تشويه الإسلام.. صناعة قديمة!
ماذا يعلمون أطفالهم فى ألمانيا عن الإسلام؟ ..
فى دراسة للمستشرق الألمانى جيرنوت روتر عن (الإسلام والغرب: الجاران المتخاصمان) يقول تحت عنوان (الإسلام.. العدو الوهمى الجديد للغرب).. إن الأمور كانت بسيطة فى أذهان الغرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الدول الشيوعية، فقد كنا نحن الأخيار الطيبين، أما الآخرون فكانوا دائما هم الأعداء الأشرار، وهكذا كانت صورة (العدو الوهمى) بسيطة وسهلة الفهم، ولكن بعد انهيار المعسكر الشرقى عام 1990 أصيبت هذه الصورة عن العدو الوهمى بالتصدع، ثم أصبحت غير صالحة لتبرير ارتفاع الإنفاق العسكرى فى الغرب بالنسبة للقادة العسكريين ومنتجى السلاح والمسئولين السياسيين.. وعندما انقض صدام حسين على الكويت بعد ذلك بشهور قليلة مهددا بذلك- كما قيل- إمدادات الغرب بالنفط، جاء هذا الاعتداء فى الوقت المناسب تماما، وكان التوقيت دقيقا إلى درجة أن البعض لم يشأ أن يصدق أنه حدث مصادفة ليقدم (للعالم المتمدين) عدوا وهميا جديدا هو (الإسلام) وتم تجاهل الحقيقة وهى أن صدام حسين لا يمثل الإسلام، كما أن نورييجا مثلا لا يمثل المسيحية، ولكن مع ذلك تكاملت الأيديولوجية لصورة العدو الجديد..
وفى سنة 1993 قدم صمويل هانتجتون- مدير المعهد الشهير للدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفاد- نظرية مفادها أن الصدامات العسكرية المستقبلية ستحدث على طول الشريط الواقع بين الحضارات، خاصة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وبذلك تم الترويج للصدامات المستقبلية على أنها صدامات لا يمكن تحاشيها، وكان الاستقبال الإيجابى لهذه الدعوى فى وسائل الإعلام الغربية مخيفا حقا، مما يثبت- فى رأى جيرنوت روتر- أن حرب الحضارات التى تنبأوا بها كانت قد بدأت بالفعل فى عقول الغربيين من قبل أن يعلن هانتجتون نظريته!
ويقول المستشرق الألمانى فى دراسته- التى ترجمها الدكتور ثابت عيد الباحث المصرى المقيم فى سويسرا- إن التنافر وعدم التوافق المزعوم بين الفكر الغربى والفكر الإسلامى- من وجهة نظر الغربيين- حقيقة لا ريب فيها، ومن النادر إبراز نقاط الاتفاق بين الإسلام والمسيحية واليهودية التى تفوق نقاط الخلاف بينها، ولا يتحدثون عن أن منشأ الديانات الثلاث هو المنطقة العربية، وأن إبراهيم هو الأب الأول لجميع الأديان، وأن التوحيد هو الجوهر فى الديانات الثلاث، وهى تتفق فى أن الجنة والنار هما جزاء العمل فى الدنيا، ولكن العامل الذى يفرق بين الديانات الثلاث هو اعتقاد كل منها أنه هو الذى يملك الحقيقة المطلقة، والتصورات العدائية المتبادلة لا تتعلق أساسا بخلافات عقائدية، والدليل على ذلك أن التناقض عند كلا الطرفين ليس بين الإسلام والمسيحية، ولكنه بين الإسلام والغرب، وهذا يعنى أن نقطة الانطلاق تتمثل فى كتلتين ثقافيتين تسمى الأولى باسم دينها، وتسمى الثانية باسم موقعها الجغرافى وليس باسم دينها، وهكذا يتم النقاش على مستويين مختلفين، ولذلك لا يتحقق التفاهم بين الطرفين، ويضاف إلى ذلك سوء الفهم كسبب آخر لهذه التصورات العدائية، فكل فريق يعتبر أنه على صواب وأن كل ما يخالف القيم التى يعتنقها خطأ، وفى القرون الوسطى مثلا ظهرت (ملحمة رولاند) وفيها أن العرب يعبدون محمدا (صلى الله عليه وسلم) وابوللو، وتيرفاجانت، أى أن المسلمين لديهم الثالوث. والتهمة الثانية التى كانت رائجة فى الغرب فى القرون الوسطى هى أن المسلمين يعبدون الله، ويعبدون معه (فينوس) إلهة الحب عند الرومان، وكان الدليل على ذلك عندهم أن المسلمين جعلوا يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم الجمعة فى القرون الوسطى كان يوم (فينوس)، بينما كان يوم الأحد يوم الإله، وهكذا كان الجهل من أكبر أسباب سوء الفهم والعداوة..
***
ويقول المستشرق الألمانى جيرنوت روتر: إن الجهل وقصور الفهم هما أيضا ما يجعل الغربيين يعتبرون الإسلام مساويا للإرهاب والتطرف والعنف، ولا يتفهم الغربيون التيارات المختلفة داخل الإسلام، مثل التيار التقليدى والتيار الإصلاحى والتيار الصوفى، وتيار المثقفين الذين يؤمنون بالإسلام كديانة.. وهم مسلمو الثقافة فحسب، مثلما يشعر بعض الغربيين المنكرين لوجود الله بانتمائهم إلى الثقافة الغربية المسيحية، والغربيون يركزون رؤيتهم على المتطرفين الذين يسمون أنفسهم (الإسلاميين) ويتجاهلون وجود المسلمين المسالمين، وهذا التجاهل يتم لأنه يخدم المصالح الاقتصادية والسياسية للغرب!..
***
وحين ينتقل جيرنوت روتر بعد ذلك إلى الكتب التى تدرس للتلاميذ فى ألمانيا عن الإسلام.. يقول إن كتب التاريخ تتوقف فقط عند ثلاثة أحداث عسكرية حين تتناول موضوع اتصال الغرب المسيحى بالعالم الإسلامى، أولها معركة (بلاط الشهداء) المسماة موقعة (تور وبوايتيه) سنة 732 التى أنقذ فيها شارل مارتل الغرب-كما يقال-من الاجتياح الإسلامى، ومازال تمجيد هذا الحدث التاريخى يمثل جزءا من المعارف الأساسية فى الغرب، بالرغم من أن هذه الحملة من وجهة نظر المسلمين عديمة الأهمية من الناحية الاستراتيجية العسكرية.. والحدث الثانى الذى يدرسه التلاميذ هو الحملات الصليبية، ومع أن الغرب لم يعد يمجدها كعمل بطولى عظيم، إلا أن الحسرة على فقدان القدس تظهر تلميحا فى كل ما يقرؤه المرء أو يسمعه عن هذا الموضوع، ويتم تمجيد الأمير أويجن (الفارس النبيل) كمنقذ للغرب والمسيحية، لأنه هزم الأتراك، وكل ذلك يجرى تحت الشعار الذى يبدو أنه لا يمكن استئصاله وهو أن مقصد الإسلام الوحيد هو التوسع بالحديد والنار وأن الدول التى كان حكامها مسلمين كان هدفها التوسع، وتمثل فكرة (الحديد والنار) فكرة نمطية ثابتة فى إطار المشاعر العدائية تجاه الإسلام، وبذلك فإن الإسلام والمسلمين- وفقا لهذه الفكرة- يتسمون بالعنف والعدوانية بطبيعتهم، وبالتالى فهم يمثلون تهديدا للحضارة الغربية، ولم يتغير شىء من هذه الصورة منذ القرون الوسطى برغم كل الخبرات التاريخية.
ويقول المستشرق الألمانى: إنه إذا كان الغربيون قد استمتعوا فى ذلك الوقت بتصوير محمد (صلى الله عليه وسلم) كوحش شيطانى مخيف، وبالروايات التى تصف المسلمين وهم يقطعون أطراف الصليبيين وهم أحياء، وينزعون أحشاءهم من أجسامهم، فقد احتل مكانها اليوم كتب مثل (سيف الله) و(سيف الإسلام) و(السيف الأخضر).. إلخ.. ويأتى دائما الحديث عن (مشاعر الجماهير الإسلامية التى لا يمكن التنبؤ بها).. على حد تعبير الصحفى الألمانى شول لاتور، تماما مثل الحديث عن (الرغبة العربية فى تدمير الذات) ويتحدثون عن التاريخ العربى بالقول بأن (حلم تأسيس وطن عربى كبير تبدد منذ سنة 622) ويتحدثون أيضا عن المذابح والاغتيالات وأعمال العنف التى يقوم بها مسلمون.. ويقولون: لقد قضت نشوة القتل والاستشهاد فى مراحل متقطعة على محاولات بناء دولة مستقرة ذات توجهات عقلانية، وتظهر فى كتابات مؤلفين كثيرين مثل جيرهارد كونسلمان وغيره فكرة نمطية أخرى مع العنف هى القول بأن المسلمين عامة والعرب خاصة ليسوا عقلانيين.
***
ويقول المستشرق الألمانى إن فكرة الجهاد من تبريرات القول فى الغرب بأن الإسلام دين العنف. وقد أعلنت الجماعات الإسلامية المتطرفة الجهاد شعارا لها لإخفاء الشرعية الدينية على أعمالها الإرهابية، ولا يجد العلماء المسلمون منبرا فى الغرب يمكنهم من خلاله توضيح أن الجهاد شرع فى حالة الدفاع عن النفس وأن يعلنوا رفضهم للإرهاب الذى تقوم به هذه الجماعات ويبينوا أنه لا علاقة له بالإسلام..
ويقول المستشرق الألمانى إن العداء المتبادل بين الغرب والمسلمين يستند فى كتابات المتشددين الإسلاميين إلى حقائق تاريخية محددة بداية من الحروب الصليبية ومرورا بالقضاء على المسلمين واليهود فى أسبانيا وطردهم منها، وعبورا بمحاكم التفتيش حتى عصر الاستعمار والانتداب، وانتهاء بتأسيس دولة إسرائيل وسياسة الاقتصاد العالمى التى توصف بأنها استغلالية وامبريالية، والتى يطبقها الغرب بمساعدة بعض الحكومات فى الشرق الأوسط، كذلك فإن تدخل دول الغرب فى الشئون الداخلية للدول الإسلامية والعربية، وادعاء الولايات المتحدة بحقها فى الهيمنة على العالم.. كل ذلك يغرس فى المسلمين شعور العداوة، وأضيف إليه أخيرا عمليات التصفية الجسدية للمسلمين التى قام بها الصرب فى البوسنة..
وهكذا يصل المستشرق الألمانى إلى أن المخاوف متبادلة.. مخاوف فى الغرب بأنه مهدد من العالم الإسلامى، ومخاوف فى العالم الإسلامى من التهديد المستمر من الغرب، ولهذا الخوف ما يبرره وهو تهديد حقيقى- كما يقول-تهديد مادى وتهديد ثقافى، ويقابل الوهم الغربى بأن المسلمين لا عقلانيين وهم المتشددون الإسلاميون بانحطاط الغرب أخلاقيا، ويعبر كل من عالج هذه الموضوعات على الجانبين عن الخوف من فقدان الهوية الحضارية..
***
ويقول المستشرق الألمانى: بجانب فكرة عدوانية الإسلام، تحتل مكانة المرأة فى المجتمعات الإسلامية الصدارة فى صورة العدو، وهذه أيضا فكرة نمطية ثابتة تعود جذورها إلى القرون الوسطى، فقد نتج عن التصور الإسلامى عن الجنة على أن فيها الحور العين ذوات البكارة الأبدية.. والحق الشرعى لكل مسلم فى الزواج فى الدنيا من أربع نساء.. فقد ساعد ذلك على تثبيت صورة الإسلام على أنه (الوليد الشهوانى للشيطان) ومحمد (صلى الله عليه وسلم) على أنه (وحش جنسى) وهذا ما كتبه فى نهاية القرن الحادى عشر ايمبريخو رئيس كاتدرائية مدينة ماينتس فى ألمانيا وقال: إن المسلمين يحتفلون بجميع أشكال الزواج التى تحرمها الشريعة الإلهية، ولأنهم جردوا المرأة من حقوقها الطبيعية فإن المرأة المسلمة تسعى إلى ممارسة السحاق مع نظيرتها، ويمارس الرجل اللواط مع مثيله.. بل خلافا للتقاليد يقيم الأخ مع أخته علاقة آثمة، ولا تمانع الأخت المتزوجة أن يكون الشيطان شريكا لزوجها فى لقائها، والأبناء يهتكون عرض أمهم والبنت تغتصب أباها، والشريعة الجديدة- الإسلام- تحلله.
ويعلق المستشرق الألمانى جيرنوت روتر على هذه الكتابات فيقول: إنها كتابات سطحية وضيعة أراد أصحابها أن يصرفوا الأنظار عن الأوضاع الموجودة فى الغرب المسيحى وبما يحدث فى تلك الأديرة.. أما الإسلام فليس فيه مثل تصورات الغرب العدائية، إلا أن لفظ (الحريم) مازال يلعب دورا فى هذا السياق، ولم تغير فكرة الغرب عن تعدد الزوجات فى الإسلام حقيقة أن الزوجة الواحدة هى القاعدة فى العالم الإسلامى والتعدد هو الاستثناء، كذلك لم تتغير فكرة المسلمين عن (الإباحية الجنسية) فى الغرب..
ويضيف المستشرق الألمانى أن الفكرة النمطية السائدة فى الغرب عن اضطهاد المرأة فى المجتمعات الإسلامية أصبحت راسخة، والحقيقة أن الغرب يريد أن يغطى على وجود (بيوت النساء) المخصصة للزوجات اللاتى يعتدى أزواجهن عليهن فى الغرب المسيحى، وهكذا فإن توظيف وضع المرأة المسلمة فى خلق صورة مكررة ومبتذلة للعدو يبدو أنه يهدف إلى صرف الأنظار عما يقابلها من العيوب الذاتية القائمة فى الغرب.
وبالمقابل فإن لدى المتطرفين المسلمين تصورات مغلوطة عن وضع المرأة فى الغرب، فيرون أن المرأة فى الغرب تسير عارية فى الشوارع ولا يفهمون أن هذه حرية شخصية من وجهة نظر الغربيين، ويرون أيضا أن المرأة فى الغرب مستباحة جنسيا، ويشيرون إلى المجلات والأفلام الجنسية كدليل على الانحطاط الأخلاقى فى الغرب، ويتحدثون عن تفكك الأسرة وعزلة الإنسان، وانتشار المخدرات وارتفاع نسبة الانتحار فى أوروبا والولايات المتحدة.. وكما أن الحجاب أصبح فى نظر الغرب رمزا لاضطهاد المرأة فى العالم الإسلامى، فإن الملابس المثيرة للمرأة فى الغرب فى نظر المشددين الإسلاميين إهانة للمرأة.. وهكذا فإن أيديولوجية كل طرف تجعل كل طرف يتهم الآخر بمعاداة المرأة، بينما يمارسها هو..
ويقول المستشرق الألمانى: إن صورة الإسلام فى الغرب بعد انتهاء الحروب الصليبية تعرضت لتحولات.. فى القرون الوسطى كان السائد احتقار كل ما هو عربى وكل ما هو إسلامى.. وبعد فتح القسطنطينية سنة 1453 وزحف الأتراك نحو أبواب فيينا ظهر سيناريو التهديد الإسلامى مرة أخرى، واعتبر مارتن لوثر (1483 - 1546) أن الإسلام هو (العدو الخارجى) وأن بابا روما هو (العدو الداخلى)، وعندما جاء عصر التنوير بداية من القرن السابع عشر، ثم عصر الرومانسية فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر وحتى عام 1830، ومع حركة الاستشراق بدا وكأن الغربيين قد تجاوزوا تصوراتهم العدائية تجاه الإسلام، وكتب الفيلسوف الألمانى ليبنتز سنة 1710 فى كتابه عن نظرية العدل الإلهى يقول: إن محمدا (صلى الله عليه وسلم) لا يبتعد عن القواعد الأساسية للدين وقام أتباعه بنشرها فى أقاصى آسيا وأفريقيا ولم تكن المسيحية قد وصلت إلى هذه المناطق بعد، وقضوا على الخرافات الوثنية التى كانت تتعارض مع المذهب الصادق للتوحيد وخلود الروح.. بعد ذلك جاء فى ألمانيا قمم الأدب ليسنج الناقد والكاتب المسرحى (1729 - 1781) وديكارت (1788 - 1866) والشاعر المعروف جوته (1749 - 1832) ونظروا إلى الشرق باحترام، وتحدث جوته عن العرب بحماس، ولكن حماسه فتر عندما تعرض لمحمد (صلى الله عليه وسلم) وقال عنه: إنه نصب حول العرب غلافا دينيا كئيبا، وعرف كيف يحجب عنهم الأمل فى أى تقدم حقيقى، ولكن رأى العامة فى الغرب ظل يحمل الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين، وأحسن دليل على ذلك هو انتشار أعمال الكاتب الشعبى الألمانى كارل ماى (1842 - 1912) الذى طبع فى عقول أجيال كاملة من الناطقين بالألمانية صورة المسلمين على أنهم أشخاص محتالون متجهمون، يتميزون بالوحشية، ولكن ينتصر عليهم (المجاهد فى سبيل المسيح) الذى يسميه كارل ماى فى رواياته (كارا بن نيمسى) وقد امتلأت كتابات كارل ماى بالتعبير عن إحساس الغربيين بالتفوق وهو إحساس ازداد قوة بعد غزو نابليون لمصر، وساد بعده لدى الأوروبيين الاعتقاد بأنهم ملزمون بالقيام برسالة حضارية فى الشرق.
***
وفى تحليل لأسباب خوف الغرب من الإسلام يقول المستشرق الألمانى جيرنوت روتر إن الشعور بالتهديد الإسلامى اختفى فى عصر الاحتلال والانتداب الأوروبى للعالم الإسلامى بسبب تفوق الغرب تكنولوجيا وعسكريا، وبالرغم من استمرار هذا التفوق حتى يومنا هذا، فإنه تم إحياء عنصر التهديد فى العقود الأخيرة، ويرجع ذلك إلى أربعة أسباب:
السبب الأول: أن الغرب والكتلة الشرقية سابقا قدما كميات هائلة من الأسلحة الحديثة إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التى نالت استقلالها، وهذه الأسلحة يخشى الغرب استخدامها ضد أوروبا، أو على الأقل ضد المصالح الأوروبية والأمريكية فى المنطقة، وهذا الفرض قد يكون نظريا، ولكنه يتم الترويج له، كما يتم التهويل فى الحديث عن (القنبلة الذرية الإسلامية) للتخويف من المسلمين.
السبب الثانى: أن أعدادا كبيرة من المسلمين هاجرت ومازالت تهاجر إلى دول الغرب، وقد شجعت الدول الغربية هذه الهجرة فى البداية، حتى أصبح الأتراك فى ألمانيا ومواطنو شمال أفريقيا فى فرنسا هم الأغلبية بين المهاجرين وطالبى اللجوء السياسى، وأدت هذه الزيادة الكبيرة إلى تصاعد موجة العداء نحو الأجانب، وهو عداء موجه نحو المسلمين فى المقام الأول، ويركز هذا العداء على الرموز الإسلامية وأولها الحجاب..
السبب الثالث: أن العالم الإسلامى يعانى من توترات اجتماعية واقتصادية، كما يعانى من أزمة الهوية الحضارية، ويعانى كذلك من فشل محاولاته لتطبيق الأيديولوجيات الغربية مثل الاشتراكية والقومية، وأدت هذه العوامل إلى إحياء معايير ورموز إسلامية عند طبقات اجتماعية معينة، وكان الخصم فى هذه الحالة هو (الأوساط الحاكمة) فى تلك الدول الإسلامية، وفى مقابل ذلك يشعر الغرب بأنه هو المستهدف من هذا العداء الإسلامى ويتردد فى الغرب التعبير عن الخوف من (التطرف الإسلامى)..
السبب الرابع: أن زوال العدو الشيوعى أيقظ الرغبة فى أوساط معينة فى الغرب لإيجاد (عدو جديد) ولما كانت صورة الإسلام كعدو مستترة، أو كامنة فى الغرب منذ ألف سنة على الأقل، فقد كان من السهل أحياؤها..
هكذا تبدو صورة الإسلام والمسلمين فى نظر مستشرق ألمانى حرص على أن يكون موضوعيا فى بحثه فعرض وجهات النظر المختلفة وكشف لنا حقائق العداء للإسلام فى الغرب، وكان منصفا حين أرجع هذا العداء إلى تعارض المصالح والأهداف بأكثر من تعارض العقائد، وهذه قضية تحتاج إلى دراسة مستقلة..
***
وللدكتور ثابت عيد ترجمة ممتازة لدراسة أخرى عن صورة الإسلام فى الأدب الألمانى فى العصر الوسيط نقلها عن الألمانية للمفكر الألمانى هوبرت هيركومر، أستاذ الأدب الألمانى بجامعة برن بسويسرا، وهو على العكس من كثير من المفكرين الغربيين لا يحمل عداء للإسلام.. بل إنه ينادى (لن يكون هناك سلام عالمى بدون تحقيق السلام بين الأديان).. وهو يبحث عن أسباب كراهية بعض المستشرقين للإسلام مما جعلهم لا يرون فيه غير العيوب والمساوئ، ويبدأ بحثه من عام 1095 حين أعلن البابا أوربا نوس الثانى فى مؤتمر كليرمون الكنائسى قيام الحملة الصليبية الأولى، فانطلق (جنود المسيح) يهتفون (هذه مشيئة الرب) فى حملات صليبية متتالية (لتحرير) القدس وفلسطين، وينقل هيركومر عن الأمير السورى أسامة بن منقذ (1095 - 1188) ما كتبه فى مذكراته ومنها:
(.. .. كنت إذا زرت بيت المقدس، دخلت المسجد الأقصى، وكان إلى جانبه مسجد صغير جعله الإفرنج كنيسة، وكان جنود الحراسة أصدقائى يخلون لى ذلك المسجد الصغير أصلى فيه فدخلته يوما، ووقفت للصلاة وكبرت فهجم على واحد من الإفرنج.. إلخ).. وكان هذا الفارس الصليبى الذى التحق لتوه بقوات الاحتلال المسيحية، كان يعتقد أنه لا توجد صلاة إلا على الطريقة المسيحية، ولم يتصور إمكانية الصلاة بطريقة أخرى، وقد نشأ هذا الفارس وتربى دينيا فى مجتمع أوروبى مسيحى، فى إطار نظام محدد من المعايير والقيم ويفسر كل شىء بطريقته الخاصة، وله أيضا تقييم ثابت لكل ناحية من نواحى الأرض، فمن المشرق توجد الجنة، كما تقول التوراة والأناجيل، ومن المشرق صعد المسيح إلى السماء، ومن المشرق سيعود المسيح إلى الأرض ليكون القاضى للعالمين، ومن الشرق ينتظر المسيحيون الخلاص، ولهذا السبب نجد أن صحون الكنائس متجهة إلى الشرق، بينما الصلاة عند المسلمين تختلف عن ذلك، ولكن هاجم الفارس الصليبى أسامة بن منقذ وهو يصلى لأنه وجده متجها فى صلاته إلى وجهة أخرى غير الشرق فهو متجه إلى الكعبة التى تقع جنوبا بالنسبة للقدس، ووجده يؤدى الصلاة واقفا ثم راكعا، ثم ساجدا، ثم جالسا، فرأى أن هذه ليست صلاة، لأنه لا يتصور أن هناك صلاة غير الصلاة التى يعرفها هو..
وهذه هى بداية الفجوة.. الشعور بأنى (أنا) على صواب و(الآخر) على خطأ. وبالتالى فإن الاختلاف يؤدى إلى العداء!
ويشير هوبرت هيركومر إلى أن سر العداء يرجع إلى استنكار كل طرف لثقافة الآخر، وينقل وصف برنارد رئيس دير كلير فو لفرسان المعبد الصليبيين بقوله: إنهم لا يمشطون شعورهم أبدا.. ونادرا ما يستحمون ويظهرون أفظاظا، ويعتليهم الغبار، فإذا أنذرت الحرب يسعون لإثارة الرعب فى قلوب الأعداء وينقضون وكأنهم يرددون من المزامير (ابغض مبغضيك يارب وامقت من يقاومونك) وهم يعتبرون أعداءهم من الغنم وليسوا من البشر!
***
هكذا كان الصليبيون يعتبرون المسلمين كفارا، ويقولون عنهم إنهم (جنس حيوانى حقير) و(كلاب وخنازير) وإن كان فى الغرب أصوات متسامحة لمن هم أكثر إطلاعا على الدين الإسلامى من زعماء الفكر المسيحى، ولكن أصوات المتعصبين والمحرضين كانت هى الطاغية على الأصوات الأخرى المتسامحة..
وعندما جاء الملك الناصر أظهر تسامحا تجاه الغزاة المسيحيين، وأطلق سراح الأسرى، فأرسل إليه البابا جريجور السابع خطاب شكر ذكر فيه أن (الإله الواحد) يؤمن به كل منا، وإن كنا نفعل ذلك بطريقة مختلفة، ونحن نسبح بحمده يوميا، ونعبده كخالق ومسير للكون، وكان هذا الخطاب من البابا يبدو وكأنه معجزة حتى أن الصليبيين - جنودا وضباطا - رفضوا الاعتراف بأنهم يواجهون إحدى ديانات التوحيد القريبة جدا من ديانتهم فى الإقرار بإله واحد، وبالصلوات اليومية، والصيام، والزكاة، فقد كانت معرفة الصليبيين بالقرآن محدودة جدا، صحيح أن أول ترجمة لمعانى القرآن ظهرت سنة 1143 بقلم روبرت الكيتونى، ولكن الأوربيين كانوا يريدون توظيف ترجمة معانى القرآن للطعن فى الإسلام، وكان روبرت الكيتونى الإنجليزى الذى يعيش فى مدينة طليطلة الأسبانية يترجم تراث المسلمين فى الهندسة والفلك من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية وأنجز هذا المشروع الكبير بتكليف من رئيس دير مدنية كلونى- بطرس- المبجل واشترك فى هذا المشروع مسلم اسمه محمد، ولاشك أن هذه الترجمة الدقيقة لمعانى القرآن قد أظهرت للغرب اللاتينى أوجه الاتفاق بين القرآن والإنجيل، خاصة ما جاء فى القرآن عن سيدنا إبراهيم، وسيدنا عيسى، والسيدة مريم البتول، ومع ذلك لم يفكر أحد فى ذلك الوقت فى التوصل إلى حد أدنى من الاتفاق والتفاهم بين المسلمين والمسيحيين على أساس كتابيهما السماويين، ولكن على العكس من ذلك استغلت ترجمة روبرت الكيتونى لمعانى القرآن إلى اللاتينية للطعن فى الإسلام على مدى قرون طويلة..
وجاء مارتن لوثر مؤسس الكنيسة البروتستانتية الإصلاحية، وتدخل لإلغاء قرار أصدرته بلدية مدينة بازل بحظر نشر ترجمة معانى القرآن وكان السبب فى طلب مارتن لوثر نشر هذه الترجمة، كما أعلن ذلك بنفسه (لقد استيقنت بأنه لا يمكن عمل شىء أكثر إزعاجا لمحمد (صلى الله عليه وسلم) وللأتراك، ولا أشد ضررا لهم من جميع أنواع الأسلحة، من ترجمة قرآنهم، ونشره بين المسيحيين، عندئذ سيتضح لهم أى كتاب بغيض وفظيع وملعون هذا القرآن، الملىء بالأكاذيب والخرافات)..
مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتى لم يكتف بذلك، ولكنه وصف النبى (صلى الله عليه وسلم) بأنه (خادم العاهرات وصائد المومسات) وكان يقول: (أرى أن القساوسة عليهم أن يخطبوا الآن أمام الشعب عن فظائع محمد حتى يزداد المسيحيون عداء له، ويقوى إيمانهم بالمسيحية ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم فى الحرب، ويضحوا بأموالهم وأنفسهم)..
يقول هوبرت هيركومر إن موعظة كهذه كان من شأنها أن تؤثر على المسيحى بأكثر من طبول الحرب.. بل تمنحه قلب أسد حقيقى فى ساحة القتال.
ويقول المفكر الألمانى هوبرت هيركومر إن المتعصبين المسيحيين كانوا يتهمون الإسلام بالزندقة، وكان ذلك سهلا عليهم، وكانوا يشيرون إلى آيتين فى القرآن هما الآيتان 171 و172 من سورة النساء الرافضتان لعقيدة التثليث المسيحية، ولكن زعماء الكنيسة كانوا قد قرروا فى اجتماع (نيكيا) سنة 325م أن الابن والأب شىء واحد، وبعد هذا القرار كان كل من يتجرأ على التشكيك فى هذا المذهب الملزم إلى الأبد يستبعد فورا من الكنيسة الكاثوليكية، ويصير معرضا لغضب الله.
ويقول أيضا: إن المسيحيين- فى ذلك العصر- اعتبروا من سماه المسلمون نبيا، وخاتما لسلسلة الأنبياء التى بدأت بآدم، اعتبروه رجلا عاش حياة داعرة، ولم يتورع خيال مسيحيى أوروبا المتعطشين للتوسع والانتصار، عن خلق الأكاذيب وترويجها، هذه الأكاذيب التى نتجت عن أساطير عدوانية وهمية، بل إن بعض الأوربيين ادعوا أن رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) كان فى الأصل كاردينالا كاثوليكيا تجاهلته الكنيسة فى انتخابات البابا فقام بتأسيس طائفة ملحدة فى الشرق انتقاما من الكنيسة، واعتبرت أوروبا المسيحية فى القرون الوسطى أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) المرتد الأكبر عن المسيحية الذى يتحمل الوزر عن انفصال نصف البشرية عن المسيحية.
***
إلى هذا الحد كان الاتجاه العدائى الذى كان فى الأصل لأسباب سياسية واستعمارية توسعية يكتسى بثوب عقائدى يعادى الإسلام دون محاولة جادة ذات تأثير لفهم حقيقة الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. وطبعا كان المسلمون فى غياهب الجهل بكل ما كان يقال فى الغرب عن دينهم ورسوله.
ويشير هيركومر إلى ما كتبه دانتى وهو يصف الجحيم فجعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى الحفرة التاسعة فى ثامن حلقة من حلقات جهنم، ومعه على بن أبى طالب، ويضيف المفكر الألمانى أن من غرائب الأوهام المسيحية الكاذبة عن الإسلام اتهام المسلمين بعبادة الأصنام، وتذكر ملحمة رولاند الفرنسية القديمة (حوالى سنة 1100م) أسماء هذه الأصنام: أبوللن، وتيرفا جنت، وماجوميت، وهذا الثالوث الفلكى تم تطويره فى الترجمة الألمانية فى عصر اللغة الأدبية الألمانية الوسيطة الذى يمتد من القرن الحادى عشر حتى القرن الرابع عشر، حتى صوروا (الكفرة) أى المسلمين وهم يدعون آلهتهم هذه قبل المعارك، ويقول هيركومر إن هذه النسخة من الملحمة مازالت فى كتاب بعنوان (كارل الأعظم) يرجع تاريخ نشره بين عامى 1215 و1233 وتحتوى على خرافة الصنم (ماجوميت) ويقصد بهذا الاسم (محمد) (رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وفى القرن الثالث عشر تغيرت النظرة إلى الإسلام جزئيا فعرف الأوروبيون أن المسلمين لا يعبدون الأصنام، واكتشفوا كذب القصة التى لقيت رواجا فى الفترة السابقة وملخصها أن المسلمين قتلوا رئيس الأساقفة (تيمو السالزبورجى) لأنه حطم الأصنام التى يعبدها المسلمون (!) وظهر فى أوروبا أن المسلمين لا يعبدون إلا إلها واحدا، وأن الإسلام شريعة سماوية، وأن المسلمين يعترفون بالمسيح وحوارييه وأتباعه، ولكن بقيت الفكرة الغريبة المضللة بأن المسلمين يقدسون المضلل محمدا (صلى الله عليه وسلم) أى أن الطعن فى الإسلام أصبح أقل، ولكنه بقى فى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، إلى أن جاء أرنولد الليوبيكى، ومع أنه اعتبر محاربة الصليبيين للمسلمين واجبا دينيا لأن المسلمين- كما قال- هم (كتيبة الشيطان)، إلا أنه وصف إيمان المسلمين بالله وصفا موضوعيا، وذكر احترام المسلمين للمسيح باعتباره رسولا رفعه الله جسما وروحا إلى السماء، ولكنه أيضا أساء إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) واسماه (ماوميت)، وذكر جيرهارد أنه زار الأماكن القديمة المسيحية وقال (إن المسلمين والمسيحيين يتدفقون على هذه الأماكن معا لتأدية الصلاة، كما ذكر أنه تأثر جدا بالخشوع العميق الذى يؤدى به المسلمون صلاتهم.
وهكذا يستطرد الباحث الألمانى هوبرت هيركومر فى عرض وشرح الأعمال الأدبية والفكرية فى ألمانيا وأوروبا عموما التى صورت المسلمين على أنهم (الكفره) ووجهت سهام العداء للرسول صلى الله عليه وسلم وأساءت إليه وشوهت صورته وصورة الإسلام والمسلمين فى عقول العامة، ومن الطبيعى أن يكون لهذا الميراث العدائى الذى شارك فيه رجال دين، وأدباء، وفلاسفة، من الطبيعى أن يكون لهذا الميراث آثار مترسبة فى الوعى أو فى اللاوعى الغربى عموما.
***
وقد يكون طبيعيا عندما تنشأ عداوات وحروب مثل الحروب الصليبية أن تكون هناك عملية تعبئة نفسية وشعورية ضد (العدو) لتبرير الاعتداء عليه، خاصة وأن الأوروبيين هم الذين جاءوا لغزو المسلمين وليس العكس.. ومادامت عملية الغزو الاستعمارية قد جاءت بادعاء أنها حرب صليبية مقدسة من أجل إعلاء كلمة المسيح ومحاربة الكفرة، فكان من الضرورى اختراع واختلاق ونسج مجموعة هائلة من الأكاذيب لبث الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين فى نفوس الأوروبيين عموما حتى لا يرتفع صوت بمعارضة هذه الحملات، وفى نفس الوقت لرفع معنويات الجنود وإقناعهم بأنهم فى (حرب مقدسة) دفاعا عن العقيدة، وبالتالى فإن مصيرهم الفردوس ورضا الرب..
وهكذا اختلطت الأطماع الاستعمارية الغربية بالعقائد الدينية، وسخروا العقيدة سلاحا من أجل تبرير وتمرير هذه الأطماع الاستعمارية.. وإلى اليوم سوف نلاحظ أن كل اتجاه لمعاداة الإسلام، ليس الدافع إليه دافعا عقائديا دينيا فى الأساس، ولكن الدافع الأساسى دافع سياسى واقتصادى وراء أطماع للسيطرة والهيمنة، ولأن العزف على وتر الدين هو عزف على الوتر الحساس الذى يجعل الناس يندفعون إلى القتال، ويقبلون على الموت بالرضا، فإن عامل الدين كان أداة أو وسيلة سخرها الاستعمار الغربى لتحقيق أطماعه الحقيقية ولم يكن (نشر راية المسيح) هو الهدف الحقيقى على أية حال، وهذا ما اكتشفه المسيحيون فى مصر والعالم العربى، ولذلك لم يتجاوبوا مع الصليبيين الذين رفعوا راية المسيح، وانضم المسيحيون فى الشرق إلى المسلمين وحاربوا الصليبيين، وأدركوا أن دورهم فى هذه الحرب هو نفس دور المسلمين وهو (الدفاع عن الوطن من غزو الفرنجة). وكانت الحرب الصليبية عند المسيحيين حربا استعمارية وليست حربا دينية.
ولم يكن غريبا ما ذكره المفكر الألمانى هوبرت هيركومر عن موقف توماس الإكوينى فى كتابه (الشامل فى الرد على الكفرة) وهو الكتاب الذى مهد الطريق أمام العمل التبشيرى فى أسبانيا، وهذا الكتاب خصصه توماس الاكوينى للدفاع عن المسيحية والطعن فى الإسلام، ونقل فيه الاتهامات القديمة بأن (ماوميت) ويقصد به الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، قد أغوى الشعوب بوعوده لها بالمتع الشهوانية، وبالتالى لم يجد الشهوانيون أى صعوبة فى اتباعه، ويقول توماس الاكوينى: (لم يؤمن برسالته إلا المتوحشون من البشر الذين كانوا يعيشون فى البادية).
***
ومع ذلك فقد كان فى الغرب بعض أصوات حاولت إنصاف الإسلام، يذكر منها هوبرت هيركومر والكاردينال (نيكولاوس الكوسى) و(رامون لول). أما نيكولاوس الكوسى فقد كان عالم لاهوت عاش فى الفترة من عام 1400 حتى 1464، كما كان فيلسوفا وسياسيا وتابعا للكنيسة فى الوقت ذاته، وله كتاب بعنوان (نظرات فى القرآن) يشمل دراسة جادة عن الإسلام، أهداها إلى البابا بيوس الثانى فى عصر النهضة، كما ألف كتابا بعنوان (السلام بين الأديان) بمناسبة فتح العثمانيين للقسطنطينية سنة 1453 أظهر فيه أن الأديان جميعا، تتضمن فكرة أساسية واحدة، برغم تنوع طقوسها واختلاف عاداتها، ويرى أن الله تعالى أكبر وأعظم من أن يستطيع دين واحد أن يحتويه، وأن كل دين من الأديان السماوية لا يرى إلا جزءا من الحقيقة دون أن يستحوذ دين منها على الحقيقة بأكملها، أى أن الحقيقة مقسمة بين هذه الديانات، وكل دين يرى ما لا يراه الدين الآخر، ولا يوجد دين سماوى على حق ودين سماوى على باطل، بل إن الديانات الثلاث تجتمع وتتكامل على الحق.
أما رامون لول فقد عاش فى الفترة بين عامى (1332 و1315) وله كتاب بعنوان (كتاب الكافر والحكماء الثلاثة يشتمل على حوار دينى بين أربعة أشخاص، أولهم ينكر وجود الله، والثانى مسيحى، والثالث يهودى، والرابع مسلم، ويحاول المؤمنون الثلاثة أن يوضحوا للكافر حقيقة أن الله موجود، وأن بعث الموتى يوم القيامة حقيقة، وهذه المناقشة تدور فى جو من الود والاحترام، ولا يحاول طرف أن يظهر تفوقه على الآخرين، وفى النهاية يؤمن الكافر بالله، ويشعر بالأمل.
***
المفكر الألمانى فى دراسته العميقة التى بذل الدكتور ثابت عيد مجهودا كبيرا فى ترجمتها وراجعها مع المؤلف نفسه، يختتم دراسته بالقول بأنه لابد من استنباط دروس الحاضر من نظرات الغرب السلبية والإيجابية للإسلام فى القرون الوسطى، وهى تكشف التشويهات والمطاعن والشتائم التى تكشف عن قوة العداء، وتخدم موقفا يتسم بالجهل، ويقوم على تقسيم الشعوب بطريقة تعسفية إلى أعداء وأصدقاء، ويقول: لا يمكن التخلص من هذه المواقف السلبية من خلال تبادل المواقف السلبية، ولكن لابد من اللقاء الشخصى، والحياة اليومية المشتركة، وعندما تتساقط أقنعة التشويه، ويظهر الوجه الإنسانى الحقيقى سوف يمكن كسر هذه الحلقة الشيطانية لتشويه (الآخر).
ويقول أخيرا: إن مؤسسات الغرب الكنسية كانت لها إسهامات مخزية فى تشويه صورة العرب والأتراك على مر قرون طويلة، ويعيد هيركومر الإشارة إلى الوثيقة التى أصدرها زعماء الكنيسة فى اجتماعهم منذ حوالى ثلاثين عاما، وأشارت إلى خطاب جريجور السابع إلى الملك الناصر منذ حوالى تسعمائة سنة وفى خطاب جريجور السابع وعنوانه (بيان عن علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحية) وقد تضمن فقرة تقول: (نظرا لما حدث على مر القرون من خصومات ونزاعات بين المسلمين والمسيحيين، ينصح المؤتمر الكنائسى المقدس الجميع بعدم الالتفات إلى الماضى والسعى بإخلاص إلى التوصل إلى تفاهم متبادل، والتعاون على حماية وتشجيع العدالة الاجتماعية والقيم الأخلاقية، ودعم السلام والحرية للبشر جميعا).
وهذه خاتمة مبشرة لهذه الدراسة القائمة.
ولا شك أن البدء بصفحة جديدة ممكن دائما إذا خلصت النوايا.
ولابد من إشارة إلى باحثين ألمان أنصفوا الإسلام فى السنوات الأخيرة مثل البروفيسور آن مارى شيمل، وفى نفس الوقت نستطيع فهم جذور العداء التى عبر عنها سلمان رشدى والكاتب الفرنسى ميشيل هوليبيك الذى قال أمام المحكمة: (إن ازدرائى للإسلام لم يتغير).
هل هناك أمل فى أن تقوم جامعة الأزهر بدور وعلى رأسها العالم الفاضل الدكتور أحمد عمر هاشم مع وزارة الخارجية وعلى رأسها الوزير النشيط المتفتح أحمد ماهر، ومع الجمعية المصرية للعلاقات الخارجية وعلى رأسها السفير القدير الدكتور أحمد شاكر؟!
هل هناك أمل فى تحرك للدفاع عن الإسلام هناك، وليس هنا؟!