من وراء الحملة على الإسلام ؟
فى تقرير لمعهد جوته انترناسيونس برس الألمانى أن العوامل السياسية الخفية دفعت المستشرقين الألمان والدارسين للإسلام عموما إلى اتباع الحذر فى التعامل مع الدين الإسلامى والتاريخ الإسلامى، فلم يُترجم إلى اللغة الألمانية غير عدد متواضع من الكتب العربية والإسلامية بسبب العلاقة الخاصة بين ألمانيا وإسرائيل.
ومن هذه الكتب التى يشير إليها التقرير كتاب (العالم الإسلامى) الذى يشرح دور المسلمين كقوة عظمى فى العهد العثمانى ثم أصبح المسلمون الآن مجرد فريق يتفرج على ما يحدث فى التاريخ دون أن يكون له دور فيه سوى دور هامشى، ومثل كتاب (انتقام الرب) للكاتبة الفرنسية جيل كيبل وقد ترجم إلى الألمانية، وهو يتحدث عن الجماعات الأصولية الإسلامية وخطرها.
وما يحدث فى ألمانيا يحدث فى دول أوربا، ويحدث ما هو أسوأ منه فى الولايات المتحدة.
ففى فرنسا صدر كتاب بعنوان (الإسلام فى أوربا) تأليف روبير بيتسولفى وفرنسوا زبال، يكرر أن فى الفكر الجمعى الأوربى اتجاها عاما نحو الإسلام يدخل الخوف منه فى نفوس الأوربيين، ونتيجة لذلك فإن هناك ازدواجا فى مواقف الأوربيين من الإسلام، وهذه المواقف تتراوح بين الانجذاب إلى هذا الدين من ناحية، والخوف والقلق منه من ناحية أخرى، وهذا ما أدى إلـــى ما تعانيه الجاليات الإسلامية فى بريطانيا من العنصرية، وإن كانت العنصرية فى بريطانيا غير منظمة، ولا توجد أحزاب أو تيارات سياسية تبلور وتجسد هذه النزعة العنصرية، كما يفعل حزب الجبهة الوطنية فى فرنسا مثلا، ومع ذلك فإن أبناء الجاليات الإسلامية يعانون فى بريطانيا من التفرقة والتمييز بسبب انتمائهم إلى الإسلام، وهذه التفرقة وهذا التمييز دفعا المسلمين فى بريطانيا إلى الانغلاق، والتزمت، والتمسك بالتقاليد والعادات التى نشأوا عليها فى مجتمعاتهم الإسلامية الأصلية.
ويقول الكتاب إن بريطانيا عرفت العنصرية من قبل، ولكنها كانت عنصرية إزاء الملونين، أما اليوم فإن العداء فى بريطانيا قائم على أسس ثقافية دينية، ويستخلص الكتاب أن المجتمع البريطانى ذاته ليست لديه الرغبة فى أن تنصهر الجاليات الإسلامية وتذوب فيه وتصبح جزءا من نسيجه! وإن كان المسلمون لا يواجهون عقبات عندما يمارسون شعائرهم الدينية، أو عندما يعلمون أبناءهم الإسلام، أو يقيمون المساجد، على عكس ما يحدث فى هولندا، فإن المسلمين يجدون العقبات عندما يريدون ممارسة عباداتهم، سواء فى صيام رمضان، أو فى الذبح طبقا للشريعة الإسلامية، وفى الفترة الأخيرة أصبح ممنوعا عليهم إلقاء خطب الجمعة باللغة العربية بعد صدور قرار من الحكومة بأن تكون الخطبة والدروس الدينية باللغة الهولندية، وبعد أن وضعت الحكومة كاميرات تسجل بالصوت والصورة كل ما يقال داخل المساجد.
ويقول الكتاب إن هولندا اشتدت فيها الحملة على المسلمين وظهر الخطاب المعادى للإسلام على ألسنة رجال السياسة ورجال الدين والمثقفين مستغلين ما جاء فى رواية (آيات شيطانية) لسلمان رشدى من اتهامات وطعن فى العقيدة الإسلامية وفى نبى الإسلام (صلى الله عليه وسلم)، وتجسد ذلك فى كتاب صدر بعنوان (سقوط هولندا بلاد السذج) وهو من تأليف مؤلف أخفى اسمه واستخدم اسما مستعارا هو (محمد رسول)، وفى هذا الكتاب تخويف للشعب الهولندى من أن هولندا سوف تسقط فى أيدى المسلمين، وأن الجماعات الإسلامية المهاجرة إلى هولندا ليست إلا قنبلة موقوتة سوف تنفجر عندما تجد الفرصة، ويصف الكتاب المسلمين بأنهم مجرمون، وأن الإجرام تأصل فيهم من عقيدتهم، وهم يعانون من العقد الجنسية، ولذلك يركزون الدعوة الإسلامية على المرأة ويصورونها على أنها شيطان وأنها منبع الشرور فى العالم ويشتدون فى القسوة عليها، والمسلمون أيضا ميالون إلى العنف، والفساد جزء لا يتجزأ من سلوكهم وتكوينهم الأخلاقى، كذلك فإنهم يحملون فى أعماقهم كراهية لغير المسلمين ورغبة دائمة فى الاعتداء عليهم إن استطاعوا.
وفى هولندا الحزب الشعبى للحرية والديمقراطية تقوم مبادئه على إعلان العداء السافر للإسلام والمسلمين، وقد نظم هذا الحزب ندوة عن الإسلام والمسلمين فى الغرب تحدث فيها زعيم الحزب واشتد فى الحملة وتوجيه الاتهامات وإثارة مشاعر الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، رغم أن هولندا تعطى المسلمين الذين يحملون جنسيتها حق التصويت فى الانتخابات المحلية.
ويقول الكتاب إن فى أسبانيا حساسية خاصة تجاه الإسلام والمسلمين، فقد عاشت تحت الحكم الإسلامى العثمانى ثمانية قرون ازدهرت فيها حضارة عظيمة انتهت بعد ذلك بسقوط غرناطة عام 1492، وصدر بعد ذلك قانون عن الأجانب فى أسبانيا فى يونيو 1985 أعطى لليهود امتيازات خاصة لم يعطها للمسلمين.
وكذلك الحال فى إيطاليا، فقد ظل الجنوب الإيطالى خاضعا للحكم الإسلامى عدة قرون، وترك ذلك رواسب وآثارا عدائية أثرت فى مشاعر الإيطاليين من الحكام والقادة والمثقفين، كما تأثرت علاقة إيطاليا بالإسلام بوجود الفاتيكان الذى ظل يناصب العداء للإسلام قرونا طويلة، كما تأثرت هذه العلاقة بوجود الأحزاب الشيوعية القوية التى ظلت لها الهيمنة على عقول المفكرين والصفوة لفترة طويلة واشتركت فى الحكم على مدى السنوات السابقة على انهيار الاتحاد السوفيتى، وهذه الأحزاب خاضعة لما فى النظرية الشيوعية والفكر الماركسى من فلسفة مادية وإنكار الأديان عموما والنظرة الدونية للإسلام على وجه الخصوص، وما زال هذا التأثير المزدوج ملموسا حتى اليوم.
***
وفى عام 1998 قررت منظمات بريطانية للمسلمين مطالبة وزير الداخلية بتعديل قانون العلاقات العرقية البريطانى الذى يحظر التمييز على أساس الأصول العرقية، لكى يشمل حظر التمييز بسبب الدين أيضا، وذلك لكى يكتسب المسلمون حصانة قانونية تحميهم من التمييز ضدهم، ولجأت هذه المنظمات إلى المحكمة العليا بطلب تعديل هذا القانون ليشمل المسلمين، فأصدرت المحكمة العليا فى 27 أكتوبر 1998 حكمها برفض هذا الطلب، واستندت المحكمة فى أسباب حكمها إلى أن المسلمين فى بريطانيا ينتمون إلى ديانة وليس إلى مجموعة عرقية، وذلك على الرغم من أن القوانين البريطانية تحمى اليهود والسيخ ولا تمتد هذه الحماية القانونية إلى المسلمين.
وكان السبب فى تحرك المجلس المحلى فى ميرتون بجنوب بريطانيا أن أحد كبار أعضاء الحزب الوطنى البريطانى العنصرى، بول بالارد قام هو وجماعته بشن حملة ضد المسلمين بعد أن سمح لهم بتحويل بدروم قديم إلى مسجد، وشملت هذه الحملة توزيع منشورات وتعليق ملصقات تسىء إلى المسلمين، وتعرض المسلمون أثناء الصلاة للإهانات وبصق عليهم أنصار بول بالارد. واعتبر الادعاء العام أن الأدلة التى قدمت إليه لا تكفى لتوجيه الاتهام إلى بالارد، خاصة أن بالارد أنكر أن الملصقات التى ضبطت فى حوزته عندما ألقى القبض عليه فى يناير 1997 تخصه، واعترف بالارد بأن ما تعرض له المسلمون تهديد وإهانة، لكن الادعاء العام قرر أن المسلمين لا تشملهم الحماية المقررة فى قانون العلاقات العرقية، وبالتالى لا يمكن توجيه الاتهام إلى بالارد بالإساءة إلى جماعة عرقية طبقا لهذا القانون.
ومنذ سنوات والمنظمات البريطانية الإسلامية تقوم بجهود فى أوساط أعضاء مجلس العموم من أجل تعديل القانون البريطانى بحيث يتعامل مع المسلمين كما يتعامل مع اليهود والسيخ الذين يوفر لهم القانون حماية قانونية ضد التمييز والتفرقة وتناضل هذه الجماعات لكى تقرر وزارة التعليم تدريس الدين الإسلامى للتلاميذ المسلمين فى المدارس البريطانية.
***
وفى 13 مارس 1995 نشرت صحيفة السياسة الكويتية نقلاً عن (ميدل ايست جورنال) دراسة كتبها ب. أ. روبيرسون بعنوان (أوربا والإسلام بين اللغز والحقيقة: الإسلام يتحول فى نظر الغرب إلى حركة توسعية بعدما كان سدا أيديولوجيا قائما فى وجه الشيوعية الملحدة) قال فيه: إنه منذ أواخر السبعينات زاد التركيز فى الغرب على موضوع إمكانية تحول الإسلام إلى قوة سياسية تهدد أوربا وباقى أرجاء الغرب، وخلال هذه الفترة ساهم عدد غير قليل من الأحداث فى تسليط المزيد من الأضواء على مسألة الإسلام والمسلمين مثل الثورة الإيرانية، والحرب العراقية الإيرانية، واغتيال الرئيس المصرى أنور السادات، وعمليات اختطاف الغربيين على يد حزب الله فى لبنان، وحرب الخليج الثانية فى 1991، والمدى الذى بلغه صدام حسين فى كسب جماعات إسلامية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وانتهاء الحرب الباردة وزوال التهديد الشيوعى بما أحدثه من فراغ محسوس فى الشعور بالخطر عند الغرب. وعزز الاتجاه إلى الإسلام ظهور النقاش النظرى حول صدام الحضارات، واتهام الغرب للدول الإسلامية بعدم احترام حقوق الإنسان، فى حين اتهم المسلمون الغرب بأنه غارق فى المادية والانحلال مما يمثل خطرا على المجتمع الإسلامى.
ويقول التقرير إن الشعور بالقلق المتزايد كان يكمن فى هذا الجدل، ومع ازدياد المهاجرين المسلمين إلى أوربا، وطبيعة هؤلاء المسلمين، أصبح القلق على أشده وزاد من القلق ظهور الكساد الاقتصادى فى الغرب، وقد أدت كل هذه العوامل إلى تزايد الضغوط الشعبية على الحكومات لفرض القيود على تدفق هؤلاء المهاجرين إلى أوربا.
وإزاء ذلك اتخذت حكومات أوربا والولايات المتحدة واليابان مواقف حذرة تتسم بالحساسية من الإسلام، وتزايد موقف الحذر مع السياسة الأمريكية الجديدة التى بدأ تنفيذها الرئيس جورج بوش فى التعامل مع المشكلات فى الشرق الأوسط بالتهديد بالقوة أو باستخدام القوة. وبما أن أوربا لها مصالح اقتصادية وتجارية فى الشرق الأوسط منها توريد الأسلحة، فقد توسعت فى علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول المنطقة، وساهم هذا التوسع فى استقرار الاقتصاد الأوربى، ولكن ذلك أدى إلى زيادة تأثير دول الشرق الأوسط على المصالح الأوربية، وتضاءلت قدرة الأوربيين على فرض إرادتهم للدفاع عن هذه المصالح.
ويتساءل التقرير: هل الخطر الإسلامى قائم فعلا، أو هو محتمل على المدى القريب أو البعيد، وهل هذا الخطر يتهدد أشخاصا، أو يتهدد جماعات، أو يتهدد الشعب، أو الدولة، أو يتهدد النظام الدولى؟ ويجيب بأن هذا الخطر قد يكون عائدا بجذوره إلى الصدام التاريخى بين أوربا التى كانت مسيحية وبين العرب، والعثمانيين بعدهم، أما القلق الأوربى- فى أواخر القرن العشرين- من الإسلام فإنه راجع إلى الثورة الإيرانية فى 1979 التى أطاحت بحليف قوى للغرب كانت له أهمية استراتيجية كبيرة حين أطاحت بشاه إيران، وزاد القلق بسبب لغة الثورة الإيرانية المعادية للغرب، وهى لغة لها قاموس خاص بها جاء بمفردات جديدة مثل (الشيطان الأكبر)، وجاءت أيضا بفكر يبرر اختطاف الرهائن، والدعوة العلنية إلى تصدير الثورة، واعتبر الغرب أن هذه الثورة ترفض القوانين والمعايير الدولية، وتتطلع إلى تغيير البنية القائمة فى الشرق الأوسط. وإن كانت طموحات هذه الثورة بالنسبة لدول المنطقة إذا تم تجريدها من اللغة الحماسية العدائية فإنها لن تختلف عن طموحات شاه إيران الذى كان يريد أن يجعل من إيران قوة إقليمية، غير أن الولايات المتحدة كانت ترى أن تطلعات الشاه وقدراته تتوافق مع استراتيجيتها العالمية، أما إيران الثورة فقد اعتبرتها الولايات المتحدة خطرا يتهدد النظام الإقليمى والمصالح الغربية.
ويقول التقرير إن الغرب كان ينظر إلى الإسلام فى السابق على أنه أحد السدود الأيديولوجية فى مواجهة الشيوعية الملحدة، والآن بعد غياب الشيوعية، أصبح الغرب يعتبر الإسلام حركة توسعية، خاصة وأن الثورة الإيرانية دأبت على تطوير نزعة متشددة معادية للغرب، وفى لغة الخطابة كانت تردد أصداء لغة الخطابة للقومية العربية عندما كانت فى أوج العداء للغرب، مع اختلاف أهداف الثورة الإيرانية عن أهداف القومية العربية. وقد تعمق القلق فى الغرب من إمكانية ظهور دول إسلامية أخرى على النموذج الإيرانى، ويخشى الغرب من أن بعض الدول التى تتخذ خطا إسلاميا متشددا يمكن أن تنقلب ضد الغرب وتهدد المصالح الحيوية الأوربية والأمريكية، فضلاً عن وجود دول معينة تعتنق فكر البعث المعادى للغرب، وإن كانت فكرة البعث عن ضرورة الوحدة العربية لم تتحقق إلا مرة واحدة فى أيام دعوة عبد الناصر المحمومة للقومية العربية، إلا أن هذه الوحدة التى قامت بين مصر وسوريا لم تدم طويلا، والآن هل يستطيع الإسلام المسيس أن يحقق ما استحال تحقيقه بالوحدة السياسية والاقتصادية عندما كانت أيديولوجية القومية العربية هى السائدة؟
***
ويقول التقرير إن الغرب قلق أيضا لصعوبة احتواء الدول العربية والإسلامية، وإدماجها فى إطار أيديولوجية الغرب، وذلك لوجود قوى وضغوط فى كل مجتمع عربى وإسلامى، تمثل عقبة فى احتواء الغرب لهذه الشعوب، ويضاف إلى ذلك أن هذه الدول بدأت تسير فى طريق الاندماج فى الاقتصاد العالمى، وقد أدى ذلك إلى ظهور طبقات وشرائح من المجتمع ترتبط مصالحها بمصالح شبكة عالمية، وأصبح ذلك ملموسا فى تدفق الأموال والمنتجات، وتزايد الاتصالات وانتقال الناس والأفكار والنماذج الثقافية، وكان لابد لهذا التداخل بين الغرب والعالم العربى والإسلامى من أن يؤثر على الثقافة والهوية والأمن فى العالم العربى والإسلامى، وأدى ذلك بدوره إلى ظهور ردود فعل دفاعية وهجومية، وأدت ردود الفعل هذه إلى تراجع على الجانبين فى الانفتاح على الآخر، وكان لذلك تأثيرات ونتائج استراتيجية واقتصادية، ويضاف إلى كل ذلك أن الحوار بين الدول العربية والإسلامية والغرب يجرى فى ظل اختلال كبير فى القوة لكل من الطرفين وعدم التوازن فى جميع المجالات عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً، مما يجعل الحساسية بين الطرفين مستمرة، والشعور بأن العلاقات هشة ومعرضة لنكسات، وفى هذا السياق ظهرت الحركات الإسلامية، ونشأ فى الغرب الشعور بالخطر والتهديد من جانب هذا الإسلام، فهل فى طبيعة الإسلام تهديد الآخرين؟ هذا السؤال لا يجد الغرب الإجابة الواضحة عنه، لأن الإسلام ليس عقيدة واحدة، وليس عقيدة ثابتة كما يبدو أمام الغربيين، فهم يرون أنه يتغير من زمن لآخر، وليس واضحا أمام الغرب وجود موقف موحد ومتجانس من الإسلام يمكن أن يؤدى إلى استراتيجية سياسية واحدة للبلاد الإسلامية أو حتى للدول العربية على الأقل! ووسائل الإعلام فى الغرب عجزت عن إدراك المعنى الكامن فى الاختلاف والتنوع فى مفاهيم وقيم وفقه المسلمين، خاصة مع وجود جماعات من المسلمين كل منها تقدم تفسيرا وفهما مختلفاً للإسلام عما تقدمه الأخرى، مما يعنى أن المسلمين أنفسهم لا يفهمون الإسلام فهما واحدا، والاختلافات بين المسلمين تدور حول جوهر الإسلام ذاته وحول المعتقدات الإسلامية. حتى أن بعض الجماعات تحكم على غيرها بالكفر والخروج من الملة، والأمر لا يقف عند حد التعددية الدينية، ولكنه يصل إلى التعددية التشريعية والفقهية، وقد يكون الإسلام دينا ثابتا على التوحيد، ولكن توجد فى علم الفقه وعلم اللاهوت اختلافات وتفسيرات متعارضة، بينما أصبح على الفقه الإسلامى أن يتعامل مع سلسلة من القضايا والمشكلات الحديثة، وهناك مشكلة أخرى ينطوى عليها الدين الإسلامى ناتجة من تعدد الآراء والاختلافات فى التفسير بين المحافظين من ناحية، والمعتدلين فى الوسط، والمتطرفين الداعين إلى النضال ضد الطرف الآخر من المسلمين، والمواجهة بين جماعات وطوائف المسلمين ليست بسبب الأمور والقضايا الفرعية، ولكن بسبب التعارض فى مفاهيم الدين واللاهوت والسياسة، وخصوصا ما يتعلق بالموقف من الدولة ومن الأوضاع القائمة فى المجتمع، وهذه المواجهة ظهرت وانتشرت على امتداد السنوات المائة والخمسين الماضية، مع ظهور جماعات وحركات فى العالم الإسلامى كانت ردا على الاستعمار والإمبريالية الغربية، ومقاومة للتدخل الغربى فى شئون المجتمعات الإسلامية، وكان الدافع لهذه الجماعات والحركات السعى إلى استعادة الهوية الثقافية والحضارية المميزة، والتطلع إلى تقرير المصير.
ويقول التقرير إن هذه الحركات الإسلامية متنوعة ومختلفة فيما بينها، ولكن ما يجمع بينها هو عدم قبول أنظمة الحكم فى الدول الإسلامية التى تسير وفقا للطراز الأوربى، وقد تحولت هذه الجماعات إلى حركة دولية لها هدف عام هو استعادة الثقافة والقيم التى تحكم المجتمع وفقاً لشريعة السماء، كما تتفق فى القول بأن المجتمع الإسلامى أصبح مخترقا بمؤسسات ذات أصول إمبريالية واستعمارية، وتردد أن هدف الإصلاح الدينى عندها يتمثل فى رسم حدود واضحة بين المؤسسات الحالية الموروثة عن الاستعمار، وبين المؤسسات الإسلامية كما ينبغى أن تكون فى مجتمع يستمد كل شىء من الشريعة، ولأن هذه الجماعات تعمل على إقامة مؤسسات تساعد الطبقات الدنيا فإنها تتمتع بقدر غير قليل من الجاذبية لدى بعض الفئات فى الريف والحضر.. من الأميين والمتعلمين.. خاصة فى الفترة التى أعقبت عام 1967 فى الشرق الأوسط بعد أن تم افتضاح ضعف العالم العربى افتضاحاً صارخاً فى مواجهة أعدائه، وفى مواجهة العالم الخارجى، وازدادت شدة النقد خاصة من الطرف الإسلامى المتشدد الذى ركز هجومه على الحكومات لعدم قدرتها على حماية ثروة الأمة، وعدم وفائها بالالتزامات الإسلامية تجاه المجتمع، وأيضا بالهجوم على الحكومات الغارقة فى الفساد، والحكومات التى تطبق سياسات تتناقض مع مصالح المواطنين وفقاً لتعاليم الإسلام.
يقول التقرير إن كل ذلك انعكس على الأوضاع السياسية فى الدول الإسلامية، وأدى إلى عدم الاستقرار، والشعور بالإخفاق، على الصعيدين الداخلى والخارجى، وظهرت مراجعات وانقسامات داخل الحركات الإسلامية، فإن نجاح هذه الحركات فى توسيع قاعدتها فى أحد المجتمعات الإسلامية التقليدية نتيجة عوامل خاصة بهذا المجتمع أو ذاك فى العالم الإسلامى، سواء كانت عوامل عرقية، أو لغوية، أو ثقافية، أو تاريخية، أدى إلى ظهور جماعات أخرى أقل تشددا، وظهرت خلافات وانشقاقات ناتجة من الصراع بين الجماعات حول قضايا التحديث ومدى إفسادها للنموذج الإسلامى، فهناك جماعات تفضل العمل وفق برنامج قائم على التحديث ضاربة عرض الحائط بالقيم التقليدية الموروثة، وتتعامل- لذلك- مع الجماهير بمستوى معرفى مختلف، وتكتفى بأن تكون لها قاعدة جماهيرية ضيقة، وهذه الجماعات هى التى فضلت الخيار الصعب، وتقبلت أن تدخل فى مواجهة مع المنظمات والجماعات الإسلامية الأخرى التى تطرح دعوة جذابة لجماهير أوسع إلى المفاهيم التقليدية للدين، وللقيم الثقافية والاجتماعية، وللعلاقات السياسية، ونظام الحكم، وأدى هذا الاختلاف الجوهرى إلى مأزق واجهته الجماعات الإسلامية على اختلافها، نتيجة التعارض فى فهم العقيدة والطقوس الدينية والعبادات، وأيضا بسبب التناقض بين رؤية كل منها للاستراتيجية والتكتيكات لنشر الرسالة.
ويضيف التقرير أن هناك سمة أخرى من سمات الإسلام تدل على التعقيد الذى يعوق وحدة المسلمين، وهى عدم وجود نص يحدد جهة أو فئة أو طبقة معتمدة توضح للمسلمين ما تريده الشريعة وما يريده الله منهم على وجه التحديد وبما لا خلاف عليه، وهذا ما أشار إليه رايموند بيكر فى كتابه (الخوف من الإسلام)، فالمسلم يقيم علاقته بالله مباشرة، دون أن يكون ملزما باتباع رجل دين معين، أو مؤسسة دينية معينة، وقد أدى ذلك إلى أن كل مؤمن بالإسلام يستطيع إقامة علاقة مباشرة مع الله ويكون هو عالم اللاهوت، ومفسر الشريعة لنفسه، وهذا المنطق يعتمده كثير من المسلمين، وبالتالى فليس هناك أى تنظيم للدعوة ويستطيع أى شخص عادى أن يعتلى المنبر ويعظ الناس بما يراه، ويستطيع أى شخص أن يفسر الشريعة لنفسه وللآخرين، ويستطيع أى شخص أن يدعو إلى تكوين جماعة تتبعه وتتبع تفسيراته الخاصة، ونتيجة لذلك فإن الحكومات فى الدول الإسلامية تجد صعوبة فى الرقابة على المتحدثين والعاملين باسم الدين الإسلامى، وإن كانت الحكومات تقوم بتعيين رجال الدين وتحاول رقابة ما يقال فى المساجد إلا أن الظاهرة التى تعرف باسم (الإسلام غير الرسمى) تطفو على السطح، ويشدد قطاع الإسلام غير الرسمى الهجوم على رجال (الإسلام الحكومى) ويتهمونهم أمام الناس بالتقاعس عن حماية الدين كما ذكر باتريك جافنى فى دراسته عن (الإسلام الشعبى) المنشورة فى حوليات الأكاديمية الأمريكية للعلوم السياسية والاجتماعية عام 1992.
يقول التقرير إن المشكلة فى العالم الإسلامى أن الحركات والروابط الإسلامية مستقلة، ترفض رجال الدين، وترفض المؤسسات الدينية، وترفض تدخل الحكومة، كما أن الحكومات لا تستطيع التحكم فى آراء ومعتقدات رجال الدين الرسمى وغير الرسمى، وليس أمام الحكومات إلا فرض قيود على عدد من الجماعات الإسلامية، وسد طرق العمل السياسى أمامها.
***
وهذا التقرير يحتاج إلى إعادة قراءة لأن ما وراء السطور أهم، وسوف نجد نقاطا كثيرة تحتاج إلى الرد والتصحيح.. ولكن من الذى قرأ..؟ ومن الذى اهتم بالرد..؟ ولمن يتوجه بالخطاب لتصحيح المفاهيم الخاطئة؟.. هل يتوجه إلى المسلمين؟، أو يتوجه إلى من يؤمنون وينشرون هذه المفاهيم فى الغرب..؟
ومن الذى فكر فى الوصول إلى إجابة عن هذه الأسئلة تؤدى إلى عمل لتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين؟
***
وتبدو الأصابع الصهيونية وراء كثير مما ينشر فى الصحافة الأمريكية، لتخويف الأمريكيين والغربيين عموما من الإسلام، ومثال ذلك المقال الذى نشر فى مجلة نيوزويك الأمريكية فى مايو 1995 بعنوان (هل يمكن لأوربا أن تتغلب على الكراهية والتعصب وتعيش فى سلام مع المسلمين المهاجرين؟) ويسعى المقال إلى إقناع قارئه باستحالة التغلب على مشاعر الكراهية والتعصب ضد الإسلام فى أوربا، واستحالة التعايش السلمى بين الأوربيين والمهاجرين المسلمين، ويبدأ المقال بإشارة لها تأثيرها النفسى على القارئ الغربى المسيحى فيقول: إنه توجد كنيسة صغيرة فى زاوية فى أحد شوارع ايست اند فى لندن يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1743، وعلى مدى تاريخها استخدمت للصلاة لطوائف مسيحية مختلفة، وفى وقت من الأوقات كانت كنيساً يهودياً، أما اليوم فقد تحولت إلى مسجد للمسلمين، وتبدو الكنائس المجاورة خالية من المصلين، وعلى واجهته وضعت لافتة تدعو إلى إحياء الخلافة الإسلامية، وفى بعض الزوايا فى باريس ظهرت أيضا عملية الإحياء للإسلام فى أوربا، ففى حى يدعى (نقطة الذهب) فى مونمارتر حيث تتلألأ كاتدرائية القلب المقدس، تجمع مئات المسلمين فى مستودع تم تحويله إلى مسجد للاستماع إلى شيخ يبلغ من العمر الثانية والثمانين، وفى سياق خطبته قال: (إن المستقبل فى يد الله)، ويقصد بذلك أن المستقبل فى أوربا سيكون للإسلام، وهذه رسالة لم يكن أحد يتوقع سماعها فى قلب أوربا.
ويقول الكاتب الصهيونى فى نيوزويك: لقد جاء المهاجرون المسلمون إلى دول أوربا ليقيموا فيها، وقد ارتفعت المآذن فوق مدريد وإيطاليا وغيرها، وذلك بعد مرور أكثر من 1250 عاماً على نجاح القائد الفرنسى شارل مارتل فى صد المسلمين عندما كانت جيوشهم على أبواب (بواتييه) و(تور)، واليوم أصبحت أوربا من جديد ميداناً لنشاط الإسلام، كما يقول عالم السكان الفرنسى جان كلود تشيسنيه.
ويقول المقال إن الكثير من مفاهيم الغرب عن الإسلام مصدرها ما يحدث فى العالم الإسلامى من اضطرابات سياسية وأحداث مرعبة، والصراع الأوربى مع المسلمين فى البوسنة حيث المسلمون هم الضحايا، وزاد من نذر الشر الإسلامى على أوربا التطرف الإسلامى فى شمال أفريقيا وشبه القارة الهندية، وفتوى الخومينى بإهدار دم سلمان رشدى بسبب ما فى كتابه (آيات شيطانية) من تجديف، وأضيف إلى ذلك إعلان سكرتير عام حلف شمال الأطلنطى ويلى كلايس، وكذلك إعلان ستيلا ويمنجتون من المخابرات البريطانية، بأن (الإسلام هو الخطر الجغرافى- السياسى فى المستقبل) ونتيجة لذلك أصبح المسلمون هدفاً مفضلاً للهجمات العنصرية من تيار الفاشية الجديدة والساسة اليمينيون وهؤلاء تتزايد أعدادهم مع ترنح الاقتصاد الأوربى. وفى الوقت نفسه فإن الإسلام يؤثر الآن فى الحياة اليومية فى أوربا بوسائل لا حصر لها، ويمتد تأثيره إلى كل شىء تقريبا من الأدب، إلى الثقافة الشعبية، وحتى الأزياء، وتتضاعف فى أوربا المساجد والمدارس الإسلامية، وظهرت محلات بيع اللحم والمخابز الإسلامية فى كثير من المدن الأوربية الكبيرة، حتى أن العالم الفرنسى جيل كيبل مؤلف كتاب (من الله إلى الغرب) وكتب أخرى عن الأصولية الإسلامية قال إن أوربا فى الإسلام اليوم، والإسلام فى أوربا، أى أن وجود الإسلام أصبح حقيقة فى الحياة الأوربية، وقد أراد د. تشيسنيه إثارة مشاعر الغربيين ضد الإسلام فقال: إن أعداد المسلمين أصبحت تفوق أعداد اليهود والبروتستانت فى دول أوربا ذات الأغلبية الكاثوليكية مثل بلجيكا، وفرنسا، وإيطاليا، وأسبانيا، وفى المحصلة النهائية فإن المسلمين فى أوربا يزيد عددهم على عشرة ملايين، وهناك المزيد فى الطريق، ونتيجة انخفاض معدلات المواليد فى أوربا وزيادة متوسط الأعمار فإن أوربا تعتمد على المهاجرين لأنهم عمالة رخيصة وتمثل دعماً لنظام الرعاية الاجتماعية فيها، وأقرب مورد للعمالة المهاجرة لدول أوربا- فيما عدا ألمانيا- فى البلاد الإسلامية المجاورة لأوربا، حتى أن فرنسا تتوقع أن يزيد عدد سكانها من العرب والمسلمين على ستة ملايين وربما ثمانية ملايين خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، أى ما يزيد على 10% من عدد سكان فرنسا المتوقع فى ذلك الوقت، ويقول تشيسنيه إن أوربا عقيمة ولكنها غنية، والعالم العربى والإسلامى فقير ومزدحم بالسكان، ولكن مسلمى أوربا أبعد ما يكونون عن الوحدة، فهم ينحدرون من بلاد وأعراق وطوائف مختلفة، وإن كان بعضهم يمارس الشعائر الدينية بحماس، إلا أن الكثيرين إما غير واثقين من أنفسهم أو غير متمسكين بالدين، ومع ذلك فهناك نوع من الوحدة بينهم بسبب العجرفة والتجاهل اللذين يحيطان بهم، وفى استطلاع للرأى أجرى فى فرنسا فى عام 1994 قال غير المسلمين فى فرنسا إن فكرتهم عن الإسلام تتلخص فى: التعصب أولا، والخنوع ثانيا، ورفض القيم الغربية ثالثا.
ويقول المقال إن أى مسلم يشعر فى هذه الأيام منذ اللحظة الأولى التى يدخل فيها أوربا بالتوتر، حيث ينظر إلى المهاجرين ذوى البشرة الداكنة نظرة فيها الكراهية والرفض، ويعانى المسلمون المهاجرون من الغضب نتيجة البطالة، وهناك اضطرابات حدثت فى فرنسا وبلجيكا نتيجة شعور المسلمين بالظلم، ويكررون الشكوى من مطاردة البوليس لهم، وفى نفس الوقت ازدادت المخاوف فى نفوس الأوربيين من الإسلام الذى يبدو أمامهم وكأنه استعاد قوته، وأدى ذلك إلى وجود مناخ من التوتر، كما أدى إلى تبادل عدم الفهم، وإحياء التاريخ الطويل من الحملات الصليبية، وحملات الجهاد، والثورات القومية العربية، إلى الإرهاب والإرهاب المضاد، بحيث يبدو من المستحيل كسر أو تغيير هذا القالب، وتفسر كارين ارمسترونج مؤلفة كتاب (الحروب المقدسة) وكتاب (تاريخ الله) مشاعر الغرب تجاه المسلمين فتقول: (إن كراهيتنا للمسلمين فى أوربا تعود إلى حقبة الحروب الصليبية، وقد تطورت فى الوقت نفسه إلى جانب معاداة السامية).
والأمر الآن فى أوربا يختلف عما كان عليه يوم كانت أوربا فى أمس الحاجة إلى العمالة الرخيصة من المهاجرين المسلمين، فقد كانت هناك مثلا معاهدات هجرة خاصة بين بلجيكا وكل من المغرب وتركيا منذ عام 1964 حتى عام 1974، وتمت بمقتضاها دعوة المهاجرين المسلمين للقدوم مع عائلاتهم للعيش فى بلجيكا ليحلوا مكان الإيطاليين والأسبان واليونانيين والبرتغاليين الذين أصبحت أجورهم عالية، وكان قدوم المهاجرين المسلمين مرغوباً فيه لأنه يحقق فائدة للاقتصاد فى بلجيكا، وقد شجعتهم الحكومة على إنجاب الأطفال لتعويض النقص فى السكان، وكانت الحكومة البلجيكية تعرض على المهاجرين المسلمين القادمين عليها نشرات دعائية لإغرائهم بالإقامة فى مدن جديدة خضراء فيها وسائل الراحة، ويتوافر فيها الشراء بالأجل، وجاء المهاجرون المسلمون، وأنجبوا أطفالهم، وبعد سنوات بدأ الحديث فى بلجيكا عن مشكلة الهجرة!
وينقل مقال نيوزويك عن البروفيسور الفرنسى أوليفيه روى قوله بأن ما يزعج الأوربيين تجاه الإسلام أنه يبدو من المستحيل فهمه واستيعابه، وليس هناك نتيجة للرفض الأوربى للمسلمين المقيمين فى أوربا سوى زيادة الغضب فى نفوسهم.
***
ويشرح المقال حال المسلمين المهاجرين فى أوربا، ويضرب مثالا بما يحدث فى ألمانيا منذ أوائل التسعينات عندما بدأ المجتمع الألمانى يظهر كراهيته للمهاجرين والأجانب وللمسلمين منهم بصفة خاصة، وبدأ التراجع فى سياسة الهجرة، وتحول المهاجرون واللاجئون إلى ضحايا، بعد أن أغلق المجتمع الألمانى الأبواب فى وجوههم، وأصبحوا هدفا سهلاً لهجمات اليمين، وجاء رد الفعل من جانب المهاجرين الأتراك المسلمين بظهور عصابات من الشباب يقومون بضرب كل من يشتبهون فى أنه من النازيين الجدد، وبعد ذلك تحول كثير من الشبان الأتراك إلى الجماعات الإسلامية بحثا عن الدعم والمساندة لديها، ولكن الأتراك فى ألمانيا انقسموا بعد أن قام الجيش التركى بالحرب ضد الأكراد فى جنوب شرق تركيا، وعمل الأتراك الأكراد على الرد على هجمات الجيش التركى بالقيام بهجمات على البنوك ووكالات السفر والمؤسسات الثقافية التركية فى ألمانيا، وبدأ الانقسام بين الأتراك ينمو فى الداخل والخارج تبعا للانتماء العرقى، حيث يعيش الجانب الأكبر من الأتراك فى ألمانيا حياة يغلب عليها الدين، وينسحبون من المجتمع الألمانى، ويعيشون فى أحياء خاصة بهم، ولا يتعلمون اللغة الألمانية، وهذه الجماعات هى التى يسهل على الجماعات الدينية المتطرفة الوصول إليها والتأثير فيها.
وفى هذا المقال تحليل لأسباب ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة فى ألمانيا وغيرها من دول أوربا فيقول إن الصراع الاجتماعى لا يمثل غير سبب واحد ضمن أسباب أخرى عديدة، فالإسلام يزدهر فى أوربا فى الوقت الراهن كعقيدة، بينما لا تزال المسيحية ضعيفة، وفى نفس الوقت أصبحت الشيوعية مكروهة ومشوهة وسقطت، وكذلك فإن الفاشية الجديدة التى ظهرت فى ألمانيا وفرنسا وغيرها من دول أوربا ليست إلا تعبيرا بدائيا عن كراهية ورفض لما وصل إليه الغرب، وبذلك فقد أصبح الغرب يعيش مرحلة ليس فيها أيديولوجية قوية تستقطب الاهتمام، وبعد أن انتهى الخصم الأكبر للغرب فإنه يبحث عن الخصوم من هم؟، وأين هم؟ لذلك نجد البريطانيين بعد انهيار الاتحاد السوفييتى أكثر حساسية تجاه المسلمين والشخصية الإسلامية دون غيرها من المهاجرين إليها، وتعبيراً عن حالة بريطانيا فى هذه المرحلة قالت كارين ارمسترونج إن الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتى انتهت ويوشك أن يكون الإسلام هو البديل على الصعيد النفسى ليصبح هو الخصم للغرب وتكون الحرب الباردة من الغرب ضد الإسلام!
وهذا ما يفسر ما حدث فى عام 1990 عندما قام النازيون الجدد بإلقاء رؤوس الخنازير داخل القاعة الأمامية فى المسجد المعروف فى الجزء الشرقى من لندن، كما ألقوا فى المسجد أجزاء من لحم الخنزير لأنهم يعلمون أن المسلمين يعتبرون أن لحم الخنزير (نجس) ومع ذلك لم تبلغ إدارة المسجد عما حدث وقررت عدم إثارة الموضوع فى الصحافة، وقال نائب مدير المسجد إن هؤلاء العنصريين يريدون الشهرة، وسوف نحرمهم منها، إلا أن حادثة أخرى وقعت ولم يتمكن أحد من أخفائها، وذلك فى عام 1992 حين أشعل أحد الأشخاص النار فى قاعة المؤتمرات فى المسجد فاحترق أثاثها، ولم يمنع وقوع كارثة محققة سوى الاستجابة السريعة من جانب أجهزة الإطفاء فى لندن.
***
وفى 28 نوفمبر 2002 كتب توماس فريدمان مقالا فى صحيفة (نيويورك تايمز) بعنوان (على المسلمين نزع فتيل القنبلة المقدسة)، أشار فيه إلى بعض عمليات التفجير التى يقتل فيها الفلسطينيون عددا من المدنيين الإسرائيليين، دون أن يشير إلى عدد الحوادث التى قامت فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلى بقتل المدنيين الفلسطينيين وفيهم أطفال ونساء وشيوخ.
والمقال فى صورة خطاب من الرئيس الأمريكى جورج بوش إلى قادة العالم الإسلامى يقول فيه على لسان بوش: دعونى أكن صريحاً، إننى أزداد قلقا من أن نكون فى طريقنا نحو حرب بين الحضارات، ثم يقول على لسان الرئيس بوش أيضاً: هل تعلمون عدد الجماعات التى اعتنقت الدين الإسلامى حديثا فى أمريكا؟.. إنهم كثيرون وليست لدينا مشكلة فى ذلك، وهكذا نحن، ولكن من أنتم؟، ويقول أيضاً: أننى أعرف أن جنودا إسرائيليين قتلوا عشرات الأطفال الفلسطينيين أثناء الانتفاضة، وهذا أمر مخز، ولكننى لم اسمع الجنرالات أو الحاخامات يشكرون الرب لأن أبناءهم قتلوا الأطفال المسلمين، إن الجنود الذين يطلقون النار على الأطفال مخطئون، والعمليات الانتحارية الفلسطينية أيضاً خطأ، ولا يوجد إله يبارك أيا منهما.
ويذكر فريدمان حوادث إرهابية اتهم بارتكابها إسلاميون، ويعلق على ذلك على لسان الرئيس بوش فيقول: لعلكم تفهمون الآن لماذا يتم أخذ بصمات الأصابع لكل من يقيم فى أمريكا من الدول العربية.. وأنتم تقولون إن ذلك يحدث لأننا نساند إسرائيل، وأنا أعلم أننا يجب أن نعمل المزيد للوصول إلى السلام، ولكننى لا أعتقد أن الممرضة الأمريكية التى قتلها مسلم، أو القنبلة التى فجرها مسلمون فى جزيرة بالى الأندونيسية كانت لأننا نساند إسرائيل، وأنا أعتقد أن ما يحدث له علاقة بظهور الإسلام المتشدد بينكم، وهو ليس رد فعل لإسرائيل، ولكنه رد فعل لنظم الحكم الفاشلة، وثروة البترول المبددة، والايديولوجيات المحطمة (الناصرية) وجيل من الأوتوقراطية، والأمية، مسلح، وغاضب، وهذا ما أدى إلى ظهور هذا التعصب القاسى الذى يكره حتى المسلمين المعتدلين، ولكن القيم التى ينشرها هذا الجيل من المسلمين المتعصبين ستؤدى إلى الدمار لكم كما ستؤدى إلى الصراع معنا، كما كتب برينك ليند ساى الباحث فى معهد (كاتو) فى بحثه فى مجلة (ناشيونال ريفيو) يقول: (لا توجد عقيدة تجعل حفظ النصوص القديمة عن ظهر قلب بدون فهم، وكبت الأسئلة حولها، ومنع نقدها أو إظهار الاستياء منها، واستعباد المرأة، والإذعان الذليل للسلطة، يمكن أن تكون الوصفة لتحقيق أى شىء غير الانحدار الحضارى).
ثم يقول توماس فريدمان على لسان الرئيس بوش : (إن الذين يعتنقون الإسلام المعتدل سلبيون، بينما يجب أن نحارب هذا التشدد القاسى، ونحن أيضاً عندنا متعصبون متشددون، ولكنى أبعدت نفسى علانية عن هؤلاء المسيحيين الذين يشوهون سمعة الإسلام، وترفضهم الأغلبية المعتدلة ووسائل الإعلام عندنا باستمرار، وهم ليست لهم الهيمنة على مجتمعنا، نحن عندنا حرب أهلية ضد التشدد، والآن فإننى أطالبكم بأن تكون لديكم حربكم أيضاً ضد التشدد، ولا تقولوا إنكم لا تستطيعون، ففى إيران خرج الطلبة الشجعان فى مظاهرات المواجهة والتحدى للمتشددين المتطرفين فى مجتمعهم معرضين حياتهم للخطر من أجل محاربة الذين يريدون العودة بالإسلام وبدولتهم إلى العصور المظلمة.. وإذا لم تكن عندكم حرب داخل حضارتكم فسوف تكون هناك الحرب بين حضارتكم وحضارتنا، دعونا إذن نخصص العام القادم لمحاربة التشدد فى الداخل حتى يمكن الحفاظ على العلاقات بيننا.
وما فى هذا المقال من مغالطات لا تخفى على فطنة القارئ.. فإرهاب الدولة الإسرائيلية ليس إرهابا، ومقاومة الاحتلال إرهاب، وفى أمريكا متشددون ولكن الأغلبية لا تؤيدهم فلماذا لا يرى ما فى العالم الإسلامى من رفض الأغلبية المعتدلة للمتشددين، ورفض الإرهاب باسم الإسلام ، وإدانة كل أعمال الإرهاب، والابتعاد عن الذين يشوهون الإسلام دليل كاف على أن العداء للإسلام انتهى، بينما الواقع أن جميع القادة والمفكرين والسياسيين والمثقفين، وعامة المسلمين، يبتعدون عن المتشددين ويتبرأون منهم ويدينون أعمالهم فلماذا لا يكون ذلك كافيا لاقناع السيد توماس فريدمان بأنه منحاز، ويرى السيئات حسنات لأنها ترضيه، بينما لا يرى الحسنات على الجانب الآخر فى العالم الإسلامى.
ولكنه أحد الصناع المهرة للعداء ضد الإسلام والمسلمين والدوافع معروفة.
***
وبالنسبة للصحف الشعبية فى بريطانيا فإن الإسلام ليس خطراً فقط، بل إن هذه الصحف تتحدث عنه على أنه (دين بدائى)!! ولذلك كانت تغطية هذه الصحف لزواج نجم الكريكت الباكستانى عمران خان تمثل خير دليل على ذلك، إذ حذّر المعلقون فى هذه الصحف من أن زوجته التى اعتنقت الإسلام (جمايما جولد سميث) ستعيش حياة من القهر وراء الحجاب، وستعانى من اضطهاد أشقاء وشقيقات زوجها، على أساس أن المرأة فى المجتمع الإسلامى تعيش حياة ذليلة، تعانى فيها من القهر والقسوة وسوء المعاملة..
فإذا كانت هذه هى نظرة المجتمع الغربى للإسلام والمسلمين فكيف يتعامل الغرب مع العدد المتزايد من المسلمين ضمن سكان أمريكا ودول أوربا جميعاً..؟
لقد تغيرت نظرة المجتمع الغربى إلى الإسلام والمسلمين، وأصبحت الدول الغربية تعلن الضيق بوجود المسلمين فيها، وعبر عن ذلك هيلموت كول حين كان مستشارا لألمانيا بقوله: (إن ألمانيا ليست بلد هجرة) وردَّد معظم الساسة الألمان مثل هذا القول بصيغ مختلفة، ومع ذلك فإن وجود المسلمين فى أوربا أصبح حقيقة واقعة، فقد اندمج الأتراك المسلمون فى المجتمع الألمانى وأنشأوا نحو 37 ألف شركة ومؤسسة تستخدم نحو 135 ألف عامل ويمثل العمال الألمان 15% فيها، واستقر المهاجرون الأتراك المسلمون فى ألمانيا وأنجبوا وكبر أبناؤهم وظهر الجيل الثالث، وبعضهم يتحدث الألمانية، ومع كل ذلك فإن المسلمين الذين أصبحوا مواطنين ألماناً لا يزيدون على 4% فقط، حتى مع دعوة حزب الخضر إلى سياسة ليبرالية مع الأقلية المسلمة.
وبالمقارنة فإن 75% من مسلمى بريطانيا مواطنون بريطانيون، لكنهم لم يحصلوا على الجنسية حتى يمكن اعتبارهم مثل سكان ويلز أو اسكوتلاندا، ولكن يعتبرهم القانون البريطانى مجموعات مثلهم مثل السود، والهنود، وينظر إليهم البريطانيون كمجموعة وليس كأفراد، ومن حين لآخر تصدر عن الحكومة البريطانية إشارات مطمئنة للمسلمين تخفف عنهم ما يذوقونه من تمييز، وأدت هذه السياسة الحكومية إلى تحقيق نجاح ملحوظ خفف من السخط السياسى والتعصب والحماس الدينى، ومع ذلك فلم يستفد المسلمون من هذا الوضع فى بريطانيا، وحتى الآن لا توجد مؤسسة أو منظمة واحدة تتحدث باسم المسلمين فى بريطانيا جميعاً، ولكن الأمر كما قال الدكتور زكى بدوى إمام مسجد لندن الكبير: (إن كل شخص يقف ويدعى أنه يتحدث نيابة عن اثنين أو عشرة من المسلمين وليس هناك من يتحدث نيابة عن كل المسلمين) ومعنى ذلك أن ما بين المسلمين عقيدة مشتركة وليس ثقافة مشتركة، وفضلا عن ذلك فإن كثيراً من المسلمين يعيشون فى بريطانيا كما لو كانوا ما زالوا يعيشون فى قراهم التى هاجروا منها!
ولا تمثل الثقافة المشتركة مشكلة بالنسبة للمهاجرين المسلمين فى فرنسا، لأن الفرنسيين يفرضون ثقافتهم فرضاً على كل من يعيش فى فرنسا، ورغم أن الجانب الأكبر من الجدل العام حول المجموعات الإسلامية يظهر فى شكل خطابى مناهض للمهاجرين، لأن الموقف الرسمى المعلن للحكومة الفرنسية هو عدم التفرقة بسبب الدين واللون والقول بأن فرنسا تعيش على أساس أن فكرة (الأقليات) غير مقبولة بموجب الدستور، ومع ذلك فإن المهاجرين المسلمين فى فرنسا يواجهون المتاعب من المعاملة القائمة على التمييز، ويظهر ذلك من حين لآخر كما حدث عندما منعت التلميذات المحجبات من دخول المدارس الفرنسية، ويقول (أوليفييه دوى) مؤلف كتاب (فشل الإسلام السياسى) إن الجدل حول الحجاب مرتبط بقضية دقيقة وحساسة أخرى تتعلق بنظام الزواج، ففى الإسلام يتزوج الرجل بأكثر من زوجة مسلمة فى وقت واحد، ويحرم الإسلام على المرأة المسلمة أن تتزوج رجلا غير مسلم، ومع ذلك فإن 20% من النساء المسلمات فى فرنسا تزوجن رجالا من غير المسلمين، وهذا ما يسبب صدمة عميقة لعائلاتهن، ومع كل جيل جديد تزداد الأعداد أكثر..! ومثل هذه الأوضاع لا تسر أمثال الشيخ عبد الباقى صحراوى (82 سنة) الذى كان يقف إماما فى المسجد بعد صلاة الجمعة ليقول للمصلين: (يعتقد الفرنسيون أن عليهم أن يدمجوا المسلمين فى مجتمعهم ليصبحوا فرنسيين ويتخلوا عن كل ما يمثلونه ويمتلكونه من قيم ومبادئ، بل ويتخلوا عن الإسلام ذاته، فعليك أن تشرب الخمر وإلا فلن تصبح فرنسياً، وإذا ما تمكن أمثال هذا الشيخ من فرض آرائهم فلن يستوعب المجتمع الفرنسى المسلمين! وكان الشيخ وأنصاره يواجهون هذا القول بالرفض وبإصرار يعلنون (إذا أردت للإسلام أن ينمو ويكبر، فيجب أن يكون فى فرنسا مسلمون حقيقيون يمكن أن يصبحوا قوة).
وينتهى مقال نيوزويك إلى أن الخطوط مرسومة، والحواجز موضوعة، وسيكون حل الصراع صعباً، إذ تعيش ثقافتان متعاديتان على أرض أوربا وامتدت إلى أمريكا، تكره كل منهما الأخرى على مدى أكثر من ألف عام على هذه الأرض، وإذا لم يتم العثور على وسائل لتقريب الثقافتين، لبناء مستقبل مشترك على هذا الماضى المنقسم، فقد تواجه أوربا وأمريكا سنوات لا حصر لها من الاضطراب.
هكذا يشعلون فتيل الكراهية للإسلام والمسلمين بدهاء وذكاء شديدين، وما عليك سوى العودة إلى قراءة ما وراء سطور مقال نيوزويك لترى كيف يثيرون مشاعر الأوربيين والأمريكيين على الإسلام والمسلمين..؟
هل الصهيونية وراء هذه الحملة الشديدة للاضطهاد والكراهية..؟
هذا سؤال يحتاج إلى أكثر من دليل لتصديق الإجابة عنه.
***
ولقد قيل كثيرا إن الصهيونية كانت وراء فوز الكاتب نايبول البريطانى الجنسية بجائزة نوبل فى الأدب لعام 2001 وهو أصلا من ترينداد، وقد أثار فوزه بهذه الجائزة العالمية الكبرى ردود فعل شديدة فى العالم، حتى فى السويد عاصمة جائزة نوبل، فقد استقبلت صحافتها ذلك بتحفظ شديد، وهاجم النقاد الأكاديميون فى السويد لجنة جائزة نوبل لمنحها الجائزة لهذا الكاتب المتعصب الكاره للإسلام، وقالت إن ميوله العنصرية معلنة، وعداءه للإسلام صريح فى كتاباته، أما فى بريطانيا التى عاش فيها الكاتب 52 عاما، فقد نشرت مقتطفات من كتاباته التى يتهجم فيها على الإٍسلام، وعبر بعض الكتّاب السويديين عن سعادتهم لفوز نايبول لأنه مثير للجدل، وأشادوا بقدرته على التعبير عن (المقهورين)، مبررين مواقفه المعادية للإسلام، وفى رواية (وصف حياة) يقول نايبول: (إن اعتناق الإسلام يعنى أن تمسح تاريخك، وأن تسحق بالأقدام ثقافة الأجداد، وأن تردد ما يقوله المسلمون من أن هذه الثقافة لا وجود لها) وقد علق أحد النقاد السويديين على مثل هذه الأقوال لنايبول فقال (لهذا السبب منحت الأكاديمية السويدية الجائزة إلى هذا الرجل الذى يشهر علنا ازدراءه للإسلام، وهو بكتاباته يضع الأمور على حافة هاوية.. وجاءت إليه الجائزة بعد شهر واحد من هجمات سبتمبر فى نيويورك وواشنطن، والمسلمون مطاردون فى جميع أنحاء العالم، فجاء أدب نايبول متوافقاً مع نظام الرئيس الأمريكى جورج بوش، وجهاز المخابرات الأمريكية، والدعاية السياسية الأمريكية وقالت الكاتبة لينا بورديبو فى صحيفة (داجيتس نيهيتر) السويدية الواسعة الانتشار تقول: إن فى. اس. نايبول اثار الجدل الواسع للكتابات التى ساوى فيها بين الإسلام والاستعمار حتى أن واحدا من أكبر أصدقائه على مدى ثلاثين عاماً هو الكاتب باول ثيروكس أصبح من ألد أعدائه.
وفى لندن نشرت صحيفة (الجارديان) الصادرة يوم 12 أكتوبر 2001 مقتطفات من كتابات نايبول التى يهاجم فيها الإسلام، وعلقت بأنه فى الوقت الذى ينزلق فيه العالم إلى حافة الحرب، عبر نايبول عن أفكاره حول تأثير الإسلام بقوله إن الإسلام يملك تأثيراً ضاراً على الناس الذين يعتنقونه، لأن المطلوب من المسلمين أسوأ بكثير من إلغاء الشخصية القومية الذى كان يسعى إليها الاستعمار القديم.
هكذا تعددت التعليقات تقول إن حصول نايبول على جائزة نوبل فى الأدب يأتى فى إطار الحملة التى يقوم بها الغرب على الإسلام، والتى ازدادت قوة وشراسة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، واتفق النقاد الغربيون أنفسهم على أن نايبول مشهور بكتاباته ضد الإسلام وباتجاهاته العنصرية المتشددة، وأن حصوله على نوبل يدعم الشكوك حول الجائزة ومن يقومون باختيار من يستحقونها، لأن كتابات نايبول تؤكد على أن الإسلام مثل البوذية والهندوسية، ويقول عن الإسلام إنه دين وثنى، وإنه دين سطحى، ومنح الجائزة لهذا الكاتب بالذات ليس إلا دعما للهجمة الشرسة على الإسلام بالسلاح والفكر.
وهكذا فإن جائزة نوبل كانت تمنح لمن يوجهون السهام ضد الاتحاد السوفييتى ضمن الحملة عليه أثناء الحرب الباردة، كما منحت لأنصار إسرائيل من مختلف الأجناس والجنسيات، وأخيراً هاهى ذى تمنح لمن يوجهون السهام للإسلام ضمن الحملة عليه فى الحرب الجديدة عليه، ولم يعد أحد يفكر أن نوبل تمنح لأسباب سياسية وليس فقط لأسباب موضوعية محايدة، وربما لهذا السبب لم يبد كاتبنا العظيم نجيب محفوظ احتفالاً كبيراً بجائزة نوبل حين جاءت إليه.
ولكن فوز نايبول بالجائزة كان رسالة لكبار المبدعين والكتّاب فى العالم: من أراد أن يحصل على نوبل لا يكفى أن يكون عبقريا ولكن عليه من الآن أن يكون عدوا للإسلام أيضا!
هل الصهيونية وراء كل هذا؟
أو أن (الشيطان) هو الذى يحرك عقول وصواريخ العالم الغربى ضد الإسلام؟.