جمع هذه الأحداث المختلفة معا يكشف عن شىء مشترك بينها، فقد اتهمت آيان هيرسى الهولندية بأنها (سلمان رشدى الهولندية)، واتهم آغايارى بأنه النسخة الإيرانية من سلمان رشدى، واتهمت ايسيوما دانيال بأنها النموذج النيجيرى لسلمان رشدى، ومنذ شهرين قلت إننى أكره ما يفعله الإسلاميون فى العالم حين يجعلون اسمى شعارا، ولكنى بدأت أعيد التفكير فى هذا الموقع الذى وضعونى فيه، إذ يبدو لى الآن أنه ليس سيئا إلى الدرجة التى كنت أتصورها، فأن تكون سلمان رشدى ومعك أشخاص آخرون يعتنقون أفكارك ويطلق الآخرون عليهم سلمان رشدى، فأكون واحدا بين كثيرين من أمثالى، فإن ذلك يدفعنى إلى الشعور بالرضا والفخر بهذه الجماعة التى أنتمى إليها.. وبرغم كل شىء أين الغضب من المسلمين تجاه كل هذه الأحداث.. وكيف يسكت المسلمون على هؤلاء الذين اختطفوا حضارتهم القديمة بما كان فيها من الحب، والتفكير الفلسفى، والفن؟ لماذا لا يصرخ المسلمون رفضا لما يفعله دعاة العنصرية، واضطهاد المرأة وسيادة الذكور، والمتعصبون، وأنصار الاستبداد والعنف..؟ على الأقل فى إيران يتظاهر الطلبة، ولكن أين يستطيع الإنسان أن يسمع فى العالم الإسلامى أصوات المسلمين الذين يدعون إلى التسامح والعدالة ويستنكرون ما يفعله المسلمون المتطرفون فى نيجيريا، ومصر، والدول العربية، وهولندا؟ وحتى المسلمون فى الغرب فإنهم أيضا صامتون بصورة غير طبيعية على هذه الأمور الشائنة، وإذا كانت هناك أصوات تعلن رفض هذه الأعمال من المتطرفين فنحن لا نستطيع سماع أصواتكم..!

وهذه هى العبارة الوحيدة التى قالها سلمان رشدى ومعه الحق فعلا.. فهناك أصوات كثيرة جدا، وعالية جدا، ترفض وتدين التطرف والإرهاب والعنف باسم الإسلام، وتشرح حقيقة الإسلام على أنه دين التسامح، والحب، والتعاون مع سائر البشر دون تفرقة، لأن من قواعد هذا الدين أن الناس جميعا سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأبيض على أسود على أساس اللون أو الجنس أو الدين، ولكن هذه الأصوات التى تنطق بالصدق لا تصل إلى الغرب بدرجة كافية.

سلمان رشدى لا يريد، وربما لا يستطيع أن يصرح بأن الإسلام أول دين أرسى مبادئ حقوق الإنسان، والحرية الدينية ويكفى أنه أطلق الحرية بغير حدود (من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) فهل بعد ذلك جدل حول الحرية الدينية فى الإسلام.؟

***

ويختم سلمان رشدى مقاله الملىء بالسموم بقوله: إذا كانت الأصوات المعتدلة فى الإسلام لا تستطيع وليس لديها العزيمة للإصرار على تحديث ثقافتهم، وتحديث عقيدتهم أيضا، فقد يكون على المسلمين الذين يعتبر كل منهم (سلمان رشدى) هم القادرون على القيام بذلك، وكل واحد منهم وإن كان يواجه الاضطهاد والإنكار فإنه سيكون سببا فى ظهور اثنين.. أو عشرة.. أو ألف (سلمان رشدى)، وهؤلاء سوف يكونون قادرين على النهوض بهذه المهمة لأن عقول الناس ومشاعرهم واحتياجاتهم لن يستطيع أحد إبقاءها أسيرة هذا السجن إلى الأبد! والعالم الإسلامى اليوم فى سجن ليس على يد الغربيين ولكن على يد المسلمين الذين يقاتلون من أجل الإبقاء على أبواب العالم مغلقة فى مواجهة قلة تحاول فتح الأبواب المغلقة لهذا السجن.. ومادامت الأغلبية صامتة، فسوف تكون هذه الحرب حربا يصعب على المعتدلين تحقيق الفوز فيها، ولكن فى النهاية، سوف يحطم شخص ما أبواب هذا السجن، أو هذا ما نأمل حدوثه.

سلمان رشدى مستمر وبقوة فى الإساءة إلى الإسلام، ولا أحد يرد عليه، فالبعض يظن أن التجاهل هو أفضل وسيلة للرد على هذا الفكر المعادى، والبعض ينبرى للرد عليه أمام المسلمين فى داخل البلاد الإسلامية وباللغات التى لا يعرفها الغرب.. متى ندرك أن السكوت يفهم فى الغرب على أنه علامة الرضا أو على الأقل علامة ضعف الحجة فى مخالفة هذه الاتجاهات العدائية.. والأهم من ذلك إذا كنا نكلم أنفسنا، لإقناع أنفسنا بأن أمثال سلمان رشدى تنطوى قلوبهم على حقد أسود ولا يصلح معهم حوار أو جدل، وندافع عن الإسلام أمام أنفسنا وبلغاتنا، دون أن نذهب إلى هناك ونخاطب الغرب بلغته فلماذا نلوم الغرب ونحّمله وحده مسئولية الدفاع عن الإسلام إذا كنا نحن لا نفعل ذلك بعمل يومى وبكل الوسائل..؟

***

قبل هذا المقال كتب سلمان رشدى فى صحيفة الجارديان البريطانية مقالا بعنوان (خطة للعقول المغلقة) فى عدد 28 سبتمبر 2002 علّق فيه على رواية (بلا تفورم) للكاتب الفرنسى ميشيل هوليبيك بما فيها من قذف وإساءة للإسلام، وقد رفعت أربع هيئات إسلامية وأكبر مسجدين فى فرنسا دعوى أمام القضاء الفرنسى بطلب محاكمته بتهمة العنصرية والتحريض على كراهية ديانة المسلمين، وانضم إليها الاتحاد الوطنى للمسلمين الفرنسيين، ولكن سلمان رشدى يدافع عن هوليبيك ويقول إنه أهم الكتّاب الفرنسيين الموهوبين، وقد حصل لذلك على جوائز متعددة، مما يلزم كل الرجال الصالحين الوقوف إلى جانبه ومساعدته، ويضيف: إن الاتهامات الموجهة إليه تافهة وسخيفة، ومن هذه الاتهامات أنه فى مقابلة صحفية مع مجلة (لاير) Lire الفرنسية فى العام الماضى قال عن الإسلام (إنه دين غبى)، وقارن بين القرآن والكتاب المقدس وقال: إن الكتاب المقدس (على الأقل مكتوب بشكل جميل، لأن اليهود يتمتعون بالموهبة الأدبية) ويقول سلمان رشدى: ربما أثار هذا التعليق من هوليبيك واحدا أو اثنين من غير المسلمين، لأن هوليبيك نسب الموهبة الأدبية إلى اليهود وحدهم مما يعنى أن كتّاب العهد الجديد المسيحيين ليست لديهم مثل هذه الموهبة. ومع ذلك لم يتحرك المسيحيون ضد هوليبيك، لأن الفرد فى أى مجتمع إذا لم يكن حرا فى أن يقول علانية رأيه وأنه يفضل كتابا على آخر، فكيف يمكن لهذا المجتمع أن يعتبر نفسه مجتمعا حرا، وبالمثل فإن أى مسلم يقول إن القرآن أفضل من الكتاب المقدس فعليه أن يتقبل الإدانة لإهانة غير المسلمين، والسخافة هى التى ستصدر الحكم!

أما عن قول هوليبيك بأن الإسلام أغبى دين فإن سلمان رشدى يقول: هذه وجهة نظر! وهناك نقطة يجب أن تكون مفهومة هى أن مهاجمة أفكار أو معتقدات أو نظم أو أيديولوجيات الناس لا تعنى مهاجمة هؤلاء الناس، وهذا بالتأكيد مبدأ من المبادئ الأساسية للمجتمع المفتوح. ولكل مواطن أو جماعة حق الشكوى من التمييز العنصرى. ولكن لا يحق لهم الشكوى من عدم قبول أفكارهم أو من إعلان رفضها، حتى وإن كان التعبير عن عدم القبول أو الرفض بأسلوب غير مهذب، لأنه لا يمكن قبول وجود أسوار لحماية الأفكار، أو النظريات الفلسفية، أو الاتجاهات، أو المعتقدات من النقد أو الرفض. ويقول سلمان رشدى إن رواية بلاتفورم التى قدمت فى الدعوى تحكى عن تجارب وحياة شخصية بطلها واسمه ميشيل أيضا مثل اسم المؤلف، وقد قتله رجل مسلم، ومن خلال سرد الأحداث والمشاعر يذكر هوليبيك ملاحظات قاسية فيها ازدراء للمسلمين، والغرض الذى يطرحه الكاتب فى هذا النقد الساخر من الإسلام والمسلمين أنه يعبر عن صعوبات واجهها المؤلف فى حياته الخاصة. لأن هوليبيك اسمه الحقيقى (ميشيل توماس) وقد أخذ لقب جدته بعد أن تزوجت والدته رجلا مسلما واعتنقت الإسلام، وحيث تعتبر حياة الكاتب وسيرته الذاتية هى المفتاح الرئيسى لفهم معنى رواياته، وحيث يعتقد أن الروايات مستمدة من قصص حقيقية مستترة، فإن التفاصيل التى عانى منها المؤلف هوليبيك فى حياته هى التى دفعته إلى رفع صوته تعبيرا عن الاندهاش والسخرية. ولكن أى مهتم بالأدب إذا كان يرى استقلالية النص الأدبى، ويقول إن القراء من حقهم النظر إلى النص على أنه شىء مستقل، وكأن الكاتب مجهول مثله مثل كتّاب النصوص المقدسة (!) بينما فى العمل الأدبى يجب أن يكون من حق المؤلف خلق شخصيات من جميع الأنواع، ولا يمكن إجبار المؤلف على خلق شخصيات طيبة وعدم خلق شخصيات شريرة، وإذا كان الكتّاب والروائيون لا يستطيعون وصف النازيين، والمتطرفين، دون أن توجه إليهم اتهامات بأنهم هم أنفسهم نازيون أو متطرفون، فإنهم فى هذه الحالة لن يمكنهم القيام بعملهم كما يجب.

ويقول سلمان رشدى فى ختام هذا المقال دفاعا عن هوليبيك: إن الذين يوجهون الاتهام إلى هوليبيك بمعاداة الإسلام يّدعون أنهم يفعلون ذلك نتيجة خوفهم من أن تؤدى كتابات هوليبيك وأمثاله إلى زيادة موجة العداء ضد الإسلام والمسلمين فى الغرب بعد 11 سبتمبر، ولكنهم أخطأوا التقدير لأن الذى يزيد العداء للإسلام والمسلمين ليس ما كتبه هوليبيك، ولكن الذى يزيد العداء هو هجومهم على الكاتب. وهذا الهجوم هو الذى يؤدى إلى الانتكاسة فى هذا الوقت الحساس، وإذن فقد خسر الجانبان القضية، فقد تم تدمير سمعة هوليبيك، وكشف خصومه  المسلمون أنفسهم مرة أخرى، وأظهروا أنهم معارضون لعالم يؤمن بحرية القول.

سلمان رشدى يكتب مقالاته ويؤسسها على مغالطات أولها أنه اعتبر مجرد الإشارة إلى البروتوكولات فى مسلسل (فارس بلا جواد ) معاداة للسامية وطالب بمنعه وتدخل الدولة، وفى نفس الوقت اعتبر إهانة الإسلام فى رواية هوليبيك مجرد عمل فنى فى عالم حر يؤمن بحرية القول..! وثانيها.. إنكار أن القانون الفرنسى يحظر معاداة السامية، وسبق أن حوكم المفكر الفرنسى الكبير روجيه جارودى بتهمة معاداة السامية لأنه أعلن رأيه فى أن ضحايا اليهود فى معسكرات النازية لم يكونوا ستة ملايين وأنه يعتقد أنهم كانوا أقل من ذلك ولا يوجد دليل على صحة هذا الرقم.. لم يشكك فى وجود معسكرات تعذيب.. ولم يشكك فى وجود ضحايا.. فقط أراد دليلا يؤكد صحة الرقم العلنى عن عدد الضحايا.. ومع ذلك واجه الاضطهاد ولم يرحموه فى شيخوخته.

لماذا تكون معاداة السامية جريمة عظمى لا تغتفر، ولا تكون معاداة الإسلام جريمة؟!

***

وكلمة الحق تجد أحيانا من يقولها فى الغرب فقد قالت الإذاعة البريطانية (بى. بى. سى) يوم 16 سبتمبر 1998- قبل أحداث سبتمبر بعامين كاملين- تحت عنوان: (الصحافة البريطانية تشعل الإسلاموفوبيا (مرض الخوف من الإسلام) وقالت إنه بعد حادث تفجير السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا فى أغسطس 1998 شعر العالم بصدمة، وعندما وجه الاتهام إلى أسامة بن لادن تزايد القلق لدى المسلمين من أن تؤدى هذه الأعمال المنسوبة إلى مجموعة واحدة من الراديكاليين إلى ردود فعل سيئة على المسلمين فى مناطق أخرى من العالم ولا شأن لهم بتنظيم القاعدة أو زعيمه بن لادن، ولذلك أصبح المسلمون فى بريطانيا يشعرون بالخوف من أن تسىء أفعال المتطرفين إلى المعتدلين المسلمين، ويعتبر المسلمون وسائل الإعلام البريطانية المسئولة عن ذلك، لأنها تشعل النار فى (الإسلاموفوبيا) وتعوق بذلك المساعى لاندماج المسلمين فى المجتمع البريطانى، وتشجع على تصاعد نزعة التمييز ضدهم. ويعتبر قادة المسلمين أن الصحفيين البريطانيين يميلون إلى إغفال الحديث عن المسلمين الذين يعتنقون آراء أكثر اعتدالا، ويركزون مقالاتهم وأخبارهم وتعليقاتهم على المسلمين المتطرفين مما يعطى للرأى العام البريطانى انطباعات مثيرة عن الإسلام والمسلمين عموما. فالمسلمون المعتدلون فى أنحاء العالم، وفى بريطانيا، يرفضون أعمال المتطرفين، ولكن الصحافة البريطانية تتجاهل هذا الموقف، وأشارت الإذاعة البريطانية إلى مدير لمؤسسة إسلامية للرعاية الاجتماعية اسمه يوسف بهلوى قال إن عددا من المندوبين الصحفيين والكتّاب اتصلوا به وسألوه عن رأيه فى الأعمال التى يقوم بها المتطرفون الإسلاميون وخاصة تفجيرات كينيا وتنزانيا، فعبّر لهم عن رأيه فى إدانة هذه الأعمال الوحشية التى لا تعبر عن الإسلام، وقال لهم إن الإسلام يرفض قتل المدنيين الأبرياء عشوائيا، ويرفض إرهاب الناس، وإن الإسلام دين سلام وليس دين عدوان، فلما اكتشفوا أنه يتحدث معارضا هذه الأعمال الوحشية وينكر أنها أعمال تمثل الإسلام والمسلمين لم يعجبهم ما قاله ولم ينشروا كلمة منه، لأنهم كانوا يريدون مسلما يقول لهم ما يريدون أن يسمعوه ويعلن تأييده لهذه الجماعات الإرهابية وابتهاجه بما فعلوه باسم الإسلام!

وقالت الإذاعة البريطانية تعليقا على ذلك إن القلق يزداد بين المسلمين نتيجة تزايد المشاعر العدائية للإسلام فى بريطانيا، ويزيد من هذا القلق لدى المسلمين فى بريطانيا عدم وجود صوت موحد يعبر عنهم.

وأشارت الإذاعة البريطانية إلى إنشاء المجلس الإسلامى فى بريطانيا عام 1997 الذى يسعى إلى مواجهة التحامل على المسلمين، ومقاومة التمييز ضدهم، والرد على الأسلوب المتطرف المعادى لهم فى الإعلام وفى المجتمع البريطانى، وقد عبّر أحد أعضاء هذا المجلس عن الدور الذى يحاولون القيام به فقال إنه يتمثل فى كبح جماح الراديكالية الإسلامية فى بريطانيا، والتعبير عن الجيل الجديد من المسلمين فيها وهو جيل ليس مستعدا لتقبل التمييز العنصرى، وإذا وجدوا قوى تدفعهم إلى الحائط وتشعرهم بالإحباط وفقدان الأمل فى المساواة فسيكون لهم رد فعل، وقد يتحولون إلى القيام بأعمال إرهابية لكى يصل صوتهم ويتم الاعتراف بحقهم فى معاملة بدون تمييز، وقال هذا العضو واسمه الدكتور زاكولا خان: (نحن نعمل على تجنب الوصول إلى هذه الحالة ولذلك نقاوم التمييز ضد المسلمين لكى يشعروا بالأمان والاستقرار).

هذا ما قالته الإذاعة البريطانية عن دور الإعلام البريطانى فى زيادة المخاوف من الإسلام والمسلمين كان ذلك قبل أحداث سبتمبر، ومن الطبيعى أن الأمور ازدادت سوءا بعد سبتمبر وقد تم حشد جميع وسائل الإعلام فى الولايات المتحدة ودول أوربا لإثارة الخوف والكراهية أكثر وأكثر من الإسلام والمسلمين.

***

وفى صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الصادرة يوم 11 ديسمبر 2002 ما يؤكد أن الأمور ازدادت سوءا، فقد نشرت مقالا كتبه كريج سميث من باريس بعنوان (العنصرية ازدادت بعد 11 سبتمبر) قال فيه إن المسئول فى الاتحاد الأوربى المختص بمراقبة العنصرية حذر من تزايد الانحياز ضد المسلمين فى أوربا منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 ومع تفاقم الصراع الإسرائيلى الفلسطينى بعدها، وفى تقرير عن العنصرية فى أوربا تم تسليمه إلى قادة دول الاتحاد الأوربى الخمسة عشر أثناء اجتماع القمة الأوربية فى بروكسل، وهو من إعداد المركز الأوربى لمراقبة العنصرية وإرهاب الأجانب الذى يرأسه بوب بركيس، وفى هذا التقرير الرسمى الذى وضع أمام أعلى مستويات القيادة فى دول أوربا جميعا أن العنصرية وصلت إلى حد من الخطورة لا يمكن السكوت عنه، بعد أن أصبحت جزءا لا يتجزأ من أوربا، وأصبح على قادة الاتحاد الأوربى التعامل مع العوامل الاجتماعية والاقتصادية التى تشعل العنصرية والتحامل، وذكر التقرير أن المضايقات التى يلاقيها المسلمون تزداد، وخصوصا السيدات اللاتى يضعن الحجاب.

وقد انتشر صدى هذا التقرير فى باريس حيث أبلغ وزير العدل الفرنسى، بيير بيديه الجمعية التشريعية الوطنية (البرلمان) بأن (الأحداث الأخيرة تدل على زيادة تدعو للقلق فى الجرائم التى تقع بسبب معاداة المسلمين واليهود، وأن فرنسا وهى التى تضم أكبر عدد من المسلمين واليهود بين الدول الأوربية شهدت أكبر موجة للعنف المعادى للمسلمين واليهود، ونتيجة لذلك وافقت الجمعية الوطنية بالإجماع على مشروع قانون يشدد العقوبات على الأعمال العنصرية والأعمال المعادية للسامية). وأحيل المشروع إلى مجلس الشيوخ، وجاء هذا القانون الجديد ضمن برنامج واسع المدى لمحاربة الجرائم العنصرية تنفذه الحكومة اليمينية المعتدلة التى يرأسها جين بيير رافارين لإلزام المسئولين فى الأقاليم بإحالة المسئولين عن الهجمات العنصرية والمعادية للسامية إلى القضاء.

والمهم أن رئيس مركز مراقبة العنصرية فى الاتحاد الأوربى وجه اللوم فى تقريره إلى وسائل الإعلام الفرنسية وإلى المعلقين والسياسيين؛ لأنهم يعملون على إثارة العنصرية بمعالجاتهم لقضايا العولمة والبطالة والإسلام، وقال أيضا إن السياسيين الأوربيين أطلقوا العنان للأحزاب اليمينية المتطرفة لإثارة المشاعر ضد الهجرة والمهاجرين والأجانب، رغم أن استمرار الهجرة ضرورى للنمو الاقتصادى فى الدول الأوربية، ولكن قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة- كما قال- يتلاعبون بالسياسة ويسعون إلى تحقيق شعبية بإثارة المشاعر ضد المهاجرين بدلاً من التعامل مع القضايا الحقيقية التى تحتاج إلى التفكير والحوار بجدية.

وهذه شهادة أخرى من أعلى هيئة فى أوربا بما يقوم به الإعلام فى أوربا ضد الإسلام والمسلمين. والغريب أن تهمة معاداة السامية تلاحق دون رحمة من يتناول اليهود أو اليهودية أو يوجه النقد إلى إسرائيل والحكومة الإسرائيلية، ولكن التمييز ضد المسلمين لا يجد مثل هذه الحماية أو نصفها.

***

وفى مجلة تايم الأمريكية الواسعة الانتشار فى العدد الصادر فى 16 ديسمبر 2002 موضوعان عن الإسلام، الأول بعنوان (الوجوه الجديدة للإسلام) والثانى بعنوان (مكان على المائدة) قالت فى المقال الأول: إن المسلمين الأوربيين أصبحوا يعبّرون عن آرائهم، ويعيدون تقييم عقيدتهم، ومواقفهم من الاندماج فى المجتمعات الليبرالية العلمانية، ولذلك فإن الإسلام فى أوربا يمر الآن بمرحلة تحول. فقد رفع لاجئ كردى قادم من تركيا دعوى على وزارة الداخلية مطالبا بتعويض عن قرار بإلزامه بالإقامة الجبرية فى مدينة جلاسجو الأمريكية حيث تعرض هو وأسرته لهجمات عنصرية وانتهاك لحقوقه الإنسانية، وفى باريس أقامت شابة جزائرية دعوى على رئيسها فى العمل لأنه أصدر قرارا بفصلها من العمل فصلا تعسفيا لمجرد أنها رفضت خلع الحجاب تنفيذا لأوامره.

وقالت التايم إن أوربا فيها 12 مليونا ونصف مليون مسلم يعانون من البطالة، ومنذ أحداث 11 سبتمبر أصبحوا يعانون من تزايد مشاعر الخوف منهم وعدم الثقة فيهم من غير المسلمين، وقد ظهرت بوادر التوتر عندما حاولت الحكومة الفرنسية إنشاء مجلس إسلامى يتحدث بصوت واحد باسم المسلمين وتتعامل معه الحكومة، وبدأت المنظمات الإسلامية الفرنسية فى اختيار ممثليها بالانتخاب ولكن وزير الداخلية نيكولا ساركوزى ألغى هذه الانتخابات، عندما وجد أن أغلبية الأصوات سوف يحصل عليها اتحاد المنظمات الفرنسية الإسلامية وهو اتحاد يمثل أغلبية المساجد فى فرنسا التى يبلغ عددها 1500 مسجد، والمشكلة أن هذا الاتحاد متحالف مع الإخوان المسلمين الذين يلزمون الفتيات بالحجاب فى المدارس الحكومية ولا تسمح الحكومة الفرنسية بذلك، وأمام أوربا طريق طويل عليها أن تقطعه قبل أن تسمح باعتبار الإسلام الدين الثانى فيها، ولكن هناك جيلا من شباب المسلمين يعبّرون عن رفضهم للعنصرية والخوف من الإسلام، والأحكام الجاهزة التى تدين الإسلام.. من هذا الجيل الجديد الناشط السياسى دياب أبو جهجاه Jahjah الذى يبلغ من العمر 31 عاما ويعيش فى بلجيكا وهو من أصل لبنانى، وكان رئيس وزراء بلجيكا قد اتهم دياب والاتحاد الأوربى العربى الذى ينتمى إليه بالتحريض على أعمال الشغب التى وقعت فى شوارع إحدى المدن عقب مقتل مدرس مغربى على يد رجل بلجيكى مريض عقليا، ولكّن دياب حوَّل مزاعم رئيس الوزراء إلى نقد ومساءلة لتوجهات الحكومة البلجيكية من المسلمين الذين يبلغ عددهم 400 ألف فى بلجيكا، وأثار دياب التساؤل: هل المسلمون فى هذه الدولة مواطنون من الدرجة الثانية؟. وماذا ستفعل الحكومة للقضاء على التوتر العنصرى المتزايد؟. ولماذا يعانى كثير من البلجيكيين من الجيل الثانى من الشعور بالاغتراب؟. وهل يستمر الموقف فى هذه المدينة (انتورب Antwerp) حيث تزيد نسبة البطالة فى معظم مجتمعات المهاجرين على 30%، ودياب وصل إلى بلجيكا من لبنان عام 1991 وفقا لسجلات الهجرة باعتباره لاجئا سياسيا، وأسس فى عام 2000 الاتحاد الأوربى العربى الذى يضم الآن ألف عضو من مختلف دول أوربا، وكان دياب قد ظهر فى مكان الحادث بعد مقتل المدرس المغربى بنصف ساعة، وقال إنه حضر إلى مكان الحادث لكى يحاول تهدئة المسلمين الغاضبين الذين ارتكبوا أعمال الشغب على مدار ليلتين كاملتين، وألقت الشرطة القبض عليه واتهمته بالمسئولية عن إثارة أعمال العنف، ولكن المحكمة حكمت ببراءته لعدم كفاية الأدلة. وبعد الإفراج عنه أعلن دياب أنه يحلم بإنشاء مجلس أوربى موحد للمسلمين العرب فى سائر دول أوربا يتمتع بسلطة تسمح له بالضغط على الحكومات الأوربية لكى تضع مصالح ومشاعر المسلمين فى حساباتها، خاصة أن المسلمين فى رأيه- كما قال- لهم ثلاثة مطالب أساسية: المطلب الأول أن يجد الأطفال المتحدثون باللغة العربية فرصة التعليم فى مدارس بلجيكية، والمطلب الثانى: إيجاد فرص عمل للمسلمين لحمايتهم من البطالة وما يمكن أن تؤدى إليها، والمطلب الثالث: السماح للمسلمين بالاحتفاظ بالعادات والثقافة الإسلامية دون اعتراض، وعلى سبيل المثال منع التمييز ضد الفتاة التى ترتدى الحجاب.

ويعلن دياب أن أوربا تحتاج إلى درجة من التسامح بحيث يتسع مفهوم المواطنة فيها ليشمل كل الثقافات والأديان.

***

وفى مقال التايم حديث عن نموذج آخر لسيدة تدعى آن صوفى رولد Anne Sofie Roald سويدية اعتنقت الإسلام فى الثمانينيات، وهى الآن أستاذ مساعد متخصصة فى العلاقات المصرفية والهجرة بجامعة مالمو Malmo بالسويد، وهى تقول دائماً إن الذين يشاهدونها وهى ترتدى الحجاب لا يتقبلون ذلك منها، وحتى أسرتها لا تتقبل ذلك، بالرغم من أنها تعتقد أن السويد والنرويج ربما تكون أفضل الدول التى يمكن أن يعيش فيها المسلمون، إلا أن الظروف تغيرت، وأصبح الخلط شديداً بين الإسلام والسياسة، وعلى سبيل المثال فإن الجماعات الفلسطينية المناضلة ضد الاحتلال أضافت نغمة دينية إلى ما تقوم به من أعمال المقاومة التى كان يقوم بها من قبل فلسطينيون بدافع الوطنية، وبذلك أصبح العالم يحمّل الإسلام والمسلمين المسئولية عما يفعله هؤلاء المقاتلون، وكذلك الحال بالنسبة لما فعلته السودان، وما فعله بن لادن، ومنذ 11 سبتمبر أصبح النقد للإسلام يتزايد، وتقول آن صوفى إنها أثناء إلقائها إحدى المحاضرات قال لها أحد الحاضرين: إن الإسلام مصدر كل الشرور فى العالم.

والنموذج الثالث فى مقال التايم لسيدة أخرى اسمها آيان هيرسى على Ayaan Hirsi Ali وهى هولندية من أصل صومالى عمرها 33 عاما كانت تعتنق الإسلام، ولكنها أعلنت فى ربيع 2002 أنها لم تعد مسلمة وقالت إن الإسلام دين متخلف بأقصى درجة، وإن ملايين النساء المسلمات فى أنحاء العالم يعانين من الاضطهاد باسم الإسلام. وقالت إنها ترفض ما فى القرآن من فرض البقاء فى البيوت على النساء، وما فيه من حق الأزواج فى ضرب زوجاتهن إذا لم يجدوا منهن الطاعة.

***

أما المقال الثانى فى تايم فهو بعنوان (مكان على المائدة) بقلم دانيال بنيامين Daniel Benjamin وستيفن سيمون Steven Simon وقد عمل كل منهما مستشارا لمجلس الأمن القومى الأمريكى من عام 1994 حتى 1999، ويقول المقال إن أوربا كانت نقطة الانطلاق لهجمات 11 سبتمبر وربما يكون الإرهابيون من الشرق الأوسط ولكن معسكرهم الأساسى كان فى أوربا، ومنذ 11 سبتمبر قامت السلطات الأوربية بإلقاء القبض على أكثر من 200 من الإرهابيين المشتبه فيهم، ولكن ذلك ليس كافيا، لأن الإسلاميين السياسيين الراديكاليين يقيمون فى أوربا ليس فقط لأنها وفّرت لهم الملجأ الآمن، ولكن لأنهم يعتبرونها أرضا خصبة لتنشئة جيل جديد من الإرهابيين. وبرغم الإنجازات الديمقراطية فى أوربا فإن معظم دولها ما زالت تفتقد القدرة على قبول التعددية، ولذلك فإن مجتمعات المهاجرين المسلمين يعيشون فى دول أوربا كعمال ضيوف ومهاجرين فى مرحلة ما بعد الاستعمار، وهم يشعرون بالامتنان لهذه الدول الأوربية ولكن الكثير من أبنائهم يعانون من الإبعاد الاجتماعى والاقتصادى، ويجدون أن (الإسلام النضالى) هو الذى يقدم لهم الهوية ويفسّر لهم الوضع المتدنى الذى يعيشون فيه، ويعطى لأصواتهم قوة للتعبير عن استيائهم من هذا الوضع.

ويقول المقال بعض استطلاعات الرأى فى بريطانيا أظهرت أن أغلبية الشباب من المسلمين لديهم استعداد للقتال من أجل بريطانيا، ولكنهم مستعدون أيضا لحمل السلاح مع أسامه بن لادن! وفى تقديرات أجهزة الأمن البريطانية أن ثلاثة آلاف شاب مسلم بريطانى على الأقل هاجروا من بريطانيا إلى أفغانستان خلال التسعينيات للتدريب، والتعليم الدينى، وهناك دول أخرى لم تعلن أعداد أمثال هؤلاء الشباب، ويؤكد الوجود الفرنسى والألمانى بين المعتقلين فى جوانتانامو أن المجاهدين البريطانيين لم يكونوا وحدهم المسلمين الأوربيين الذين انجذبوا إلى طالبان والقاعدة.

ويقول المقال كذلك إن العالم الإسلامى يوجد فيه الآن نوع من الإصلاح، ولكنه إصلاح ردىء، لأن التزمت والتشدد فى طريقهما للعودة إلى الظهور، وهناك شكل من الدين أكثر تشددا يرفض اندماج المسلمين فى المجتمعات غير المسلمة، ويؤكد على تفوق الإسلام، ويطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهذا الإسلام المتشدد هو الذى يحل تدريجيا محل الإسلام المعتدل الذى كان سائدا لفترة طويلة، ولكّن الأموال التى تدفقت من دول الخليج، والتفسير الراديكالى للقرآن، وإصرار الوعاظ المسلمين على أن المسلمين الذين يعيشون فى أوربا إنما يعيشون فى (دار الحرب)، ويسعون إلى تحويل المجتمعات المسلمة الأوربية إلى أحياء إسلامية، وبقيامهم بإبراز الخلافات مع الاتجاهات الأوربية، خلق هؤلاء الوعاظ والأئمة الراديكاليون أرضا خصبة لتنشئة الإرهابيين وحمايتهم.

ويقول المقال أيضاً إن المسلمين فى أوربا كلها يعانون من زيادة نسبة البطالة، وسوء الحالة الصحية، وانخفاض مستوى التعليم، وهم محرومون من الحق فى أن يكون لهم من يمثلهم فى البرلمانات، والفرص قليلة فى الحصول على وظائف أمام الشباب من المسلمين، ومع انتشار أفكار بن لادن فى المساجد، وعلى مواقع الإنترنت، تبدو الظروف الداعية للشباب لاعتناق الإسلام الراديكالى باقية على الدوام، وتجعل رفض الأوضاع الحالية للمسلمين على أساس دينى بدلاً من لجوئهم إلى التعبير عن شكاواهم على أساس علمانى وسياسى، وما دامت المسائل تتحول إلى مسائل دينية فإنها تصبح مما يستحيل الحوار أو التفاوض حولها. وفى أوربا تحديات أمام الأوربيين وقادتهم، فإن الكثيرين منهم يرفضون اختلاط العناصر فى المجتمعات الأوربية، ولذلك يجب على الدول الأوربية أن تقوم بأعمال إيجابية لتوفير التعليم والوظائف والمساكن للأقليات المسلمة، خاصة فى الولايات المتحدة، وسيساعد ذلك على التقليل من الشعور بالاغتراب لدى المسلمين فى دول الغرب، ويجب أن تعمل الدول الأوربية على السماح ببناء المساجد بتمويل من الدولة، وإدخال التعليم الإسلامى فى المدارس، وبذلك تجارى الحكومات سخاء التيارات المتطرفة التى تؤثر فى المسلمين الأوربيين عن طريق بناء المساجد والمدارس والأئمة الذين ينافسون الراديكاليين فى تشددهم!

ويقول المقال فى النهاية إن أكثر الطرق فعالية لإقناع المسلمين الأوربيين بأنهم جزء من العالم الأوربى أن يعجل الاتحاد الأوربى بضم تركيا إلى الاتحاد بعد أن تعهدت حكومتها الإسلامية الجديدة بنشر تبنى القيم الأوربية المتعلقة بالتسامح والتعددية، وعلى أوربا أن تبدأ بخطوات عملية لمنع صراع الحضارات.

ولم يقل المقال شيئا عما يحدث فى الولايات المتحدة للمسلمين فيها الذين يحملون الجنسية الأمريكية، ولم يقل ماذا على الولايات المتحدة أن تفعل لمنع صراع الحضارات التى نشأت هذه النظرية ولقيت رواجا فيها.

وأظن بعد هذا ليست هناك حاجة إلى تعليق، وقد تكرر الاعتراف بما يعانى منه المسلمون من تحيز وعنصرية ومعاداة، دون أن تكون لهم قوانين تحميهم، فالقوانين فقط للعقاب على معاداة السامية، أما معاداة الإسلام والعرب فليس عليها عقاب ولا حساب، والهجوم على الإسلام مباح باعتباره ممارسة لحرية الرأى.. أما المساس ولو بكلمة عن اليهود فهو جريمة لا تغتفر تهتز لها الحكومات.. وتفتح أبواب السجون!

ويجب  ألا نغفل عن أسماء كبيرة فى الغرب من المفكرين والمستشرقين الذين يتحدثون عن الإسلام بإنصاف.. ومنهم الدكتورة آن مارى شيمل


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف