فتوى ضد الإسلام
 صناعة العداء للإسلام فى نفوس الشعوب الغربية وقادتها تتم بإتقان يفوق إتقان الغرب فى صناعة منتجاته التكنولوجية الحديثة، وصناعة الكراهية تبدو صناعة كبيرة تستخدم كل وسائل التأثير والاقناع العاطفى والمنطقى، وتعمل بإلحاح على إثارة مشاعر الكراهية والخوف معا من الإسلام والمسلمين.

فى فرنسا صدر كتاب بعنوان (فتوى ضد الغرب) مؤلفه رولاند جاكار وهو كاتب معروف له العديد من الكتب السياسية مثل: (الخرائط السرية لحرب الخليج) و(نهاية الإمبراطورية الحمراء) و(كارلوس: الملف السرى) و(من واشنطن إلى كلينتون) وهو أيضاً رئيس المركز الدولى لرصد الإرهاب فى باريس، والقضية الأساسية للكتاب هى التأكيد على مدى خطورة تغلغل الإسلام المتطرف فى الدول الأوروبية، وبالذات شبكة الإرهاب الجزائرى التى يكرر القول بأنها أكبر خطر على فرنسا، ويصور رولاند جاكار حال فرنسا عندما يصل المسلمون المتطرفون فى الجزائر إلى السلطة، ويبدأون تنفيذ سيناريو الحرب على الفرنسيين، ويدعى أنهم يرون أن رسالتهم المقدسة الحرب على الكفار، وهذه الحرب لن تكون مستحيلة، بل لن تكون صعبة، إذ يكفى أن يطلق هؤلاء المسلمون صاروخا على ميناء مارسيليا فيقتل ويصيب عشرات من الفرنسيين.

 والغريب أن المؤلف يؤكد أن وزارات الدفاع والخارجية والداخلية الفرنسية قامت بدراسة العديد من السيناريوهات المشابهة، وهناك مخاوف من أن تنجح محاولات الإسلاميين للحصول على السلاح النووى، ويشير إلى ما ذكره أبو حمزة المصرى الذى يعتبره أحد المنظرين الأيديولوجيين للجماعات الإسلامية المسلحة، وهو مقيم فى لندن وحصل على حق اللجوء من الحكومة البريطانية، وقد قال فى حديث لمجلة أنصار الشريعة: (إذا كانت الحرب النووية هى الوسيلة الوحيدة للدفاع عن المسلمين، ففى هذه الحالة يجب شن هذه الحرب، والإسلام يبرر هذا العمل عند الضرورة كما يبيح أكل لحم الخنزير فى حالة المجاعة).

يقول المؤلف: إن الدول الغربية تأخذ موضوع (الخطر النووى الإسلامى) بجدية شديدة خاصة بعد إعلان باكستان عن تجربتها النووية، ويقول إن هذا الخطر دفع بريطانيا وفرنسا إلى تصنيع صاروخ جديد جو - أرض اسمه (سكالب) سيتم إنتاجه قريبا، وهذا الصاروخ يتم توجيهه عن طريق الأقمار الصناعية لضرب الأهداف المحددة له، ويكرر المؤلف أن امتلاك السلاح النووى هو الشغل الشاغل عند قادة التطرف الإسلامى.. ويقول أيضا إن زعيم الإرهاب الدولى أسامة بن لادن قام بتمويل عشرات الطلبة المسلمين لدراسة الهندسة النووية فى الجامعات الكبرى فى العالم بهدف التوصل إلى تصنيع سلاح نووى صغير.

ويتحدث جاكار عن مناخ الإرهاب فى العالم الإسلامى ويبدأ بنموذج الجزائر فيقول: إنها عانت من خلل اقتصادى منذ خروج الاحتلال الفرنسى منها، وفشلت تجربتها الاشتراكية بعد الاستقلال، فلجأت منذ عام 1986 إلى الإسلام، وتبنى الجزائريون الميثاق الوطنى الذى يؤسس الاقتصاد الليبرالى ويجعل المرجعية للإسلام، وفى عام 1989 صدر فى الجزائر دستور جديد يقر التعددية السياسية، ويعلن السعى إلى بناء الديمقراطية، وفى أول انتخابات بلدية فى ظل هذا الدستور الجديد حققت جبهة الإنقاذ الإسلامية انتصارا كبيرا، ثم فازت فى الدور الأول فى الانتخابات التشريعية التى أجريت فى 26 ديسمبر 1991، وكان من المتوقع أن تحصل الجبهة على الأغلبية فى انتخابات الإعادة أيضاً.. وكان مقرراً لها يناير 1992، ولكن الجيش تدخل وألغى نتائج الانتخابات، وتم تشكيل المجلس الأعلى للدولة فى مارس 1992 واختار على كافى رئيساً له، وبعدها بدأت مرحلة الاضطراب التى لم يشهد تاريخ الجزائر مثلها منذ حرب التحرير، وفى هذه الحرب الأهلية دخلت الجزائر دائرة العنف التى تسببت فى مقتل عدد لا يقل عن 60 ألف شخص، وفقا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية، وانتشرت الفوضى وأعمال القتل التى تقوم بها الجماعات الإسلامية فى داخل الجزائر، وانتقلت إلى الجالية الإسلامية الجزائرية التى تعيش فى فرنسا والتى يبلغ تعدادها ثلاثة ملايين مسلم، وهذه الجالية الإسلامية - كما يقول المؤلف - هى الأرض الخصبة للجماعات المتطرفة لنشر أفكارها بينهم، وتجنيد العديد من المسلمين فى صفوفها.

***

ثم ينتقل المؤلف إلى النموذج الإسلامى فى أفغانستان فيقول إن السوفييت عندما قرروا اجتياح أفغانستان فى 27 ديسمبر 1979، كان هذا الغزو هو إشارة للعالم الإسلامى للتحرك وتنفيذ أكبر حملة عالمية للتعبئة، وتجنيد المتطوعين من جميع الدول الإسلامية للقتال ضد السوفييت فى أفغانستان، وأسفرت هذه الحملة عن تشكيل (الفيلق الإسلامى العالمى) الذى استطاع إلحاق الهزيمة بالجيش الأحمر، وانتهى الأمر بانسحاب الاحتلال السوفييتى تاركا العاصمة كابول فى حالة من الفوضى والبلبلة، وبعد عقد من الزمان قضاه هؤلاء المقاتلون المتطوعون فى الحرب ضد السوفييت باسم الإسلام ودفاعا عن العقيدة، كانوا قد أصبحوا على درجة عالية من الكفاءة القتالية فى حرب العصابات فى الجبال، وفى القرى والمدن، وأطلق عليهم اسم (الأفغان العرب)، وكان قد تم اختراقهم من الدول الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة، وبعد أن انتهت المهمة التى جندتهم أمريكا لها بالقتال ضد السوفييت، أصبحوا إرهابيين إسلاميين، وأداروا أسلحتهم فى اتجاه الغرب، وبعد أن كانوا شركاء للغرب فى تحقيق أهدافه ومخططاته لمدة عشر سنوات، أصبحوا يهددون الأمن والسلام فى العالم بممارستهم لأعمال العنف وقيامهم بعمليات إرهابية.

***

ثم ينتقل المؤلف إلى البوسنة، فيقول إنه فى عام 1992 بدأ الإسلاميون فى القيام بالدور الذى قاموا به من قبل فى أفغانستان، حيث وجه زعماء الأصولية الإسلامية الدعوة إلى (سائر المؤمنين) لخوض حرب مقدسة جديدة، مع فارق كبير، هو أن الحرب كانت هذه المرة فى قلب أوروبا وليست فى آسيا مثل حرب أفغانستان أو فى أفريقيا مثل حرب الجزائر. وبدأت كتائب الإسلاميين تضع قواعدها فى البوسنة، ويعتمد المؤلف على ما سمعه من بعض المصادر العربية من أن المسئول عن إنشاء فيلق وكتائب المؤمنين فى البوسنة هو القائد الأفغانى قلب الدين حكمتيار زعيم أحد الأحزاب الإسلامية، وفى شهر أغسطس 1992 كان هذا الفيلق تحت قيادة ضابط إيرانى سابق اسمه أحمد صهيب، وتم تأمين الفيلق عسكريا ببعض الجزائريين الأفغان، وبدأ المجاهدون الإسلاميون يتسربون إلى البوسنة، ويدربون عناصر جديدة على السلاح، وأصبح جيشهم هو الجيش الثالث فى البوسنة، والجزء الأكبر فيه يتكون من المتطوعين الإيرانيين التابعين للقوات الخاصة الإيرانية، ومن الأتراك، ومن الأفغان العرب، وبعض متطوعين من الإخوان المسلمين المصريين والباكستانيين.. وجمع هذا الفيلق أيضاً عناصر من مقاتلى حزب الله فى لبنان، وحركة حماس الفلسطينية، وعناصر من معسكرات الملياردير السعودى أسامة بن لادن، وبعد توقيع اتفاق دايتون لم يغادر هؤلاء المقاتلون أوروبا ليعودوا إلى بلادهم كما حدث بالنسبة للمقاتلين فى أفغانستان، وبقى عدد كبير منهم مقيما فى أوروبا ليشكلوا نواة التطرف التى تهدد الغرب.

ويتحدث المؤلف عن وجود منظمة إسلامية دولية لا مركزية تمثل شبكة تخضع لتوجيه قيادات دينية إسلامية لها تأثير بالغ على أتباعها، وهذه المنظمة معادية للغرب، وتعارض عملية السلام فى الشرق الأوسط، وعمليات الجهاد فى أفغانستان والبوسنة تتلقى الدعم والتمويل من هذه الشبكة الإسلامية الدولية ومن البنوك الإسلامية، وهذه الشبكة هى التى تجند وتدرب عناصر جديدة وتدفع بها للجهاد هنا وهناك، ويقول المؤلف تعليقا على أن الإرهاب الإسلامى أكثر تطورا وتحديدا لأهدافه من المنظمات الإرهابية الدولية التى تنتمى إلى اليسار المتطرف التى اختفت، إذ يركز الإرهاب الإسلامى على مطالب سياسية أولها (إقامة نظام إسلامى) وفى مقدمة هؤلاء حسن الترابى زعيم الجبهة الوطنية الإسلامية فى السودان الذى كان يدعو إلى (أسلمة) المجتمعات الإسلامية بأن تكون العلوم والفنون وأوجه الحياة كلها إسلامية، وبإقامة نظام سياسى إسلامى عالمى، ويليه الشيخ عمر عبد الرحمن الذى رحل إلى الولايات المتحدة، وكان يشرف على إدارة مسجد فى بروكلين، ثم اتهم بالتورط فى الإرهاب فى أعقاب الهجوم الأول على مركز التجارة العالمى فى نيويورك، وقبل ذلك سبق اتهامه بالتحريض على اغتيال الرئيس المصرى الراحل أنور السادات، ولم تثبت للعدالة المصرية إدانته. ويذكر المؤلف من بين القادة الدينيين الذين يملكون القدرة على تعبئة المجتمع الإسلامى الشيخ عبد الله الهرارى المشهور باسم الحبشى الذى يقيم فى منفاه فى لبنان بعد هروبه من أثيوبيا، وهو المرشد الروحى للمسلمين فى أثيوبيا. ويضيف المؤلف إلى قائمة الزعامات الدينية المؤثرة الزعيم الأفغانى قلب الدين حكمتيار رئيس حزب إسلامى فى أفغانستان كان يتلقى الدعم من المخابرات الباكستانية خلال فترة الاحتلال السوفيتى لأفغانستان ، وأصبح فى عام 1995 رئيسا للوزراء فى أفغانستان. ويقول المؤلف إن حزب حكمتيار يقوم بتدريب المجاهدين الإسلاميين القادمين من الجزائر وأوروبا، ويتهم المؤلف الزعيم الروحى للشيعة فى لبنان الشيخ محمد حسين فضل الله، والشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة الإسلامية فى تونس، ويقول إنه ينتمى إلى أسرة لها تأثيرها فى المغرب العربى. كما أن له علاقات وثيقة بزعماء جبهة الإنقاذ الإسلامية فى الجزائر.

وبعد أن يتحدث باستفاضة عن دور الزعماء الدينيين فى تشكيل وتوجيه وإدارة المنظمات الإسلامية الأصولية (المتطرفة) عبر العالم، يتحدث عن تمويل هذه الحركات والمنظمات الإسلامية، فيقول إن البنوك الإسلامية تقوم بالدور الأكبر كمصدر لتمويلها، ويقول إن هذه البنوك ظهرت إلى الوجود فى عام 1969 مع ارتفاع أسعار البترول الخام تعبيرا عن رغبة الدول المنتجة للبترول فى إيجاد وسيلة لإعادة توظيف ما لديها من بترو دولارات فى الاقتصاد العالمى، فقررت إنشاء نظام مصرفى مؤثر ومختلف عن النمط السائد للبنوك الغربية، وبعد ذلك بدأت هذه البنوك فى تقديم المعونات لنشر الدعوة الإسلامية، وتوسيع نطاق نظام اقتصادى إسلامى جديد مختلف عن النظام الاقتصادى الغربى، وأصبح أحد هذه البنوك وهو بنك التضامن الإسلامى بالسودان أحد أهم عشرة بنوك فى العالم، ثم انتشرت البنوك الإسلامية خلال عقد الثمانينات فى أكثر من 20 بلدًا عبر العالم من بينها سويسرا، ولكسمبرج، وماليزيا، وتركيا، والسودان، وتونس، وجزر البهاما، وغيرها من الدول فى أرجاء العالم.

وما يثير اهتمامنا بمثل هذه الكتب أنها تلقى رواجا واهتماما، ولها تأثير بالغ فى تشكيل رؤية الغرب للإسلام والمسلمين.

وهى رؤية سلبية لا ترى فى الإسلام شيئاً يستحق القبول.

***

وفى فرنسا أيضاً نشرت مجلة الاكسبريس مقالا مطولا يوم 13 سبتمبر 2001 فى أعقاب الهجوم على برجى مركز التجارة العالمى ووزارة الدفاع الأمريكية، كتبه دنيس جامبار والين لويو بعنوان (الحرب ضد الغرب) ويقول المقال إن الاعتداءات المروعة التى وقعت فى الولايات المتحدة اعتداءات غير مسبوقة، وهى بداية عهد جديد فى تاريخ العالم وتؤكد وجود شرخ بين الحضارات وتطرح مسألة حتمية الرد الأمريكى، فقد بدأت الحرب العالمية الثالثة يوم الثلاثاء 11 سبتمبر فى الساحل الشرقى للولايات المتحدة، وهى حرب عالمية من نوع جديد لم يحدث مثلها من قبل بين الإرهاب الإسلامى والغرب، فلم يكن أحد فى الغرب يعرف الموعد أو المكان الذى سيضرب فيه من نسميهم (المحاربين فى سبيل الله) وقد ظلوا ينتظرون هذه الساعة سنوات طويلة، ويشحذون خلالها أسلحتهم تنفيذا لأمر القرآن لهم: (إن الله مع الصابرين) وفجأة، وفى هذا الصباح المفزع، وخلال دقائق معدودة، اشتعل قلب أمريكا فى مانهاتن، مثلما اشتعل ميناء بيرل هاربور فى الحرب العالمية الثانية، وحدث ذلك بصورة لم تخطر على بال أكثر مخرجى الأفلام المأساوية جنونا وجرأة،وللإنسان أن يتصور أثر ذلك الحادث الذى لم يكن متخيلا ، والذى ظهر فيه عجز أقوى دولة وهى تشاهد انهيار برجى نيويورك وهما رمز الانتصار الأمريكى، كما تنهار قصور الرمال التى يشيدها الأطفال، ولن تنسى أمريكا حالة الخوف والحنق التى اجتاحتها وهى تشاهد فى واشنطن لهيب النيران يلتهم جناحا من مبنى البنتاجون العظيم، وعمدة نيويورك يعلن فى ذهول أن على الأمريكيين أن يصلوا على أرواح هذا العدد المهول من القتلى.

ويقول المقال: إن هذه ليست المرة الأولى التى توجه فيها ضربة لأقوى دولة فى العالم، وتصيب أبراجها. ففى عام 1993 هزت شحنة ناسفة مركز التجارة العالمى ذاته، وكانت المؤامرة مدبرة فى الأحياء الفقيرة التى يسكنها المسلمون فى نيوجرسى، وكانت تلك ضربة للكرامة الأمريكية، وتبين أن الذين قاموا بها مجموعة من المبتدئين المغامرين المغمورين من حوالى عشرة فلسطينيين مسلمين مهاجرين ، من بقايا المجندين فى أفغانستان انقلبوا على أمريكا التى جندتهم ودربتهم، ثم جاء هجوم 11 سبتمبر الذى كانت الكراهية العمياء للغرب هى الدافع إليه، وقد تم التخطيط له بدقة زمنية جهنمية، تدل على أن الإرهاب الإسلامى تحول من عمل ارتجالى إلى استراتيجية للرعب، ففى الساعة الثامنة و 44 دقيقة وقع الانفجار المروع فى قمة أحد برجى مركز التجارة العالمى، وساد اعتقاد فى البداية بأن هذه طائرة تابعة لإحدى شركات الطيران الأمريكية، وأن الانفجار حادث من الحوادث الجوية المؤلمة ناتج عن مشكلة فنية أو عن خطأ بشرى، ولكن بعد 18 دقيقة ارتطمت طائرة بوينج أخرى تابعة لشركة خطوط جوية أمريكية بالبرج الثانى، وبعدها مباشرة علق أحد الطيارين بقوله فى برنامج تليفزيونى، إنه يمكن استخدام طائرة مدنية فى عمل حربى، وسرعان ما أدركت واشنطن أنها حرب شاملة، حيث تم إخلاء البيت الأبيض مقر الرئيس الأمريكى، والبنتاجون مقر وزارة الدفاع، وأعلن الرئيس جورج بوش وهو على متن طائرة السلاح الجوى الأمريكى أن هذه (مأساة وطنية).. وتم إخلاء (قلاع الغرب) مثل البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، وبورصة نيويورك، وحاولت المخابرات الأمريكية وهى مدججة بالمدافع الرشاشة تغطية الكارثة، وأعلنت إحدى شبكات التليفزيون أن أمريكا فى حالة تأهب قصوى، وهذا ما لم يحدث من قبل إلا فى حالة واحدة عندما نشبت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، واجتاح الذعر (ميدان التايمز) واحتشدت جماهير أمام واجهة وكالة رويترر فى مانهاتن، ولم يحدث مثل هذا الحشد أمام شاشات وكالة الأنباء إلا فى عام 1945 عند استسلام اليابان وانتهاء الحرب العالمية الثانية.

ويمضى المقال فى تصوير أثر هذا الهجوم عندما انهار أول برج وبعدها ببضع دقائق انهار البرج الثانى، ثم تحطمت طائرة بوينج تربط خط شيكاغو نيويورك، وبعدها أصابت طائرة بوينج ضخمة من طراز 767 البنتاجون فى الصميم، وتكلم نيوت جرينتش زعيم ثورة المحافظين السابق التى أعلنها عام 1995 فقال إن هذه بيرل هاربور القرن العشرين.

ويكرر المقال الادعاء بأن المسلمين فى كابول وإسلام إباد وأزقة غزة القذرة كانوا يضحكون ويحمدون الله ويرفعون الأعلام، بينما كان الأمريكيون يجهشون بالبكاء أمام صورة الكارثة على شاشات التليفزيون، والجماهير فى دول الغرب يعيشون لحظات من الذهول والتأثر،وبذلك يسعى المقال بخبث إلى تعميق شعور العداء فى الغرب للمسلمين باختلاق واقعة لم تحدث خصوصا بعد أن تكشف أن مشهد الفلسطينيين وهم يرقصون كان مشهدا قديما فى موقف مختلف تأييدا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى. ولكن إحدى شبكات التليفزيون المغرضة أعادت بثه وكأنه تعبير عن فرحة المسلمين بما حدث للأمريكيين، ولم تهتم شبكات التليفزيون بمتابعة الشعور بالصدمة والرفض فى الجماهير الإسلامية لهذا العدوان على المدنيين الأبرياء.

ويدعى المقال أن المسلمين لم تبد عليهم الدهشة لهذه الكارثة، وبدا كأنهم كانوا يتوقعون منذ أعوام أن ينزل العقاب بأمريكا باعتبارها مسئولة عن جميع الآلام التى تسببها للمجتمع الإسلامى.

ويقول المقال إن دراسة أسباب نشأة الأصولية الإسلامية ترجع إلى مشاعر الاحباط التى تجد جذورها فى الماضى البعيد، من الجراح التى خلفتها الحروب الصليبية، والصدمة بعد استيلاء الصليبيين على القدس فى المرة الأولى فى أواخر القرن الحادى عشر ، فضلا عن فقدان العالم الإسلامى لتفوقه تدريجيا ، وصعود الحضارة اليهودية المسيحية، مما أثار الضيق لدى المسلمين خصوصا بعد أن وجدوا أنفسهم مضطرين للاستسلام لهذا التفوق الغربى عليهم، وفى الوقت الذى صعد فيه الغرب إلى القمر ظل العالم العربى الإسلامى مضطرا للاعتماد على الغرب لاستخراج البترول من أرضه، وأدى تزايد قوة إسرائيل وشعور الإحباط بسبب القضية الفلسطينية إلى تزايد الشعور بالإحباط وتحول شعور الإحباط إلى سخط على الغرب وكراهية له، فقد فرضت الدولة اليهودية الصغيرة التى تضم أربعة ملايين نسمة فقط الواقع الذى يعكس فشل العالم الإسلامى، كما فرضت وجودها عسكريا واقتصاديا، وإجمالى الناتج القومى لإسرائيل يساوى إجمالى الناتج القومى الذى يحققه 200 مليون عربى، ويضاف إلى ذلك أن سلسلة الحروب الإسرائيلية العربية وما أسفرت عنه من هجرات ومذابح، ثم حرب الخليج التى خاضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ضد عراق صدام حسين، كل ذلك أدى إلى تعميق الشرخ بين الحضارتين الغربية والإسلامية.

ويضيف المقال أن أهم دوافع كراهية المسلمين للغرب هى التطور الهائل الذى حققه الغرب، والفقر المزرى الذى يعيش فيه المسلمون، والوجود الأمريكى فى الدول العربية والإسلامية، وفى أعقاب الهجوم الانتحارى على المدمرة الأمريكية فى ميناء عدن باليمن فى أكتوبر 2000 ولقى خلاله 17 جنديا حتفهم، عبّر بن لادن عن هذه المشاعر حين تحدث بسخرية عن (ضعف القوة) العسكرية الأمريكية، ويقول المقال: إزاء الشعور الجياش بالكراهية، وفى زمن الانتحاريين ماذا يمكن للغرب أن يفعل ؟.. وماذا يفعل الإسرائيليون إزاء ما أعلنه الشاب الفلسطينى الذى انقض بسيارة مفخخة على موقع عسكرى إسرائيلى قائلاً: (إن الإسرائيليين يرتكبون خطأ جسيما إذا اعتقدوا أن بامكانهم القضاء علينا، فنحن تعودنا على التعرض للمعاناة) ويعلق المقال بأن هذا الشعور بالإحباط يتجاوز حدود الخلاف بين الأصولية الإسلامية والغرب، ويكرر ما قاله صمويل هنتنجتون عن حتمية الصراع بين الحضارتين الإسلامية والغربية، ويقول إنه فى حقيقته صدام بين الأغنياء والفقراء، وبين السادة الجدد والعبيد السابقين.

***

والفتاوى ضد الإسلام كثيرة.. فالكاتب الأمريكى جون أوسولليفان فى مقاله فى صحيفة (ناشيونال ريفيو) الأمريكية بعنوان (فريق متحفظ لا يدرك الحقيقة) فى أكتوبر 2001 بعد أحداث سبتمبر مباشرة يقول فيه إن الرئيس الأمريكى بوش قال إن الحرب الأمريكية على الإرهاب وليست على الإسلام، وقال رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير أيضا إن الإسلام دين سلام وتسامح وأن الأعمال التى يرتكبها الإرهابيون ضد تعاليم القرآن، وكرر ذلك بعض السياسيين والمسئولين من تكوين الرأى العام، والهدف من هذه التصريحات تخفيف الهجوم من المواطنين الأمريكيين على المهاجرين المسلمين، بالإضافة إلى محاولتهم تشجيع الحكومات العربية والإسلامية الموالية للغرب على قبول استخدام القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة فى أراضيهم فى الحرب ضد العراق، أما محاولتهم لمنع المضايقات التى تعرض لها المهاجرون المسلمون فكان القصد منها ضمان ألا يقدم هؤلاء المهاجرون الدعم أو المأوى لشبكة الإرهاب التى تتزايد المخاوف مما يمكن أن تفعله بعد 11 سبتمبر.

ثم يقول أوسولليفان إن التعقل فى التأكيدات الرسمية عن براءة الإسلام والمسلمين من الإرهاب، لا يعبر عن الحقيقة التى يؤمنون بها، فهم يؤمنون بخطورة الإسلام الثورى الذى يعتنقه أسامة بن لادن واتباع كثيرون جدا من المسلمين فى كل مكان حتى فى داخل الولايات المتحدة. وبالرغم من أنه لا يوجد فى الإسلام سلطة دينية مركزية على غرار الفاتيكان بالنسبة للكاثوليكية، فإن هناك كثيرا من الملالى الذين يقرون (الجهاد) الذى يقوم به بن لادن وأتباعه ضد أمريكا، ويصدرون الفتاوى بقتل القادة المسلمين المعتدلين، وهناك آيات فى القرآن تبرر الحرب المقدسة ضد الغرب وضد إسرائيل، كما أن هناك بعض التقاليد الإسلامية شجعت فى الماضى على الكراهية والعدوان ضد غير المسلمين من أصحاب العقائد الأخرى، وهذه التقاليد الإسلامية هى التى تذكى كراهية كثير من المسلمين لثقافة الغرب وهى الثقافة التى تسود العالم بدلا من الإسلام، والحكومات الغربية تعرف ذلك وتعترف به عندما تعبر عن خوفها من إسقاط الشارع العربى للحكومات الموالية للغرب إذا حدثت أخطاء فى حرب الغرب على الإرهاب.

 ويقول المقال: إن الكلمات عن الإسلام المسالم هى فى حقيقتها مسكنات، ولكنها ليست زائفة تماما، لأن هناك محاولات مسالمة وتقدمية فى الإسلام تسعى إلى التوفيق بينه وبين العلم والليبرالية ورأسمالية السوق والحضارة الحديثة عموما، وهذه المحاولات كانت فى السنوات الأخيرة فى موقف دفاعى تجاه صعود الإسلام الثورى الذى يمثل الفلسفة السياسية - الدينية للإرهاب، وهذا الإسلام الثورى يعمل على فرض الأصولية الإسلامية ويدين النظم القائمة فى الدول الإسلامية بأنها فاسدة، ويرفضون الغرب ويعتبرون أنه يعيش فى الانحلال داخليا، وتقوم سياساته الخارجية على الأطماع والجشع، ولأنهم يعتبرون الغرب عنيفا وسخيفا، فإن الغربيين يرون أن عقائدهم هى عقائد شعوب جاهلة وفقيرة، ولكن هذه العقائد يعتنقها عدد من الحاصلين على أعلى الشهادات الدراسية والعلمية من جامعات الغرب، ولديهم مهارات فنية متقدمة، وموارد مالية هائلة.. كما يعتنق هذه الأفكار الشباب المتعطل.. أى أن هذه الأفكار العدائية يعتنقها مسلمون مثقفون كما يعتنقها الجهلاء.

ويرى جون أوسولليفان إن الإسلام الثورى لا ينبع من الإسلام وحده، بل له جذور غربية وإسلامية، فهو كما وصفه بحق جيمس بينيت المعلق بوكالة يوناتيد برس (ابن غير شرعى للأصولية الإسلامية والدراسات الغربية عن الماركسية الجديدة) وترجع جذوره إلى الجزيرة العربية، أما عناصره الغربية فتستند إلى النظرية القائلة بأن ثروة وقوة الغرب هى نتيجة سرقته واستغلاله للعالم الثالث، وهى النظرية التى نشرها لينين بعنوان (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) وتفرعت عنها فى الخمسينات والستينات نظرية الاستعمار الجديد، ورغم أن الاقتصاديين صاروا يعتبرون هذه الأفكار مجرد كلام فارغ فإن ملالى الإسلام الثورى يعتمدون عليها للدعوة إلى استقلال ورخاء العالم الإسلامى، وهذه الأفكار هى التى تحرك الحرب الإرهابية ضد الغرب وضد الحكومات الصديقة للغرب.

وينتهى أوسولليفان إلى نتيجة غريبة، وهى أن الإسلام الثورى يشبه الشيوعية والنازية فى اعتماده على العنف. والأيديولوجيات الثلاث توصف بأنها (المبادئ المسلحة)، ولذلك يجب هزيمتها بالحرب وليس فقط بالفكر، ولقد كانت النازية والشيوعية سببا لحروب أهلية طويلة فى الغرب، وبمجرد هزيمتها فى الحرب أو فى الصراع الأيديولوجى والاستراتيجى والاقتصادى تلاشى وجودهما ضمن القوى الفكرية والفلسفية، وإن كانت الماركسية مازالت حية تترنح فى أقسام الأدب والسياسة الفاسدة فى جامعات الغرب!

ويقول الكاتب إن هذا الإسلام الثورى يثير هو الآخر حربا أهلية غير معترف بها فى صفوف الإسلام، ولكن الدلائل تشير إلى أن الحضارة الإسلامية تفتقر فى ذاتها إلى العوامل الأساسية لتفادى هذا الخطر؛ لأن الاستياء شديد جدا فى العالم الإسلامى من أمريكا والغرب عموما، وهذا يجعل كثيرا من المسلمين يشعرون بالتعاطف مع أى قوة إسلامية تتحدى أمريكا والغرب، وليس أمام الغــرب وأمريكــــا إلا هزيمة هذا الإسلام الثورى فى ميدان الحرب، والغرب قادر على ذلك.

هل يمكن أن يكون هناك فتوى أكثر عداوة للإسلام وتحريضا على إعلان الحرب على العالم الإسلامى من مثل هذه الفتوى؟

***

والمفكرون العرب والمسلمون يؤمنون بأن نظرية صراع الحضارات نظرية مفتعلة، ويكررون الإعلان بأن الحضارة الإسلامية تؤمن بالتعايش والحوار والتبادل بين الحضارات، ولكن كثيرا من مفكرى الغرب يكررون الإعلان عن إيمانهم بصدق هذه النظرية، والمقال الذى نحن بصدده يعيد شرح هذه النظرية فيقول: إن الساحة الجيوبوليتيكية التى نشأت بعد انهيار حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفيتى السابق شهدت فى نفس الوقت تغييرا جذريا فى العلاقات بين الدول، وظهرت المواجهة الأيديولوجية والصدام بين الحضارات، واعتقد الغرب أنه يجب على العالم كله أن يتبنى القيم الغربية، وهو فى ذلك مدفوع بانتصاره على الشيوعية، ومقتنع بأن الديمقراطية الغربية ذات صبغة عالمية وليست مقصورة على الغرب فقط، وهكذا كان الصلف الغربى والإيمان بالنظرية القائلة بأن الخلاص سيتحقق على يد أمريكا، سببا فى ردود فعل لدى المسلمين فتحول الوعى الإسلامى إلى تلاحم إسلامى، وبلغت هذه الظاهرة حدا من القوة جعلها تتجاوز حدود الدول العربية التى رسمت حدودها الدول الغربية.. توحد الغرب وأصبحت للحضارة الغربية السيادة على حساب دول إسلامية وعربية ضعيفة ومجزأة كما ظهر ذلك فى حرب الخليج فى مطلع التسعينات، وظهر من يقول إن ما لم تنجح الحكومات العربية فى تحقيقه سوف يحققه الدين الذى يتجاوز الدول،ويشكل خميرة الإرهاب الذى يضرب اليوم الولايات المتحدة ودول الغرب المذعورة.

وهذا المقال ليس الوحيد فى هذا الاتجاه، ولكنه  مجرد نموذج لآلاف المقالات المماثلة والأكثر حماسة فى تحريض القوى الغربية ضد الإسلام والمسلمين، ويكرر الجميع الرجوع إلى صمويل هنتنجتون واعتبار نظريته (كتاب نبوءات) وقوله بأن الحضارات تصنع أكبر القبائل البشرية، وأن الصدام بين الحضارات إنما هو نزاع قبلى على مستوى العالم، كما يكررون ما كتبه المستشرق برنارد لويس عام 1990: أن الغرب يصطدم الآن بحالة فكرية، وحركة تتجاوز حدود المشكلات والسياسات والحكومات التى تجسدها. ويضيف هذا المقال أن ما نراه من إرهاب إسلامى هو رد الفعل غير المنطقى الغائر فى نفوس أبناء هذا (الخصم القديم) تجاه تراثنا اليهودى-  المسيحى، وتجاه وضعنا المتميز اليوم، وإزاء توسع ونمو وازدهار التراث والحضارة اليهودية المسيحية. ويؤسس المقال على كل تلك المقدمات والأسباب النتيجة الجاهزة فى عقول كثيرين من القادة السياسيين والمفكرين والكتاب فى دول الغرب، وهى أن يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 بما حدث فيه من هجوم غير مسبوق، وسقوط عدد هائل من الضحايا، يبدو أنه أول يوم فى تلك (الحرب الحضارية) بين الإسلام والغرب، وكما حدث فى الصدام بين الديمقراطية الغربية والشيوعية الذى استمر قرنا من الزمان، فإن الصدام بين الإسلام والحضارة المسيحية التى أصبحت الآن الحضارة الغربية قديم جداً وعمره يزيد على ألف عام، اختلفت حدته باختلاف الوضع السكانى، والنمو الاقتصادى والحماسة الدينية فى كلا المعسكرين، وقد بلغ التوتر أشده من جديد لأن الهوة الاقتصادية بين الغرب والعالم الإسلامى آخذة فى الاتساع، مع النمو السكانى الذى يتزايد بسرعة فى الدول الإسلامية وتتزايد معه مشكلة البطالة، فإن العقيدة الإسلامية تزدهر فى تلك التربة الخصبة، ويريد المسلمون استعادة زهو حضارتهم وفخرهم بها فى مواجهة الحضارة الغربية المزدهرة، وفى رأى المسلمين أن ما يحدث للفلسطينيين يعبر عن ازدراء الغرب للعالم العربى والإسلامى، وقد كان مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية الذى عقد فى مدينة ديربان بجنوب أفريقيا دليلا على هذا اليأس وتبريرا لاندلاع العنف الإسلامى الدامى الخطير، وقد اشتعلت فى هذا المؤتمر مساواة الصهيونية بالعنصرية والتنديد بالدول الاستعمارية، ولن يتوقف المتطرفون عند هذا الحد. ولكنهم سوف يستمرون فى التمادى فى ترويع العالم الغربى الذى يعتقدون أنه جبان، وعلى استعداد للخضوع والاستسلام بالعنف والضغط على أمريكا وإسرائيل، وبالمقابل لا تستطيع أمريكا وحلفاؤها الغربيون أن يظلوا مكتوفى الأيدى أمام الأعمال الحربية التى يقوم بها الإسلاميون. وفى النهاية فإن الرئيس الأمريكى جورج بوش الذى ليست درايته كبيرة بالمسائل الدولية سوف يضطر إلى الثأر كما يقول المقال، وبالنسبة للأوربيين فليس أمامهم إلا أن يتضامنوا مع الشعب الأمريكى الذى قدم لهم العون مرتين فى القرن العشرين، ومع أن (العدو) غير محدد، وغير معروف، ومن الصعب الإمساك به، فإنه من الضرورى إيجاد وسائل للرد على الهجوم دون الانسياق إلى تحويله إلى نزاع عام.. فقد أثبت التاريخ أنه لا يمكن الرد على القوة بغير القوة، ولهذا السبب فإن هجمات سبتمبر الأسود تضع الألفية الثالثة على الطريق الرهيب المؤدية لحرب جديدة بأشكال جديدة تختلف عن حروب الماضى، وبهذه الحرب يتم احتواء الكراهية العمياء التى جعلت أمريكا تتشح بالسواد مهما كان الثمن.

هذه رؤية غربية للإسلام والمسلمين وقضاياهم، تنطوى على فتوى تحرض الغرب على العالم الإسلامى كله.

***

وتكتمل الفتوى ضد الإسلام بمقال نشرته صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية يوم 12 سبتمبر 2001 ، أى بعد اليوم التالى لأحداث سبتمبر، والمقال بقلم الكاتب الأمريكى المعروف وليم فاف بعنوان: (الهجمات تكشف أن الشجاعة السياسية هى الوسيلة الوحيدة للدفاع).. يقول فيه إن المسئولين العسكريين ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، توقعت حدوث هجوم على الولايات المتحدة، وظلوا عشرات السنين يتصورون سيناريو هذا الهجوم، وبالعقلية التكنولوجية للبنتاجون والمزاج الهندسى للمجتمع الأمريكى توصلوا إلى أن هجوم الإسلاميين سيكون بأسلحة الدمار الشامل، وربما تستخدم فيه تقنية عالية، مع احتمال أن يكون الهجوم بالصواريخ، أو بالأسلحة النووية، أو الكيماوية، أو البيولوجية الفتاكة، ولم يخطر ببال الذين أعدوا خطط الدفاع إمكان استخدام الطائرات التجارية، مع أن الولايات المتحدة سبق أن تلقت درسا منذ 60 عاما تقريبا ولكنها لم تتعلم منه، حين ضلت طائرة قاذفة متوسطة الحجم طريقها فى الضباب واصطدمت بمبنى (امباير ستيت) فى نيويورك، وكان وقتها أعلى مبنى فى الولايات المتحدة، ويوم 11 سبتمبر تكرر تطبيق هذا الدرس لإحداث رعب شامل فى الولايات المتحدة أدى إلى إغلاق مراكز القيادة الحكومية، وإخلاء المراكز التجارية فى المدن الكبرى، وكانت الآثار النفسية والسياسية لهذا الهجوم أكبر بكثير من الحجم الهائل للخسائر، لحدوثه بشكل مفاجئ، ومأساوى، وبما أن مصدر الهجوم مازال مجهولا، فإن الخوف والرعب يزدادان، وبذلك حقق الهجوم تأثيره المنشود، وأثبت أن وسائل الدفاع ذات التكنولوجيا العالية التى تفخر بها الولايات المتحدة يمكن اختراقها بأساليب بسيطة وخادعة، واحتمال تكرار مثل هذا الهجوم قائم ما دامت هناك طائرات مدنية وقطارات، وأنظمة لتوليد الطاقة، ومنشآت عامة، وما دام هناك أناس يذهبون إلى العمل وإلى الأسواق، فكل ذلك يمكن اختراقه وتدميره أو استغلاله بطرق تؤدى إلى إلحاق الخسائر النفسية والسياسية والبشرية بالمجتمع ككل.

ويقول وليم فاف إن الانتقام من الإسلاميين لن يؤدى إلى وقف احتمالات الرد منهم بانتقام مضاد، وهذا ما يحدث فى إسرائيل، فإن قتل الإسرائيليين للفلسطينيين لم يوقف هجماتهم، بل استدعى المزيد من عمليات الاستشهاد. كذلك فإن القول بأن الولايات المتحدة فى حاجة إلى أنظمة دفاع أكثر تعقيدا مما هو متوافر لديها حاليا لن يجدى بعد أن ثبت أن البنتاجون والمخابرات المركزية الأمريكية، ووكالة ناسا للفضاء، وبقية أجهزة الأمن القومى الأمريكية لم تقدر على منع هجوم 11 سبتمبر، وهى غير قادرة مستقبلا على منع وقوع مثل هذا الهجوم بطريقة أخرى، ولا توجد أنظمة دفاع تكنولوجية ضد هذا النوع من الهجوم، وليس هناك وسيلة إلا أن يكون رد الفعل الأمريكى على هذا الهجوم بشكل آخر، والدرس الذى يجب أن تتعلمه أمريكا من التاريخ هو أنه ليس هناك دفاع حقيقى سوى التقدم بجدية وجرأة لإيجاد حلول سياسية للصراعات الداخلية فى داخل المجتمع الأمريكى، وحلول للصراعات بين أمريكا وأطراف خارجية، والاستنتاج المباشر أن هجوم 11 سبتمبر كان بسبب الموقف الأمريكى المؤيد لإسرائيل، وقد ظلت الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثين عاما ترفض القيام بجهود حقيقية، وغير متحيزة، لإيجاد حل للصراع العربى الإسرائيلى، وقد تدخلت كشريك فى مشكلة الشرق الأوسط لسنوات طويلة، ولكنها لم تتعامل مع المشكلة بدون تحيز لأحد الجانبين، والنتيجة ازدياد الأزمة وتعقدها، وانفصال الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، وهما الآن يعيشان أزمة مشتركة ومأساة متبادلة، وبتفجيرات 11 سبتمبر تكون الولايات المتحدة قد حصلت على نصيبها من مأساة الشرق الأوسط.

هذا بالضبط ما قاله الكاتب الأمريكى وليم فاف، فى صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية فى اليوم التالى مباشرة لهجوم 11 سبتمبر .

وفى اليوم التالى- أى يوم 13 سبتمبر 2001 - كتب آلان أبلار فى صحيفة الموند مقالا بعنوان (هل لليمين الأمريكى المتطرف صلة بحادث الاعتداء على نيويورك وواشنطن؟) قال فيه إن هذا الهجوم جعل أمريكا تدرك أن فى عقر دارها شبابا ينتمون إلى حركات هامشية وحاقدة تتزايد شعبيتها، كما اكتشفت أنها تؤوى رجالا غاضبين على استعداد للتضحية بأرواحهم للتنفيس عن غضبهم ونزعتهم التدميرية، كما فعل الشاب الأمريكى تيموثى ماكفاى الذى دمر مبنى المباحث الفيدرالية فى أوكلاهوما فى 19 أبريل 1995 وقتل 168 أمريكيا، ولم يكن عضوا فى ميليشيا أو جماعة يمينية متطرفة. ولكنه كان على اتصال بهذه الحركات، وقد تم إعدامه فى 11 يونيو 1995، وقام أنصار مبدأ تفوق الجنس الأبيض بإعلان رفضهم للسلطة الفيدرالية الأمريكية وارتكبوا حادثين، وقامت السلطات بمحاصرة أحدهم فى منطقة روبى ريدج عام 1992، ومحاصرة طائفة أنصار ديفيد واكو فى تكساس، وأسفر تدخل مكتب التحقيقات الفيدرالية (اف.بى.آى) عن مقتل 80 شخصاً، وهؤلاء كانوا يشعرون بأنهم مهمشون فى أمريكا المزدهرة.

وظهرت فى أمريكا جماعات أطلق عليها الجيش الأمريكى اسم (جماعات الكراهية) تكونت داخل الجيش الأمريكى ذاته، وشكلت لجنة تحقيق برئاسة الجنرال لارى جوردان.. وقامت اللجنة بزيارة عدد كبير من القواعد العسكرية فى الولايات المتحدة ، وفى أوروبا، وآسيا.. وجاء فى التقرير الرسمى لهذه اللجنة أنها قامت بدراسة المناخ السائد بين الجنود الأمريكيين، وكان الهدف الحقيقى لهذه الدراسة التعرف على مدى خطورة وجود جنود داخل الجيش أعضاء فى (جماعات الكراهية) أو متعاطفين معها.

وتم التعرف على 12 متطرفاً فقط فى (فورت براج) التى كان تيموثى ماكفاى يعيش فيها عام 1991، وكانت جماعة سرية أطلق عليها اسم (القوات الخاصة الخفية) قد نشرت خطابا بعنوان (المقاوم).. وهذا الخطاب كان يحمل معتقدات اليمين الأمريكى المتطرف، وأعلن مركز النهضة الديمقراطية ومقره أطلنطا أنه قام بإحصاء فى عام 1995 تبين منه وجود عدد من النشطاء فى حركات تؤمن بسيادة وتفوق الجنس الأبيض يصل عددهم بين 25 ألفا و 30 ألفاً منهم أربعة آلاف من المتطرفين يحلقون رؤوسهم، ويمكن إضافة ما يقرب من 200 ألف من المتعاطفين دون أن يؤخذ فى الاعتبار وجود 100 ألف عضو تقريباً من مختلف الميليشيات من الأمريكيين المعادين للحكومة، دون أن يكونوا بالضرورة ممن لديهم معتقدات عنصرية، وهناك صلات وعلاقات غير رسمية بين مختلف الميليشيات والجماعات المناهضة للحكومة، وإن كان الباحث الأمريكى المتخصص فى دراسة هذه الجماعات قد ذكر أن المنظمات التى تنتمى إلى جماعات الكراهية تعمل مستقلة عن بعضها وليست هناك قيادة مركزية تصدر لها التعليمات. إلا أن ذلك لا يمنع من وجود اتصالات منظمة بين هذه الجماعات، بدليل ثبوت علاقة وطيدة بين تيموثى ماكفاى وتيرى نيكول المتهم الثانى فى حادث تفجير مبنى المباحث الفيدرالية فى أوكلاهوما مع أوساط الميليشيات المتطرفة، والخطر الحقيقى لهذه الحركات أنها عبارة عن أشخاص متفقين فى النزعة والهدف، ولكنهم يعملون بصورة منفردة، كما فعل تيموثى ماكفاى.

والفكرة فى هذا المقال أن فى داخل أمريكا جماعات متطرفة تعمل ضد الحكومة الأمريكية وضد الملونين، ولها عناصر فى داخل الجيش الأمريكى، وقد يكون فى ذلك مفاجأة للبعض. ولكن ذلك كله نشر فى أمريكا من قبل فى أعقاب حادث تفجير أوكلاهوما.

وإذن فإن الإرهاب الإسلامى ليس الإرهاب الوحيد فى العالم، ولكن هناك جماعات إرهابية فى كل القارات وكل الدول تقريباً بما فيها أمريكا ذاتها.

وهذه الحقيقة تتم التغطية عليها لكى يبقى الاتهام موجها إلى الإرهاب الإسلامى وحده، وتكون الحرب على المسلمين وحدهم، وتكون هذه الحرب هى التطبيق العملى للفتوى المتكررة بأن الإسلام دين يدعو فى تعاليمه ومبادئه إلى العدوان والإرهاب. وأنه الخطر الجديد الذى يهدد الحضارة والديمقراطية والازدهار الاقتصادى فى الغرب..!


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف