الحرب على المسلمين.. حرب عقائد .. أم حرب مصالح؟
 من الصعب.. بل من  المستحيل متابعة وحصر ما ينشر من كتب ومقالات ضد الإسلام، تساهم فى تعبئة نفوس الأمريكيين والأوربيين ضد هذا الدين وأهله، تجعلهم يصدقون أنه يمثل خطرا عليهم وعلى العالم.. ومن الصعب كذلك فهم أسباب هذا الإصرار الغريب على صناعة العداء بين المسلمين وشعوب الغرب، ويدعو ذلك إلى التساؤل: هل هى مؤامرة؟.. وإذا كانت مؤامرة من الذى ينسج خيوطها؟.. ولماذا؟.. ومن المستفيد منها؟.. وهل يمكن أن تستمر المؤامرة منذ بداية ظهور الإسلام وحتى اليوم ولا تتوقف حتى بعد مرور أكثر من 1400 سنة؟..

وهناك من يرفض فكرة وجود مؤامرة، ويقول إن المؤامرة ليس لها وجود إلا فى عقول من يصدقون بوجودها، ويقول أيضا إن التفسير التآمرى للأحداث وللتاريخ هو فى ذاته من علامات التخلف والجهل وعدم القدرة على فهم حقائق الأمور بعقلية علمية.. وإن عقلية التصديق بالخرافات مازالت مسيطرة على الذين يفسرون الأحداث استناداً إلى نظرية المؤامرة وإرجاع كل مشكلة أو أزمة إلى شياطين المتآمرين بدلا من البحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الكراهية وهذا العداء..

 

وكذلك هناك من يقول إن صورة الإسلام مشوهه لأن واقع المسلمين ردىء ومتخلف وملىء بالسلبيات وهذا شىء يجب الاعتراف به وليس من مصلحة المسلمين إنكاره وأن عدم مساهمة المسلمين فى الحضارة الحديثة حقيقة من حقائق هذا الزمان فلماذا ننكرها؟.. ولماذا نقول إن من يذكر هذه الحقائق متآمر علينا؟.. والأجدر بنا أن نعترف بواقع التخلف وانتشار الجهل، والأمية، والخرافات، والتفكير العشوائى، وعدم القدرة على الوصول إلى إنتاج التكنولوجيا الحديثة، كما فعلت الصين وكوريا وسنغافورة، ويضاف إلى ذلك عدم القدرة على استيعاب العلوم الحديثة، أو تحويل المجتمع الإسلامى إلى مجتمع المعلومات، أو الدخول فى عالم أصبح الإنتاج الأهم والأعلى قيمة هو إنتاج المعرفة.. ولماذا لا نعترف بأن المسلمين مازالوا يحلمون بالعودة إلى الماضى بدلا من التفكير والعمل للمستقبل وهم سعداء بإقامة مجتمع بدائى فى قلب العالم الإليكترونى ويرفضون ويدينون معطيات الحضارة الحديثة؟.. هؤلاء الذين يقولون كل ذلك يقولون أيضا إذا أردتم تصحيح صورة المسلمين فعليكم بتصحيح الأصل أولا، لأن تصحيح الصورة مع بقاء الأصل المشوه لن يحقق شيئا ولن يكون إلا تزويرا وتزييفا..

وليس المهم مع أى اتجاه من هذه الاتجاهات تحب أن يكون موقفك، فأنت حر فى رأيك وفى تفسير الحقائق، وكل ما يهمنى هو أن تكون على علم، بما يقال فى الغرب، وبما يفكرون فيه، لأن هذه الكراهية وهذا العداء للإسلام والمسلمين لهما نتائج خطيرة على وجود ومستقبل الإسلام والمسلمين.

فنحن لا نستطيع أن نتجاهل، أو نقلل من أهمية الروح العدائية التى تحرك كل هذه الأقلام والعقول فى الولايات المتحدة ودول أوروبا للهجوم على الإسلام كدين، وعلى المسلمين كأمة..

ففى مجلة نيوزويك الأمريكية نجد مقالا كتبه زاكارى كاربيل يوم 14 يناير 2002 بعنوان (معركة النخبة المحدودة من الخبراء) عن الحرب ضد الإرهاب، وأن المسلمين والعرب فى رأيه هم الذين تقع عليهم المسئولية عن انتشار التطرف والعنف فى العالم، وفى رأيه أيضا أنه ليست هناك وسيلة لحماية الغرب من هذا الإرهاب الإسلامى سوى الحرب.. والقوة المسلحة.. والقصف المنتقم!

يقول كاربيل فى مقاله إن الأزمات الجديدة سوف تكشف عن ظهور خبراء جدد، وفى محاكمة الإرهاب سنرى كثيرين يمثلون الادعاء، ويستخدمون كل وسائل الإعلام وأولها التلفزيون وشبكة سى .إن .إن الإخبارية الأمريكية، وسنرى أيضا كثيرا من المحامين للدفاع..ويضيف كاربيل أن الأمريكيين اليوم يهتمون بما يقال عن الإسلام، ونتيجة لذلك ظهرت مجموعات من الخبراء ليشرحوا للشعب الأمريكى الإسلام، فنجد أستاذا بجامعة بيرنستون يتحدث فى شبكة تليفزيون B.B.C وأستاذا من جامعة جون هوبكنز يتحدث عن الإسلام على شبكة تلفزيون C.B.S ومدرساً بجامعة جورج تاون يتلقى أسئلة أثناء ظهوره على شبكة سى. إن. إن ويجيب عنها كخبير فى الإسلام.. وهكذا يظهر حشد من الخبراء إلى دائرة الضوء خصوصا بعد هجمات 11 سبتمبر خاصة أن القلق لدى الأمريكيين يدفعهم إلى التساؤل: هل هناك ما يمكن أن يحقق الالتقاء بين الإسلام والغرب ولو فى نقاط معينة؟.. وهل يستطيع العالم أن يتفادى التدمير بهذا التطرف الانتحارى؟.. والأمور بالنسبة للرأى العام تستلزم التبسيط، ولذلك يلجأ كثيرون إلى التبسيط لفهم هذا الصراع القائم بين الغرب والمسلمين بالقول بأننا الآن فى مواجهة (معهم)!!

وأستاذ جامعى مثل برنارد لويس أصبح خبيرا بارزا وهو فى نظر كثيرين فى الغرب عليم بالإسلام، وهو مؤرخ بجامعة بيرنستون، ولد ونشأ فى بريطانيا، ويبلغ من العمر 85 عاما، وله أكثر من عشرين كتابا، وفى كل كتاباته يردد: (أن الإرهاب اليوم ليس إلا جزءا من صراع طويل بين الإسلام والغرب).. وفى مقال له فى صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية كتب (إن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة الذى يعمل بقيادته، قد لا يمثلان الإسلام، ولكن أفعالهم جاءت من طبيعة الحضارة الإسلامية).. وبرنارد لويس لديه فكرة راسخة منذ سنوات هى أن الإسلام قائم على نظام أخلاقى مختلف عن النظام الأخلاقى فى الحضارة اليهودية- المسيحية، ويذكر آيات من القرآن يفسرها على أنها تدعو المسلمين إلى ممارسة العنف ضد غير المسلمين، ولأن برنارد لويس خبير بالتاريخ، وعالم لغويات، ويجيد اللغة العــــربــية إجادة تامة، كما يجـــيد اللغة التركية ولغات أخرى، فإنه يوجه النقد إلى الباحثين الذين لا يحسنون فهم النصوص العربية الإسلامية، وبعد 11 سبتمبر أعلن أن هذه الحرب هى حرب بين الأديان وأن موقف أسامة بن لادن وأتباعه يتلخص فى معنى واحد: نحن المسلمين ضد الغربيين، ويدعو برنارد لويس الباحثين إلى فهم أهداف هذا الإرهاب، كما يفهمها أصحابه، ولقد هاجمه إدوارد سعيد وقال إن ما يقوله برنارد لويس عن الإسلام ليس إلا دعايات زائفة وأفكاراً سطحية مثل (الإسلام) فى مقابل (الغرب) وإدوارد سعيد أستاذ الأدب المقارن بجامعة كولومبيا من مواليد فلسطين وتعلم فى القاهرة ويعيش فى الولايات المتحدة منذ سنوات بعيدة ويحمل الجنسية الأمريكية، وهو المدافع القوى عن الحق العربى وعن الإسلام فى مواجهة المستشرقين واللوبى الصهيونى..

وفى نقده لبرنارد لويس قال إدوارد سعيد: إن ما يقوله برنارد لويس ليس له وجود، فليس هناك (نحن) و (هم) والحقيقة الظاهرة الآن أن السياسة الأمريكية تتسم بالقسوة وتحولت إلى العنف فى أوقات معينة، وهذا ما ينطبق على الصراع مع المسلمين، فإذا لم تقم الحكومات الغربية بحملات عدائية على المسلمين والعرب فلن يحارب واحد ولن يموت أحد من أجل مفاهيم مجردة مثل (الغرب) و(الإسلام)، وأن رؤية العالم على أساس هذا التصنيف الذى يذكره برنارد لويس لا يخدم إلا الذين يسعون إلى التدمير والهيمنة ويقولون إن الإسلام هو (الوحشية) و(النزعة الدموية) لكى يقدموا للغرب المبرر للسيطرة على العالم الإسلامى، وكذلك فإن الذين يرفعون شعار الإسلام للدعوة إلى وصف الغرب بأنه  فاسد وكافر ولا يؤمن بالله، كما  قال بن لادن، فهؤلاء أيضا يقومون بالدور الرئيسى لتبرير هجمات كالتى وقعت فى 11 سبتمبر 2001..

***

ونعود إلى مقال كاربيل فى نيوزويك فنراه يعلق بعد ذلك بقوله: ليس كل الباحثين فى مواجهات حادة، كما حدث بين إدوارد سعيد وبرنارد لويس.. بل إن هناك من الباحثين من يحاولون البحث عن إجابة للسؤال: لماذا يعانى العالم الإسلامى والشرق الأوسط صعوبات فى التعامل مع العالم الآن؟.. ولماذا لم تزدهر الديمقراطية فى الشرق الأوسط؟.. ويعلق على ذلك فؤاد عجمى الأستاذ بجامعة جون هوبكنز بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وهو عالم اجتماع مميز، ومعلق فى برامج شبكة تلفزيون C.B.S الإخبارية، مولود فى لبنان، ويتساءل أيضا: لماذا يتسم الشرق الأوسط الآن بالجمود؟.. ويقول: إن من يستطيع الإجابة عن هذا السؤال هم الذين يعيشون فى الشرق الأوسط، ولا يفيد أن تأتى الإجابة من باحث أمريكى أو أوروبى عن طبيعة المشكلة فى العالم العربى، أو فى أفغانستان، لأن العرب والأفغان لن يسمعوا ما يقوله الأمريكيون والأوروبيون، ولأن الأمريكيين والأوروبيين نادرا ما تكون لهم القدرة على فهم العرب والمسلمين فهما صحيحا..وقد كتب فؤاد عجمى مقالا فى نيويورك تايمز قال فيه: (على الأمريكيين أن يقبلوا الحقيقة وهى أنهم أغراب فى العالم العربى، وإذا حدث أى تغيير فى العالم العربى لابد أن يأتى من داخله وليس من خارجه، وأن فشل المثقفين فى العالم العربى يرجع إلى أنهم لا ينظرون إلى الداخل ليروا الواقع عندهم بعين ناقدة، ولكنهم ينظرون دائما إلى الخارج وإلقاء اللوم على طرف أجنبى، وتسير الجماهير فى هذا الاتجاه وراء النخبة والمثقفين حتى أن العرب والمسلمين أصبحوا فى حالة ارتباك ولم يدركوا حقيقة من هم، ومن الذى زج بهم فيما هم فيه، ووقع الجميع فى حالة (خداع النفس)..  إما الحل وإما العلاج.. فلابد أن يتمكن المثقفون العرب من النظر بموضوعية متجردة إلى أوجه القصور الثقافى فى واقعهم، وبذلك  يمكنهم النهوض من الحالة التى هم فيها من الركود الاقتصادى، والأمراض الاجتماعية.

أما جون اسبوزيتو الأستاذ بجامعة جورج تاون، وهو كاثوليكى، يرأس مركز التفاهم الإسلامى المسيحى بجامعة جورج تاون بواشنطن، فإنه يقول ليس هناك إسلام واحد، ولكن هناك أكثر من إسلام، ولا توجد أصولية إسلامية واحدة ولكن توجد أكثر من أصولية إسلامية، وهذا ما يفسر كيف كان آيات الله فى إيران أشد المسلمين انتقادا لفكر طالبان فى أفغانستان، ويقول اسبوزيتو إن الانقسامات بين الأصوليين الإسلاميين واضحة مثل الانقسامات بين المسيحيين الإنجيليين، وإن كانت الديمقراطية فى العالم الإسلامى تمر بمرحلة عصيبة لكن غياب الديمقراطية ليس له علاقة بالإسلام، ولكن الشرق الأوسط يمر بمرحلة شبيهة بالمرحلة التى مرت بها أوروبا فى بداية عصر النهضة، وكما استغرق انتقال أوروبا من ممالك إقطاعية إلى ديمقراطيات تعتمد على اقتصاديات السوق الحرة زمنا طويلا، فإن تحول العالم الإسلامى لن يتم بصورة سريعة، وسلسة، وسلمية، ولكن التغيير سيحدث على أى حال لا محالة.

وينهى كاربيل مقاله بالقول بأن الذين يتحدثون عن الإسلام على أنهم خبراء فى فهمه ينقسمون إلى قسمين، قسم من نتاج العداوة وخبراء العلاقات العامة المشتغلين بإثارة الكراهية تجاه الإسلام، وهؤلاء لا يتحدثون إلا عن السلبيات والفضائح السياسية فى العالم الإسلامى وينسبونها إلى الإسلام ذاته، وقسم ثان من الباحثين الجادين اكتسبوا الحكمة من الدراسة الجادة للإسلام، والحروب تحتاج إلى الخبراء الحقيقيين كما تحتاج إلى القادة الحقيقيين، وهؤلاء هم الذين يعرفون كيفية إدارة هذا الصراع بين الغرب والإسلام.

هكذا ينتهى زاكارى كاربيل إلى نتيجة مؤداها أن الصراع والحرب بين الغرب والإسلام أمر محتوم، ولذلك يدعو إلى أن يتولى إدارة هذا الصراع، وهذه الحرب الخبراء الحقيقيون الذين يعرفون الإسلام بالدراسة الجادة لسنوات طويلة ولا يكتفون بمجرد توجيه الاتهامات المرسلة!

***

وفى تعليقه على مقال كاربيل يثير الدكتور حسن وجيه أستاذ اللغويات والتفاوض الدولى عدة ملاحظات. الملحوظة الأولى أن هذا المقال يؤكد (إعلام القائمة) الشائع فى الإعلام الغربى بخصوص قضايا العرب والمسلمين، وإعلام القائمة هو الإعلام الذى يعتمد على وجود قائمة من (الخبراء) فى الغرب هم الذين يتحدثون دائما عن العرب والإسلام، والإعلام الغربى عادة لا يستعين بغيرهم، وهم يعلمون ما هو مطلوب منهم ويقولون فى وسائل الإعلام ما هو مطلوب، وهؤلاء تحليلاتهم نمطية وأسيرة قوالب ثابتة، وبمجرد ذكر اسم أحدهم تستطيع معرفة، ما سيقوله، والدكتور حسن وجيه وقد عاش فى الولايات المتحدة عدة سنوات فى البحث والدراسة يؤكد أن الإعلام الأمريكى إعلام موجه، وليس إعلاما حرا كما هو شائع، وهو إعلام أسير لنظام (إعلام القائمة) مما يفرض على العرب والمسلمين أن يوجهوا جهودهم الدبلوماسية والإعلامية الجماعية لكسر احتكارات الإعلام الأمريكى.

ويشير الدكتور حسن وجيه أيضا إلى التبسيط المخل فى الفكر الأمريكى الذى يمثله كاربيل وكثيرون غيره، بالقول مثلا بأن إرهاب اليوم هو جزء من صراع طويل بين الإسلام والغرب، ومثل القول بالثنائية المتعسفة (الإسلام فى مواجهة الغرب) وهذه المواجهة إنما هى من نتاج الإعلام الغربى من قبل أن يصدر أسامة بن لادن بياناته ومن قبل أن تبث قناة الجزيرة أحاديثه التى اتخذها برنارد لويس وأمثاله ذريعة لتأكيد هذه المواجهة، ومبررا لاستعداء الغرب على الإسلام والمسلمين، والغرب يعلم جيدا من هم هؤلاء الذين (اختطفوا الإسلام) وتستروا بعباءته لارتكاب جرائمهم ولا يمكن أن تنسب أعمالهم إلى الإسلام كدين سماوى.

***

وهناك قلة من الكتاب الغربيين يكشفون أوراقهم، ويخلعون الأقنعة، ويناقشون الصراع أو الحرب الموجهة ضد الإسلام والمسلمين على أنها ليست فى حقيقتها حرب عقائد وإن كانت تقدم للرأى العام الغربى على إنها كذلك ولكنها حرب مصالح، ويعترفون بأن العداء لأمريكا فى العالم الإسلامى يرجع إلى ما يلمسه المسلمون من انحياز أمريكا ضد حقوق ومصالح المسلمين، بينما تمضى أغلبية الكتاب والمعلقين فى الغرب على اتهام الإسلام ذاته واتهام المسلمين وحدهم بما وصل إليه الحال فى العلاقات بين المسلمين والغرب من توجس وحساسية.. فكاتب مثل مارفين أوت نشر فى صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية مقالة يوم 9 يناير 2002 بعنوان (لماذا كل هذه الكراهية تجاهنا؟ إنها بسبب فشلهم فى مواكبة الحداثة) يقول فيها إن هناك إجابات واضحة للتساؤل عن كراهية العرب والمسلمين لأمريكا، وهذه الإجابات تشمل سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، والتواجد الأمريكى البارز فى الشرق الأوسط، ولكن مثل هذه التفسيرات ليست وحدها السبب الرئيسى للشعور بالكراهية، ولذلك فلو أن أمريكا غيرت سياستها فى القضية الفلسطينية، وقللت تواجدها فى الشرق الأوسط، فلن يؤدى ذلك إلى زوال الكراهية والتوتر بين الغرب والعالم الإسلامى، والعالم العربى، لأن جذور الغضب العربى والإسلامى تجاه الغرب ترجع فى الأساس إلى الفشل التاريخى للعالم الإسلامى فى مواكبة الحداثة، والحداثة هى نتاج منظومة معقدة من المعرفة، والقيم، والسلوك، والعادات، ظهرت فى أوروبا خلال عصر النهضة فى القرن السادس عشر، وأصبحت موجة عالمية كاسحة اتخذت أمريكا مركزا لها.

ويقول مارفين أوت إن الحداثة فرضت على المجتمعات غير الغربية اختيارا صعبا، وكان عليها أن تختار التوافق مع قدرات الغرب، وامتلاك هذه القدرات، أو تختار التبعية! وقد تأثر تاريخ التنمية الاقتصادية فى آسيا وأفريقيا بهذا الصراع الأساسى، وتحقق النجاح فى آسيا وخاصة فى الصين، وكوريا، واليابان، وعموما فى جنوب شرق آسيا، وكان نجاح آسيا بسبب قدرتها على حل شفرة الحداثة، والحداثة هى المرحلة الأخيرة من التطور الذى شهده العالم عبر تاريخه الطويل، وقد أصبح جزء كبير من دول آسيا يسير الآن فى طريق الحداثة، أما العالم الإسلامى فلم يستطع أن يحقق ذلك بالرغم من أنه يمثل قطاعا كبيرا من المجتمع العالمى. وإن كانت بعض الدول الإسلامية قد حققت درجة من النجاح فى مواكبة الحداثة مثل ماليزيا، وتركيا، وإندونيسيا، وبنجلاديش، ودولة إسلامية أخرى لديها إمكانية مواكبة الحداثة هى إيران، فإن الأمر الذى يلفت النظر هو أن هذه الدول الإسلامية التى نجحت فى السير على طريق الحداثة ليست ضمن الدول العربية، أما المساحة الشاسعة التى تشغلها الدول العربية من الخليج إلى جبل طارق فمازالت فى جوهرها مجتمعات غير متقدمة. ولا يكفى استخدام قياس التقدم بمستوى الدخل، والا فسوف تبدو الدويلات والممالك الغنية بالبترول متقدمة، وهذا غير صحيح، لأنه بدون البترول ستصبح هذه الدول ضمن قائمة أفقر الدول وأكثرها تخلفا، وإذا نفد البترول غدا فسوف تهوى هذه الدول سريعا إلى اقتصاد يقوم على النخيل والجمال والصحراء! وقد يكون هذا التصور قاسيا، ولكن حقيقته تكمن فى هذا الخطر الإرهابى الذى يهدد الغرب.

ويضيف مارفين أوت أن الحداثة تستمد كيانها ويتم قياسها بناء على مجموعة من القيم والأفكار مثل الاعتماد على العلم، وعلى المنهج العلمى التجريبى، والعقلانية، والكفاءة، وعندما تسود هذه القيم لابد أن ينتج عنها نظام سياسى واقتصادى واجتماعى متقدم، وفى الولايات المتحدة فإن الأساس الذى تستند إليه السلطة هو المؤسسات القوية المتميزة.. والشركات العملاقة، التى ليس فى العالم الإسلامى مثيل لها أو قريب منها.. فليس فى هذا العالم شىء قريب ولو من بعيد لمؤسسة مايكروسوفت للبرمجيات، أو المؤسسة الطبية العملاقة (جونس هوبكنز ميديكال)، أو شىء يشبه من قريب أو من بعيد القوة الجوية الأمريكية، بينما يوجد فى كوريا مثلا عشرات الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات مثل (هيونداى) و(دايو) ناهيك عما فى اليابان، ولا يوجد فى العالم الإسلامى كله شركة واحدة بحجم هذه الشركات.. والعلم والتكنولوجيا هما أساس هذه المشروعات، والعالم العربى مازال بعيدا عن امتلاك العلم والتكنولوجيا!

ويقول مارفين أوت: صحيح إن العالم الإسلامى أرسى فى القرن السابع عشر مبادئ العلوم والرياضيات، واستمر على ذلك خمسين عاما، ولكن الأمر المحير الذى لا يستطيع أحد الإجابة عنه هو: لماذا- بعد كل هذا التقدم- يعارض الإسلام العلم الحديث، حتى أن جميع العلماء المسلمين لا يمثلون سوى نسبة 1% فقط من جملة العلماء فى العالم، وفى الوقت نفسه تزخر إسرائيل وحدها بعدد من العلماء يفوق مجموع العلماء فى كل العالم الإسلامى، ومن الناحية السياسية فإن العالم الإسلامى يجد صعوبة كبيرة جدا فى تفهم أو ممارسة الديمقراطية، ومرة أخرى نجد أن الدول الإسلامية الديمقراطية، أو حتى شبه الديمقراطية، دولا غير عربية، إذ أن شكل النظام السياسى العربى من المغرب حتى العراق هو الشكل الأوتوقراطى.. ومقاومة العقل العلمانى فى العالم الإسلامى يظهر فى رفض الديمقراطية، ووضع المرأة كتابع للرجل، ويحدث ذلك باسم الإسلام، وبالاستناد إلى أن الإسلام يفرض الطاعة للحاكم والتسليم لله، ولذلك فإنه فى الوقت الذى أتاح فيه الإصلاح والتنوير فى الغرب فرصة إيجاد مساحة للعلم والتجريب السياسى والاقتصادى، انزلق العالم الإسلامى إلى مرحلة أصبح فيها العقل أقرب إلى مكانته فى المرحلة التى كانت عليها أوروبا.. سجينة بعدة قرون فى ظلام العصور الوسطى، وعلى أية حال فإن المجتمعات التى ترفض قيم الحداثة سوف يظل مكتوبا عليها أن تبقى على ما هى عليه من الضعف والتخلف، وكذلك فإن الشعوب المتغطرسة التى تعيش أسيرة لعظمتها التاريخية فى الماضى، فإن النتيجة الحتمية التى ستصل إليها وتبقى فيها هى فقط الشعور بالغضب والإحباط الذى يتحول إلى عداوة مقاتلة عندما تجد بطلا متحدثا باسمها مثل أسامة بن لادن، ومن الممكن القضاء على بن لادن، ولكن الخطر لن يزول حقيقة إلا عندما يجد الإسلام طريقه الصحيح، ويتخذ القرار لنفسه بنفسه، ويكتشف مفاتيح الوصول إلى الحداثة، ويخرج من عصر القرون الوسطى‍‍!..

باختصار فإن مارفين أوت يردد الفكرة الراسخة فى الغرب بأن المسلمين والعرب متخلفون وجهلاء وفقراء، وهذا هو السبب الوحيد الذى يجعلهم يكرهون الغرب لأنه متقدم وقوى وغنى كما يردد الفكرة المحببة لدى الباحثين والمشتغلين بالإعلام فى الغرب من أن الإسلام هو العقبة التى تعوق تقدم المسلمين.

أليست هذه هى صناعة العداء؟.

***

وماذا نقول أيضاً عما كتبه فيجل أولف ماتيور فى صحيفة فرانكفورتر الجماينة أشهر الصحف الألمانية فى مقاله يوم 16 نوفمبر 2001 بعنوان (انتهاكات حقوق الإنسان موجودة فى كل مكان، ولكنها صارخة فى العالم الإسلامى) وتحدث فيه عن الدول الإسلامية دولة دولة دون أن يستثنى منها أحداً، وقال فيه إن دراسة الأوضاع فيها جميعاً تكشف أنها حليفة مهمة للغرب، وفى بعضها استقرار اقتصادى جيد نسبياً، ومعظمها لم توقع على معاهدات حقوق الإنسان ونظم الحكم فيها يمكن أن توصف بأنها ديكتاتورية ، وفيها قيود حرية الصحافة وحرية الاجتماع، ويحظر فيها توجيه النقد إلى الحكام وكل السلطات فى يد الحكام فى الواقع وفى بعض الدول الإسلامية تخضع الصحافة للرقابة، وتمنع بعض الصحف الأجنبية، وفيها دساتير تنص على مبادئ مهمة مثل استقلال القضاء، وافتراض البراءة فى المتهم، والحق فى الدفاع، ولكن هذه المبادئ المكتوبة لا تنفذ فى عدد من الدول الإسلامية، فضلا عن التوسع فى عقوبة الإعدام، وفى بعض الدول الإسلامية أعطيت المرأة الحق فى التصويت فى الانتخابات، وفى بعضها أعطيت الحق فى الترشيح للمجالس النيابية، وفى بعضها تتولى المرأة وظائف مهمة، لكن ذلك يتم فى حدود ضيقة لا يمكن تجاوزها، وفى بعض الدول الإسلامية تخضع القوانين وأنظمة الحكم للتفسير المتشدد للقرآن، ويسيطر المتشددون على الأمور بعقلية المذاهب المتشددة التى كانت موجودة فى القرن الثامن عشر، ويحظر فى بعض الدول الإسلامية أن ترتاد المرأة المطاعم والأماكن العامة.

ويقول الكاتب الألمانى إن من المحظورات فى العالم الإسلامى أن يمارس المواطنون حقهم فى إبداء رأى معارض لما يقرره الحكام، وبعض الدول الإسلامية ليس فيها أحزاب سياسية، أو منابر للمعارضة، ويخضع القضاء الجنائى للتوجيه من السلطات الحاكمة تبعاً للظروف، وفى بعض الدول الإسلامية يتم تنفيذ عقوبة الإعدام بقطع الرقبة بالسيف أمام الجماهير، وليس من الممكن معرفة أعداد المعتقلين السياسيين فى أى دولة من الدول الإسلامية، وبعض هذه الدول لا يستطيع الصحفيون الأجانب الدخول أو التجول فيها أو لقاء المواطنين بحرية، وتتلخص سياسة عدد كبير من الدول الإسلامية فى عبارة واحدة (السعى دائماً إلى الاحتفاظ بالسلطة)، وفى إحدى الدول الإسلامية اكتشفت منظمات حقوق الإنسان أن سجن النساء لا توجد فيه مرافق صحية ولذلك تنتشر فيه الأوبئة، ويعتبر خروج المرأة بدون النقاب جريمة جنائية عقوبتها الجلد، فضلا عن خضوع المجتمعات الإسلامية للمراقبة طول الوقت من خلال أجهزة متعددة، وأجهزة الإعلام فيها خاضعة للحكومات ويستحيل إبداء رأى مختلف عما تقرر الحكومات لا عبر التليفزيون ولا عن طريق الصحف، وممارسة التعذيب أمر مألوف فى معظم الدول الإسلامية.

ويقول الكاتب الألمانى أيضاً أن الفساد ينتشر فى الدول الإسلامية، وأجهزة الشرطة والقضاء وهذا لا يتفق مع المعايير الموجودة فى أية دولة دستورية من دول الغرب المتقدمة، ومن يخرج على القواعد الراسخة يجد حسابا عسيراً.

***

وما ينشر للإساءة إلى الإسلام فى الغرب أكثر من ذلك بكثير، ومن ذلك مقال ايريش فولات فى عدد مجلة دير شبيجل أكبر المجلات الألمانية يوم 2 يونيو 2001 تحت عنوان (من كان محمد؟.. وما هو سر الإسلام؟).. وفيه أن الخيال الواسع للرواة وصف النبى محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه كان ضعيفا تجاه العطور والنساء، وقد رأى أهل مكة أنه قد أصابه (مس من الشيطان) وأن رسالته (أضغاث أحلام) وكان أكثر اتباعه من الطبقة الدنيا، وظل فى مكة 12 عاما يدعو إلى الإسلام فلم يؤمن به سوى بضع عشرات فاضطر إلى الهجرة فى يوم 16 يوليو عام 622 ميلادية، وكانت الهجرة مرحلة جديدة فى تاريخ العالم، إذ بدأ صعود محمد صلى الله عليه وسلم كالنيازك، حيث أسس فى المدينة دعامة قوية للإسلام ووضع قواعد إمبراطورية عالمية، وكانت المدينة تعانى من الصراعات بين قبيلتين عربيتين تمثلان نصف السكان، ولذلك كانت المدينة تبحث عن شخص من خارجها يوحد كلمتها تحت لواء أية رسالة، ولهذا كانوا على استعداد لتقبل دعوة محمد الذى أصبح الحكم بين المتنازعين ووضع ميثاقا للتضامن بين القبائل لإقامة مجتمع موحد، وفى هذا الميثاق دعا إلى ترك الربا والقمار والخمر، وحدد نظام تقسيم الميراث من يأخذ النصف ومن يأخذ الثلثين ومن يأخذ الثلث فقط، وأوجب على التاجر أن يزن بضاعته بأمانة، وفرض القصاص على السارق بقطع يده، ونظم كل مجالات الحياة من تنظيف الأسنان وغسل اليدين إلى المعاشرة الزوجية، فالله فى دينه يهتم بكل الأمور سواء كانت كبيرة أو صغيرة، وفى هذا يختلف عن المسيح الذى كان مبدؤه كما قال إنجيل يوحنا: (مملكتى ليست فى هذا العالم) أما فى الإسلام فلا يوجد منذ البداية هذا الفصل بين الدين والدنيا.

وفى هذا المقال أيضاً: أن محمدا صلى الله عليه وسلم حسن وضع الفقراء، ولكنه لم يفكر مطلقا فى إلغاء نظام الرق، ومن المزعج حقا موقفه المتأرجح من العنف، ولذلك عندما قام بترسيخ مكانته فى المدينة بدأ فى الغزوات حتى أنه فى إحدى المرات أمر المسلمين بشن الهجوم على قافلة يملكها أهل مكة وكان ذلك فى أحد الأشهر الحرم التى يحرم فيها القتال، وبذلك خرق السلام المفروض فى تلك الأشهر، وبررت الآية 217 من سورة البقرة هذا الخرق وأقرت القتال فى الأشهر الحرم، وحين انتصر المسلمون فى غزوة بدر اعتبر المسلمون هذا النصر من الله، ولكن عندما هاجمهم أهل مكة للانتقام فى غزوة الخندق لجأوا إلى تكتيك دنيوى هو حفر خندق واسع حول المدينة فلم تتمكن خيول الأعداء من اجتيازه، ولم يقل المسلمون أن هذا النصر من الله!.

ويقول المقال: إن محمدا صلى الله عليه وسلم عندما تأهب لغزو مكة كان عليه أن يعالج مشكلة اليهود فى المدينة، وكان يكن لهم الاحترام، ويتوقع منهم أن يعترفوا بالإسلام ويعتبروه تطورا واستمرارا لعقيدتهم، ولكن اليهود لم يعترفوا بمحمد نبياً، وخرقوا العهد الذى كان قائماً بينهم وبينه، وجاء تغيير قبلة المسلمين من القدس إلى مكة صدمة لأتباعه ويقول المقال: (وادعى محمد نسبه إلى الأب الأول إبراهيم، بأن أعلن أن إبراهيم كان المسلم الأول، وزعم محمد أن إبراهيم أحضر قديماً الحجر الأسود إلى الكعبة وصلى فيها وبذلك فالإسلام ليس المكمل للأديان ولكنه أصل كل الأديان التى تقوم على مبدأ التوحيد).. ويستشهد المقال بقول عالم الدراسات الإسلامية الهولندى سنوك هورجرويه، بأن الإسلام أكثر الإبداعات الدينية عبقرية على الاطلاق، كما يزعم المقال أن محمدا صلى الله عليه وسلم نجا بصعوبة من محاولة لقتله قام بها شخص يهودى، وانتقم لذلك من اليهود بطردهم من المدينة، وبعد ذلك تمتع اليهود مع المسيحيين بامتيازات باعتبارهم (أهل الكتاب) ويختلف وضعهم عن وضع المشركين الكفار، وأصبح لهم الحق فى العيش بحرية فى المجتمعات التى يحميها المسلمون نظير ضريبة على كل فرد منهم تسمى (الجزية) وعندما بدأ الانحلال فى مكة يتسبب فى تشتت شمل العشائر والقبائل (وساد نظام القيم التقليدى فيها الانحلال والفساد، وتدهور حال الأغنياء وأصبح العامة معدمين، دخل جيش المسلمين مكة بدون قتال بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم ليملأ هذا الفراغ الروحى والسياسى)!.

ويقول المقال إن محمدا صلى الله عليه وسلم حطم الأصنام فى ساحة الكعبة، وجعلها مكانا لعبادة الله الواحد، وتعامل بتسامح ورحمة متناهية مع أعدائه السابقين ودعا إلى الإخاء بدلا من الانتقام، وكان يفضل الدبلوماسية لنشر تعاليم دينه، ويعتبر الزواج ضمن هذه السياسة، فقد تزوج 13 زوجة أكثرهن كن أرامل من أجل أن يربط أصولا أخرى إلى نسبه وكانت الجوارى يمثلن بالنسبة له عبئاً إلى جانب المتعة، فكان يئن تحت وطأة مكائد زوجاته، فلقد كان رجلا ولم يكن ملاكاً!.

ويقول المقال إن محمدا صلى الله عليه وسلم توفى يوم 6 يونيو عام 632 ميلادية تاركا تسع زوجات وقفن على قبره فى المدينة، وفى ساعاته الأخيرة كان يرى المستقبل وحذر من حدوث انقسامات بين أتباعه فقال: لقد تفرق اليهود إلى 71 فرقة، والمسيحيون إلى 72 فرقة، أما أنتم فسوف تتفرقون إلى 73 فرقة، وانتشر الإسلام بعد ذلك بسرعة، ولكن تحققت نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم فتفرق المسلمون وتنازعوا فيما بينهم، ولم يمر ثلاثون عاماً على وفاته حتى وقع الشقاق الكبير حيث رأت جماعة من المؤمنين أن عليا بن أبى طالب، ابن عم النبى، هو الوحيد الذى يستحق أن يكون خليفة له، وحدث الانقسام بعد مقتل الإمام على عام 661 ميلادية بين شيعته وغالبية المسلمين، وينتظر معظم هؤلاء الشيعة إلى اليوم عودة الإمام الثانى عشر الذى اختفى فى القرن التاسع بطريقة غامضة، وهؤلاء هم الذين يشعرون بأنهم مغلوبون، ويؤمنون بالاستشهاد وتعذيب الذات بطريقة أقرب إلى الهوس، وفى إيران مازال رجال الدين إلى اليوم يتصرفون على أنهم نواب للإمام الثانى عشر وأشهرهم زعيم الثورة آية الله خومينى، وإن كان الشيعة يتخذون القرآن مرجعاً لهم مثل أهل السنة، إلا أنهم يرفضون الأحاديث التى يستند إليها أغلبية أهل السنة، ويتهم الشيعة كثيرين من الصحابة بالتحريف، ويتم تداول حوالى نصف مليون حديث عبارة عن خليط من الروايات المشكوك فى صحتها، والتفسيرات المتسرعة نسبيا للأحاديث، ولم يتم إقرار سوى تسعة آلاف حديث منها بشكل عام بالرغم من أنها تتضمن بعض الأخطاء!، ويسمح أهل السنة بانتقاد تلك الأحاديث فى نطاق ضيق، ولكنهم متفقون على القرآن الذى يشمل 114 سورة بها 6236 آية، ويذكر مكان نزول كل آية منها فى مكة أو المدينة، ولكن المصحف ليس مرتبا ترتيبا زمنياً بحسب النزول، ولكنه مرتب بطريقة أخرى، والإسلام دين بدون خطايا موروثة،بدون ثالوث، بدون بابا، بدون وسطاء، وبدون ابن لله على الأرض، وفى القرآن، آيات تؤيد مبادئ من الإنجيل.

ويقول المقال: سواء كان القرآن هو كلمة الله، أو من عمل إنسان عبقرى، فإن الأفكار والعقول تختلف اليوم عندما يتعلق بتفسير موقف الإسلام من المرأة- والحرب ويقول البعض فى الغرب إن المبادئ  التى جاء بها القرآن غير إنسانية، بينما يقول البعض الآخر إن المبادئ فى القرآن تقدمية، وإن كان وزير الأوقاف المصرى حمدى زقزوق يذكر فى حديث مع مجلة دير شبيجل أن القرآن لم يذكر أبدا أن النساء ليس لهن الحق فى التعليم والعمل، وأن القرآن يرفض كل أنواع الظلم الاجتماعى الأخرى الواقعة على المرأة، مثل القيود التى كان يفرضها نظام حكم طالبان فى أفغانستان، إلا أن مقال ايريش فولات يعود مرة أخرى إلى القول بأن الإسلام يؤسس مجتمع الرجال، وربما يكون قد فكر فى قضية عدم المساواة بين الرجل والمرأة ولكنه لم يتمكن من أن يتخطاها، لأن القرآن وضع قاعدة (الرجال قوامون على النساء) وإذا فعلت المرأة ما يخالف أمر زوجها يبيح القرآن للزوج أن يضرب الزوجة ويهجرها فى الفراش.!

يقول المقال أيضا: إن الحجاب فرض على المرأة المسلمة من أجل حمايتها (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) (الأحزاب- 59) وقد تسببت الحروب فى عهد النبى (صلى الله عليه وسلم) فى وقوع العديد من النساء فى الأسر، وعرضهن للبيع فى سوق الجوارى، كما فقد كثير من النساء أزواجهن فى الحروب، وقد حرم القرآن البغاء، وسمح بالزواج بأكثر من واحدة بحيث لا يزيد العدد على أربع زوجات لكل رجل.

هل يحتاج الأمر إلى شرح كيف يشوهون الإسلام فى عيون الرأى العام فى الدول الغربية، وكيف يشوهون تاريخ الإسلام، وكيف يشوهون صورة الرسول صلى الله عليه وسلم.؟

***

والورقة الرابحة التى يستخدمونها لإثارة الكراهية والعداء للإسلام هى الوضع المهين للمرأة فى الإسلام إلى حد حرمان المرأة من الحق فى الحياة، ومن الحرية التى هى حق لكل إنسان، كما قالت سوزان ساتشر فى مقالها فى صحيفة هيرالد تريبيون يوم 19 ديسمبر 2001 بعنوان (النساء المسلمات يطالبن بالحق فى الحياة) وقالت فيه: إن المبادئ النظرية للإسلام تقرر الحقوق للمرأة، ولكن فى معظم الدول الإسلامية الرجل هو القانون، وهو المفسر للشريعة، وهو الذى يحدد الإطار الذى يجب أن تتحرك فيه المرأة. إذ يستطيع الرجل منع زوجته من السفر مستندا إلى حقه الشرعى فى ذلك، ويستطيع الأب أن يزوج ابنته رغما عنها، ويتحتم عليها بالشرع والقانون طاعته، ويستطيع الزوج حبس زوجته والعيش معها فى حياة خالية من الحب فيما عدا بعض حالات استثنائية، والزوجة مقيدة لا تستطيع الفكاك من قيود الزوجية كأنها فى سجن أما الرجل فيستطيع تحرير نفسه من الزوجية بمجرد التلفظ بكلمة واحدة: الطلاق!

وإن كان زمن حبس المرأة فى البيت طول عمرها قد انتهى فى بعض الدول الإسلامية، إلا أن معظم المجتمعات الإسلامية مصممة على أن الحداثة تتعارض مع الإسلام، والنساء يطالبن بتعديل القوانين والنظم التى تفرض على المرأة أوضاع التبعية للرجل، لكن هذه الدعوات تواجه بالمعارضة باعتبارها مخالفة لأحكام شريعة الإسلام. هذه القيود من موروثات المجتمعات الشرقية، ومن تفسيرات القرآن والسنّة، ومن شيوع الاتجاه إلى رفض الثقافة العالمية العصرية والانكفاء على ثقافة العصور الوسطى، فى ظل هذه العوامل يبدو الإسلام على أنه عائق للتقدم.

تقول الكاتبة الأمريكية: إن الشريعة الإسلامية تفرض القوانين التى جعلت المجتمعات الإسلامية مجتمعات للرجال، ومجتمعات أبوية، كما الحال فى القرون الوسطى، وهناك حركة نسائية تطالب بحقوق الإنسان للمرأة ولكن هذه الحركة تواجه صعوبات دينية وقانونية واجتماعية، وتواجه معركة ضارية من المتعصبين، مع أن النساء المسلمات يؤكدن دائما أنهن لا يردن المساواة بالصورة التى تمارس بها المرأة حريتها فى الغرب، ولكنهن يردن المساواة فى إطار الشريعة ووفقا للتفسير المعتدل للنصوص القرآنية، ومع ذلك فإن المرأة التى تطالب بذلك تتهم بأنها عدو للإسلام وعميل من عملاء الغرب، والحركات الإسلامية المتشددة تجعل من موضوع المرأة موضوعا للصراع على السلطة مع الحكام المسلمين المعتدلين. وقد رفض الإسلاميون فى البرلمان الكويتى منح المرأة الحق فى التصويت فقط وليس فى الترشيح فى الانتخابات، وقاوم الإسلاميون اتجاه الحكومة فى الأردن لإنهاء حق الرجال فى قتل النساء فى قضايا الشرف، وفى المغرب انقسم المجتمع عندما اقترحت الحكومة إلغاء التفرقة فى القوانين بين حقوق المرأة وحقوق الرجل، وفى عام 2000 سار أكثر من 400 ألف شخص فى مظاهرة عامة للتعبير عن رفضهم لذلك الاتجاه باعتباره اعتداء على مبادئ الشريعة الإسلامية. والأكثر إثارة ما حدث من جدل عنيف تحول إلى معركة أكثر من أن يكون حوارا عندما طرح مشروعا لتعديل قانون الأحوال الشخصية لإعطاء المرأة الحق فى الطلاق بدلاً من أن يفرض عليها العيش بالإكراه مع رجل لا تطيقه، كذلك قاوم التيار الإسلامى فى المغرب مشروع قانون لرفع سن زواج الفتيات إلى 18 سنة بعد أن كان 15 سنة، ومنع تعدد الزوجات فى بعض الأحوال، والسماح للمرأة بعد الطلاق بحضانة أطفالها حتى لو تزوجت برجل آخر، وحق المرأة فى الاحتفاظ بالهدايا التى قدمها لها الزوج بدلاً من القانون الحالى الذى لا يعطيها الحق فى استرداد إلا ما كانت تملكه قبل الزواج من ممتلكات شخصية، ونظمت الجماعة الإسلامية حملة لتوجيه الاتهام لمؤيدى هذا المشروع بأنهم عملاء يعملون على هدم العالم الإسلامى وتدمير ثقافته ونشر الثقافة والبدع الغربية، وأعلنت هذه الجماعة أنها هى (خط الدفاع) الوحيد عن الإسلام عند غزو الثقافة والأفكار الأجنبية. وقالت ابنة زعيم هذه الجماعة (نحن نرفض هذا المشروع لمجرد أنه مقدم من نساء متأثرات بالثقافة والعقلية الغربية)، والقانون فى المغرب لا يعطى المرأة الحق فى الطلاق إلا برفع دعوى أمام المحكمة وقبول دفع أى مبلغ يطلبه الزوج مقابل قبوله للطلاق! وقال زعيم الجماعة الإسلامية: إذا وضعنا نظاما مثل الغرب بأن تأخذ الزوجة نصف ما يملكه الزوج عند الطلاق فلماذا تبقى معه؟

وتقول الكاتبة: إن المسلمين يرددون أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين بمعاملة المرأة باحترام، ولكن الذى يحدث أن هذا الاحترام تحول إلى السيطرة والاستعباد.

هل رأيت كيف ينظرون، وكيف يتحدثون عن الإسلام؟

***

وفى صحيفة هيرالد تريبيون أيضا وفى يوم 10 يناير 2002 مقال بعنوان: (ليس صراع الحضارات بل صراع المصالح) بقلم أميتاب آكاريا قال فيه: إن انهيار نظام طالبان فى أفغانستان بالقوة العسكرية الأمريكية يعنى هزيمة النظرية التى ظهرت من رماد الحرب الباردة عن صراع الحضارات، وكانت هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة أول اختيار لهذه النظرية، وتأكدت بعد أن استخدم الرئيس الأمريكى بوش تعبير (الحملة الصليبية) بما ينطوى عليه من إيحاء بأن هذه حرب مسيحية ضد المسلمين، وكذلك أعلن الإرهابيون أن الهجمات التى يقومون بها هى حرب إسلامية ضد المسيحيين واليهود، ومع ذلك فقد ثبت من رد الفعل لدى الحكومات والشعوب فى العالم أن هذا ليس صراعا بين الحضارات، ولكنه صراع على المصالح، أما قضية الحضارات فلم يكن لها إلا دور هامشى. فقد أدانت الدول الإسلامية جميعها هذه الهجمات الإرهابية، وأقرت حق الولايات المتحدة فى الانتقام من طالبان وعرض البعض منها تقديم مساعدات مالية وعسكرية، وأدانت بن لادن الدول الإسلامية من السعودية حتى باكستان، ومن إيران إلى إندونيسيا، وأعلن الرئيس الباكستانى ومساعدوه رفضهم لهؤلاء الإرهابيين لأنهم يقدمون صورة سيئة عن الإسلام، بالرغم من رعاية باكستان لطالبان على مدى سنوات طويلة، وبالرغم من الغضب الشديد الذى أبداه المتطرفون فى باكستان، وعرضت باكستان تقديم المساعدات للقوات الأمريكية المقاتلة ضد طالبان والقاعدة. وهذا ما فعلته ميجاواتى سوكارنو رئيسة إندونيسيا.

ويقول المقال: إن إيران كذلك، التى ظلت عشرات السنين تقود الحملات الإسلامية الثورية ضد الولايات المتحدة أعلنت رفضها لحركة طالبان، لأن إيران فى ظل الحكم الإصلاحى الذى يقوده محمد خاتمى وجدت فى الحرب الأمريكية على طالبان فرصة للتخلص من نظام معاد لها كان قائما على حدودها، وقدمت كل الدول الإسلامية المصالح، وانضمت إلى المبادئ الدولية الجديدة، وتراجعت لديها العاطفة والهوية الدينية. والثقافية التى كانت تقول إنها تتخطى الحدود.. وعلى سبيل المثال فإن باكستان كانت محتاجة إلى مساندة أمريكا وإقرارها للنظام العسكرى الحاكم فيها، وإندونيسيا كان تأييدها بالغ الأهمية لأمريكا لإعطاء الشرعية للحملة العسكرية الأمريكية ضد الإرهاب فى العالم، فإندونيسيا أكبر دول العالم الإسلامى، وفى مقابل هذا الموقف حصلت من أمريكا على مساعدات اقتصادية وسياسية. وفى ماليزيا- كما فى إندونيسيا- كانت الحرب على الإرهاب فرصة للحكومة فيهما لقمع المتطرفين الإسلاميين الذين كانوا فى موقف التحدى الدائم للحكومتين، وسببا فى إثارة الفوضى والشغب. وهكذا تقبلت الدول الإسلامية حرب الولايات المتحدة باعتبارها إقرارا بحق كل دولة فى الدفاع عن نفسها، دون أن يفكر أحد طبعا فى أن يكون هذا الحق لطالبان أيضا.. وعندما خيرت الدول الإسلامية بين الانضمام إلى أمريكا أو الانضمام إلى الإرهابيين، وقفت دول العالم فى جبهة واحدة لم يسبق لها مثيل ضد الإرهابيين، وذلك بالرغم من التحفظات التى تبديها الحكومات والشعوب الإسلامية بشأن السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، والقلق الذى يسود العالم الإسلامى بسبب تساقط القتلى المدنيين فى فلسطين بعد وصول شارون إلى الحكم وفى أفغانستان فى الحرب الأمريكية لقتل بن لادن والظواهرى والملا محمد عمر، والتخوف من الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية الأمريكية على العالم.

ويخلص المقال إلى أن نظرية صراع الحضارات لم تكن هى المحرك للدول على المستوى الداخلى أو على المسرح الدولى، وأدان الزعماء المسلمون الهجمات الإرهابية باعتبارها عملا يتعارض مع الإسلام، ولم يتحقق ما كان يقال من أن الدول الإسلامية التى أيدت أمريكا فى حربها على الإرهاب فى أى مكان سوف تعانى من التمزق الداخلى والمنازعات الدينية والعرقية، فلم يحدث شىء من ذلك.. ففى باكستان استطاع الجنرال برويز مشرف التصرف بجرأة ضد المتطرفين وفشلت المظاهرات الإسلامية المعارضة لأمريكا، كما فشلت الجماعات الإسلامية فى إندونيسيا فى محاولتها حشد الجماهير لمعارضة الحرب الأمريكية، وفى ماليزيا توقف رئيس الوزراء ماهاتير محمد عن إلقاء الخطب المعارضة للهيمنة الأمريكية، ومنع المجاهدين فى ماليزيا من السفر إلى أفغانستان للقتال فى صفوف طالبان.

وينتهى المقال إلى أن ردود الفعل الدولية تجاه الهجمات الإرهابية فى 11 سبتمبر تدل على أن عنصر الدين وعنصر الحضارة لا يمكن أن يكونا البديل عن المصالح باعتبارها هى الدوافع الأساسية التى تحرك الدول وتحكم العلاقات الدولية، ويمكن فى ضوء هذه الحقيقة فهم موقف الدول الإسلامية فى رفض نداءات طالبان وبن لادن للحكومات والشعوب الإسلامية لتأييده والوقوف معه.. لأن المصالح كانت هى الدافع لتحديد موقف الدول الإسلامية، كما كانت الدافع لمواقف الدول الأوربية، وبالطبع كانت هى الدافع للحرب الأمريكية.

ومعنى ذلك أن كل نظرية تقال مثل صراع الحضارات وغيرها ليست إلا غطاء للتمويه والتغطية وإخفاء الأسباب الحقيقية لما يجرى فى العالم من حروب وصراعات مع بداية القرن الحادى والعشرين
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف