تشويه القرآن على أيدى المستشرقين
عندما أشار مسلسل (فارس بلا جواد) فى التليفزيون المصرى إلى كتاب بروتوكولات حكماء صهيون مجرد إشارة.. ودون تصريح أو تلميح إلى أنه يمثل المخطط السرى للصهيونية العالمية للسيطرة على العالم، قامت ثورة لم يسبق لها مثيل فى الولايات المتحدة فى الإعلام، والكونجرس، والأحزاب السياسية، وجمعيات حقوق الإنسان، ومنظمات محاربة التمييز، ووصلت هذه الحملة الشرسة إلى حد توجيه الاتهامات بسوء النوايا لدى العرب والمسلمين تجاه الديانة اليهودية والتهديد برفع دعاوى لمحاكمة المسئولين عن تقديم هذا المسلسل بتهمة معاداة السامية وهى تهمة تعاقب عليها قوانين بعض الدول بالسجن، ووصلت الأزمة إلى حد تحرك القيادات السياسية والتهديد بقطع المعونات الأمريكية لمصر. وحاول السفير الأمريكى فى القاهرة التدخل.. ووصلت الضغوط إلى درجة لا يصدقها عقل!
وفى إسرائيل كانت الحملة أكبر وأشد شراسة، وبلغت إلى الحد الذى جعل الرئيس الإسرائيلى يبعث برسالة رسمية إلى الرئيس مبارك يطلب منه التدخل شخصيا لمنع إذاعة هذا المسلسل، وكان الرد أن المسلسل مجرد عمل فنى عن مقاومة المصريين للاحتلال البريطانى ليس فيه ما يسىء إلى الديانة اليهودية، ومصر لا تسمح بأى مساس بالعقائد الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية، والإسلام يعترف بالديانات السماوية وبالرسل جميعا دون تفرقة.
حدث هذا الزلزال من أجل دقائق فى مسلسل تليفزيونى ورد فيها مجرد ذكر بروتوكولات حكماء صهيون على أنه كتاب موجود ومشكوك فى صحته.
أما حملات العداء والتشويه اليومية للإسلام والمسلمين فى كل وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئى فى الولايات المتحدة ودول أوربا فإنها مستمرة على أنها من علامات الديمقراطية الغربية وممارسة لحرية الرأى وحرية التفكير، ودون أن يتحرك العالم الإسلامى حركة منظمة أو غير منظمة لمواجهة هذا السيل من الافتراء والتشويه.
وحتى حين وصل الأمر إلى تشويه القرآن الكريم وهو الكتاب المقدس عند المسلمين الذى يحتوى على كلام الله سبحانه وتعالى قوبل ذلك بالسكوت.. فكيف يسكت المسلمون..؟! كيف تسكت الحكومات..؟! وكيف يسكت الأزهر.؟. وكيف يسكت المجلس الأعلى للشئون الإسلامية..؟! وكيف يسكت المفكرون الإسلاميون ورجال الدين..؟! وكيف يسكت الإعلام فى الدول الإسلامية المشغول بمعارك يتم فيها تبادل الاتهامات بين الدول الإسلامية ذاتها؟!. وكيف تسكت الجماعات التى تدعى الغيرة على الإسلام ولا تفعل شيئا سوى الحكم بالكفر على المسلمين الذين يوحدون الله ويتعبدون بالقرآن..؟!
أليست هذه كارثة؟..
فقد يمكن فهم دوافع الهجوم والكراهية فى الغرب للإسلام.. وللقرآن .. وللمسلمين.. فكيف يمكن فهم هذا الصمت من المؤسسات والهيئات الإسلامية التى تبلغ ميزانياتها مليارات الدولارات وتدعى خدمة الإسلام..؟
وفى دراسة للدكتور ثابت عيد الباحث المصرى فى جامعة زيورخ فى إشارة إلى ترجمة معانى القرآن منذ جورج سيل (1697-1736) الذى ترجمها إلى اللغة الإنجليزية وقال فى مقدمتها (إن محمدا فى الحقيقة هو مؤلف القرآن، وهو الذى اخترعه، وهذا أمر لا يقبل الجدل. وإن كان من المرجح أن المعاونة التى حصل عليه من الآخرين ليست قليلة).
وايجانس جولد تسيهر (1850-1921) مستشرق مجرى الأصل، معظم كتاباته بالألمانية لذلك يعتبر من المستشرقين الألمان، كان يهوديا متعصبا متحاملا على الإسلام، قال عنه الشيخ محمد الغزالى فى كتابه ((دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين)):(إنه من أعمدة المستشرقين ودهاتهم، ولا شك أنه قرأ كثيرا من الأصول والمصنفات الإسلامية، ولكنه منذ قرأ وكتب، لم يحمل بين جنبيه إلا فؤادا مترعا بتكذيب الإسلام، فهو يدس إصبعه فى كل شىء، ليتخذ من أى شىء دليلا على أن محمدا كاذب، وقرآنه مفتعل، وسنته مختلقة، والإسلام كله منذ جاء وإلى أن بلغنا مجموعة مفتريات.. وقال عنه الدكتور محمد البهى فى كتابه (الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربى): (عرف بعدائه للإسلام، وبخطورة كتاباته عنه، ومن محررى دائرة المعارف الإسلامية)، كتب عن القرآن والحديث، ومن كتبه ((تاريخ مذاهب التفسير الإسلامى المترجم إلى العربية)).
هذا المستشرق أشاد به أساتذة ومفكرون مسلمون كبار مثل الدكتور عبد الرحمن بدوى والدكتور أبو العلا عفيفى رغم ما فى كتاباته من تشكيك فى أصول الإسلام، والدأب فى إثبات أن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم لم يأت بجديد، ولكنه سرق كل شىء من اليهود والمسيحيين، ولأنه كان ذا منزلة كبيرة بين المستشرقين وصاحب مدرسة فى الاستشراق فقد أثر فى كثير من الدارسين للإسلام الألمان وغير الألمان ما زال تأثيره مستمرا إلى اليوم، ولا تزال كتبه المليئة بالسموم تعتبر من أهم مراجع طلبة الدراسات الإسلامية فى جامعات أوربا.. بل والجامعات العربية!
***
وتضم قائمة المستشرقين الذين دسوا السم فى دراساتهم وشوهوا صورة الإسلام فى عقول المثقفين فى الغرب باول كراوس (1904-1944)، وهو من كبار المتعصبين اليهود، وبرغم أن مصر استقبلته وعينته مدرسا للغات السامية فى الجامعة المصرية سنة 1936، وبرغم معاشرته للمصريين إلى أن وجد منتحرا فى مسكنه بالزمالك فى القاهرة عقب عودته من رحلة إلى القدس فى عطلة صيف 1944، وقد كتب الدكتور عبد الرحمن بدوى عنه أنه كان صديقا حميما له، ولم يكن هناك سبب فى حياته الشخصية يدعوه للانتحار، والخيط الوحيد لتفسير هذا اللغز المحير أنه حدث يوم 6 نوفمبر 1944 أن قتل إرهابيون إسرائيليون اللورد موين الوزير البريطانى المقيم فى الشرق الأوسط، وقبضت الشرطة المصرية على القتلة، وحوكموا، وحكم عليهم بالإعدام، ونفذ الحكم، وقد وجدت الشرطة المصرية معهم عنوان مسكن بول كراوس، وتبين أن القتلة من عصابة شتيرن الإرهابية الإسرائيلية، وقد يكون كراوس منتميا إلى عصابة شتيرن، وأنه حين كان فى القدس، وقع عليه الاختيار للاشتراك فى قتل اللورد موين وقد رأت عصابة شتيرن أنه عقبة فى سبيل النشاط الصهيونى لإنشاء دولة إسرائيل، وتصوروا أنه يمالئ العرب، أو فى القليل يحارب الإرهاب الصهيونى ضد الإنجليز فى فلسطين التى كانت آنذاك تحت الانتذاب البريطانى، وكان على كراوس أن يختار بين الاشتراك فى عملية الاغتيال أو أن ينتحر، وهو فى الحالتين مقتول، فيبدو أنه اختار الحل الثانى.. هذا هو رأى الدكتور عبد الرحمن بدوى وهو من زملائه المقربين كما ذكره فى كتابه (موسوعة المستشرقين).
ويلاحظ الدكتور ثابت عيد أن اليهود كانوا الأكثر اهتماما بدراسة الإسلام والعلوم الإسلامية، ويتساءل ما الذى يدفعهم إلى ذلك أكثر من غيرهم؟!.. ويجد الإجابة فى قول الباحث السويسرى ارنولد هوتينجر بأن اليهود كانوا - وما زالوا أكثر الناس اهتماما بالعالم العربى، وهذا ما يفسر كثرة عدد اليهود بين المستشرقين.. أمثال جولد تسيهر، وباول كراوس، وجرو نباوم، وبرنارد لويس، وجوزيف فان إس.. وغيرهم.. وهم ليسوا فقط يهودا.. ولكنهم يحملون للإسلام عداء شديدا. ويعتبر باول كراوس نموذجا للمستشرق الحاقد على الإسلام وأصوله وعقائده وحضارته وعلومه وعلمائه حتى أنه ألف كتابا للتشكيك فى إنجازات جابر بن حيان فى الكيمياء وكتب فى ذلك بحثا بعنوان (تحطم أسطورة جابر بن حيان)، كما أنه عنى عناية خاصة بنشر تراث الملاحدة فى التاريخ الإسلامى بهدف تشكيك المسلمين فى دينهم.
ويتساءل الدكتور ثابت عيد مرة أخرى: لماذا اهتم الغربيون بأشعار عمر الخيام قبل أن يهتم بها المسلمون؟ ويجد الإجابة فى أنهم أرادوا نشر هذه الأشعار لما فيها من إغراق فى التغزل فى الخمر ومصاحبة الغانيات والدعوة إلى الاستمتاع بالحياة وبالحرية المطلقة بلا قيود دون أن يتفهموا ما وراءها من معان لا يفهمها إلا المتصوفون، فالخمر والسكر والحب عند عمر الخيام تعبير عن النشوة التى يشعر بها المتصوف وهو غارق فى الحب الإلهى، وذلك لم يتوقف المستشرقون عند تراث الخيام باعتباره من عظماء علماء الرياضيات فى القرون الوسطى. واهتم المستشرقون أيضاً اهتماما شديدا بشخصية ابن الراوندى لأنه ملحد، ولذلك قام باول كراوس بنشر وترجمة مؤلفاته لأن فيها هجوماً على الإسلام فى صميمه، وتطعن فى أسس العقيدة. وهى من المؤلفات التى كانت تهدف إلى هدم الإسلام وتعرف على أنها ذروة الزندقة والإلحاد.
أما المستشرق جوزيف فان إس الذى يعمل أستاذ كرسى فى معهد الاستشراق بجامعة تيبنجن فى ألمانيا، فيقول الدكتور ثابت عيد إنه قابله ليناقشه فى موضوع الإعجاز اللغوى فى القرآن الكريم فوجده يشن هجوما عنيفا على لغة القرآن، ويدافع عن مسيلمة الكذاب، ويوجه الشتائم إلى المؤرخين المسلمين أنهم أطلقوا عليه اسم (الكذاب) وحين قال له ثابت عيد: إن محاولة مسيلمة الكذاب تقليد القرآن مضحكة، ولغته فى غاية الركاكة زأر فى وجهه غاضبا وقال: هذه أقاويلكم أنتم المسلمون وهى كاذبة. وما كاد هذا المستشرق يسمع عن مشروع الباحث العراقى الدكتور عبد الأمير الأعسم لجمع كل ما كتبه ابن الراوندى وكل ما كتب عنه حتى سارع بتشجيعه ومساعدته، بل إنه ساهم ببحث خاص فى هذا المشروع بعنوان (الفارابى وابن الراوندى).. ويتهكم جوزيف فان إس على الله ويسخر من المسلمين فى كتابه عن الإسلام ويقول فيه: (إن الله يتكلم اللغة العربية ولا يخطئ فى النحو)! أستغفر الله.
ويقول ثابت عيد: إن جوزيف فان إس شديد التحامل على الإسلام عندما يكون فى قلعته فى جامعة تيبنجن ولكن عندما تضطره الظروف للسفر إلى دولة إسلامية فإنه يلبس قناعا فلا يتحدث عن الإسلام إلا بالمدح، ومنذ سنوات جاء إلى القاهرة لإلقاء محاضرة فى الجامعة الأمريكية فتحدث عن الجامعات فى بلاد الإسلام، وامتدح الإسلام، ولما عاد إلى ألمانيا استمر يواصل السب واللعن فى الإسلام، ويقول ثابت عيد إن عداء جوزيف فان إس للإسلام أشد من عداء سلمان رشدى صاحب رواية (آيات شيطانية) التى تضمنت اتهامات مقذعة للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته وبناته.
***
وكان المستشرق السويدى صامويل نيبرج (1889- 1974) يبحث فى التراث العقلانى عند المسلمين، ونشر بمساعدة العالم المصرى أحمد أمين كتاب (الانتصار والرد على ابن الراوندى الملحد) للخياط وامتدح المعتزلة وقال: إنهم دافعوا عن الإسلام دفاعا مجيدا، ولكن صامويل نيبرج ما كاد يصل إلى بلاده حتى شن غارة على المعتزلة متهما إياهم بأنهم كانوا متعصبين ولعبوا دورا كبيرا فى نشر الإسلام!
ويذكر ثابت عيد المستشرق اليهودى الهولندى جاك فاردينبورج وهذا المستشرق أستاذ كرسى الأديان بجامعة لوزان بسويسرا وله كتاب بعنوان (الإسلام فى مرآة الغرب) وزوجته أيضا يهودية متعصبة، حصلت على الدكتوراه فى الأدب العربى فى جامعة اكسفورد تحت إشراف أستاذ مصرى هو الدكتور مصطفى بدوى، وعندما سألها ثابت عيد لماذا اختارت الأدب الإسلامى قالت له لكى أتحاشى المواقف الصعبة عندما أذهب إلى الدول الإسلامية، مع أنها هى التى قالت (إن محمدا سرق منا الصيام فى يوم عاشوراء، وأنه كتب القرآن بنفسه).
والملاحظة التى ينبهنا إليها ثابت عيد هى أن المستشرقين حين يتحدثون عن الأدب العربى يتحدثون عنه بموضوعية واحترام، وحين يتحدثون عن العقيدة الإسلامية تمتلئ كتاباتهم بالطعن فى الإسلام، والمثال على ذلك بروكلمان (تاريخ الأدب العربى) وهو عبارة عن فهرست لكتابات العرب فى مختلف فروع العلم، ويتحدث فيه عن التراث الأدبى والعلمى فى الإسلام بتقدير واضح، ولكن فى كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية) فهو ملىء بالسخرية والطعن فى الإسلام خاصة عندما يتناول ظهور الإسلام وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتطور العقيدة فى الإسلام، ومثله أيضا المستشرق مونتجومرى وات فهو يمجد الإسلام فى كتابه (فضل الإسلام على الحضارة الغربية) بينما يمتلئ كتابه (الإسلام) بالطعن والتشكيك فى الدين الإسلامى.
ويتحدث ثابت عيد عن المستشرق الألمانى مانفريد أولمان زميل جوزيف فان إس وهو متخصص فى دراسة تاريخ الطب فى الإسلام فى جامعة تيبنجن بألمانيا وله كتاب (الطب فى الإسلام).. وهذا المستشرق يكره العرب بشدة، وينتهز كل فرصة للسخرية منهم، ومن تخلفهم، وكذلك المستشرق السويسرى بينديكت راينرت الذى قال لإحدى تلميذاته المسلمات (أنا لا أحب أن أرى أى مسلم فى معهد الاستشراق بجامعة زيورخ)! وقال لثابت عيد (يؤسفنى أنك مسلم)! لأنه لم يعجبه دفاع ثابت عيد عن الإسلام فى أحد أبحاثه.
***
لماذا ترجم المستشرقون معانى القرآن مبكرا وما زالوا يفعلون ذلك؟.. الإجابة رغبتهم فى توظيف هذه الترجمة للهجوم على الإسلام والإساءة إليه فى مراكز الاستشراق، وفى أذهان المثقفين وأيضا لمحاولة تشكيك المسلمين فى دينهم، تمهيداً للقضاء على ثقافتهم، ومن بين القلائل الذين تحدثوا بإنصاف عن الإسلام الأب روبير كاسبار الذى قال: (إن الغرب لم يفهم الإسلام على حقيقته أبدا، ولم يحاول ذلك أبدا.. وحتى خيرة المسيحيين القلائل الذين كانوا يعيشون فى جوار مع الإسلام من أمثال يوحنا الدمشقى، وتيودور أبى قرة، وبولس الصيدونى، فإنهم لم يتمكنوا من إدراك جوهر الإسلام، ولعل ذلك يرجع إلى أن الغرب المسيحى اكتفى على مدى قرون طويلة بتلطيخ الإسلام، ونبى الإسلام، بأسخف الأقوال، دون أن يكلف نفسه عناء دراسة هذه العقيدة، فأول ترجمة لاتينية للقرآن لم تظهر إلا فى القرن الثانى عشر، أى بعد خمسة قرون من ظهور الإسلام، وتمت هذه الترجمة بمبادرة من بطرس المبجل وتحت إِشراف أسقف دير كلونى، وهذه الترجمة، والترجمات التالية لها لم يكن لها هدف سوى أن تكون مادة لتوجيه الإدانة ضد القرآن والتى شارك فيها عدد من أشهر الباحثين.
ويقول المفكر الألمانى هوبرت هيركومر عن أسباب ترجمة معانى القرآن الكريم لأول مرة إلى اللغة اللاتينية إنه يبدو أن جنود وضباط الصليبيين رفضوا الاعتراف بأنهم يواجهون إحدى ديانات التوحيد القريبة جدا من ديانتهم، فى الاعتراف بوجود الله، والصلوات اليومية، والصيام، والزكاة، وكانت معرفة الصليبيين بالقرآن محدودة جدا، وإن كانت أول ترجمة لاتينية لمعانى القرآن قد ظهرت سنة 1143 وقام بها روبرت كيتون، لكن الأوربيين كانوا يتطلعون إلى توظيف ترجمة معانى القرآن للطعن فى الإسلام، وكان هذا الإنجليزى- روبرت كيتون- الذى يعيش فى مدينة طليطلة بأسبانيا يترجم تراث المسلمين فى الهندسة والفلك إلى اللاتينية، وبدلاً من أن تكون ترجمة معانى القرآن وسيلة للتفاهم والتقارب استغلت هذه الترجمة للطعن فى الإسلام على مدى قرون طويلة، حتى أن بلدية مدينة بازل فى سنة 1542 منعت نشر هذه الترجمة اللاتينية، ولم تسمح بطباعتها إلا بعد تدخل مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتى وقال مارتن لوثر: (لا يمكن عمل شىء أكثر إزعاجاً لمحمد أو الأتراك، ولا أشد ضررا من جميع الأسلحة، من ترجمة قرآنهم ونشره بين المسيحيين، عندئذ سيتضح لهم أى كتاب بغيض وفظيع وملعون هذا القرآن. فهو ملىء بالأكاذيب والخرافات)، وقال عن الرسول صلى الله عليه وسلم (إنه خادم العاهرات، وصائد المومسات)، وقال أيضاً (بعد ظهور الأتراك على حقيقتهم، أرى أن القساوسة عليهم أن يخطبوا الآن أمام الشعب عن فظائع محمد حتى يزداد الشعب عداوة له، ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم فى الحرب).
والمستشرق الفرنسى بلاشير هو الآخر أكد أن الهدف من ترجمة معانى القرآن إلى اللغات الأوربية تشكيك المسلمين فى دينهم وقال: (كانت المبادرة- إلى ترجمة معانى القرآن- قد انبثقت عن ذهنية الحروب الصليبية، وهذا ما سجلته الرسالة التى وجهها بطرس المبجل إلى القديس برنار مرفقة بنسخة من الترجمة، كما كان الهدف أيضاً الرغبة الشديدة فى إزالة كل أثر للإيمان به من أذهان المسلمين).
وحتى القرن السابع عشر كانت هناك أصوات قوية فى الكنائس الغربية تعارض نشر ترجمة معانى القرآن، وأصدر البابا الكسندر السابع الذى ولد عام 1655 قرارا بمنع ترجمة القرآن أو نشره، وبعد واقعة تدخل مارتن لوثر لنشر أول ترجمة لاتينية لمعانى القرآن أصبح هناك اتجاه قوى فى الغرب لا يمانع فى ترجمة القرآن إلى اللغات الأوربية، لتوظيف هذه الترجمة فى توجيه الطعنات إلى الإسلام وكتابه ورسوله.
***
وظل الاهتمام الأكبر للمستشرقين بجمع ونشر الأقوال الإلحادية فى الإسلام، وكل من يطعن فى الإسلام من المسلمين أنفسهم يجد التأييد فى الغرب، من أمثال المهاجر السورى بسام طيبى الأستاذ فى جامعة جوتنجن فى ألمانيا فقد تخصص فى الكتابة فى الإساءة إلى الإسلام ففتحت أمامه الأبواب، ووجدت كتاباته رواجا شديدا.
والمستشرق الصهيونى باول كراوس كان أكبر باحث فى الغرب عن كتابات وأفكار الملحدين من المسلمين، ومثله المستشرق الإيطالى فرانسيسكو جابرييلى، والمستشرق السويدى نيبرج، ولذلك نجد المستشرق الألمانى فان إس يهتم بمسيلمة الكذاب الذى ادعى النبوة وحاول تقليد القرآن ويبدى إعجابه (بالآيات) التى ابتدعها مسيلمة مثل: (يا ضفدع ابنة ضفدع، نقى ما تنقين، أعلاك فى الماء، وأسفلك فى الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين) كما جاء فى تاريخ الطبرى ومثل قوله: (والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسيراً من رطب ولا يابس). كذلك اهتم فان إس بما جاء فى سيرة ابن هشام عن النضر بن الحارث الذى سبق مسيلمة الكذاب فى محاولة تقليد القرآن، وقال عنه ابن هشام: (.. وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصبون له العداوة، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً فذكر فيه الله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلفه فى مجلسه ثم قال: (أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه، فهلم إلىّ، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثاً منى؟) وقال ابن هشام عن النضر بن الحارث: (.. وهو الذى قال فيما بلغنى: سأنزّل مثل ما أنزل الله)!
مثل هذا الكلام الفارغ الذى يقرؤه المسلم ويرى فيه تعبيرا عن الجنون أو الإلحاد الذى بلغ أقصى درجاته، ويرفضه ولا يهتم حتى بقراءاته.. يجد اهتماما كبيرا من المستشرقين ويركزون أبحاثهم حوله. ومن هؤلاء أيضا المستشرق الإيطالى فرانشيسكو جابرييلى الذى اعتنى عناية فائقة بالتراث الإلحادى فى كتابات ابن المقفع، وسجل ما ذكره ابن خلكان عن الخليفة المهدى الذى كان يتتبع الزنادقة، لتنقية المجتمع الإسلامى من شرورهم، وقد نشر فان إس الأقوال الإلحادية لابن المقفع فى محاولته لتقليد القرآن بمثل قوله: (تأمل صنيع الله بأهل الشام، وقد شملتهم الآثام، وكثر فيهم الإجرام، فيومئذ حين أظلتهم الآطام، والقادمين من الشرق بالخيام، إن ربك صب عليه سوء العذاب، إنه لا يعجل العقاب، وله الجزاء الأوفى يوم الثواب) وقوله: (يا أيها الناس قد نُسب أهل العراق إلى الشقاق والنفاق، وفى مائها الزعاق، ويظهرون طاعتهم للخلاق، إن ربك هو أعلم بمن حاد عن طريقه، وهو أعلم بالمعتدين، وأوفى للمهتدين) وقد تضمن كتاب الدكتور عبد الرحمن بدوى (من تاريخ الإلحاد فى الإسلام) ما ذكره فرانشيسكو جابرييلى عن ابن المقفع، ونبش المستشرق باول كراوس فى كتابات أبى بكر الرازى وهى تفوق الحصر فى الطب والعلوم حتى عثر فيها على أقوال فيها زندقة فنشرها سنة 1939 فى القاهرة تحت عنوان (رسائل فلسفية) تحدث فيها عن كتابين من الميراث الإلحادى للرازى هما (مخاريق الأنبياء) و(نقض الأديان)، ويقول أبو بكر الرازى مشككا فى الدين: (من أين أوجبتم أن الله اختص قوما دون قوم وفضّلهم على الناس وجعلهم أدلة لهم، وأحوج الناس إليهم؟ ومن أين أجزتم فى حكمة الحكيم أن يختار لهم ذلك ويعلى بعضهم على بعض، ويؤكد بينهم العداوات، ويكثر المحاربات، ويهلك بذلك الناس) ويقول أبو بكر الرازى أيضا: (إنكم تدّعون أن المعجزة قائمة موجودة- وهى القرآن- وتقولون من أنكر ذلك فليأت بمثله، ثم قال: إن أردتم بمثله فى الوجوه التى يتفاضل بها الكلام، فعلينا أن نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء، وما هو أطلق منه ألفاظا، وأشد اختصارا فى المعانى، وأبلغ أداء وعبارة، وأشكل سجعا، فإن لم ترضوا بذلك، فإنا نطالبكم بمثل الذى تطالبونا به) ويقول: (وأيم الله، وأقسم بالله لو وجب أن يكون كتاب حجة، لكانت كتب أصول الهندسة والمجسطى (كتاب الفلك تأليف بطليموس) الذى يؤدى إلى معرفة حركات الفلك والكواكب، وكتب المنطق، وكتب الطب التى فيها علوم مصلحة الأبدان، أولى بالحجة مما لا يفيد نفعا ولا ضراً، ولا يكشف مستورا (يعنى القرآن الكريم) ويقول أيضا: (من ذا يعجز عن تأليف الخرافات بلا بيان ولا برهان إلا دعاوى أن ذلك حجة، وهذا باب إذا دعا إليه الخصم سلمناه وتركناه وما قد حل به من سكرة الغفلة والهوى، مع أننا نأتيه بأفضل منه من الشعر الجيد، والخطب البليغة، والرسائل البديعة مما هو أفصح وأطلق وأسجع منه، وهذه معانى تفاضل الكلام فى ذاته، فأما تفاضل الكلام على الكتاب فلأمور كثيرة فيها منافع كثيرة، وليس فى القرآن شىء من ذلك الفضل، إنما هو فى باب الكلام، والقرآن خلو من هذه التى ذكرناها)..
لولا أن ناقل الكفر ليس بكافر، ولولا أن كشف ما يفعله المستشرقون يستلزم تقديم نماذج مما يقولون وما يستندون إليه من كتابات الزنادقة المسلمين، لما وجدت فى نفسى الجرأة على كتابة مثل هذا الكلام السافل، وتعالى الله عما يصفون.
***
ولكن مسيلمة الكذاب وابن المقفع، والرازى، يضاف إليهم قسطا بن لوقا (820- 912) يقول ابن أبى أصيبعة عنه فى كتابه (عيون الأنباء فى طبقات الأطباء): قسطا بن لوقا البعلبكى قال سليمان بن حسان إنه طبيب حاذق، نبيل، فيلسوف، منجم، عالم بالهندسة والحساب. وكان فى أيام المقتدر بالله.. ونقل كتبا كثيرة من كتب اليونانيين إلى اللغة العربية، وكان جيد النقل، فصيحا باللسان اليونانى والسريانى والعربى، وأصلح نقولا كثيرة، وأصله يونانى، وله رسائل كثيرة فى صناعة الطب وغيرها، وكان حسن العبارة، جيد القريحة، وكتب أبو عيسى يحى بن المنجم إلى قسطا بن لوقا، وحنين بن اسحاق، رسالة فى إثبات نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) فكيف كان ردّ قسطا بن لوقا على هذه الرسالة؟ لقد سعى إلى التشكيك فى أسس الإسلام، متهكما على نظرية إعجاز القرآن، مهاجما لغة الوحى، طاعنا فى صحة الإسلام، يقارن قسطا بن لوقا بين النص القرآنى من ناحية، وشعر هوميروس من ناحية أخرى، فى محاولة للتشكيك فى إعجاز القرآن، ويقول: (ولما كان لهوميروس قدرة على تأليف الشعر، ولا يمكن لأحد أن يأتى بمثل شعر هوميروس، يكون هوميروس عندك نبيا، سيما وقد أتى فيه بمعان جليلة القدر جدا، ومن أجل الصناعات، حتى ذكر فيه معانى فى الطب عجيبة).. إلى أن يقول: (ولم أر الأمر فى كتابك- القرآن- جاريا على هذا المجرى، فإنك لا ترجع فيه إلى صنعة من الصناعات فيقول من حفظه وفهمه أقصى فهم إن أخباره جعلته فى تلك الصناعة رئيسا، فإنك إن ذكرت الإعراب كان الذى يفاد منه من كتاب سيبويه وغيره من كتب العرب أكثر مما يفاد منه (أى من القرآن) وإن ذكرت الفقه كان الذى يعلم من كتب ابى حنيفة وابن عُليّة وغيرهما من الفقهاء أكثر من الذى يفاد منه (القرآن) وإن ذكرت الشعر والخطب كان الذى يفاد من علمهما من الكتب بهما أكثر من الذى يفاد منه (القرآن) وإن ذكرت الأخبار كان فى التوراة والمسند وغير ذلك من كتب الأخبار أكثر مما فيه (القرآن) ويواصل طعنه فى القرآن فيقول قسطا بن لوقا: (على أنى رأيت قوما يأتون بلفظ من هذا الكتاب (القرآن) ويقيمون لفظا آخر بحذائه، ويقولون لو حصلت هذه اللفظة لكان أحسن وأليق بالمعنى، من ذلك قولهم لو كان مكان قوله (تعالى) والنجم إذا هوى يقول والنجم إذا علا لكان ذلك أقرب إلى المعنى لأن ذلك حلف، ولا يحلف بالنجم فى هويه بل فى أحسن حالاته، أعنى علوه وارتفاعه..
ومثل هذه الأقوال يبحث عنها المستشرقون ليستخدموها فى تعميق الكراهية والعداء للإسلام فى الغرب.
وأكبر شخصية ملحدة فى تاريخ الإسلام هو ابن الراوندى، وقد عاش فى بغداد فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى بين عام 205 وعام 245 هجرية، وكان من متكلمى المعتزلة ثم فارقهم وصار ملحدا زنديقا يلازم أهل الإلحاد فإذا عوقب على ذلك قال: إنما أريد أن أعرف مذاهبهم، ويقال إن اباه كان يهوديا وأسلم، وكان بعض اليهود يقولون لبعض المسلمين: ليفسدن عليكم هذا كتابكم كما أفسد أبوه التوراة علينا، ويقال إنه قال لليهود قولوا إن موسى قال لا نبى بعدى، وكان لا يستقر على مذهب، حتى أنه وضع لليهود كتاب (البصيرة) ردا على الإسلام مقابل أربعمائة درهم أخذها من يهود سامرا، فلما أخذ المال أراد نقض ما فى كتابه هذا حتى أعطوه مائة درهم أخرى، وله كتاب (الزمرد) يبرهن فيه عن إبطال النبوات, وكتاب (الفرند) فى الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتاب (التاج) فى الرد على الموحدين، وكتاب (عبث الحكمة) وكتاب (الدامغ) فى الرد على القرآن، وكتاب (فضيحة المعتزلة).. وتصدى له فلاسفة المعتزلة من أمثال أبى الحسن الخياط، و أبى على الجباتى، والقاضى عبد الجبار.
وقال ابن الراوندى (إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أتى بما كان منافرا للعقول مثل الصلاة، وغسل الجنابة، ورمى الحجارة، والطواف حول بيت لا يسمع ولا يبصر، والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران، وهذا كله لا يقتضيه عقل، فما الفرق بين الصفا والمروة إلا كالفرق بين أبى قبيس وحرى (جبلان فى مكة) وما الطواف بالبيت إلا كالطواف على غيره من البيوت) ويقول: (إن الملائكة الذين أنزلهم الله يوم بدر لنصرة النبى (صلى الله عليه وسلم) بزعمكم، كانوا مغلولى الشوكة، قليلى البطشة على كثرة عددهم واجتماع أيديهم وأيدى المسلمين، فلم يقدروا على أن يقتلوا زيادة على سبعين رجلا.. أين كانت الملائكة يوم أحد لما توارى النبى (صلى الله عليه وسلم) ما بين القتلى فزعا، وما باله ما ينصروه فى ذلك المقام)؟.. ويقول عن القرآن: (إنا نجد فى كلام أكثم الصيفى شيئا أحسن من إنا أعطيناك الكوثر).
وما قاله ابن الراوندى كثير.. ولا أريد أن أنقل كل ما قاله وذكره الدكتور ثابت عيد فى بحثه، أريد فقط أن أدلل على أن صناعة العداء للإسلام كانت من خارج الإسلام، وكانت أيضا من الطابور الخامس الذى كان محسوبا على المسلمين وأساء إلى الإسلام، وأعطى للمستشرقين وأعداء الإسلام فى الخارج ما يحاربون به الإسلام.
وهدفى من ذلك أن أحذر المسلمين لكى ينتبهوا إلى كل كلمة تقال على لسان مسلم أو غير مسلم، ولا يستبعدوا أن يكون فى صفوف المسلمين خائن لربه ودينه..
أما عن ترجمات معانى القرآن التى قام بها المستشرقون الألمان فإن الدكتور ثابت عيد يقول عنها: إنها ترجمات جزئية وليست كاملة لمعانى القرآن، وأحدث وأفضل ترجمة لمستشرق ألمانى لمعانى القرآن هى التى قام بها رودى بارت سنة 1966، ويشير إلى مقال للمستشرق الألمانى أوجست فيشر بعنوان (فى مسألة ترجمات القرآن)، وقد أثبت فيه أنه ليس هناك كتاب عربى له هذا القدر الهائل من الترجمات مثل القرآن وتزداد هذه الترجمات من سنة إلى أخرى، ولكن لم تتم ترجمة معانى القرآن إلى اللغات الأخرى ترجمة دقيقة وصادقة لصعوبة نقل هذه المعانى إلى لغات أخرى، وعدم وجود المؤهلين لهذا العمل، وفيشر ينتقد جميع المترجمين الألمان لمعانى القرآن الكريم لأسباب كثيرة من بينها عدم إلمام معظمهم بقواعد النحو العربى وبالأساليب والتعبيرات اللغوية العربية، ولأن غايتهم هى البحث فى القرآن عن عناصر مسيحية ويهودية وتجاهلهم لحقيقة أن هذا القرآن عربى، ويضرب فيشر مثلا على الأخطاء التى وقع فيها المستشرقون الألمان الذين ترجموا معانى القرآن فيقول إنهم لم يفهموا معنى أربع آيات من الآيات الخمس المكونة لسورة (المسد) فقد أخطأوا فى ترجمة معانى أربع آيات، والآية الوحيدة التى نجحوا فى ترجمتها كانت الآية الثالثة (سيصلى نارا ذات لهب).. ومع ذلك فقد لاحظ الدكتور ثابت عيد أن فيشر نفسه وقع فى خطأ فاحش مثل كل المستشرقين، إذ اعتبر القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، ونظر إليه على أنه نص أدبى لا يختلف كثيرا عن النصوص الأدبية فى الشعر والنثر العربى، وبالتالى اعتقد أنه يمكن إخضاعه للتحليل اللغوى والتاريخى والتعامل معه، كما يتم التعامل مع أى نص آخر فى التراث العربى، وعلى ذلك قال إن القرآن يعيبه انعدام النظام فى تركيب وترتيب الآيات وإن السور الطويلة تتكون من آيات غير متجانسة، ونزلت فى أوقات متباينة ومتباعدة، وهذا يجعل مهمة المترجمين أكثر صعوبة!!
هكذا نرى حتى المستشرقين الذين يبدون تفهما للقرآن متفقون مع من لم يفهموه فى أنه ليس نصا إلهيا، وليس من وحى السماء، ويكررون جميعا أنه من تأليف نبى الإسلام صلى الله عليه وسلم، ويعلق ثابت عيد على ذلك بقوله: كيف إذن نستطيع أن نعول على هؤلاء القوم ونأتمنهم على ترجمة القرآن ترجمة صحيحة، إذا كانوا لا يؤمنون أصلا بأنه كتاب سماوى؟.
وينقل ثابت عيد عن المستشرق الألمانى المعاصر كريستوف بيرجل عدم رضاه عن الترجمات التى تمت حتى الآن، ويقول عيد إن كريستوف بيرجل متخصص فى دراسة العلوم الطبية عند العرب، وهو تلميذ عميدة الاستشراق الألمانى الدكتورة أنّا مارى شيمل، ويعتبر من كبار المترجمين الألمان للشعر العربى والآداب الفارسية، وبلغت عبقريته فى الترجمة إلى درجة إتقان ترجمة الشعر العربى والفارسى إلى شعر ألمانى، وقد نال أكثر من جائزة تقديراً لإسهاماته المتميزة فى ترجمة الآداب العربية والفارسية إلى اللغة الألمانية، وفى حوار مع ثابت عيد قال له: إن المستشرقين الألمان لم يتمكنوا من ترجمة معانى القرآن ترجمة دقيقة يمكن الاعتماد عليها، ولذلك فهو يضطر إلى ترجمة الآيات القرآنية التى يحتاج إليها بنفسه ، وإن كانت ترجمة رودى بارت جيدة إلا أن أسلوبها ردىء لا يرقى بأى حال إلى الأسلوب الإعجازى للقرآن..
***
ومع ذلك فإن ترجمة رودى بارت تحظى باحترام كبير فى معاهد الاستشراق فى أوربا ويعتبرونها أفضل ترجمة ألمانية لمعانى القرآن، وقد ظهرت هذه الترجمة فى مجلدين، أولهما يتضمن ترجمة النص القرآنى صدر عـــــام 1966، والثانى يتضمن تعليقات وفهارس وصدر عام 1971، ولكن رودى بارت عاد فى عام 1974 ونشر مقالا بعنوان (البحوث القرآنية) أشار فيه إلى أنه كرس الجزء الأكبر من حياته العلمية فى دراسة القرآن وترجمة معانيه إلى اللغة الألمانية، وأنه قرأ ترجمة ريتشارد بيل الإنجليزية لمعانى القرآن التى ظهرت سنة 1937، وعلى ترجمة بلا شير الفرنسية التى نشرت عام 1949، واطلع اطلاعاً وافيا على تفسير الطبرى فى أجزائه الثلاثين المطبوع فى القاهرة عام 1903، فى عشرة مجلدات وعلى تفسير الزمخشرى فى أربعة مجلدات الصادر فى القاهرة عام 1953، وكذلك رجع فى بعض المواضع إلى تفسير البيضاوى-فى مجلدين طبعة ليبزج سنة 1846، وأنه فى منتهى الحرص والحذر وهو يرجع إلى هذه الكتب، على عكس المترجمين الآخرين الذين نقلوا بعض التفسيرات الغامضة، وأنه كان على وعى بضرورة ترجمة النص بمعناه الذى أخبر به محمد (صلى الله عليه وسلم)، كما أنه حرص على تفسير القرآن بالاستعانة بالقرآن ذاته، ومع ذلك فإنه يعترف بأنه وقع فى بعض الأخطاء فى ترجمته لمعانى القرآن.
ويعلق ثابت عيد على ذلك بأن رودى بارت عبقرى، ولكن ماذا تنفعنا عبقريته إذا كان لا يؤمن أصلا بصحة ما يترجمه وإذا كان همه الأكبر إثبات أن محمدا صلى الله عليه وسلم سرق هذا وذاك من النصارى واليهود، وإذا كان يتعامل مع القرآن كما يتعامل مع أى نص أدبى، وقد ظهر ما يخفيه فى ضميره دون أن يدرى حين قال: (إن السورة الثانية (البقرة) تتحدث فى الآيات من 67 حتى 73 عن ذبح بقرة، ويبدو أن الآيات من -67 حتى 71 مطابقة تماما لما ورد فى التوراة فى السفر الرابع-إصحاح موسى -19الآيات 1-10، بينما الآيتان التاليتــــان (72-73) تلميحا لما فى السفر الخامس-إصحاح موسى -21الآيات 1-9.. أما الآية رقم 71 فهى تنتهى إلى أن البقرة الوارد وصفها بدقة قد ذبحها أتباع موسى.
ولا يملك الإنسان إلا أن يتفق مع ما توصل إليه ثابت عيد من أن ترجمة معانى القرآن إلى اللغات الأجنبية يستحيل على غير المسلمين أن يقوموا بها بدقة.. وقد أخطأ رودى بارت فيما يتعلق بوصف النبى صلى الله عليه وسلم بأنه النبى الأمى، ولأن المستشرقين يدعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو مؤلف القرآن، فهم يرون أنه لابد أن يكون متقنًا للقراءة والكتابة، ولذلك جاءت قريحة رودى بارت بترجمة كلمة (الأمى) إلى كلمة (الوثنى) أو (الكافر) وهكذا يحرفون الكلم عن مواضعه كذلك فعل رودى بارت بلفظ (الجهاد) الذى يعرّفه الجرجانى فى كتابه (التعريفات) فيقول (الجهاد هو الدعاء إلى الدين الحق) إلا أن الأوربيين مازالوا مصممين على أن الجهاد يعنى الحرب المقدسة، وحتى رودى بارت-الذى يعتبر أكثر المترجمين دقة-ترجم لفظ الجهاد إلى لفظ الحرب.. وهكذا.. فإن الترجمة التى تعتبر أفضل ترجمة لمعانى القرآن تتضمن طعنا فى الإسلام وتشكك فى قواعده وأصوله..
ولم تظهر ترجمة صحيحة باللغة الألمانية لمعانى القرآن إلا ترجمة دار بافاريا للنشر والإعلام فى مدينة ميونخ التى استغرق إعدادها عشر سنوات وأصبحت أول ترجمة ألمانية وافية وصحيحة أعدتها لجنة من عشرة مترجمين خمسة عرب وخمسة ألمان، وتتميز بأنها تضم ترجمة النص وترجمة تفسيره أيضا.
***
وما حدث ويحدث فى ألمانيا يحدث فى كل دول أوربا، وفى الولايات المتحدة وفى الغرب عموما، ويكفى أن تقرأ كتاب الدكتورة زينب عبد العزيز الأستاذة الجامعية المعروفة المتخصصة فى دراسة الحضارة وقد أتمت كل مراحل تعليمها باللغة الفرنسية، وكتابها بعنوان (محاصرة وإبادة موقف الغرب من الإسلام) لنرى كيف تتم صناعة العداء للإسلام من النصوص التى تستشهد بها مثل ميشيل لونج الذى كتب يقول: إن الكنيسة تعتبر المسيح خاتم الرسالة لذلك فهى لا تعترف بنبى الإسلام ومثل موريس بوكاى الذى كتب فى مقدمة كتابه (الإنجيل القرآن والعلم)، يقول (إن المسيحية لا تأخذ فى الاعتبار أية ديانة بعد المسيح ورسله، وبذلك تستبعد القرآن، ومثل الفيلسوف الفرنسى بونو دى كونديلاك الذى قال فى كتابه (التاريخ الحديث) عن نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم : (لقد كوّن مشروعه بمحض الصدفة، وسانده بفضل جرأة احتياله، واستطاع أن يتمه لأن الظروف ساعدته على ذلك، فقد كان مصابا بالصرع، وذات يوم فاجأته زوجته (كاديج) فى إحدى النوبات وتخيلت أنه فى حالة وجد.. واستغل محمد (صلى الله عليه وسلم) سذاجتها وأكد لها أنه يرى الرؤيا وأن الله يحدّثه خلالها عن طريق الملاك جبريل، وقامت (كاديج) بنقل ذلك إلى نساء أخريات معلنة أن زوجها نبى، وانتشر الخبر، وتراكمت النبوءات مع تراكم الكلام وتزايده، فقامت الجماهير باتباع ذلك الرجل المهم الذى أقنعهم بسخاء خياله، وقد صدر هذا العام (( عام 1767)).
وقبل ذلك قال الأب لويس موريرى فى (القاموس التاريخى الكبير) سنة 1674: (محمد نبى مزيف، عربى الموطن، ولد عام 571، فقد والديه وهو طفل، وقام عمه أبو طالب بتربيته، ودفعه الفقر إلى أن يخدم عند أحد التجار العرب، وعند وفاة هذا التاجر قام بإمتاع أرملته (كاديج) لدرجة أنه تزوجها، وأصبح وريثها الوحيد، فاستخدم أموالها فى خدمة طموحاته.. وبعد ذلك شارك كل من باتيراس وهو هرطقى يعقوبى، والأب سرجيوس، وهو راهب نسطورى، وعاونه بعض اليهود على تجميع قرآنه، وبذلك أصبح دينه مكونا جزئيا من اليهودية، وجزءا آخر من أحلام هرطقية واستسهالات جنسية لطبيعة منحرفة.. وقامت جماعة من اللصوص الذين لا يعرفون الله ولا الدين باعتناق هذه الديانة).
والأديب الفرنسى بيير بيل كتب سنة 1697 فى (القاموس التاريخى والنقدى قائلا عن الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الملاك جبريل قد علمه وصفة (الطبيخ) التى تمنحه قوة فائقة للاستمتاع بالنساء.. وكان يتباهى بأن وصفة هذا (الطبيخ) تقوى الكلى، وعندما أكل منها أول مرة كان من القوة بحيث هزم أربعين رجلا، ومرة أخرى ضاجع أربعين امرأة دون أن يتعب).. وهذا ما قاله عالم الإنسانيات الفرنسى دومنيك بودييه فى سنة 1632 فى كتابه (التاريخ العام للأتراك): (إن المعجزات من علامات الأنبياء.. وبما أن محمدا لم يكن بوسعه أن يقدم للناس ما يؤكد معجزاته، فقد استعان بالخدع والخرافة ليسوق أفكار شعبه الفظ الجاهل ويفرضها على كل العرب، وفى محاولة منه لاستتباب المشرع بمعجزات جديدة كان يجمع الشعب فى الميدان العام ليكون شاهدا على أن روح الله ينزل عليه، وبينما هو منساق فى اختراع الأقاصيص الجديدة، كانت هناك حمامة مدربة تطير من مكان ما قرب منكبيه وتلتقط الحب الذى كان يضعه لها فى فتحة أذنه موهما العرب بذلك أنها كانت تملى عليه إرادة الله وكلمات شريعته).
هل يمكن أن يصدق إنسان عاقل مثل هذه الخرافات، ولكن ما حدث أن كثيرا من الأوربيين صدقوها ضمن الحملة على الإسلام وكتابه ونبيه.. وفى كتاب الدكتورة زينب عبد العزيز مئات من النصوص والإشارات إلى كتب ومراجع من هذا النوع منذ القرن السادس الميلادى حتى اليوم.. وحتى اللورد كرومر فى كتابه (مصر الحديثة) سنة 1908 قال: (إن القرآن هو المسئول عن تأخر مصر فى مضمار الحضارة الحديثة). وذلك ما اتبعه المستشرق الفرنسى المشهور جاك بيرك فى ترجمته للقرآن التى صدرت عام 1990.
***
والحقيقة أن ما جاء فى دراسة الدكتورة زينب عبد العزيز لترجمة جاك بيرك لمعانى القرآن إلى الفرنسية يعتبر مفاجأة للعرب وللمسلمين، لأن جاك بيرك معروف عند الباحثين العرب والمسلمين بأنه منصف للعرب وللمسلمين، حتى أنه حصل على عضوية مجمع اللغة العربية فى مصر، وهذه الترجمة استغرقت ما يزيد على عشر سنوات على حد قوله، وهو يقول إنه أقدم على ترجمة معانى القرآن لأنه لاحظ أن كثيرا من الناس والمفكرين ينبذون الآن الصورة المادية للحياة المعاصرة، ويرفضون المجتمع الاستهلاكى، هذا المجتمع المادى المحض، ويفضلون مدينة الإسلام الروحية على المدينة المعاصرة وينادون بالعودة إليها. فكأنه أراد بهذه الترجمة الحد من هذه الموجة الآخذة فى الانتشار فى الانجذاب إلى الإسلام.
وتلخص الدكتورة زينب عبد العزيز المحاور الأساسية التى تناولها فى المقدمة ومنها:
* التشكيك فى نزول وترتيب وتجميع القرآن.
* تأثر القرآن بالشعر الجاهلى، وبالفكر اليونانى القديم.
* تأثر القرآن بمزامير داود.
* احتواء القرآن على أساطير ترى التاريخ سلسلة من الكوارث.
* فظاظة صورة الله كما هى واردة فى القرآن.
* غموض التعبير فى الأحكام مما سمح للمفسرين بحرية التصرف وكانت النتيجة أن كل مذهب غير مقبول من المذاهب الأخرى.
* تناقض الشريعة التى جاء بها القرآن مما أدى إلى ظهور الجماعات الإسلامية وإلى القول بعدم فصل الدين عن السياسة.
* ضرب العلمانية الحديثة.
* إثارة قضية خلق القرآن التى تحولت إلى فتنة بين المسلمين.
* تحريف القرآن للأساطير.
* اتهام المفسرين بإلغاء بعض الآيات أو تحريف معناها.
* وجود تشابه بين مفهوم الله فى القرآن ومفهوم الله فى الفكر اليونانى، وخاصة بارمنيدس، وتأثر القرآن بأصداء القانون المدنى وتقنين الكنيسة السورية، والأخذ من الميراث الجاهلى وميراث اليونانيين بعد أن فرض على كل منهما تعديلات استعلائية صارمة.
* إن مشكلة الإسلام اليوم الانفصال بين العقيدة ومسيرة العالم الفعلية، بل مسيرة العالم الإسلامى نفسه، فالإسلام يلجأ إلى الأصول ولا ينقلها إلى الحاضر، و(الذكى) الحقيقى هو الذى يحول الذكرى إلى مستقبل، وهى عملية خلاقة تدمج العصرية بالأصالة لمواجهة التجديدات التى يجب على كل نظام فى العالم الحالى أن يقترح الحلول الممكنة لها، فالثورة التكنولوجية والعلمية تتعدى مراحل لم تصل إليها من قبل، وانعكاسات هذه الثورة على التصرفات الفردية والجماعية، والتوحد المتزايد للكرة الأرضية والتحديات الناتجة عنه، بالإضافة إلى متطلبات جماهير العالم الثالث فى مجال الحريات، وحقوق الإنسان، والرفاهية.
***
جاك بيرك ترجم سورة (الإسراء) فجعلها (المسيرة الليلية) وأضاف إلى هذا العنوان عنوانا آخر هو (أو أبناء إسرائيل). وهذا- طبعا- غير وارد فى المصاحف. وترجم اسم سورة (غافر) إلى (المؤمن أو المتسامح)، وسورة (النصر) ترجمها إلى (النجدة المنتصرة). ولم يستخدم كلمة (النصر) الفرنسية أبدا رغم أنها تكررت فى القرآن ما يقرب من مائة مرة، وكأنه يأبى كتابه النصر للإسلام أو كتابة أن الإسلام انتصر. وسورة (الفتح) ترجمها بما معناه (أن كل شىء ينفتح)، وسورة (الروم) ترجمها باسم (روما) عاصمة إيطاليا! وسورة (المُلك) ترجمها بكلمة تعنى (الملكية) علما بأن كلمة المُلك بمعنى ملكوت الله موجودة فى اللغة الفرنسية ومستخدمة فى العهد القديم والعهد الجديد فى الإنجيل. وسورة (التكاثر) ترجمها إلى ما معناه (التنافس عن طريق العدد).
تقول الدكتورة زينب عبد العزيز إنه لا يمكن أن تكون هذه الأخطاء صدرت عن المستشرق الكبير جاك بيرك بدون قصد فهذا مستبعد لمن كان فى مثل مكانته العلمية، والتفسير الوحيد لذلك أنه تم بسوء قصد بدليل أنه أصر على ترجمة كلمة (الرسول) ومعناها فى القرآن النبى صلى الله عليه وسلم فلم يستخدم كلمة النبى ليبعد عن ذهن القارئ معنى النبوة واستخدم كلمة معناها (المرسل) أو المرسال. ولم يستخدم كلمة مسجد ولها مقابل بالفرنسية معروف واستخدم كلمة تعنى جزءا من الكنيسة حول المذبح تتم فيه المراسم الطقسية. وقد تعنى مكانا مقدسا بصفة عامة، كما استخدم كلمة أخرى مشتقة من اللاتينية معناها (كنيسة صغيرة تستخدمها جماعة معينة. وبهذه المعانى ترجم (المسجد الحرام). وترجم إسراء الرسول إلى المسجد الأقصى بأنه إسراء فى لحظة من الليل إلى (النهائى) لكيلا يربط القدس بالإسلام!
وجاك بيرك يعرف اللغة العربية جيدا، بل هو ضليع فى اللغة العربية، ويعرف معنى كل كلمة بمنتهى الدقة، فكيف يترجم كلمة (الألباب) إلى كلمة (النخاع) فى الفرنسية وهو يعلم أن وقعها فى الترجمة يثير السخرية لدى القارئ الفرنسى، ومع أن كلمة (الألباب) وردت فى القرآن ست عشرة مرة إلا أنه لم يترجمها بمعناها المقصود أو المنطقى والذى يعنى (ذوى العقول) أو (ذوى الأفهام). وكيف يترجم (إن الله لا يخلف الميعاد) فلا يقول إن (الميعاد) هو وعد الله أو وعيده ولكن يترجمها بكلمة (راندفو). وحذف من سورة آل عمران فى الآية قوله تعالى: (وأنزل التوراة والإنجيل) فلم يذكر هذه العبارة وتوقف عند منتصف الآية الرابعة عند قوله تعالى (وأنزل الفرقان).
أما أسلوبه فى وصف الله فقد ترجم ما ورد منه فى القرآن بكلمات معناها أن القرآن يشير بروعة مرعبة إلى الذعر الذى سيصيبكم أمام الحاكم (ويقصد الله) وهاهى ذى القشعريرة تسرى فى أبدانكم عند مجرد ذكر اسمه. وتناول مضمون الآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) إلى ما معناه: (أن الله يمحو ويبدل ويؤكد النبوءات وفقا لهواه) ويترجم (لكل أجل كتاب) بما يفهم منه أن القرآن هو المقصود وأن القرآن له أجل، وينسب هذا المعنى زورا إلى أبى بكر الصديق ويضع فى الهامش أن مصدره فى ذلك الطبرى فى المجلد 13 صفحة 111 السطر 14 وهو متأكد أن هذا التزوير لن يكتشفه أحد ولن يرجع أحد إلى المرجع الأصلى للتأكد منه:
وتشير الدكتورة زينب عبد العزيز إلى أن ترجمة جاك بيرك بما فيها من تحريف وتشويه وإساءة ليست الوحيدة وقد صدرت بعدها ترجمتان إلى اللغة الفرنسية، وتطالب بتشكيل لجنة لترجمة القرآن لأن هذا العمل يفوق قدرة فرد مهما يكن علمه، لأن هذا المشروع يحتاج إلى خبرات وتخصصات متعددة فى اللغة والنحو، والتاريخ، والسيرة، والفقه، والأصول وغيرها..وما نقلته عما صدر من ترجمات القرآن ليس إلا قطرة من بحر.. هناك ما يفوق الحصر من الأخطاء والتشويه للقرآن والإسلام وللرسول عليه الصلاة والسلام.
***
وأرجو أن يتفهم القارئ أنى نقلت بعض ما قيل عن الإسلام والرسول ولم أنقل كل ما قيل، وما لم أذكره مما لا يطاق ولا يقبله ضمير المسلم، ولكن فقط أردت أن أوجه لطمة على وجه من يقولون بأنه ليس هناك عداء للإسلام فى الغرب لعلهم يفيقون، وأردت أيضاً أن أوجه لطمة للمسئولين عن الدفاع عن الإسلام لكى يشعروا بمدى التقصير فى حق الإسلام الذى ارتكبوه، ولأقول إن مئات الملايين من الدولارات التى أنفقت على هذا الجيش من العلماء ذهبت هدرا.
وأخيرا أرجو أن تتذكروا أن ناقل الكفر ليس بكافر.
وفى كل سطر نقلته كنت أستغفر الله.
وعسى أن يفيق المسلمون من غفوتهم ويفهموا حقيقة وأبعاد ما يقال عنهم وعن دينهم فى الماضى والحاضر.. على الأقل لكى يتحركوا لحماية المستقبل قبل أن يضيع منهم.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف