المسلمون هم الضحية قبل وبعد 11 سبتمبر
 قبل تفجير برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية فى واشنطن كانت حملة الكراهية للإسلام والمسلمين قائمة فى الولايات المتحدة، ولكن هذه الحملة بعد هذه الأحداث الإجرامية التى وقعت فى 11 سبتمبر 2001 تحولت إلى حالة عامة من العداء.

وامتدت هذه الحالة من الولايات المتحدة إلى دول أوربا، وكان واضحا أن هناك من ينفخ فى النار ويوجه مشاعر الكراهية والسخط على الإرهاب إلى كراهية وسخط على المسلمين عموماً، وتصوير المسلمين جميعاً على أنهم إرهابيون، وأن هذا الإرهاب مصدره الإسلام ذاته كدين يدعو أتباعه إلى (الجهاد) ضد الكفار، ويعتبر غير المسلمين جميعاً كفارا، بل يسمح للمسلمين بالحكم على مسلمين بأنهم كفار!.

ولوزير الدفاع الأمريكى مستشار مسلم هو الدكتور يحيى هندى، وهو فى نفس الوقت رئيس المجلس الفقهى لشمال أمريكا ورئيس المؤتمر العام لشئون المسلمين فى أمريكا، وقد زار الدكتور يحيى هندى القاهرة فى سبتمبر 2002 وأدلى بأحاديث صحفية قال فيها: إن اللوبى اليهودى وبعض الجماعات الأخرى التى تناهض الإسلام فى الولايات المتحدة عملت على استغلال أحداث سبتمبر لبناء سد منيع بين الأمريكيين والإسلام، وهدفهم من ذلك منع انتشار الإسلام فى الولايات المتحدة وأوروبا، وقال أيضاً إن هذا الحادث حول النظريات والأيديولوجيات السياسية التى سيطرت على أفكار السياسيين فى العالم فى الآونة الأخيرة، وكان تأثيره بالغا على العلاقة بين الديانات السماوية، بعد شيوع الاتهام للمسلمين عن هذا الحادث، وانتهز اليهود الفرصة لخدمة أهدافهم فى الشرق الأوسط، فساعدوا على تأجيج الحملة ضد الإسلام والمسلمين، وأدى ذلك إلى انتشار الفزع والخوف لدى المسلمين فى الولايات المتحدة، لكن الإعلام الأمريكى، والإعلام الغربى عموما ظل يعبر عن موقف عدائى ضد الإسلام والمسلمين وهو الموقف الذى ظل الإعلام الغربى ثابتا عليه منذ سنوات عديدة بسبب سيطرة اليهود على وسائل الإعلام، وتأثير ما تردده وسائل الإعلام على عقول ومشاعر وآراء الشعب الأمريكى، وانعكس ذلك فى إساءة معاملة المسلمين، ورغم تصريحات بعض المسئولين بأن الحرب فى أفغانستان وغيرها هى حرب على الإرهاب وليست حربا على الإسلام فإن الرأى العام السائد يتبنى نظرية المؤامرة من المسلمين على الغرب.

وقال مستشار وزير الدفاع الأمريكى فى تصريحاته: إن المسلمين فى الولايات المتحدة تعرضوا بعد هذه الأحداث لممارسات عنصرية وعدوانية، وذلك بعد توجيه الاتهام إلى المسلمين. فقامت وسائل الإعلام بشن حملة على المسلمين وعلى الإسلام عامة وليس على المجرمين وحدهم.

وقال أيضاً إن فى الولايات المتحدة من يحاربون الإسلام والمسلمين بعد أن أصبحت كل الولايات لا تخلو من مسلمين، كما أصبح فيها 6 آلاف مؤسسة إسلامية تشمل مساجد ومدارس وجمعيات للدفاع عن حقوق المسلمين فى أمريكا.

***

وفى الاتحاد الأوروبى مكتب فى فيينا عاصمة النمسا لمراقبة التمييز والحد من كراهية الأجانب برئاسة بوب بوركينز والسيدة بياتا فينكلر، وبعد الهجمات الإرهابية فى الولايات المتحدة فى سبتمبر 2001  أعد هذا المكتب تقريرا عن ردود الأفعال المناهضة للإسلام والمسلمين فى دول الاتحاد الأوربى الخمس عشرة، ويسجل هذا التقرير الأعمال وردود الأفعال التى اتخذت طابعا عدوانيا، وتغييرا واضحا فى سلوك قطاع من الأوروبيين تجاه المسلمين، ويشير التقرير إلى أن الجاليات الإسلامية أصبحت هدفا للاعتداء، وأن الاعتداء يتزايد ، كما يتزايد الشعور بالخوف من المسلمين فى الرأى العام الأوربى عموما، ويظهر هذا الشعور فى الأعمال العدوانية، والتحرشات التى يتعرض لها المسلمون، والسيدات المسلمات المحجبات بوجه خاص.

ويتحدث هذا التقرير الذى صدر فى أغسطس 2002 عن مظاهر التوتر بين الأوروبيين والمسلمين، ويؤكد أن الأمور وصلت إلى مرحلة بالغة الأهمية تفوق كل ما كان قبلها، مما يقتضى بذل الجهود والقيام بالمبادرات لتهدئة هذه الحالة من الكراهية والاعتداءات التى يتعرض لها المسلمون، ويقدم التقرير تحليلا للاعتداءات التى وقعت على المسلمين فى كل دولة من دول الاتحاد الأوروبى والتى تمثل اعتداءات على حقوق الإنسان، ويسجل التقرير قيام بعض الدول الأوروبية بمحاولات لتطويق ومنع تفاقم هذه الحالة.

***

 

وفى هامبورج بألمانيا جرت محاكمة منير المتصدق وهو شاب مغربى متهم بالإرهاب والانضمام إلى تنظيم القاعدة والتدريب فى معسكراتها فى أفغانستان، فتحولت المحاكمة من اتهام لشخص إلى اتهام بالإرهاب لعموم المسلمين وللدين الإسلامى، وحين وصفت تريستانا مور مراسلة الإذاعة البريطانية جو المحاكمة قالت: إن وسائل الإعلام العالمية توافدت على تلك المدينة الألمانية المشهورة تاريخيا بتقاليدها الليبرالية، ولكنها أصبحت مشهورة باستضافتها لمجموعة من الإرهابيين عاشوا فيها سنين دون أن يلفتوا الأنظار، ووصفت تجمع حشود من قوات الشرطة المجهزة تجهيزا كاملا بمعدات مكافحة الشغب وملأوا الشوارع المحيطة بالمحكمة، ووضعوا المتهم فى قفص زجاجى مقاوم للرصاص، وسادت فكرة أن مسجد القدس فى الحى الإسلامى فى هامبورج هو المكان الذى يلقن فيه الشباب فكر التشدد والإرهاب، كما انتشرت فكرة أن (كل مسلم يعتبر مشروعا إرهابيا) وقال أحد المسلمين لمراسلة الإذاعة البريطانية: إن الرئيس الأمريكى بوش يشعل النار بما يسميه الحرب على الإرهاب ولكن المسلمين الأبرياء يعانون. وسمعت المراسلة أيضاً من يقول إن كل ما يفعله المسلمون هو خلق المشاكل، كما سمعت كذلك أن المسلمين غير موثوق فيهم فى أى مكان يوجدون فيه وأن الغضب يولد الانتقام وأن المتصدق قد يكون مجنونا، ولكن انظر إلى الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطانى تونى بلير، انهما أيضاً مجنونان، إنهما يخططان لحرب ثانية ضد مسلمين.. أليس هذا جنوناً؟.

وما سمعته مراسلة الإذاعة البريطانية يعكس حالة التوتر والشكوك والغضب على الجانبين.

***

وربما كان عنوان المقـال الذى نشرته صحيفــة (لاسـتامبا) الإيطالية يوم 8 سبتمبر 2002 معبرا عن الحالة التى يعانى منها المسلمون فى الغرب فقد كان عنوان المقال: (حرب ضد الإرهاب أم ضد الإسلام) وقالت فيه إن الدول الأوربية والولايات المتحدة اتخذت قرارا بالحرب ضد الإرهاب، دون أن تكون هذه الحرب موجهة إلى الإرهاب من جانب مجموعات الباسك فى أسبانيا، أو جماعات الإرهاب وعصابات المخدرات فى كولومبيا، أو جماعات التاميل فى سرى لانكا، أو الإرهاب فى أيرلندا، ولكن هذه الحرب موجهة فقط إلى الإرهاب الإسلامى، دون تحديد لمفهوم الإرهاب وتحديد ما هو إرهاب وما ليس كذلك، وهل تعتبر كل صورة من صور العنف أو التهديد بالعنف ضد المدنيين إرهابا ما دامت تتم لتحقيق أهداف سياسية ؟.. فإذا كان الأمر كذلك فسوف يعتبر إرهابا قصف الأحياء السكنية فى لندن فى الحرب العالمية الثانية، وإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، وإذا اندرج تحت مفهوم الإرهاب النضال المسلح لحركات التحرير الوطنى، فسوف يعتبر إرهابا نضال الأفغان ضد الاحتلال السوفيتى الذى كانت ترعاه وتدعمه الولايات المتحدة.. واليوم توجه الحرب ضد الإرهاب وضد التهديد الإرهابى الذى يسمى (الإرهاب الإسلامى) الموجه إلى الولايات المتحدة والعالم الغربى فقط، أما (الإرهاب الإسلامى) الموجه إلى دول أخرى فلا يهم!.. ومنذ أعوام والمذابح دائرة فى الجزائر بلا رحمة، وبدون أن يتخذ المجتمع الدولى أية مبادرات لوضع نهاية لها، وقد أصدر (والتر لاكور) كتابا ذكر فيه أن (الإسلام) متورط فى ستة عشر نزاعا من العشرين نزاعا التى تفجرت فى أنحاء متفرقة من العالم خلال عام 2000 فقط، أما مؤسسة (بيت الحرية) الأمريكية التى تعد تقاريرها عن حقوق الإنسان فى العالم فقد ذكرت فى عام 2000 أنه من بين 51 دولة (محرومة من الحرية) فى العالم توجد 46 دولة كل سكانها، أو جزء كبير من سكانها يعتنق الدين الإسلامى، كما لو كان هناك ارتباط بين الإسلام وغياب الديمقراطية،وبين الإسلام والإرهاب وبين الإسلام ومعاداة الغرب.

وفى هذا المقال بقلم بوريس بيانكيرى  أن الإطار العام والفلسفى للحرب ضد الإرهاب ليس كل شىء، ولكن الأهم هو العلاقة بين العالم الإسلامى والعالم غير الإسلامى، علما بأن العالم الإسلامى فى داخله جماعات متطرفة وأصولية تهدف إلى توجيه الضربات إلى القيم الغربية، وفرض القانون الإسلامى والقيم الإسلامية فى جميع أرجاء العالم عن طريق القوة و(الجهاد)، وهكذا بعد أفول الاستعمار الاستيطانى يزداد اليوم تأثير ونفوذ الإسلام فى العالم بصورة تفوق العادة، وسكان العام الإسلامى يزدادون، ويتغلغلون فى عديد من الدول خارج العالم الإسلامى،وهناك من يؤكد أن التشدد الإسلامى ينمو ويزداد، ويكسب تعاطف الطبقات الشعبية،كما أن هناك من يرى أن الدول الإسلامية المعتدلة تتعرض للخطر بينما هى التى تقوم بالدور الأساسى فى تحقيق التوازنات السياسية والاقتصادية.

وفى النهاية يقول المقال: إن أحداث 11 سبتمبر جعلتنا نحدد التساؤلات دون التوصل إلى إجابات لها، ويقول المتشائمون فى الغرب إنه فى جميع المناطق التى يتجاور فيها الإسلام مع الثقافات الأخرى تكون الجماعات الإسلامية المتطرفة عدوانية بصورة لا يمكن تجاهل أو تقليل حجمها، والتحليلات المتناقضة تدل على أننا وسط مستنقع، وأننا أمام منافسة بين الثقافات المختلفة، وهذا هو الدرس الأول للحادى عشر من سبتمبر!

***

وفى فرنسا يبدو أن فيها من يرى أن الدرس الثانى لأحداث سبتمبر من وجهة نظرهم هو استحالة أو صعوبة التعايش مع الإسلام، وقد عبرت عن هذا الاتجاه صحيفة الفيجارو الشهيرة فى عددها الصادر يوم 11 يوليو 2002 فى مقال بقلم لور موندوفيل بعنوان (الأوروبيون يتساءلون عن كيفية التعايش مع الإسلام) يقول فيه إن الأوربيين يشعرون منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر بأنهم لا يفهمون حقيقة التهديد الإسلامى، وهذا ما جعل هذا التهديد الإسلامى محور اهتمام الحكومات فى أنحاء أوروبا، ويزداد التركيز على هذا التهديد تحت ضغط الرأى العام، والرغبة فى ضبط تدفق الهجرة من الدول الإسلامية إلى أوروبا، حتى وصل المسلمون إلى بلاد الشمال مثل الدانمرك، وهولندا، والسويد، وهى بلاد كانت تعتبر دائماً ومنذ أمد بعيد ملجأ آمنا ومتساهلا لكل القادمين إليها سواء كانوا سياسيين أو غير سياسيين،ولكن الأمر اختلف بعد 11 سبتمبر، حتى أن الوزير الهولندى روجين فان بوكستل صرح لمراسل صحيفة الفيجارو عقب خروجه من اجتماع كان مخصصا لموضوع المهاجرين إلى هولندا فقال: إن هناك اتفاقا فى وجهات النظر بين وزراء الاتحاد الأوربى فى هذا الاجتماع على ضرورة معرفة (من هم الأعداء) وذلك بواسطة أجهزة المخابرات للبحث عن المشتبه فيهم والمشكوك فى أمرهم، وقالت الفيجارو إن المخابرات الهولندية وضعت أجهزة تسجيل بالصوت والصورة سرا فى مساجد هولندا، وبثت إحدى قنوات التليفزيون ذات يوم أشرطة مسجلة عليها شعائر الصلاة فى أربعة مساجد، وكان أحد الأئمة يدعو للتخلص من الرئيس الأمريكى جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلى أريئيل شارون، وإمام آخر كان يشيد بالعمليات الاستشهادية الفلسطينية، وبعد ذلك استدعى الأئمة الأربعة إلى تحقيق قضائى، وطلب البرلمان الهولندى إجراء دراسة متعمقة عن الإسلام لتطويق المسلمين فى هولندا.

وقالت الفيجارو فى هذا المقال إن مشكلة الحكومة الفرنسية مع المسلمين المقيمين فى فرنسا أنها لا تجد هيئة أو شخصًا يمثل المسلمين يمكن التحدث معه، وقد طلب وزير الداخلية من المسلمين تنظيم تمثيلهم فى فرنسا وانتخاب مجلس لتمثيل الثقافة الإسلامية، ولكن المسلمين منقسمون ولا يتفقون على شخص واحد أو هيئة واحدة، وقالت صحيفة الفيجارو إن المعارضة شديدة لإقامة معاهد لإعداد الأئمة المسلمين، كذلك واجهت المعارضة فى فرنسا الدعوة التى نادى فيها استاذ الدراسات الإسلامية بجامعة فريبورج الفرنسية لتجميع المسلمين فى فرنسا بهدف الحفاظ على هويتهم الإسلامية والتعايش مع المجتمعات التى يقيمون فيها فى نفس الوقت.

***

ونفس الاتجاه نجد له أصداء فى بريطانيا، وعلى سبيل المثال نشرت صحيفة هيرالد تريبيون يوم 14 أكتوبر 2002 مقالا بقلم جيرشوم جورينبرج بعنوان (انظر: من يرقد مع اليمين المسيحى؟) قال فيه إن الائتلاف المسيحى فى أمريكا يساند إسرائيل بقوة، وينظم المسيرات التى تضم الآلاف لإعلان تأييدهم لها، وبعض اليهود الأمريكيين ومنهم الزعماء الذين لم يقبلوا من قبل أن تكون لهم صلة أو علاقة باليمين المسيحى، لكنهم يشيرون الآن إلى وجود تحالف سياسى جديد ومهم بين اليهود واليمين المسيحى فى أمريكا. ويقولون إن إسرائيل لابد أن ترحب بمساعدة هذه الجماعات المسيحية التى تعلن صراحة عن حبها للدولة اليهودية، ويقول جيرشوم جورينبرج إن هذه العلاقة فى امريكا بين إسرائيل واليهود من ناحية وتيار اليمين المسيحى من ناحية أخرى هى فى حقيقتها علاقة استغلالية غريبة، لأن مبادئ الإنجيليين المحافظين تمثل من حيث المبدأ مشكلة للإسرائيليين ولليهود الأمريكيين، فى مقابل فائدة وهمية قصيرة الأجل، ولذلك فإن من الأفضل لليهود أن يتعاملوا مع الانجيليين وفقا للمثل العبرى القائل (تعامل مع الآخر وتشكك فيه) بقبول هذا التحالف. وفى نفس الوقت تعريف الجماهير اليهودية بأوجه الاختلاف بينهم وبين اليمين المسيحى حتى ولو كانوا فى بعض الأحيان يتبعون نفس السياسات التى يتبعها اليهود.

ويقول المقال إن وجهة نظر اليمين المسيحى تجاه إسرائيل تنبع من ازدواج الموقف اللاهوتى لليمين المسيحى، فهم من قبل لهم موقف مناهض لليهود كانوا يعتبرون الشعب اليهودى شعبا مصابا بالعمى الروحى لعدم اعترافه بالمسيح، ولكن تيار اليمين المسيحى فى ذات الوقت يقول إن الوعود الإلهية لليهود وعود مباركة، ومبارك كل من يؤيد اعادتهم إلى أرضهم، واليمين المسيحى يعتبر الوجود الإسرائيلى فى حد ذاته دليلا على تحقق نبوءات التوراة وبخاصة النبوءة التى تقول (إما أن يموت اليهود أو يعترفوا بالمسيح) فاليمين المسيحى يحب إسرائيل كتأكيد للعقيدة المسيحية والأصولية المسيحية، ولذلك أعلن القس جيرى فالويل أن مولد دولة إسرائيل من أكثر الدلائل المثيرة التى تشير إلى العودة الوشيكة للمسيح المنتظر.. وقال البروتستانتى جاك ميسلر: إن إسرائيل تلقى تأييدا من جانب المسيحيين الأصوليين فى أمريكا أكبر مما تلقاه من اليهود أنفسهم، لكنه أيضاً أكد أن محرقة (أوشفيتز) التى أعدم فيها هتلر اليهود كانت مجرد مقدمة لما سوف يحدث لليهود عند اقتراب نهاية العالم.

ويقول اليهود الذين يدعون إلى مزيد من العمل جنباً إلى جنب مع اليمين المسيحى إن هذه الفكرة لا تمنع من التعاون مع اليمين المسيحى، وكتب ابراهام فوكسمان مدير رابطة مكافحة التشهير أن هذه المعتقدات الدينية تتحدث عن مستقبل مجهول، بينما يقدم لنا هؤلاء المسيحيون تأييدهم الآن، ويخطئ الذين يرون أنه سيأتى يوم سيكون على اليهود فيه إما أن يؤمنوا بالمسيح وإما أن يقبلو الموت، لأنهم يعيشون فى عالم أصبح مختلفا كل الاختلاف.

يقول جيرشوم جورينبرج إن اليهود عندما يتجاهلون هذا الفكر اللاهوتى المسيحى فإنهم يحطون من قدر انفسهم ويهبطون إلى مستوى الإنجيليين المحافظين، وهم أيضاً يخاطرون بإهدار عقود من الحوار بينهم وبين الكاثوليك والبروتستانت الذين اضطلعوا بالمهمة الصعبة لإعادة تقويم الموقف المسيحى تجاه اليهود، وسيصبح من الصعب على اليهود تأكيد هذا التقويم فى حالة عمل الجماعات اليهودية البارزة مع الجماعات المسيحية التى تنكر اليهودية ولا تعترف بها.. هل الأزمة الإسرائيلية هى التى تبرر لإسرائيل تجاهل هذه الاعتبارات ذات الجذور الممتدة فى الزمان لكى تضمن تأييدا مباشرا وتكتيكا كما يقول البعض؟.

ويقول الكاتب أيضاً إن موقف اليمين المسيحى يمثله ويفسره من ناحية أخرى خطاب السيناتور إنهوف أمام مجلس الشيوخ فى مارس 2002 وقال فيه إن على إسرائيل أن تحتفظ بالضفة الغربية لأن الله ذكر هذا، وهذا الموقف من جانب السيناتور إنهوف وأمثاله لا يعتبر فقط تأييدا لإسرائيل ولكنه أيضاً تأييد للسياسات المتشددة التى تسمى (الأصولية اللاهوتية المسيحية) .. واليهود من جانبهم لديهم كل الأسباب التى تدفعهم للتحدث مع الإنجيليين المحافظين فى حوار عقائدى صريح مباشر يحدد بوضوح نقاط الخلاف ونقاط الاتفاق.

وهكذا نفهم المعنى الذى قصده الكاتب، وهو بالمناسبة يهودى ويعيش فى القدس، وما يقصده هو أن هناك تحالفًا بين اليهود والإسرائيليين من ناحية واليمين المسيحى والأصوليين فى المذهبين البروتستانتى والإنجيلى فى أمريكا من ناحية أخرى، وأن هذا التحالف أساسه الإيمان بصدق النبوءات الخاصة بوعد الله لليهود بأن يعطيهم هذه الأرض!.

هل يدرك العرب والمسلمون هذه الحقيقة التى يرددها اليهود والمسيحيون الأمريكيون؟!.

والصورة التى رسمها روى هاترسلى عن حال المسلمين فى بريطانيا قد تضيف جديدا فى فهم مشاعرهم وهم يعيشون فى مجتمع يرفض اندماجهم فيه وفى نفس الوقت يعيب عليهم البريطانيون عدم قدرتهم على التكيف والاندماج فى مجتمع غربى، وهم يحملون الجنسية البريطانية ولكن يظل تصنيفهم فى المجتمع على أنهم (المهاجرون).

ويقول روى هاترسلى فى مقاله المنشور فى صحيفة التايمز البريطانية يوم 21 مايو 2001 بعنوان (تصنيف مسلمى بريطانيا يلهب المشاعر) يقول فيه إن مصطلح (مهاجر) يثير حنق الشباب والفتيات المسلمين الذين ولدوا فى بريطانيا، واكتسبوا أغلب العادات البريطانية، وإن كان الجيل الأول من المسلمين المهاجرين قد قبلوا التمييز فى المعاملة، وعملوا بأجور أقل فى نفس العمل الذى يقوم به البريطانيون، وعاشوا فى مساكن رديئة، وعوملوا بدون أقل قدر من الاحترام، فإن أحفادهم تدفعهم نشأتهم البريطانية إلى توقع الأفضل والمطالبة به، والبريطانيون يتحدثون عن المسلمين وكأنهم جميعا من جنس واحد ولهم خصائص واحدة، وهذا فى حد ذاته نوع من التنميط العرقى، وينطوى على تحامل قد لا يكون معتمدا إلا أنه فى غاية الخطورة. لأن المسلمين فى بريطانيا من جذور اجتماعية وثقافية مختلفة، بحيث لا يستطيع المسلم المهاجر إلى بريطانيا من أوغندا مصاحبة مسلم مهاجر من باكستان مثلا، وإن كان هناك أمور مشتركة بين الجميع مثل عدم شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وصيام شهر رمضان، إلا أنهم بعد ذلك مختلفون تبعا للخصائص والموروثات الخاصة بالدول التى جاءوا منها..

ويصف روى هاترسلى عضو مجلس العموم السابق ما حدث بعد ظهور رواية سلمان رشدى (آيات شيطانية) فقد أحرق المسلمون صورته خارج المساجد فى بعض أنحاء بريطانيا، وقذفوا بالحجارة المكتبات التى تعرض هذه الرواية، أما المسلمون من سكان (سبارك بروك) وأصولهم من كشمير فقد دعوا إلى اجتماع عبروا فيه عن الغضب. أما المسلمون القادمون من بنجلاديش وهم من أصول ريفية فلم يكن من اليسير عليهم التأقلم على الحياة الأوربية فى بريطانيا، والشباب المنحدر من المهاجرين من كشمير وباكستان يتأرجحون الآن حول الخطوط العرقية الفاصلة، وعبر عن هذه الحالة المهندس خالد محمد مرشح حزب العمال فى (بيرى بار) بقوله (من الممكن التأقلم مع المجتمع البريطانى دون الذوبان الكامل فيه، وكان برنامجه الانتخابى تمثيل المسلمين فى بريطانيا فى الشكوى من سوء أداء المدارس فى أحياء المسلمين، ومشكلة الفقر بعد التقاعد. وقال روى هاترسلى فى مقاله إن (التهميش) هو المشكلة الحقيقية للمسلمين فى بريطانيا.

***

والصحف الإيطالية والأمريكية والعربية تتحدث عن الكاتبة الإيطالية التى تعيش فى نيويورك أوريانا فالاتشى وقد اشتهرت فى أوربا بعد صدور كتابها (الغضب والكبرياء) وبعد توالى نشر مقالاتها التى تناصب العرب والمسلمين العداء وتكيل لهم الشتائم بلغة هابطة ، وبعد 11 سبتمبر كتبت مقالا جديدا للهجوم على الإسلام نشرته صحيفة (كوريرا دى لاسيرا) أشهر الصحف الإيطالية على صفحة كاملة تحت عنوان (لنتذكر) وتربط فى المقال بين مشهد انهيار برجى مركز التجارة العالمى بمشهد القتلى الأمريكيين فى حرب فيتنام، وتتساءل عن أسباب الغيرة والكراهية تجاه أمريكا، وتجيب أن الذين يكرهون أمريكا إنما يكرهونها لأنها مجتمع يقوم على الحرية والمساواة، منذ ثورة الاستقلال الأمريكية التى تفجرت عام 1776 قبل الثورة الفرنسية،وكان زعماؤها- ابتداء من القس بنجامين فرانكلين إلى توماس جيفرسون وجورج واشنطن- هم المدافعين عن هذه القيم الأمريكية من خلال (اعلان الاستقلال) الذى قام الأوربيون بتقليده بعد ذلك، وهذا الإعلان هو الذى حول الرعايا إلى مواطنين وجعل الشراذم شعبا له كرامة، وامتد اثره إلى شعوب العالم لتحريضهم على التمرد على الاستبداد، ويطالبوا بحكم أنفسهم بأنفسهم، ويحرصوا على الحرية الفردية بعكس الشيوعية التى سحقت الفرد لإعلاء كلمة الدولة وحولت الجميع إلى فقراء، أما فى أمريكا فكانت ثورة الرعاع من أجل أن يتساوى  البيض والسود والصفر ويتساوى الأغنياء والفقراء.. وأمام إرادة الشعوب فى الحرية خسر البريطانيون ، والألمان، والروس، والنازيون ، والفاشيون، والشيوعيون والفيتناميون.

ثم تأتى الكاتبة إلى الإسلام فتقول: إن المشكلة هى أن (أبناء الله) ليسوا من المسلمين، ثم توجه إلى بابا الفاتيكان سؤالا: هل صحيح أنك طلبت من المسلمين أن يصفحوا عن الحروب الصليبية التى قام بها أسلافك من أجل استعادة قبر المسيح المقدس؟.. وهل طلبوا الصفح منك.. الصفح عن اغتصابك لهذا القبر المقدس؟.. وهل سألوك الصفح عن إخضاعهم شبه جزيرة ايبريا المسيحية التى تشمل البرتغال وثلاثة ارباع اسبانيا واستمر استعمارهم لها طوال سبعة قرون، ولو لم تتحرك الملكة ايزابيلا والملك فردناندو لطردهم فى عام 1490 لكنا جميعا الآن نتحدث اللغة العربية؟.. وهم أيضاً لم يعتذروا عن الجرائم التى ارتكبوها فى القرنين السابع عشر والثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر حيث كانوا يخطفون أجدادى ويضعون السلاسل فى أقدامهم وأيديهم ورقابهم وينقلونهم إلى الجزائر وتونس وطنجة والقسطنطينية لبيعهم فى الأسواق ليكونوا عبيدا، ويتخذون الفتيات خليلات، إلى أن تأسست جمعيات تحرير العبيد البيض فى الجزائر والمغرب وتركيا وهذه الجمعيات أسسها الرهبان الإيطاليون، وكانت الكنيسة الكاثوليكية هى التى تفاوضت من أجل الإفراج عن هؤلاء العبيد ودفع الفدية لهم.

وتستمر أوريانا فالاتشى فى مقالها فى توجيه خطابها إلى بابا روما فتقول: إنك تحيرنى يا قداسة البابا،فقد عملت كثيرا من أجل إسقاط الاتحاد السوفيتى، وكان لك الفضل فى تحقيق هذه المعجزة التى تعيشها أوربا تحررت من الشيوعية، وروسيا تطلب الدخول فى حلف الأطلنطى، وليننجراد استعادت اسمها القديم بطرسبرج، والرئيس الروسى بوتين أصبح صديقا للرئيس الأمريكى بوش، فهل بعد كل هذا تقوم بمغازلة المسلمين وهم أسوأ ألف مرة من ستالين، ويريدون إنشاء مسجد فى الفاتيكان؟.. يا قداسة البابا أنت تذكرنى برجال البنوك من اليهود والألمان الذين كانوا يقرضون هتلر الأموال طلبا للنجاة، ثم وجدوا أنفسهم بعد سنوات قليلة فى أفران الغاز‍!.

ثم تقول أوريانا فالاتشى: إننا نعرف اليوم كل شىء عن الأصولية الإسلامية، وبعد مرور شهرين فقط على كارثة نيويورك برهن بن لادن على أننى لم أخطئ عندما أعلنت فى كتابى (الغضب والكبرياء) أنكم لا تفهمون، ولا تريدون أن تفهموا أن هناك حربا صليبية مضادة.. حرب أديان يطلقون عليها.. الجهاد أو الحرب المقدسة. والغرب بالنسبة لهم يجب أن يفتحه المسلمون، ويجب أن يعاقب المسلمون الغرب ويجبره على الخضوع.. وقد برهن بن لادن على أن هذه الحرب حرب أديان، وعلى كل العرب والمسلمين أن يقفوا معه ومن يقف على الحياد فهو كافر، وأن من يقبل شرعية المؤسسات الدولية فإنه كافر لأنه يتخلى عن الشرعية الوحيدة الصحيحة وهى الشرعية المستندة إلى القرآن.

ثم تمضى فى حَبْكِ أكاذيبها فتقول: إن الكراهية ضد الغرب تزداد وتشتعل مثل النار التى تغذيها الرياح وتتضاعف أعداد الأصوليين الإسلاميين ثم تتكاثر مثل الخلايا السرطانية التى تبدأ بخلية واحدة ثم يزداد العدد إلى ما لا نهاية .. وهذه الكراهية للغرب تمتد من أفغانستان إلى السودان، ومن إندونيسيا إلى باكستان، ومن ماليزيا إلى إيران، ومن مصر إلى العراق، ومن الجزائر إلى السنغال، ومن سوريا إلى كينيا، ومن ليبيا إلى تشاد، ومن لبنان إلى المغرب، ومن فلسطين إلى اليمن، ومن السعودية إلى الصومال..!..

ومن لا يصدق ذلك فعليه أن يتأمل فى الحشود التى تظهر على شاشات التليفزيون التى تعج بها شوارع إسلام أباد وميادين نيروبى، ومساجد طهران والوجوه المتوحشة، وقبضات الأيدى المهددة، وصور بن لادن، والنار التى تحرق العلم الأمريكى،والدمى التى تحمل ملامح بوش، هم يصيحون : الله أكبر.. الله أكبر.. الجهاد .. الجهاد .. إنهم ليسوا قلة من المتطرفين والمتعصبين، بل هم ملايين من المتطرفين والمتعصبين.. مما يدل على أن بن لادن ليس إلا قمة جبل الجليد الذى يظهر على السطح، وفى الأعماق ملايين يعانون من الفقر وينعم زعماؤهم بالثراء، ويعيشون فى ظلمات العصور الوسطى، و 60% منهم على الأقل أميون، ويرفضون، أو يجهلون قيم الحضارة، والحرية، والتقدم ، والعدل، والديمقراطية، هؤلاء المسلمون يشعرون بالغيرة من الغربيين، ويبهرهم نظام الحياة الغربية، ويتهمون الغرب بأنه السبب فى الفقر المادى والفكرى الذى يعيشون فيه.

ولا تكتفى أوريانا فالاتشى بكل هذه الأكاذيب والاتهامات الملفقة وتضيف: يخطئ من يظن أن (الحرب المقدسة) انتهت مع تشتت نظام طالبان فى أفغانستان فى نوفمبر 2001، وبعد خروج النساء الأفغانيات فى كابول بدون (النقاب) ويذهبن إلى المدارس وإلى الأطباء ومصففى الشعر، وأزواجهن وقد حلقوا ذقونهم بعد هزيمة طالبان، كما رفع الإيطاليون شارة النظام الفاشى بعد هزيمة موسولينى.. يخطئ من يظن أن ذلك يعنى أن الأمر انتهى .. لأن أفغانستان تعاقبت عليها فى السنوات العشرين الماضية مراحل حلقوا فيها الذقون ثم عادت مرة أخرى، وتخلت فيها النساء عن النقاب ثم عدن إليه مرة أخرى.. وتذكروا أن الذين فجروا مركز التجارة العالمى فى سبتمبر 2001 لم يكن من بينهم أفغانى واحد، مما يعنى أن الأصوليين منتشرون ولهم مراكز قيادة وتدريب فى كل مكان غير أفغانستان.

وتصل إلى أخطر من كل ما قالته حين تختم مقالها بأن افغانستان فى شمال الجمهوريات الإسلامية للاتحاد السوفيتى السابق، وفى الغرب إيران وتجاورها العراق التى تقع على حدود سوريا ثم لبنان وبجوارها الأردن ثم السعودية، وفيما وراء البحر الأحمر القارة الأفريقية بدولها الإسلامية: مصر وليبيا والصومال وشبابها الذين يهللون للحرب المقدسة، مما يدل على أن الصدام بيننا وبينهم ليس صداما عسكريا، وإنما هو صدام ثقافى ودينى، ولذلك فإن انتصاراتنا العسكرية لن توقف هجمات الإرهاب بل سوف تشجعها وتزيد من حدتها.. إن الأسوأ بالنسبة لنا لم يأت بعد..

من قرأ كل هذا الهراء الذى يقطر حقدا وكراهية ويحرض على الكراهية والعداء للمسلمين ويسعى إلى جعل الصراع دينيا.. ليصبح صراعا مستمرا على مدى الدهر ولا ينتهى..

من صاحب المصلحة فى ذلك؟..

***

وقبل أن يتساءل المسلمون لماذا كل هذه الكراهية فى الغرب للإسلام والمسلمين فإن الغربيين هم الذين يتساءلون: لماذا يكرهنا العرب والمسلمون، وبدلا من أن يبحث المسلمون عن (ميراث الكراهية) عبر القرون فإن الغربيين هم الذين يبحثون عن هذا الميراث فى الجانب الإسلامى، أى أن صناعة الكراهية فى الغرب تعمل فى اتجاهين: فى اتجاه تشويه الإسلام أمام الرأى العام الغربى واتجاه لتوجيه الاتهام إلى المسلمين بأنهم يكرهون الغرب، وهذا ما فعلته صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية فى عددها الصادر يوم 12 سبتمبر 2002 ففى مقال بعنوان (ميراث من الكراهية) بقلم الصهيونى المعروف برنارد لويس قالت: إن المسلمين يرون إن الإسلام كان أعظم حضارة على وجه الأرض وحمل الحضارة والدين إلى الشعوب الهمجية الكافرة التى كانت تعيش خارج حدود العالم الإسلامى، ولكن كل شىء تبدل بعد ذلك،وبعد أن كان المسلمون يقومون بغزو العالم المسيحى ويسيطرون عليه تمكنت القوى المسيحية من غزو المسلمين والسيطرة عليهم، وتزايد لدى المسلمين الشعور بالإحباط على مدى قرون ورأوا فى هذا التغير انقلابا فى قانون السماء وقانون الطبيعة. وبلغ هذا الشعور بالإحباط ذروته فى وقتنا الحاضر وتظهر هذه المشاعر فى المناطق العديدة التى يتصادم فيها المسلمون مع غير المسلمين كما حدث فى البوسنة، وكوسوفا، والشيشان، وإسرائيل، والسودان، وكشمير، والفلبين، وغيرها، والهدف الرئيسى لحالة الغضب هو الولايات المتحدة باعتبارها زعيمة العالم المتحرر فى الغرب وزعيمة العالم المسيحى، والتى يعتبرها البعض زعيمة عالم الملحدين.

ويرجع برنارد لويس ميراث الكراهية للغرب فى العالم الإسلامى إلى أن رجال السياسة فى العالم العربى وبعض دول العالم الثالث الأخرى، استطاعوا أن يحققوا بعض مآربهم بالانحياز إلى إحدى القوى العالمية ضد الأخرى، من ذلك انحيازهم إلى فرنسا ضد بريطانيا، وانحيازهم لقوات المحور فى الحرب العالمية الثانية ضد الحلفاء الغربيين، وانحيازهم للاتحاد السوفيتى ضد الولايات المتحدة.. ورغم أن المسرح تغير بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وسيطرة قوة عظمى واحدة على العالم هى الولايات المتحدة فإن السيناريو بقى عندهم كما هو، وبعض الزعماء العرب يبذلون جهودا كبيرة من أجل إيجاد بديل للاتحاد السوفيتى ليكون هذا البديل نصيرا وراعيا لتوجهاتهم المناوئة لأمريكا، فى الوقت الذى تبنى فيه فريق رؤية مغايرة وأبرزهم أسامة بن لادن، ورؤية هؤلاء تتلخص فى أنهم حاربوا حربا مقدسة ضد الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان وانتصروا عليه، والاتحاد السوفيتى كان إحدى القوتين الملحدتين، كما أنه كان القوة الأكثر غلظة، وبعد ذلك فإن محاربة الولايات المتحدة قد تكون أيسر بكثير وهى الدولة اللينة المدللة، ويضيف برنارد لويس أن روح الكراهية ظلت تنمو باطراد لسنوات طويلة، وتفاقمت حدتها نتيجة لتصرفات بعض الزعماء الذين تصفهم أمريكا بأنهم أصدقاؤها وحلفاؤها وتراهم شعوبهم دمى متحركة تمسك أمريكا بخيوطها، وهنا- كما يقول- يبرز تساؤل على جانب كبير من الأهمية، رغم أنه لا يثار كثيرا، يتعلق بالسبب وراء ازدرائهم لأمريكا على هذا النحو، وهو الأسلوب الذى تنتهجه أمريكا ويصفونه بأنه أسلوب بذىء، وفاسد، وخطير، لما له من تأثير فى إفساد المجتمعات الإسلامية، وماذا كان يعنى آية الله الخومينى بتكراره وصف أمريكا بأنها (الشيطان الأكبر)؟.. والشيطان ليس مستعمراً، أو مستغلاً ولا غازياً للآخرين، ولكنه يضلل، ويغوى، ويوسوس فى الصدور كما جاء فى القرآن، وقد يعبر عن هذا المفهوم مقال نشر فى جريدة عربية دفاعا عن تعدد الزوجات قال كاتبه: إن تعدد الزوجات يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون فى الدول الغربية، ولكن ذلك يعتبر منافيا للطبيعة البشرية واحتياجاتها، لأن الرجال لا يقربون نساءهم عشرة أيام كل شهر أثناء الدورة الشهرية، وتطول هذه المدة أثناء فترة الحمل، وفى الغرب يباح الزنا والدعارة، أما فى الإسلام فالبديل هو تعدد الزوجات، ويؤكد الكاتب على أن هذا البديل يوفر للزوجة مكانة محترمة، ويعطى لأبنائها صفة شرعية.

ويعلق برنارد لويس بقوله: قد نوافق على ذلك إذا كنا نوافق الكاتب على رأيه فى العلاقة بين الرجل والمرأة، ويقصد بذلك أن رؤية المسلمين لهذه العلاقة محصورة فى الجنس بينما هى فى الغرب علاقة إنسانية أولا ويأتى الجنس فى المرتبة الثانية، برنارد لويس يشير بخبث إلى ما يتكرر فى الكتابات الغربية من أن المسلمين حسيون، متعطشون للجنس ولا يرون فى المرأة إنساناً ولكن يرون فيها هدفا جنسيا فحسب.

ويستطرد برنارد لويس فى مقاله فيقول: إن النتيجة التى وصل إليها بن لادن وغيره هى أن الولايات المتحدة صارت ضعيفة ، ومصابة بالذعر ، وعاجزة عن القيام بأى رد فعل، وهكذا جاءت جرائم الحادى عشر من سبتمبر نتيجة لهذا الاعتقاد، وكانت فى نفس الوقت الشرارة الأولى لحملة واسعة النطاق تهدف إلى طرد الأمريكيين وحلفائهم من الجزيرة العربية وبقية الدول الإسلامية، والإطاحة بمؤيدى أمريكا المستبدين، وتمهيد الطريق للصراع العالمى الأخير. ولابد أن الضربة الفعالة التى وجهتها أمريكا لقواعدهم فى أفغانستان كانت صدمة هائلة للمنظمات الإرهابية دفعتهم إلى تغيير حكمهم على أمريكا بالضعف والتردى الأخلاقى، وعلى أمريكا أن تتأكد من أنهم لن يعودوا إلى حكمهم السابق غير الصحيح على أمريكا لأنهم لا يفهمون كيف تسير الأمور فى مجتمع ديمقراطى.

لا نحتاج إلى القول بأن برنارد لويس صهيونى وكل كتاباته تقطر سما عندما يتحدث عن العرب والمسلمين، ومع ذلك لابد أن نقرأ ما يكتبه لنرى كيف يفكرون وإلى أى مدى هم بارعون فى المغالطة وقلب الحقائق وتصوير الجلاد على أنه الضحية، والحديث عن الضحية على أنه الجلاد.

***

ولا أعرف لماذا يركز برنارد لويس دائماً على ما يسميه كراهية العرب والمسلمين لأمريكا ولا يتحدث عن هذا الشعور فى أوربا وآسيا وأفريقيا؟.. ولا يذكر أن أوربا وأمريكا هى التى احتضنت الشيخ عمر عبد الرحمن، وأبو قتادة، وأبو حمزة المصرى وغيرهم..

فى أوربا يرون أن الصفوة السياسية فى أمريكا تنظر إلى أحداث الحادى عشر من سبتمبر على أنه (هدية القدر) والفرصة الفريدة لكى تتأكد زعامة أمريكا للعالم إلى الأبد، بحجة قيادتها للصراع الدولى ضد الإرهاب، ولا أحد يعلم إلى أين سيؤدى هذا الطريق. وأن هذه الأحداث التى وقعت والقوة الأمريكية فى ذروتها تشير إلى بداية الغروب التدريجى الأمريكى، فهذه الحرب ستطلب التعبئة القصوى لموارد أمريكا الاقتصادية والسياسية والعسكرية والمعنوية ولا تريد أمريكا أن تعترف بأن الإرهاب ليس له أسباب، ومادام قد بقيت الأسباب فسوف يستمر وجود الإرهاب، ولذلك فإنها سوف تدفع ثمناً باهظاً لقيادتها لهذه الحرب التى تسميها الحرب على الإرهاب، والخطورة الحقيقية فى استخدام أمريكا للتكنولوجيا المتقدمة لضمان الهيمنة العالمية، وسرعان ما استوعب الإرهابيون هذه التكنولوجيا وبذلك سيكون هؤلاء الأشرار قادرين على إثارة الفوضى فى العالم وفى أمريكا بهذه التكنولوجيا وبتنظيم جديد يعتمد على جماعات سرية عابرة القوميات يصعب اكتشافها والاحتياط من هجماتها إلا عن طريق منظمات مماثلة، وما تفعله أمريكا الآن أقرب إلى ما جرى قبيل الحرب العالمية الأولى وكان السبب فى إشعالها، وأن انهيار أمريكا بنفس الطريقة التى انهار بها الاتحاد السوفيتى لا يمثل تهديدا كبيرا، ولكن هناك خطرا من نوع آخر. فهناك أمريكيون لديهم مخاوف من الانعزال نتيجة عدم القدرة على تحمل أعباء الهيمنة العالمية، وإذا عادت الولايات المتحدة إلى وعيها فستكون لذلك آثار إيجابية كثيرة على العالم.

هذا ما يقال فى صحف أوربية ولا يحتج عليه الأمريكيون ولكنهم يحتجون على كل كلمة أو حلقة فى مسلسل تليفزيونى أو مقال من عربى أو مسلم!.

وفى جميع دول العالم تقريباً أصوات وأقلام تعبر عن رفض الاتجاه الأمريكى للسيطرة على العالم بالقوة بحجة محاربة الإرهاب، فلماذا تستنكر أمريكا أن يكون فى العالم العربى والإسلامى من يرفض أيضاً هذه الهيمنة. كما أن فيه من يؤيدها على طول الخط؟ أليست أمريكا قلعة حرية الرأى؟.. ومن يسعى إلى الاحتفاظ بالهوية الوطنية والقومية والإسلامية ويرفض ذوبان حضارته فى حضارة أخرى لماذا تعتبره أمريكا خطرا عليها؟ ولماذا ترفض أمريكا دعوة المسلمين والعرب إلى حوار وتعايش الحضارات بديلا من نظريتها المفضلة التى تروج لها بكل الوسائل عن صراع وصدام الحضارات؟..

أسئلة كثيرة يطرحها المسلمون ولا يجدون من أمريكا إجابة عنها.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف