هيستريا العداء للمسلمين
 خصصت صحيفة واشنطن بوست أشهر الصحف الأمريكية افتتاحيتها يوم 8 أكتوبر 2002 عن موقف الإدارة الأمريكية من الإسلام بقيادة الرئيس جورج بوش، تحت عنوان (بوش والكارهون للإسلام) قالت فيها إن الرئيس الأمريكى طالب الأمريكيين بعدم إدانة الإسلام بسبب أفعال الإرهابيين الذين يرتكبون الجرائم باسم عقيدتهم، وزار الرئيس بوش المركز الإسلامى فى واشنطن وقال فى كلمته هناك (إن الإسلام دين سلام) ووجه كلمة إلى الأمريكيين طالبهم فيها بعدم توجيه غضبهم إلى المسلمين والعرب الأمريكيين الأبرياء، وفى حديث آخر قال الرئيس بوش: إن الإرهابيين (خونة لديانتهم)، وإن تعاليم أسامة بن لادن كانت تشويها بشعا لدين عظيم).

وقالت واشنطن بوست فى بقية المقال: إن بعض القادة البارزين فى تيار اليمين الدينى فى أمريكا يعارضون هذا الاتجاه، وهم من الحلفاء المقربين للرئيس الأمريكى، والرئيس بوش نفسه لا يعارض الخطط التى يعلنونها وينفذونها تعبيرا عن التعصب الدينى المعادى للمسلمين، ويبدو كأن الرئيس الأمريكى لا يرى ما يفعلونه، ولا يسمع ما يقولونه، وتقول واشنطن بوست- وهى أقرب الصحف الأمريكية إلى البيت الأبيض والمخابرات الأمريكية- إن هؤلاء القادة المتعصبين يعتبرون بوش واحدا منهم، ومنهم أيضا القس فرانكلين جراهام، وهو ابن وخليفة بيل جراهام، وقد شارك فى مراسم تسلم الرئيس بوش رئاسة أمريكا، وهو يعلن (أن الإسلام دين شرير وكريه جدا)، ومن هذه المجموعة أيضا بات روبرتسون وهو مؤسس الائتلاف المسيحى وصاحب برنامج دينى للتبشير فى التليفزيون وهو أيضا يقول: (إن الظن بأن الإسلام دين سلام هو نوع من التفكير المخادع) ويقول عن النبى محمد (صلى الله عليه وسلم): (إنه متعصب، راديكالى، لص يسرق علنا، وقاتل يقتل علنا..) ومن هذه المجموعة كذلك جيرى فالويل، وقد ظهر فى البرنامج الشهير (ستون دقيقة) فى شبكة (سى. بى. إس) وقال: (إن نبى الإسلام إرهابى).

وتقول واشنطن بوست إن هذه المواقف والأقوال ليست صادرة عن حركة متطرفة، ولكنها صادرة عن شخصيات لهم تأثيرهم ولهم مواقع قيادية فى الساحة السياسية الأمريكية، وهم من قادة اليمين الدينى، وهى حركة قريبة من فكر ومواقف الرئيس بوش، وهو يتحدث بلغتهم، ويعتنق معهم نفس المبادئ، وإذا كان الرئيس بوش حقيقة يؤمن بالتسامح مع الإسلام والمسلمين، فعليه أن يخرج عن سكوته على تحريفهم الصريح، وعليه أن يبتعد عنهم بمسافة تعطى لأقواله مصداقية وتحدد الفارق بينه وبين لغتهم المتطرفة. واستمرار صمت الرئيس بوش على مواقف بعض من فى الدائرة الضيقة المحيطة به يعنى أن هناك وحدة فكر تجمع بينهم، وإذا كانت مواقفهم لا تتفق مع موقفه فمن الضرورى أن يعلن ذلك ويتبرأ منهم.

ومن المقربين إلى الرئيس الأمريكى جورج بوش القس جيرى فالويل، وهو أيضا من تيار اليمين الدينى الذى ينتمى إليه بوش، وهو أيضا من الذين ساعدوه بقوة فى الوصول إلى البيت الأبيض، وله موقع باسمه على الإنترنت ملىء بالمعلومات المشوهة عن العقيدة الإسلامية والتاريخ الإسلامى، وفى شهر أكتوبر 2002 ظهر فى برنامج تلفزيونى على شبكة (سى. بى. إس) قال فيه: إنه قرأ التاريخ الإسلامى جيدا، والنتيجة التى توصل إليها من قراءاته هذه أن رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) رجل عنف، وإرهابى. وإن كان قد حاول التهرب من انتقادات المسلمين فى أمريكا بالقول بعد ذلك بأنه لم يقصد الإساءة إلى المسلمين الملتزمين بالقانون دون أن يتراجع عما قاله عن الرسول وعن الدين الإسلامى.

والحيلة القانونية التى يستخدمها أعداء الإسلام فى الغرب هى القول بأنهم لا يشعرون بالازدراء للمسلمين، ولكن يشعرون بالازدراء للإسلام، وذلك لتفادى القوانين التى تعاقب على التمييز والازدراء لطائفة من الناس ولا تعاقب على ازدراء الأديان، وهذا ما فعله أيضا ميشيل هولبيك الكاتب الفرنسى صاحب رواية (بلاتفورم) الذى قال فى حديث مع مجلة (لير) الأدبية، (إن الإسلام فى النهاية هو أغبى الأديان على الإطلاق، وعندما تقرأ القرآن تشعر بالملل) وعندما رفعت أربع مؤسسات إسلامية فى فرنسا دعوى أمام المحكمة، وانضمت إليها رابطة حقوق الإنسان الفرنسية وأعلنت أن تصريحات هولبيك تعبر عن (إسلاموفوبيا) أى (الخوف من الإسلام).. ووقف الكاتب الفرنسى أمام المحكمة ليقول إننى لم أظهر أى ازدراء للمسلمين، ولكن ازدرائى الشديد للإسلام لم يتغير وإننى أشعر أن القرآن أقل منزلة من الإنجيل من الناحية الأدبية، فالإنجيل له أكثر من كاتب بعضهم جيد وبعضهم ردىء، أما القرآن فله مصدر واحد وأسلوبه متوسط).. وقد فاز هولبيك بجائزة (إمباك) وهى أكبر جائزة أدبية فى فرنسا، وكتب فى روايته (بلاتفورم) على لسان بطل الرواية (إننى أشعر برعشة سعادة فى كل مرة أسمع فيها بمقتل إرهابى فلسطينى).

وربما كان هذا ما دفع مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا إلى أن يوجه فى مؤتمر عام انتقادات حادة إلى الولايات المتحدة بسبب هيستريا العداء للمسلمين، إلى حد أن ضباط الأمن فى مطار نيويورك صعدوا إلى الطائرة التى كان مهاتير محمد يستقلها فى طريقه للعودة إلى بلاده بعد زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة وتحرشوا بالمرافقين له بطريقة وصفتها وكالات الأنباء بأنها طريقة مهينة أما نائب رئيس الوزراء الماليزى عبد الله بدوى فقد قام رجال الأمن الأمريكيون بتفتيشه بطريقة فظة وأرغموه على أن يخلع حذاءه وحزامه.. وعندما عاد رئيس الوزراء الماليزى قال فى خطاب له: إن المسلمين يتعرضون للإهانات والاستغلال فى جميع أرجاء العالم، وذلك بسبب ضعفهم، ويجب عليهم أن يرفضوا الاستغلال وأن يكونوا أقوياء، وأن يقللوا من اعتمادهم على الآخرين، وأن يسعوا إلى امتلاك المعرفة، وتحدث فى هذا الخطاب طويلا عن شعوره بالمرارة من حالة العداء التى تحاصر المسلمين خاصة فى أعقاب هجمات سبتمبر 2001.

وقريبا من هذا ما قالته الدكتورة أنجريد ماتسون أستاذة الأديان بكلية هارت فورد بولاية كنتاكت، وقد أعلنت إسلامها منذ سنوات وتشغل منصب نائب رئيس الاتحاد الإسلامى لأمريكا الشمالية، فقد ظهرت فى برنامج تليفزيونى عن صورة الإسلام فى أمريكا وقالت: إن اليمنيين المسيحيين فى أمريكا يكرهون الإسلام كعقيدة وكدين وكثقافة وكتاريخ، وابنى يذهب إلى مدرسة عامة، وهو يعانى مما يحدث له مع زملائه الذين يرفضون أن يلعب معهم لأنه مسلم، والإسلام يظهر على شاشات التليفزيون على أنه شىء مخيف، وبالنسبة للأطفال المسلمين فى أمريكا فإنهم يواجهون تحديا يتطلب منهم قدرا غير عادى من الشجاعة، لأن الأمر ليس إيجابيا فيما يخص الهوية الإسلامية للمسلم.

والحملة لتشويه صورة الإسلام لا تقتصر على التليفزيون فقط، أو على تيار اليمين الدينى المتطرف فقط، ولكن يبدو أنها أبعد من ذلك، ففى المراكز الأكاديمية للأبحاث توجه هذه الحملة ضد الإسلام والعالم الإسلامى، وفى الحكومة الأمريكية يمكن أن نجد صدى لهذا التوجه، فقد نشرت مجلة (تايم) الأمريكية على سبيل المثال فى عدد 13 يناير 1986 واقعة غريبة، ملخصها أن الدكتور د. نداف سفران وهو أستاذ يهودى، مصرى الأصل، أمريكى الجنسية، وتلقى بصفته مدير مركز دراسات الشرق الأوسط فى جامعة هارفارد مبلغ 45 ألف دولار من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لعقد مؤتمر دولى عن (الأصولية الإسلامية) يبدو مؤتمرا للبحث العلمى الأكاديمى المحايد، ويشترك فيه عدد من الباحثين والمفكرين المسلمين واليهود والمسيحيين.

وموضوع دراسات الشرق الأوسط فى أمريكا وأوروبا يمثل قاعدة واسعة تضم عشرات الآلاف من الباحثين مهمتهم رصد ودراسة وتحليل كل ما فى العالم الإسلامى والعربى ابتداء من العقيدة والثقافة والفنون إلى الزراعة والأمثال والأغانى الشعبية السائدة، وهناك مئات المجلات والدوريات المتخصصة الجادة غير الحكومية تصدر فى أمريكا ودول أوروبا عن الإسلام والمسلمين والعالم العربى، هذا بالإضافة إلى المراكز القائمة داخل البلاد الإسلامية تحت مسميات مختلفة متفرغة للرصد والجمع والتحليل لكل المعلومات، وبالإضافة أيضا إلى ما تقوم به الجامعات والمراكز الأكاديمية. ويقول نورمان دانييل فى كتابه (الإسلام والغرب) إن معظم ما يكتب فى الغرب عن الإسلام والمسلمين ليس من باب البحث العلمى النزيه، وإنما هو عمل مخطط توجهه وتدعمه الحكومات والشركات لمصالحها، وكثير من الباحثين مجندون لتحقيق نفس الغايات التى تجند لها الجيوش.

ويشير الباحث الأمريكى المعروف جون اسبوزيتو إلى تناقضات الموقف فى الولايات المتحدة من الإسلام، فالحكومة الأمريكية تعلن الحرب على (الأصولية الإسلامية) وفى نفس الوقت فإن الحكومة الأمريكية تجرى اتصالات وتقدم مساعدات إلى الحركات الأصولية الإسلامية عندما تجد أن هذه الحركات تحقق المصالح والأهداف الأمريكية، والحكومة الأمريكية توجه إلى الحكومات فى الدول الإسلامية انتقادات حادة لأنها تعمل على قمع الحركات الأصولية الإسلامية، وتعتبر ذلك اعتداء على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفى نفس الوقت فإنها تطلب من الحكومات الإسلامية كبح جماح الحركات الأصولية، ويقول اسبوزيتو: إن الحكومة الأمريكية تعتبر الأصولية الإسلامية خطرا بينما لا تعتبر الأصولية الدينية كذلك فى إسرائيل وجنوب أفريقيا، وبولندا، وأمريكا اللاتينية، وشرق أوربا، وغالبا ما يغيب التناول العادل ويتضح التمييز عندما يكون الأمر متعلقا بالإسلام، وقد قام الرئيس الأمريكى الأسبق بقصف ليبيا بحجة ضرب الحركة الأصولية الإسلامية، فى حين اعتبر المسلمون ذلك تعبيرا عن عداء أمريكى للإسلام وللعالم الإسلامى، وكذلك فإن ما قاله كويل نائب الرئيس الأمريكى فى حفل التخرج فى الأكاديمية البحرية عام 1999 عن التشابه بين النازية والأصولية الإسلامية، ومنظور (الخطر الإسلامى) أصبح يحرك سياسة الولايات المتحدة التى لا تعترف بوجود فوارق أيديولوجية بين الغرب والإسلام، وتريد أن تفرض على الإسلام الأيديولوجية الغربية، وقد عبر السياسى المعروف روبرت بلليترو عن الموقف الأمريكى بقوله: (إن صورة الإسلام فى ذهن قارئ الصحف العادى هى صورة عن فكر جامد يحمل العداء للغرب، ومستعد لاستخدام العنف والإرهاب).

***

وحين تم تفجير سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا فى 7 أغسطس 1998 وأدى إلى قتل 263 شخصا وإصابة أكثر من خمسة آلاف، كان العنوان الرئيسى فى صحيفة واشنطن بوست عن (الإسلام متعهد الإرهاب)، وبعدها بأيام فى 27 أغسطس قصفت الطائرات الأمريكية مصنع الأدوية فى السودان الذى ينتج 90% من الأدوية التى يحتاج إليها السودان وأعلنت أن هذا المصنع ينتج أسلحة كيماوية، كما أعلنت أن هذه بداية مرحلة جديدة من الحرب ضد (الإرهاب الإسلامى)، وبعد أن دعا السودان الأمم المتحدة إلى إرسال فريق تفتيش، وقام عدد كبير من الدبلوماسيين والصحفيين الغربيين بتفتيش بقايا المصنع بعد تدميره فلم يجدوا أى دليل على أنه كان ينتج أية كيماويات خطرة، اعترف المتحدث الرسمى باسم الولايات المتحدة بأنهم بنوا استنتاجهم على أساس تقرير غير كاف من المخابرات الأمريكية!

ولم يكن ذلك إلا تعبيرا عن (هيستريا العداء للإسلام)!

ويقول اسبوزيتو: إن التسعينات شهدت سلسلة من الهجمات والتفجيرات وحوادث الاغتيال فى دول إسلامية وغربية، مثل حادث الاعتداء على السياح فى الأقصر، وذبح آلاف فى الجزائر، والهجوم على القوات الأمريكية فى الرياض والظهران، وتفجير السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا، كانت بالنسبة لكثيرين فى الحكومة الأمريكية (حرب إرهاب عالمية يشنها الإرهابيون الإسلاميون ضد الولايات المتحدة ومصالحها) وصار الرمز لتلك الحرب هو أسامة بن لادن، المليونير السعودى الذى يسمونه فى كتاباتهم (الأب الروحى للإرهاب الإسلامى العالمى) و(مقاول الإرهاب) ويعتبره بعض المسلمين (المجاهد الحقيقى) و(المحارب فى سبيل الحرية). وأسامة بن لادن المليونير السعودى الأصل، المتعلم تعليما جيدا، الذى ترك بلاده وذهب إلى أفغانستان لمحاربة الاحتلال السوفيتى، وكان حليفا للولايات المتحدة، وكانت المخابرات الأمريكية تزوده بالسلاح والمتطوعين من أنحاء العالم الإسلامى، سرعان ما أصبح القائد لكثيرين من (الأفغان العرب) الذين جاءوا من دول العالم الإسلامى للمشاركة فى (الجهاد ضد الاحتلال السوفيتى وتحرير أرض الإسلام)، وبعد رحيل الاحتلال السوفيتى عاد إلى بلده، ولكنه اعترض بشدة على حرب الخليج عام 1991 وعلى الوجود العسكرى فى السعودية، وهذا ما جعله يصطدم بحكومته وذهب إلى السودان، وفى سنة 1996 طلبت الحكومة السودانية منه أن يرحل بعد أن تزايدت اتهامات الولايات المتحدة له ولحكومة السودان لاستخدامه أراضى السودان قاعدة لتدريب الإرهابيين وتخطيط أعماله الإرهابية العالمية. وتتهم الولايات المتحدة أسامة بن لادن بأنه مؤسس جماعات الإرهاب الإسلامى، والممول لجماعات فجرت مركز التجارة العالمى فى نيويورك، وكذلك هو الممول للقتال المدمر فى الصومال سنة 1993، ولحادث تفجير أبراج الخبر فى الظهران عام 1996 (وقد أعلن إنكاره لهذه الاتهامات) وحادث قتل 58 سائحا فى الأقصر عام 1997، وتفجيرات تنزانيا وكينيا، وأخيرا تفجير مطعم وملهى فى جزيرة بالى بإندونيسيا أسفر عن مقتل 200 شخص أغلبهم من السياح الاستراليين، وقد اعترف بمشاركته فى الهجمات بالصومال، واعتبر الذين قاموا بتفجيرات الرياض والظهران (أبطالا) رغم إنكاره التورط فيها، وهدد بشن هجمات ضد الأمريكيين فى السعودية، ووعد بالرد عالميا على هجمات أمريكا بصواريخ كروز على أفغانستان، وفى عام 1998 أعلن تكوين (تحالف عالمى) لجماعات المتطرفين باسم (الجبهة الإسلامية للجهاد ضد اليهود والصليبيين).

ويقول اسبوزيتو: إن رسالة أسامة بن لادن تتفق مع مشاعر الكثيرين فى العالم العربى والإسلامى، وفى انتقاد شديد لسياسة الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامى، ودعمها المنحاز لإسرائيل، ورفضها إدانة قصف إسرائيل للمدنيين فى قانا بلبنان سنة 1996، وإصرارها على فرض العقوبات على العراق مما أدى إلى وفاة مئات آلاف من المدنيين والأطفال العراقيين، كما أنه يرفض (الحملات الصليبية) الجديدة فى الخليج والوجود العسكرى والاقتصادى الأمريكى المكثف، وأضاف إلى ذلك قضايا جماهيرية أخرى مثل البوسنة، وكوسوفو، والشيشان، وكشمير.

وتعليقا على ذلك فإن التركيز على أسامة بن لادن يحمل مخاطر الوقوف أمام مصدر واحد للإرهاب، وإغفال التعدد فى المصادر العالمية للإرهاب من إرهاب دولة، وإرهاب لا ترعاه دولة، وإرهاب إسلامى، وإرهاب غير إسلامى.. ويقول أيضا إن التركيز يجعل دفاع أمريكا الثابت عن الديمقراطية، وعن الحملة الصليبية على الإرهاب العالمى، يتحول إلى جعل أسامة بن لادن بطلا فى أجزاء كثيرة من العالم الإسلامى، والفكر الأمريكى لم يعد يفرق بين (الثورة) و(الإرهاب) وبين (الاستخدام المشروع للقوة) و(الاستخدام غير المشروع للقوة) وبين (المسلمين المعتدلين) و(المتطرفين) وبين (الحركات الجماهيرية) و(المنظمات الإرهابية)، والغربيون واليهود يعلنون الحرب، ويستخدمون القوة والعنف، ولكنهم يعتبرون حروبهم حروبا دفاعية وحروب المسلمين حروبا عدوانية، ويعتبرون حروبهم عادلة وحروب المسلمين حروبا نابعة من الكراهية والعداء للغرب، ولا يفرق الغربيون والإسرائيليون بين (المقاومة والإرهاب) ولا يعترفون بالخط الفاصل بين حركات التحرير الوطنى والمنظمات الإرهابية، ويكررون ما حدث فى التاريخ، فقد كان أبطال الثورة الأمريكية عصاة ومتمردين وإرهابيين فى نظر الاحتلال البريطانى لأمريكا، كما كان نيلسون مانديلا وياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية فى نظر خصومهم إرهابيين يقودون حركات إرهابية، وفى النهاية يمكن أن تضيع الفوارق بين ما هو حق وما هو باطل.. وعلى سبيل المثال فإن الحزام الأمنى الذى أقامته إسرائيل ليس موجودا فى داخل الأراضى التى أقيمت عليها الدولة الصهيونية ظلما وعدوانا منذ أكثر من نصف قرن، وإنما هو موجود داخل حدود دولة أخرى ذات سيادة هى دولة لبنان، والمسألة ليست مسألة وجهات نظر مختلفة، ولكنها مسألة قانون دولى وحقوق مشروعة لشعب ودولة لبنان.

***

ويتساءل جون اسبوزيتو الإسلام هل هو تحد أو تهديد؟ ويقول إن (الأصولية الإسلامية) تعرف على مدى أكثر من عشر سنوات على أنها تهديد للعالم الغربى، وهذا الاعتقاد نشأ من تأثير الثورة الإيرانية، وإعلانها مبدأ تصدير الثورة، وربط القذافى والخومينى بالإرهاب العالمى والهجمات التى شنتها جماعات متطرفة سرية، وحذّر كثيرون فى الغرب من تكرار نموذج إيران فى الغرب، وأدى ذلك إلى اعتبار الإسلام ظاهرة مرضية، ولا يمكن اعتبار (الأصولية) وليدة الفقر والبطالة، فإن كان المؤيدون لجبهة الإنقاذ الإسلامية فى الجزائر من الشباب العاطل، فإن (الإخوان المسلمين) فى مصر والأردن معظمهم من المهنيين أبناء الطبقة المتوسطة والعليا من معلمين وأطباء ومهندسين ومحامين، وكذلك فإن التركيز على اعتبار (الأصولية الإسلامية) تهديدا عالميا أدى إلى مساواة الإرهاب بالإسلام، وإلى الخلط بين الإرهاب والاستخدام المشروع للقوة دفاعا عن النفس وهذا مقياس لا يطبق فى الغرب على اليهودية والمسيحية، كما أن ذلك خلق مناخا من الخوف جعل الإسلام والمنظمات الإسلامية مذنبين حتى تثبت براءتهم، وجعل الأفعال الدنيئة التى يرتكبها مسلمون تنسب إلى الإسلام ولا تنسب إلى التفسيرات المنحرفة للدين الإسلامى. فالمسيحية والدول الغربية لها سجل تاريخى فى إشعال الحروب، وتطوير أسلحة الدمار الشامل، وفرض الهيمنة الاستعمارية، ومع ذلك فإن الإسلام والثقافة الإسلامية هى التى يتم تصويرها فى صورة من لديهم نزعة توسعية، وميل إلى العنف والحرب باسم الجهاد، والمخاطرة اليوم تتمثل فى أن المخاوف المبالغ فيها من الإسلام تؤدى إلى معيار مزدوج للديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم الإسلامى. وتظهر هذه الازدواجية فى الاهتمام الغربى بتطوير الاتحاد السوفييتى وأوربا الشرقية وعدم الاهتمام بتطوير الديمقراطية فى الشرق الأوسط، أو الدفاع عن المسلمين فى البوسنة والهرسك، وكوسوفا، والشيشان. وإذا كان فى العالم الإسلامى حكومات تحكم شعوبها بالقوة والتسلط فإن الغرب يعتبر أن هذا هو المفهوم الإسلامى للحكم.

هذا ما يقوله الباحث الأمريكى الشهير جون اسبوزيتو مع وضد الإسلام، وهو على أى حال من القلة التى تتحدث عن الإسلام بقدر من الموضوعية والفهم، بينما أكثر الذين يتحدثون عن الإسلام يهاجمون كل ما فيه دون محاولة لفهم حقيقته.

***

وعلى سبيل المثال فإن باحثا آخر هو رولاند جاكار حين أراد تقديم الإسلام فى كتابه (فتوى ضد الغرب) لم يجد نموذجا غير شركات توظيف الأموال فى مصر، وتحدث طويلا عن شركة الريان التى اجتذبت رؤوس أموال بلغت مليارات الدولارات، وتمكن الريان من اكتساب ثقة جماهير المودعين بشركته (الإسلامية) التى تمنح المودعين 20% سنويا، واشترى ذمم بعض الكبار بكشوف البركة التى ضمت أسماء عدد من الشخصيات المهمة كانت تتعامل معه وتسانده وتستفيد من عائد مميز على ودائعهم تقترب من 100%، ثم حوكم بتهمة الغش، والتحايل، وتهريب الذهب، وتهريب الأسلحة، مع أن البوليس المصرى لم يكن بعيدا عن متابعة هذه الإمبراطورية المالية الإسلامية الغامضة.

ثم قدم رولاند جاكار نموذجا آخر يمثل الإسلام والمسلمين، هو (الجماعات الإسلامية) المتطرفة المنتشرة فى أنحاء العالم، ويقول إن الدعم المالى يأتيها من (البنوك الإسلامية) و(الجمعيات الخيرية الإسلامية) مشيرا إلى بنك التقوى الذى تم إنشاؤه فى ناسو عاصمة جزر البهاما عام 1987 ويقول إن هذا البنك من أهم مصادر المنظمات التى تشكل عصب الحرب التى يشنها الإسلاميون ولذلك لا تنقصهم الوسائل والمصادر للحصول على ما يحتاجون إليه لتنفيذ عملياتهم.

ومعظم الأمريكيين لا يرون من يمثل المسلمين غير أسامة بن لادن.. ولهذا يخصص رولاند جاكار فصلا مستقلا عن أسامة بن لادن الملياردير السعودى ويقول: إنه أصبح إحدى الشخصيات الخرافية وأكثرها غموضا فيما يتعلق بالقضية الإسلامية وتطوراتها على الصعيد العالمى، وقد انتشرت شائعة فى هوليوود عن إنتاج فيلم سينمائى عن بن لادن يقوم ببطولته الممثل الأمريكى روبرت نيرو يصور كيف أصبح العدو الأول لكل من واشنطن والرياض باعتباره المسئول عن الحركات الإسلامية فى أوربا والشرق الأوسط، وتورطه فى عمليات الإرهاب الدولى، وهو الذى يعمل على زعزعة استقرار السعودية مستندا إلى فتاوى تصدرها تنظيمات إسلامية عديدة بالتكفير وإهدار الدماء، وعلى رأسها (لجنة الفتوى والإصلاح) التى تتخذ من لندن مقرا لها ويرأسها خالد الفواز رجل بن لادن فى أوربا، وتحظى هذه اللجنة بتأييد عشرات الآلاف من السعوديين داخل المملكة على حد قول رولاند جاكار. ويعتمد بن لادن فى نشر وتوصيل رسائله وبياناته على شبكة من أتباعه فى أوربا وعلى بعض المواقع على شبكة الإنترنت العالمية، وقد نفى مسئوليته عن الهجمات ضد الأمريكيين فى الأراضى السعودية، لكنه وجه التحية لهذه العمليات، بينما أقر بدوره فى الحرب فى الصومال، واتهم حكومة فرنسا بتأييد حكام الجزائر ضد الإسلاميين، واتهمها أيضا باضطهاد المسلمين فى فرنسا، وبعد الهجوم على سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا فى أغسطس 1998 وجهت واشنطن صواريخ توما هوك على معسكرات التدريب التى يمولها بن لادن فى أفغانستان، لكنه لم يكن متواجدا بها وقت الهجوم، ومنذ ذلك الحين لم يعد أحد يعرف مقر إقامته، وهكذا يرسخ جاكار فى أذهان الغربيين أن النموذج الإسلامى هو بن لادن.

وفى فصل آخر يتحدث رولاند جاكار عن (خيوط العنكبوت الإسلامية) فى أوربا، ويقول فيه إن التهديد الإرهابى الإسلامى حقيقة واقعة فى العاصمة البريطانية لندن منذ الاعتداء الذى تعرضت له السفارة الإسرائيلية هناك بسيارة مفخخة فى يوليو 1994، ويقول: إن لندن أصبحت الملجأ الآمن للإسلاميين الجزائريين، والحكومة البريطانية تعطى حرية كبيرة للمتطرفين الإسلاميين مقابل ضمان بألا تكون هدفا لعملياتهم ولذلك لم تحدث أية عمليات إرهابية ضد أهداف بريطانية!

ويقول رولاند جاكار إن الرئيس المصرى حسنى مبارك كان أول من لفت الأنظار إلى الحرية التى تتمتع بها الشبكات المتطرفة فى لندن خاصة فى أعقاب الهجوم الإرهابى فى الأقصر، وفى مواجهة هذه الاتهامات وعدت السلطات البريطانية بإجراء تعديلات تشريعية لمكافحة الإرهاب.

ويتحدث رولاند جاكار بعد ذلك عن التواجد الإسلامى فى دول أوربا الأخرى فيقول: إن الدانمرك يعيش فيها 24 ألف لاجئ مسلم بينهم متطرفون ينتمون إلى الجماعة الإسلامية التى تضم مصريين وباكستانيين وسودانيين، وفى بلجيكا يعتبر المجتمع الإسلامى فيها أكثر أهمية حيث يزيد عدد المسلمين على 300 ألف شخص، والمساجد تلعب فيها دوراً أيديولوجيا ملموسا، وفى السويد يوجد إيرانيون تحت غطاء حزب الله، وفى ألمانيا أصبحت الجماعات الإرهابية مصدر قلق كبير للسلطات، وفى ألمانيا مليونان و200 ألف مسلم، وهى ملتقى تجمع المهاجرين من المغرب وتركيا، ولا تخفى السلطات الألمانية أنها تجد صعوبة كبيرة فى مراقبة الجماعات المتطرفة لتعددها وارتباطها بشبكات إرهابية دولية، وفى هولندا 400 ألف مسلم يثيرون مشاكل لا يستهان بها على الصعيد الأمنى، وفى إيطاليا يمثل (المركز الثقافى الإسلامى) بمدينة ميلانو أهم بؤر الدعاية المتطرفة- كما يقول رولاند جاكار- ويضيف أن مدير المركز، وهو مصرى الجنسية، على اتصال بالجماعات المصرية المتطرفة التى تصدر بياناتها عن طريقه، وتربطه علاقة وطيدة بالشيخ عمر عبد الرحمن إمام مسجد بروكلين الذى حكم عليه بالسجن فى أمريكا لمسئوليته عن الهجوم الأول على مركز التجارة العالمى بنيويورك.. أما فى سويسرا فيقول: إن فيها منظمات إسلامية عديدة منتشرة فى المدن، والمركز الإسلامى فى جنيف على سبيل المثال هو إحدى البؤر لتوجيه نشاط هذه المنظمات، وقد تم إنشاؤه فى عام 1961 بمبادرة من الدكتور سعيد رمضان حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وكذلك فإن المركز الإسلامى فى ميونخ ظل أكثر من ثلاثين عاما المنبر الوحيد للإخوان المسلمين فى أوربا. أما أسبانيا فيقول رولاند جاكار إنها تمثل أحد المعابر الاستراتيجية للمتطرفين الإسلاميين هى ومدينة مرسيليا الفرنسية، كما تعتبر أسبانيا منفذا ثانيا لتهريب البضائع والمخدرات والأسلحة. وفى ختام هذا الفصل يقول جاكار إنه توجد اتصالات وثيقة وتعاون بين التنظيمات الإسلامية التى تؤمن باستخدام القوة المسلحة، ويتحدث عن عدوى انتشار الحركات الأصولية الإسلامية المتطرفة فى دول المغرب العربى وانتقالها إلى القارة الأفريقية وخاصة فى السنغال، والنيجر، والجابون، بتشجيع من السودان وإيران لتنشر أفكار التطرف كما يقول.

***

والهجوم على الإسلام ليس وليد تفجيرات سبتمبر 2001 فى نيويورك وواشنطن ولكنه قبل ذلك بعشرات السنين، وقد عبّرت عن ذلك صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية فى عدد 4 يناير 1995 فى مقال بعنوان )إن اعتقاد واشنطن بكسب صداقة الإسلاميين وهم ساذج( قالت فيه إن الإسلام مثل جميع السلفيات الدينية الأخرى كلها تتسم بالدكتاتورية بطبيعتها، وقد يكون من السهل رسم صورة كاريكاتورية للبحث عن )معتدلين( إسلاميين وأن تبديد المفهوم عن الانتصار الإسلامى المحتوم يجب أن يمثل الهدف الرئيسى لأية استراتيجية أمريكية، وقالت الصحيفة فى المقال الذى كتبه (بيترو رودمان) إن عداء المسلمين للغرب يرجع إلى الانحطاط الثقافى والفساد نتيجة العقيدة الإسلامية ذاتها، ويرون أن أمريكا القوة العظمى الوحيدة، فهى تجسد كل ما يكرهونه ويزدرونه. و(الصحوة الإسلامية) هدفها محاربة الحكومات العربية المعتدلة الموالية للغرب، وسذاجة واشنطن أنها تصورت أن فى إمكانها كسب صداقة الإسلاميين لتغيير موقفهم من سياسات الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، ومن الممكن أن تكون عملية السلام العربية الإسرائيلية هى الضحية إذ يعتبرها الإسلاميون خيانة، وقال كاتب المقال فى النهاية لابد من التسليم بأن التيار الإسلامى فى أى مكان يمثل ضررا بالغا للشعوب المتحضرة وللذين يقفون على خطوط المواجهة لمقاومة هذا التيار.

وقد كتبت تيريزا واتنابى تقريرا لوكالة (لوس أنجليس تايمز) الأمريكية نشرته صحيفة الشرق الأوسط يوم 30 سبتمبر 2002 قالت فيه: إن تعامل بعض الأمريكيين مع المسلمين يتسم بالقسوة، وقد نشر خلال عام 2002 وحده أكثر من عشرين كتابا عن (الخطر الإسلامى) وأكثر الكتب مبيعا فى أمريكا كتاب (الإرهابيون بين ظهرانينا) من تأليف ستيفن أميرسون وكتاب (الإسلام المقاتل يصل إلى أمريكا) تأليف دانيال بابيس، وقد أصدر قادة طوائف انجليكانية بيانات تزعم أن الإسلام دين شرير، وتدل الاستطلاعات على أن الأمريكيين صاروا أقل قبولا للإسلام أو رضا عنه، وفى استطلاع أجرته صحيفة (لوس أنجليس تايمز) قال 37% من الأمريكيين إن انطباعهم عن الإسلام سلبى، وقال 25% إن انطباعهم عن المسلمين الأمريكيين سلبى، والسياسيون فى أمريكا يتأثرون بهذه الاتجاهات، ولذلك أصبح إقبال السياسيين على المؤتمرات الإسلامية ضعيفا جدا، وعلى سبيل المثال لم يحضر أى سياسى على أى مستوى مؤتمرا إسلاميا عقد مؤخرا فى واشنطن وحضره 30 ألفا من المسلمين، وظاهرة عزل المسلمين شملت البيت الأبيض، وإن كان الرئيس بوش قد التقى ببعض المسلمين وزار المركز الإسلامى بعد أحداث سبتمبر 2001 لكنه لم يلتق بأحد من المسلمين بعد ذلك، رغم أن المسلمين الأمريكيين أيدوا بوش فى الانتخابات عام 2000 تأييدا شبه اجماعى، ويضيف التقرير أن هذا الجو السياسى المحفوف بالمخاطر بدد الأمل فى أن يخوض عدد من المسلمين الأمريكيين الانتخابات التكميلية للكونجرس عام 2002، وقد زاد قلق المسلمين الأمريكيين بعد اعتقال بعض المسلمين فى نيويورك وفلوريدا وغيرهما بتهمة دعم الإرهاب، وما يردده خصوم المسلمين من أن هناك طابورًا خامسًا من المسلمين داخل أمريكا، ولا يلقى المسلمون فى أمريكا تسامحا من القادة السياسيين والدينيين، خاصة فى المنطقة التى تسمى (حزام الإنجيل) وتشمل أماكن مثل جرينفيل وتكساس حيث تتزايد كثافة المعمدانيين، وكان القس (سام دوجلاس) قد وجه الدعوة إلى أحد المسلمين الذين ارتدوا عن الإسلام واعتنقوا المسيحية ليتحدث أمام مجموعة من أعضاء الكنيسة المعمدانية عن تجربته، وبعد ذلك قدم القس سام دوجلاس رؤيته الشخصية للإسلام فقال إنه درس الإسلام عندما كان قسيسًا فى الجامعة، والدين الإسلامى لا يحترم قيمة الحياة الإنسانية، ويمثل تهديدا لكل من يمكن أن يوصف بأنه (كافر) أى أن كل من ليس مسلما معرض للخطر على أيدى المسلمين، وقال فى ختام كلمته إنه يحب المسلمين ولكنه لا يحب ديانتهم.

***

وفى مجلة تايم الأمريكية كتب نيوكلاس لوكسن مقالا فى يونيو 2002 بعنوان الإسلام فى أوربا قال فيه: إن الشريعة الإسلامية هى أسلوب الحياة للمسلمين ولكنهم حولوه إلى قانون للعقوبات، والغربيون لا يرون فى الشريعة الإسلامية سوى قطع الأيدى والأرجل والرجم والقتل وقمع المرأة وحرمانها من دور إيجابى فى المجتمع، ويلاقى المسلمون فى أوربا الاضطهاد، ففى فرنسا طردوا التلميذات المحجبات من المدارس، وفى بعض المناطق البريطانية مثل لوتون تلاقى الجالية الإسلامية صعوبات فى الحصول على العمل، ولا يوجد عضو واحد مسلم فى البرلمان الفرنسى رغم أن فيها أربعة ملايين مسلم، رغم أن البعض مثل الدكتور بسام طيبى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جوتنجن صاغوا مصطلح (الإسلام الأوربى) ويعنى التزاوج بين الإسلام والقيم السياسية الغربية مثل التعددية، والتسامح، وفصل الدين عن الدولة، والمجتمع المدنى، والديمقراطية، وحقوق وحرية الفرد، ويردد طيبى أن أمام المسلمين خيارين لا ثالث لهما، إما الإسلام الأوربى، وإما الانغلاق والانعزال عن المجتمع، وفى بريطانيا مسلمون على هذا الرأى ينادون بامتزاج الإسلام بالقيم الغربية ويقولون إذا كان هناك تغيير اجتماعى فلابد أن يكون هناك تغيير عقائدى أيضا، ولذلك يجب أن يكون هناك تفسير جديد للإسلام، ويقول نيكولاس لوكسن إن فكرة (الأمة الإسلامية) مجرد فكرة فلسفية وليست واقعا ديموجرافيا، فالمسلمون موزعون فى جميع قارات العالم، ومنقسمون إلى شيعة وسنة، وهم فى أوربا منقسمون تبعا للدولة التى جاءوا منها والدولة التى يقيمون فيها، ويقول البعض إن تأسيس الدولة الإسلامية بدأ فى المدينة أى فى أرض (الشتات) التى هاجر إليها المسلمون، ولهذا كان للهجرة- أى الشتات- أهمية بالغة فى خلق عادات المسلمين، والمهمة التى يجب على المسلمين الموجودين حاليا فى (الشتات) فى أوربا القيام بها هى اكتساب عادات معتدلة وملائمة للمستقبل.

هكذا نرى كيف يحاولون الربط بين فكرة (الشتات) اليهودية وتواجد المسلمين فى المجتمعات الغربية بما يوحى بالتماثل بين هجرة اليهود إلى إسرائيل وإقامة دولتهم فيها وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين إلى المدينة وتأسيس دولة الإسلام فيها، ويكفى ذلك للدلالة على مدى المغالطات التى لا تنتهى للإساءة إلى الإسلام واختلاق شرعية دينية وتاريخية لإسرائيل.

***

ومحاولة تأسيس (إسلام أوربى) تتكرر فى كتابات أمريكية وأوربية، وعلى سبيل المثال فإن صحيفة لوموند دبلوماتيك الفرنسية التى تحظى باحترام المثقفين فى العالم نشرت مقالا مطولا بقلم جوسلين سيزارى فى عام 2001 بعنوان (إسلام أمريكى وإسلام أوربى) قال فيه إن فى الدول الأوربية الرئيسية الآن أحد عشر مليون مسلم، وإعادة تشكيل هؤلاء مهمة ضرورية، ومن هنا بدأت تظهر عبارة (الكيان الإسلامى) وتزايدت الاعتراضات والتساؤلات حول ظاهرة الوجود الإسلامى فى أوربا. بينما الوجود الإسلامى فى الولايات المتحدة ظاهرة حديثة، وعلى الرغم من التواجد الملموس للمسلمين بين العبيد فإن تاريخ الإسلام لم يبدأ حقيقة فى أمريكا إلا مع موجات الهجرة المتتالية خلال القرن العشرين عندما بدأ تدفق مسلمى الهند وباكستان وإندونيسيا وأفغانستان محل مسلمى الشرق الأوسط، وأخذ هؤلاء المهاجرون منذ السبعينات ينشئون المساجد والمدارس والمجلات والصحف الإسلامية. وهذه الديناميكية الدينية تختلف عن حال المهاجرين المسلمين من العرب فى مطلع القرن وغلب عليهم الاتجاه نحو الاندماج فى المجتمع الأمريكى، وتزايد انتشار الإسلام بين السود داخل المجتمع الأمريكى، ومن بين العدد الإجمالى للمسلمين فى أمريكا وهو عدد يتراوح بين أربعة وستة ملايين مسلم فإن نصفهم على الأقل من الأمريكيين السود الذين اعتنقوا الإسلام. وانتقال المهاجرين من دول إسلامية إلى بيئة غير إسلامية متعددة الأجناس، وعلمانية، شجعهم على اكتساب عادات جديدة لممارسة الشعائر الإسلامية، وهذه العادات نشأت من تفاعل ثقافات المهاجرين الأصلية مع ثقافة كل مجتمع من المجتمعات الغربية التى هاجروا إليها. ونتيجة لذلك انقسم المسلمون فى الغرب إلى قسمين: قسم يتوجـه إلى موطنه الأصلى أو ما يسمونه (دار الإسلام) وهذا القسم يواجه صعوبات وتحديات فى المجتمع الغربى الذى هاجر إليه كما حدث فى مشكلة رفض الحجاب للتلميذات المسلمات فى مدارس فرنسا، ومشكلة تهميش المسلمين فى ألمانيا، وانغلاق المسلمين اجتماعيا واقتصاديا فى بريطانيا والولايات المتحدة. أما القسم الثانى الأقل عددا فيشمل المسلمين المهاجرين الذين قبلوا الاندماج فى المجتمعات الغربية التى يعيشون فيها واعتبروا أنفسهم جزءا من هذه المجتمعات.

ويقول المقال فى تحليل أوضاع المسلمين فى الغرب إن الصدام فى أوربا واضح بين المسلمين المهاجرين والأوربيين نتيجة الصبغة الدنيوية للعادات والعقليات الأوربية والصبغة الدينية للعادات والعقليات الإسلامية مما يجعل الاعتراف بالإسلام فى أوربا أمرا أكثر تعقيدا مما فى الولايات المتحدة. وتبدو مسألة تنظيم المؤسسات الإسلامية قضية تقلق أوربا لأنها ترتبط بخصائص العلاقة بين الكنائس والدولة، أكثر من ارتباطها بعجز المسلمين عن التكيف مع مبدأ فصل الدين عن الدولة أو فصل الدين عن السياسة، وجميع الدول الأوربية تعترف بحرية العبادة، ومشكلة الدول الأوربية فى كيفية إدخال الإسلام فى الإطار القانونى القائم فيها. وفى الدول التى يوجد فيها اعتراف قانونى بجميع الأديان مثل بلجيكا، وإيطاليا، وأسبانيا، نجد القوانين فيها تنظم عمل المؤسسات الإسلامية، فقد أصدرت أسبانيا فى 26 يناير 1992 قانونا يقر أداء الشعائر الإسلامية من خلال اللجنة الإسلامية الأسبانية، وهذه اللجنة تضم الجمعيات والاتحادات الإسلامية، وفى بلجيكا أقرت الدولة إقامة الشعائر الإسلامية رغم تأخر انتخاب مجلس إسلامى يمثل المسلمين فى التعامل مع الدولة. ولكن العقليات السائدة فى أوربا مازالت تعترض على الاعتراف بالإسلام، وهذا ما يفسر رفض الاعتراف بالجمعيات الإسلامية الرئيسية كمنظمات دينية وإعفائها من الضرائب كغيرها من المنظمات الأخرى، مما يدل على عدم استعداد المجتمع لتقبل الإسلام كدين معترف به. وفى الحالات التى يوجد بها دين للدولة مثل بريطانيا، والدانمرك، واليونان، أو يكون فى الدولة دين غالب، فإن الأقلية الدينية تتمتع بنفس حقوق الأغلبية ولكن ذلك يحدث متأخرا دائما، فالمسلمون البريطانيون يناضلون منذ سنوات طويلة للحصول على الموافقة بإقامة مدارس إسلامية معترف بها من الدولة، وبعد أن اعتنق الإسلام ستيفن مغنى البوب فى السبعينات وأصبح اسمه يوسف إسلام وبدأ يرعى عددا من المدارس الإسلامية حصل أخيرا على اعتراف بهذه المدارس، ولكن ذلك ليس إلا تطورًا محدودًا. وأما الدول التى تلتزم بالفصل التام بين الدولة والكنيسة مثل فرنسا فلا تزال شرعية الإسلام المؤسسى مطروحة، ومنذ عام 1989 أصبح تنظيم الإسلام مسألة تخص الدولة، وقد فشل وزير الداخلية فى محاولاته للتوفيق بين التيارات والجمعيات الإسلامية التى تتنازع حول الزعامة الإسلامية فى فرنسا. وفى أكتوبر 1999 اقترح وزير الداخلية على الجمعيات الإسلامية المختلفة الاتفاق والتوقيع على وثيقة تشمل تحديد المبادئ التى تؤسس عليها العلاقة بين الدولة ونشاط العبادات الإسلامية، ووجد هذا الاقتراح مماطلة من بعض قادة الجمعيات الإسلامية، وأخيرا قام جميع ممثلى الإسلام الفرنسيين بالتوقيع على هذه الوثيقة فى 28 يناير 2000 ومنذ ذلك الحين والمشاورات جارية.

وتأتى المشاكل فى فرنسا من تمسك الفرنسيين باستبعاد المسائل الدينية، على الرغم من أن مجلس الوزراء يؤكد منذ عام 1989 على أن الانتماء الدينى لا يتعارض مع العلمانية. وعلى الرغم من الفصل التام بين الدين والدولة فإن الولايات المتحدة ما تزال هى الدولة الأكثر تدينا فى المجتمع الغربى، و70% من الأمريكيين يؤمنون بالله، و90% يؤدون الصلاة يوميا أو مرة كل أسبوع، و70% أعضاء فى الكنائس أو المعابد، و40% يحضرون القداس فى الكنائس كل يوم أحد، وفى نفس الوقت بدأ التمسك بالتعاليم الدينية يتدهور على نحو مشابه لما يحدث فى أوربا، مثل التخلى عن الطقوس الدينية الأساسية، ومثل الحرية الجنسية، وهذا التناقض فى المجتمع الأمريكى سمح بظهور ممارسات دينية خاصة ومخالفات للدين والخروج عليه، أما أوربا فهى الوحيدة التى استقرت فيها العلمانية، واستقر فيها مبدأ فصل المؤسسات الدينية عن الدولة، وعدم الالتزام بالمبادئ  الدينية.

وهذا ما يفسر الصعوبات التى يواجهها المسلمون فى أوربا، بينما ينتشر الإسلام فى المجتمع الأمريكى بشكل لا يقارن بما فى أوربا.. وفى نفس الوقت يجب ألا نستخلص من ذلك أن المجتمع الأمريكى يتقبل الإسلام بصورة كاملة، فما زالت الأحكام المسبقة وعمليات التمييز ضد الإسلام قائمة من علامات التناقض الأمريكى، ويظهر الانحياز ضد الإسلام فى وسائل الإعلام ابتداء من نشرات الأخبار إلى أفلام هوليوود التى تصور الإسلام بصورة مرادفة للإرهاب، وهذه الرؤية تؤثر على حياة المسلمين اليومية فى المجتمع الأمريكى، فبعد الاعتداء على مركز التجارة العالمى تعرض المسلمون الأمريكيون لأشكال مختلفة من التهديد والتخويف، بمثل ما يحدث للشباب المغربى المسلم فى فرنسا خاصة بعد عمليات الاعتداء التى وقعت فى باريس عام 1995. وهنا وهناك فإن الأساليب الشائعة فى الحديث عن الإسلام هى تصويره على أنه (عقيدة شيطانية)! وقد أقام مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية قضايا عديدة ضد شركات وجهات تضطهد المسلمين، مثل شركة (نايك) وشركة (بود فيرز) لاستخدام عبارات ورموز إسلامية بصورة مهينة وفيها إساءة إلى معتقدات المسلمين، ولاضطهاد العاملين المسلمين بسبب عقيدتهم، ويناضل مجلس المسلمين الأمريكيين للحصول على اعتراف سياسى بالطائفة المسلمة يتساوى مع وضع الطوائف الدينية الأخرى، كما يسعى إلى تغيير صيغة (أمريكا مجتمع يهودى- مسيحى) إلى (أمريكا مجتمع يهودى- مسيحى- إسلامى) من أجل إقناع الجميع بأن الإسلام يتضمن نفس القيم التى تقوم عليها الأديان الأخرى. ويحاول المسلمون فى أوربا إثبات أن الإسلام له نفس الأهداف والقيم التى للأديان الأخرى ولكنهم لم ينجحوا فى ذلك.. وفى أمريكا نسبة أكبر مما فى أوربا من الصفوة المسلمة المهاجرة إليها من أطباء وأساتذة جامعات ومهندسين ورؤساء شركات، ووجود المسلمين فى الجامعات الأمريكية أكبر من وجودهم فى الجامعات الأوربية، بينما الغالبية العظمى من المهاجرين إلى دول أوربا من فقراء المغرب، وأفريقيا، والهند، وباكستان، وهم الذين هاجروا هربا من أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية السيئة فى بلادهم، ولا يغير من ذلك كثيرا ظهور مسلمين من الطبقة المتوسطة وبعض الشخصيات المثقفة فى أوربا.

هذا التحليل أيضا يعكس أولا سوء أوضاع المسلمين فى أوربا وأمريكا بشكل عام، وسوء الفهم للإسلام والمسلمين، والنظرة السائدة إلى الإسلام على أنه (دين الشيطان) كما فى مقال جوسلين سيزارى.

إلى متى يظل الإسلام والمسلمون فى الغرب ضحية سوء الفهم وسوء المعاملة؟

هل الأفضل أن نوجه السؤال إلى الدول الأوربية أو إلى الحكومات والمؤسسات الإسلامية التى تخصص لها عشرات الملايين من الدولارات لخدمة الإسلام فلا تعمل شيئا سوى بناء مساجد وتوظيف جيوش من العاملين ولا تتعامل بجدية مع مفاتيح الرأى العام فى أوربا وأمريكا والاشتراك فى حوارات جادة لإيجاد جسور للتفاهم واستعادة الثقة على الجانبين؟
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف