الغرب والإسلام.. من يهدد من ؟
عندما كان بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل الأسبق يتحدث أمام تجمع يهودى فى لندن فى صيف 2002 قال : إن إسرائيل فى معركة توراتية، وكشف بذلك عما فى أعماقه من أن الصراع العربى الإسرائيلى ليس صراعا سياسيا فقط، ولكنه فى قرارة نفسه يؤمن بأنه فى جوهره صراع دينى وأن التوراة هى المرجعية الإسرائيلية فى هذا الصراع!.

هل مثل هذا الطرح هو أحد تطبيقات نظرية صراع الثقافات التى انتشرت فى الفكر الأمريكى وأصبحت المحرك لمفكرين وسياسيين وعسكريين يعربون  بشكل أو بآخر عن أن (الإسلام هو العدو)؟!.

ميشيل هولبيك، كاتب فرنسى، كتب رواية كلها إساءة إلى الإسلام، وفى حديث صحفى قال: إن الإسلام أكثر الأديان غباء، وأن قراءة القرآن تبعث على الملل، ولا أحد يعرف ما هى مناسبة مثل هذا الكلام إلا أن يكون مساهمة فى (الحرب على الإسلام).

ونعود لنستكمل الدراسة المطولة التى نشرتها (الإيكونومست)فى عدد 6 أغسطس 1994 ولم تلفت نظر أحد من المسئولين عن المؤسسات الإسلامية الكثيرة فى داخل وخارج الدول الإسلامية، تحت عنوان: (اليد الخفية، واليد الخفية) تقول الدراسة إنه بعد تحديد السبل التى تؤدى إلى تغيير المسلمين، لكى يصبح الإسلام والغرب شركاء فى القرن الحادى والعشرين، فإن الغرب عليه دور يجب أن يقوم به، عليه أن يحدد ما تريد أمريكا وأوروبا تحقيقه من علاقتهما مع الإسلام، وفى الشق الخاص بالسياسة الخارجية على الغرب أن يستعد للتعامل مع الحقيقة المزعجة، وهى أن الإسلام على وشك الدخول فى مرحلة الانقلابات السياسية المفاجئة!.

فكثير من الدول الإسلامية تفتقد الديمقراطية، وتقودها حكومات غير محبوبة وتفتقر إلى الكفاءة، ولا تحكم قبضتها على الأمور، ولن يدوم الوضع الراهن طويلا، وإن كان الوضع الراهن-  مع الأسف-  يبدو مرضيا ومريحا للغرب، خاصة وأن للغرب، ولأمريكا، تفاهما مشتركا مع معظم حكومات المنطقة، ومن ثم فلا يفكر الطرفان فى التغيير، والقوة قد تؤدى إلى قلب الكثير من الحكومات القائمة، وتثبت الحركات الإسلامية أنها حليف دائم للغرب، وأن سقوط الوضع الراهن سيؤدى على المدى القصير إلى كثير من النزاعات الغاضبة، إذا تعرضت المصالح الجوهرية للغرب فى المنطقة للخطر، مثل سوق حرة للنفط، أو المرور الآمن بحرا وجوا، فإن الغرب سوف يتحرك للدفاع عن هذه المصالح، ولكن لابد أن يضع الغرب فى اعتباره أن هذه المنازعات من المصاعب المعتادة لكل مرحلة انتقالية، وعندما تنتهى المرحلة الانتقالية يصبح الهدف هو إقامة علاقات سلسة بين الغرب و(الإسلام الحديث).

***

وتحت عنوان (الحاجة إلى تقليل التحول إلى رذاذ) تقول الدراسة: إن العنصر الثانى من مساهمة الغرب هو أن على الغرب أن يدرك أن ما يراه شاذا فى الإسلام كان له وضع مماثل فى التاريخ القديم للغرب، ويمكن للغرب أن يتفاعل مع الجانب الخاص بالاقتصاد فى الإسلام، وهو يقوم على أن السوق الحرة لا يعنى أن تكون السوق بلا ضوابط، ولكنها تخضع لضوابط غير اقتصادية، وهناك اتجاه فى الغرب نحو هذا المفهوم، كذلك فإن الغرب هزم الشيوعية وانتهت الحرب الباردة بفكرتين هما: السوق الحرة، والديمقراطية، وأساسهما أن الفرد وحرية الفرد والجهد الفردى هى المحركات للفرد والمجتمع، ولكن بدأ هذا الاتجاه ينقسم إلى اتجاهين: اتجاه ينادى بترك العنان للحرية الفردية بغير حدود، على أساس أن هذا يرفع درجة الكفاءة، والاتجاه الثانى ينادى بوضع ضوابط وقوانين تتحرك فى إطارها طاقات الفرد لتشجيع الناس على العمل من أجل تبادل المنافع، ولحماية غير القادرين فى نفس الوقت، ويمكن تسمية هذا الاتجاه (اليسار الجديد) وهذا اليسار الجديد ينظر إلى الإسلام برضا، ومن وجهة النظر هذه تبدو الحياة وكأنها رذاذ، ففى مجال الأعمال هناك تكنولوجيا حديثة جعلت كثيرا من الناس يقضون كل وقت العمل وحدهم كأفراد وليسوا أعضاء فريق، وحتى داخل البيت فإن التكنولوجيا جعلت كل فرد يجلس وحده فى عزلة أمام كمبيوتر أو تليفزيون.

ونتيجة تحول الناس إلى أفراد كالرذاذ فى أوقات العمل وأوقات الفراغ نشأت ظاهرة تفكك الأسرة، حتى أن 40% من الأمريكيين يعيشون وحدهم بدون أسرة، أو مع أحد الوالدين فقط (بعد تزايد حالات الطلاق والعلاقات بدون زواج)، كما تزايدت ظاهرة الانتقال من المدن الصغيرة إلى المدن الكبرى مما يعنى مزيدا من العزلة، ولقد دفع كل فرد فى الغرب فاتورة التشرذم، أو التحول إلى رذاذ، ويبدو أنه مع الزمن اعتاد الناس على التكيف مع الحياة الفردية، فى جمع المال، وفى إنفاقه أيضاً، لكن كثيراً منهم لم يستطع التكيف، والدليل أن العلاقات بين الناس جعلت كل فرد وحدة و لا أحد ينتمى إلى أحد، وكلما قل انتماء الناس لبعضهم زادت القسوة والعنف، وتزايد وجود السلاح فى الأيدى، وأصبح متوافرا، وزادت العوامل التى تفقد الإنسان السيطرة على نفسه مثل الخمور والمخدرات، ولم تعد الحياة فى الغرب ممتعة كما كانت منذ قرن مضى عند نشأة الطبقة المتوسطة، أما الطبقة المتوسطة الجديدة فإنها تشعر بأن الحياة أصبحت محفوفة بالمخاطر وأكثر وحشية، ولذلك فإن على الغرب أن يبحث عن وسيلة لوضع الدوافع الإنسانية والروح الخلاقة اللازمة للتقدم فى إطار من النظام الأخلاقى الذى هو الوسيلة الوحيدة لمعنى (التقدم) .. والدين هو القوة التى تعمل على تشكيل هذا النظام الأخلاقى، ويبدأ بالإيمان بالله، ثم بالتفرقة بين الصواب والخطأ، وإلا فإن الغرب سيعيش فى آلة غاية فى الكفاءة لكنها بلا هدف.. ولكن القول دائماً أسهل من الفعل، والذين يعملون على بناء (اليسار الجديد) يعترفون بأنهم مازالوا فى المراحل الأولى التى يتم فيها تطبيق مفهومهم عن الأخطاء فيما يدور حولهم من أحداث، ويبقى عليهم أن يتأكدوا أن ما يعتقدون أنه الصواب يتفق مع دورة التاريخ التى بدأت بالإصلاح منذ عام 1500.

***

وتحت عنوان (وخزة فى الضلوع) تقول الدارسة: إن حركة الإصلاح فى أوربا حررت طموح الفرد وبذلك نشأ (الغرب الحديث) بما فيه من رأسمالية وديمقراطية، ولكن على مدى قرنين بعد الإصلاح ظلت هذه الروح تعمل داخل هيكل من الانضباط المسيحى، ولكن مع حقبة التنوير فى القرن الثامن عشر انهار هذا الانضباط، وبدأ الناس يؤمنون بأن العقل الإنسانى قادر على الإجابة عن كل الأسئلة، فحدث اكتفاء ذاتى للجنس البشرى، وبدأ عصر اليقين العلمى، بما فيه من دعوى كارل ماركس المدمرة فى القرن التاسع عشر الذى زعم أنه اكتشف (اليقين السياسى).

وجاء انهيار اليقين الماركسى ليترك دوامة الطاقة الفردية للإنسان خارج إطار أى توجيه أخلاقى فى السياسة والاقتصاد، ومهمة اليسار السياسى الجديد إقامة نظام أخلاقى من جديد.

تقول الدراسة: عندئذ سيقول المسلمون: (مرحبا بعودتكم) إذ أن الملامح المميزة للإسلام عن كل الحضارات والثقافات العالمية هو إيمان الإسلام بأن حياة الإنسان اليومية المحسوسة تحيطها قوة أخرى غير مرئية، والاثنان مرتبطان برباط وثيق جداً، ولقد كان الغرب فى الماضى يؤمن بذلك، ولكن فى الوقت الحالى لم يعد بعض الغربيين وكثير من الأمريكيين يعملون على توثيق هذا الارتباط، وإذا استطاع الغرب إعادة هذا الارتباط لأصبحت الفرصة أمامه أفضل لعلاج المشاكل، ولأصبحت الفجوة أقل بين الغرب وعالم الإسلام الذى يضم 1200 مليون مسلم.

وتنتهى الدراسة أخيراً إلى أن الفارق كبير بين الحضارتين الإسلامية والغربية، والخلاف بينهما على مفهوم الله باعد السبل التى سار فيها كل منهما، وصار بينهما تاريخ دموى، وأصبح الالتقاء صعبا، إلا إذا توقف الإسلام والغرب عن النظر إلى الآخر على أنه متعصب وبلا أخلاق!، واحتكاك الغرب بالمسلمين قديما ساعد الغرب على التقدم، والآن، وبعد خمسة قرون، فإن الغرب عليه أن يساعد الإسلام على تحديث نفسه.

***

خلاصة هذا الجزء من الدراسة أن الغرب عليه تغيير الإسلام لكى يمكن للغرب التعامل معه.

***

وفى ذات العدد من (الإيكونومست) كتب جورجين نيلسين مدير مركز دراسات الإسلام والعلاقات الإسلامية المسيحية فى كليات سيلى أوك فى برمنجهام يقول إن المتطرفين الإسلاميين يخفون عنا رؤية وجه الإسلام المعتدل السائد بين أغلبية المسلمين، وأنه يعتقد أن الأغلبية الصامتة من المسلمين يتحررون اليوم من الاتجاهات المحافظة، ويستشهد بحديث للدكتور يوسف القرضاوى قال فيه: إنه من الضرورى تنمية مفهوم شامل جديد للشريعة الإسلامية تتحرك بآراء مختلفة، ثم نبقى قلبا واحدا وتكون الأولوية للتجديد فى الفكر الإسلامى، والدكتور يوسف القرضاوى تخرج فى جامعة الأزهر،  وتولى مناصب أكاديمية فى الكليات الإسلامية فى الخليج وله تأثير على الشباب من شمال أفريقيا المقيمين فى فرنسا، وقد اتهمه بعض زملائه فى الأزهر منذ سنوات بأنه متطرف لأنه أعلن أن الشريعة الإسلامية لا تحكم بالإعدام على المرتد، وليس هو وحده الذى قال ذلك ولكن هناك من يرى هذا الرأى، وقد سبق أن أعلن الدكتور حسن الترابى- أمين الجبهة الإسلامية القومية فى السودان-  عن معارضته لقرار الخومينى بإهدار دم الكاتب سلمان رشدى لارتداده عن الإسلام، واستند إلى ما جاء فى القرآن: (لا إكراه فى الدين) وأعلن عن هذا الرأى أيضاً الدكتور راشد الغنوشى زعيم حزب النهضة الإسلامية فى تونس، ولكن تنفيذ هذه الآراء أمر شديد التعقيد، لأن الجبهة الإسلامية فى السودان هى التى أدخلت عقوبة الإعدام للمرتد عندما تولت السلطة ولذلك يمكن وصف الدكتور الترابى بالانتهازية، من ناحية أخرى تبدو ملامح تقدم ديمقراطى وثقافى فى المنطقة، يؤكد اهتمام الزعماء السياسيين والدينيين بالرأى العام، وهذا يفتح الباب للمثقفين فى الصحف ومحطات التليفزيون الفضائية الجديدة التى تبدو بعيدة عن سيطرة الحكومات لمناقشة قضايا مهمة مثل حقوق الإنسان، والديمقراطية والفقر، والثروة، وأوضاع المرأة، وهؤلاء من الشباب ويحاولون كسر القيود المفروضة وكسر الجمود فى الفكر الإسلامى مع تقبلهم للأفكار القادمة من أمريكا وأوروبا، وتقول الدراسة: لقد أساء التطرف إلى الإسلام، وسادت حالة من نفاد الصبر تجاه هذا التطرف، وبالإضافة إلى ذلك فقد المتطرفون مصداقيتهم فى دول مثل مصر ولبنان، ونتيجة لذلك أصبح للمعتدلين كلمة مسموعة وأصبحوا هم المعبرين عن تراث الإسلام عن السماحة والاعتدال، وقد أثبتت التجارب أن الدموية والعنف الذى تعمل به الجبهة الإسلامية فى الجزائر، والنظام الإيرانى وعبثية حكم طالبان فى أفغانستان.. كل ذلك يبدو أنه يقترب من نهايته.

ويقول جورجين نيلسين فى مقاله: إن الذعر من (صراع الحضارات)بدأ عندما أعلن البروفيسور صمويل هنتنجتون هذه النظرية وقال: إن العالم بعد أن انتهت الحرب الباردة وسقوط حائط برلين سيشهد صراعا بين الغرب والإسلام، وبدأ تداول فكرة أن الإسلام هو العدو، عن رؤيته للمسلمين الآن يقول: لقد حل التعب بالجيل القديم من علماء المسلمين لأنهم لم يحصلوا على الخير الموعود رغم تأييدهم للفساد والقهر فى الأنظمة الحاكمة، ولم يعد إحساسهم بالغبن للمؤامرة العالمية فى فلسطين تأثير على الأجيال الجديدة من أبنائهم وأحفادهم الذين تشغلهم قضايا الاقتصاد والثقافة الدولية تحت سيطرة أمريكية واضحة فى النظام العالمى الجديد.. وحتى الآن لم تحسم المعركة بعد، فلازالت هناك حركة لأنصار الاتجاهات الإسلامية التقليدية يشتد عودها كلما انحازت أمريكا إلى إسرائيل.

***

من أشهر من كتب عن رؤية الغرب للإسلام الباحث الأمريكى الشهير جون اسبوزيتو، وأهم كتبه بعنوان (التهديد الإسلامى أسطورة أم حقيقة) وقد صدرت له أخيراً ترجمة إلى اللغة العربية للدكتور قاسم عبده قاسم، يقول فى سطوره الأولى إن هناك من يظنون أن الحرب بين الغرب والمسلمين ستكون البديل للحرب بين الغرب والشيوعية، ويتساءل: هل الإسلام والغرب على طريق تصادم حتمى؟.. وهل الأصوليون الإسلاميون متعصبون من النوع الذى عرفته العصور الوسطى؟.. وهل الإسلام والديموقراطية لا يتوافقان؟.. وهل تشكل الأصولية الإسلامية تهديدا للاستقرار فى العالم الإسلامى وللمصالح الأمريكية فى المنطقة؟.. ويقول: إن هذه الأسئلة الحرجة نتيجة تاريخ غلب عليه الصراع وعدم الثقة المتبادلة، فمن آية الله الخومينى إلى صدام حسين وطالبان بأفغانستان، وعلى مدى عقدين تقريباً، كانت رؤية الأصولية الإسلامية، أو (الإسلام المقاتل) تهديد للغرب استحوذ على تصورات الحكومات الغربية، فإدانة الخومينى لأمريكا باعتبارها (الشيطان الأكبر) ودعوة صدام (للجهاد) ضد الكفرة الأجانب، وهتافات (الموت لأمريكا) وإدانة سلمان رشدى وروايته (آيات شيطانية) كل ذلك أعاد صورة الإسلام المقاتل باعتباره دين الغزو والتوسع، المعادى للأمريكيين، الذى يضمر العزم على شن الحرب على الغرب، وعلى الرغم من وجود جذور ومعتقدات دينية مشتركة فإن العلاقات الإسلامية-  المسيحية على مدى التاريخ كانت تشوبها الصراعات حينما كانت الجيوش والدعاة من العالم الإسلامى، والمبشرون من العالم المسيحى، يتصارعون من أجل النفوذ، وهذه المواجهات تضمنت أحداثا مثل هزيمة البيزنطيين الأوائل (الرومان الشرقيين) على أيدى المسلمين فى القرن السابع، والمعارك الوحشية وفظائع الصليبيين خلال القرنين الحادى عشر والثانى عشر، وطرد المسلمين من أسبانيا، ومحاكم التفتيش ، والتهديد العثمانى لأوروبا، والتوسع الاستعمارى الأوروبى (المسيحى) ، والهيمنة التى شهدها القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، والتحدى السياسى والثقافى للقوى العظمى (أمريكا والاتحاد السوفيتى) فى النصف الأخير من القرن العشرين، ثم خلق دولة إسرائيل، والمنافسة الجارية الآن بين المبشرين المسيحيين والدعاة المسلمين، ثم الاستخدام المعاصر للإسلام فى الشئون السياسية.

هكذا يلخص جون اسبوزيتو جذور الصراع بين الغرب والإسلام ولكن دون أن يستخلص من هذا العرض السريع للتاريخ أن الغرب غالبا كان هو المعتدى من الحرب الصليبية إلى الاحتلال ثم الهيمنة الاقتصادية والسياسية.. الخ.. ولكنه فقط يركز على أن (الأصولية الإسلامية) هى التى تعتبر التهديد الأكبر للاستقرار الإقليمى فى الشرق الأوسط، والخطر على المصالح الغربية فى العالم الإسلامى، فالثورة الإيرانية والهجمات على السفارات الغربية، وخطف الطائرات والرهائن، والأعمال العنيفة التى تقوم بها جماعات مثل (جند الله) و(الجهاد) و(حزب الله) و(الناجون من النار) تشير إلى أن هناك (الإسلام المقاتل) فى طريقه إلى الصدام مع الغرب، كما أن القلاقل التى شهدتها الجمهوريات الإسلامية فى الاتحاد السوفيتى السابق، وفى كوسوفو بيوغوسلافيا، وفى كشمير، وفى سينكيانج بالصين، وفى الضفة الغربية وغزة، ومحاولة صدام حسين ضم الكويت، كل هذه الأمور فرضت صورا للإسلام على أنه ينطوى على نزعة توسعية، وإمكانية التفجر فى الأوساط السياسية العالمية.

ويقول جون اسبوزيتو إن الفراغ الناتج عن انتهاء الحرب الباردة  تملؤه المخاوف من الإسلام باعتباره (امبراطورية الشر) الجديدة والمشتبك فى حرب مع النظام العالمى الجديد  ويقول أيضاً: إن افتتاحيات ومقالات الصحف فى الغرب تعكس الاعتقاد بأن الصدام بين القيم والحضارات سوف يؤدى إلى مواجهة خطيرة بين الإسلام والغرب، وهذه الحملات الصحفية تحمل عناوين مثل: (مازالوا يحاربون الحملات الصليبية) و(الهلال الجديد فى أزمة) و (الإسلام الصاعد ربما يهيمن على الغرب) و(جذور الغضب الإسلامى) و(الحرب الإسلامية ضد التحديث) و (ذروة الأزمة : صدام الحضارات).. ومثل هذه العبارات تستولى على الانتباه وتستحوذ على الرأى العام، وتشوه الإسلام، وتكرس التنميط الثقافى للعرب والمسلمين، فبالنسبة للكثيرين فى الغرب صار العرب عندهم بدو وشيوخ البترول يعشقون الصحراء والنساء، وأنهم شعب انفعالى وغير عقلانى، وغالبا ما تتم المساواة- بين الإسلام، والجهاد- والكراهية، والعنف، والتشدد، وقهر المرأة.

***

ويؤكد جون اسبوزيتو أن قادة الدول الغربية عندما كانوا يعدون لتشكيل النظام العالمى الجديد تصاعدت فكرة اعتبار الإسلام هو العدو العالمى الجديد المتكتل ضد الغرب، وبالنسبة لبعض الأمريكيين الذين يبحثون عن عدو جديد يختبرون ضده قوتهم بعد انتهاء الشيوعية اعتبر الإسلام هو الخصم، فالإسلام، والحركات الإسلامية يمثلان التحدى الدينى والأيديولوجى والخطر المحتمل ضد المسيحية والغرب، وصناع السياسة الأمريكيون، شأنهم شأن وسائل الإعلام، يصورون العالم الإسلامى والحركات الإسلامية كتلة واحدة صماء، ولا يرونها إلا على أنها التطرف والإرهاب.

***

يقول جون اسبوزيتو عن (جذور الصراع بين الإسلام والغرب): إن النجاح والتوسع للإسلام كانا التحدى للغرب على المستوى الدينى والسياسى والثقافى وشكل تهديدا للغرب المسيحى، وكل من الإسلام والمسيحية لديه شعور برسالة ومهمة عالمية، ولذلك كان محتما أن يؤدى ذلك إلى المواجهة بدلا من التعاون، وبسبب تاريخ طويل كان العالم المسيحى خلاله يوجه السباب إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) وإلى الإسلام الذى كانت صورته مشوهة جداً بالنسبة لهم، وبسبب تاريخ حديث وضع الإسلام خلاله على قدم المساواة مع الإرهاب والتطرف، ثم جاءت الحروب الصليبية المثال الأوضح للمسيحية العسكرية، وهذه الحروب التى أخذت اسمها من (الصليب) سلسلة من ثمانى حملات عسكرية تمتد من القرن الحادى عشر إلى القرن الثالث عشر تم فيها تعبئة العالم المسيحى (جيوش الفرنجة) ضد الإسلام (جيوش المسلمين) ويمثل القرن الحادى عشر منعطفا مهما فى العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامى، فقد كان الغرب حتى  سنة 1000 فقيرا، متخلفا أمياً، يدافع عن نفسه بصعوبة ضد هجمات البربر، بينما كان الإسلام على امتداد أربعة قرون يتمتع بسلام داخلى وأمن، وبعيداً عن الحروب المحلية، تمكن من بناء ثقافة وحضارة، ثم تحول الموقف تحولا درامياً، إذ أعيد إحياء التجارة فى الغرب، وظهرت المدن والأسواق، وتزايد السكان، وظهرت الفنون والعلوم على نطاق لم يعرف منذ أيام الإمبراطورية الرومانية، وخرج الغرب من العصور المظلمة ليشن هجوما مضادا لطرد المسلمين من أسبانيا، وإيطاليا، وصقلية، والمتوسط فى وقت كان العالم الإسلامى قد بدأ يواجه اضطرابات سياسية ودينية أضعفت قواه.

يقول اسبوزيتو إن القدس فى ذلك الوقت كانت مدينة مقدسة لكل الديانات منذ الفتح الإسلامى لها عام 638، وتحت الحكم الإسلامى تركت الشعوب والكنائس المسيحية بدون إزعاج، وصارت المزارات المسيحية المقدسة مواقع حج شعبية للعالم المسيحى، أما اليهود الذين كان الحكام المسيحيون قد حرموهم طويلا من العيش فى القدس فقد سمح لهم المسلمون بالعودة والعبادة، ولم تكد تنتهى الحرب الصليبية حتى واجهت أوربا مرة أخرى قوة التهديد الإسلامى ممثلة فى الامبراطورية العثمانية وكان الأتراك العثمانيون هم الذين زرعوا الرعب فى قلب أوروبا المسيحية لدرجة وصفهم بأنهم (الرعب الحالى للبشرية) وسيطر العثمانيون على دولة البلقان وأخضعوها، وكانت سياستهم تجاه المسيحيين والأقليات الدينية الأرثوذكس مرنة تتناقض تماما مع التطرف المتعصب فى الدول المسيحية فى ذلك الوقت، وقد اعتاد الفلاحون البلقانيون المسيحيون فى زمن حكم محمد على لمصر القول بأن عمامة التركى أفضل من إكليل البابا.. وعلى الجانب الآخر بدأ الهجوم على الإسلام والمسلمين والنتيجة التى يصل إليها جون اسبوزيتو أن الصدام لم يكن فى حقيقته دينيا بين المسيحية والإسلام فى الحروب الصليبية أو ضد الأتراك، ولكنه كان بسبب المصالح السياسية والاقتصادية..

ويقول اسبوزيتو: إن عصر الإصلاح الدينى فى أوروبا جاء بنوع آخر من العداوة عبرّ عنها مارتن لوثر بقوله: (إن الإسلام حركة من العنف فى خدمة المسيح الدجال، ولا يمكن تنصير المسلمين لأنهم أغلقوا باب العقل، ولا تمكن مقاومة الإسلام إلا بالسيف).. وفى القرون الأخيرة ظهرت دراسات وكتب عدائية عن الإسلام.. مثل كتاب فولتير (التعصب أو محمد النبى) صور النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) طاغية دينيا، وأعلن المستشرق الشهير ارنست رينان أن الإسلام لا يتوافق مع العلم، والمسلم لا يقدر أن يتعلم شيئاً، أو ينفتح على فكرة جديدة، ويقول اسبوزيتو إن الإسلام أثبت أنه تهديد مزدوج دينى وسياسى، ولو لم يتم صد الجيوش الإسلامية فى بواتييه فى فرنسا وعند بوابات النمسا فربما صارت اللغة العربية هى لغة أوروبا‍.

وإذا كانت القرون العشرة الأولى مباراة غير متوازنة كانت المسيحية أثناءها تحت الحصار بالمعنى الحرفى، فإن بداية الاستعمار الأوروبى كان بداية تحول القوة، ومن بعدها حكم الاستعمار المسلمين وعقليتهم وظل الاستعمار مستمرا فى التأثير على العلاقات بين الغرب والإسلام حتى اليوم على نحو ما كشفت الثورة الإيرانية وحرب الخليج، وبقيت بعد ذلك صور الصليبيين والأمبريالية الغربية تراثا حياً، وتجربة حية فى وعى المسلمين وفى خطابهم السياسى.

***

يقول اسبوزيتو تحت عنوان (الغرب الظافر) إن صورة الإسلام بوصفه تهديدا محتملا للغرب المسيحى، وأيضاً بوصفه قوة رجعية ومصدرا للتخلف والتدهور فى العالم الإسلامى، هذه الصورة هى التى حكمت النظرة العالمية للاستعمار الأوروبى، وقدمت المبرر للموظفين الاستعماريين والمبشرين المسيحيين الذين كانوا الطليعة للتوسع الأوروبى والهيمنة الأمبريالية فى العالم الإسلامى.. كانت الحضارة الغربية فخورة بنفسها ودفعها الشعور بالانتصار إلى احتقار كل ما هو غير أوربى، وأثبت الرجل الأبيض نفسه، وتجمع ضد أى شىء من الخارج.

وينقل اسبوزيتو موقف اللورد كرومر، المندوب السامى البريطانى فى مصر من 1883 إلى 1907 أثناء الاحتلال البريطانى لمصر بأن الإسلام ديانة توحيدية نبيلة، ولكنه كنظام سياسى كان فاشلا فشلا ذريعا، فالإسلام يضع النساء فى مكانة دونية، ويبلور الدين والفقه فى وحدة لا تنفصم ولا تتغير، ويسمح بالرق، واتجاهه العام التسامح إزاء الديانات الأخرى، ولا يشجع تطوير الفكر المنطقى، ومن ثم لا يكاد المسلمون يتطلعون إلى حكم أنفسهم أو إصلاح مجتمعاتهم .. ومع ذلك فإن الإسلام يمكن أن يولّد شعورا جماهيريا يمكن أن يحطم الروابط التى أنشأها المصلح الأوروبى.

الخوف من (ثورة الإسلام) لم يكن بعيداً عن فكر كرومر كما ينقل اسبوزيتو، ويقول: إن الحالة المتدهورة للعالم الإسلامى جعلت منه هدفا واضحا للبعثات التبشيرية المسيحية وكانت الفكرة السائدة أن الإسلام بطبيعته يشجع الجمود الثقافى ويعوق التطور..

ومع القرن التاسع عشر وجد المسلمون أنفسهم فى موقف دفاعى إزاء التوسع الأوربى، وفى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أصبح الغرب يمثل تحديا للإسلام على المستوى السياسى والاقتصادى والأخلاقى والثقافى، وهدد الاستعمار والامبريالية الأوروبية هوية الإسلام السياسية والدينية والثقافية ومع بداية السيادة الأوروبية على العالم الإسلامى اهتزت صورة الإسلام ومكانته.

وكشفت خريطة العالم الإسلامى عقب الحرب العالمية الأولى مدى اتساع السيادة الأجنبية، فالفرنسيون فى شمال وشرق ومناطق خط الاستواء فى أفريقيا وشرق البحر المتوسط، والبريطانيون فى فلسطين وشرق الأردن والعراق ومصر والخليج العربى، وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا والملايو وسنغافورة وبروناى، والهولنديون فى إندونيسيا، وكانت استجابة المسلمين تتراوح بين الرفض والتقليد ، بين المواجهة والإعجاب، ولكن الحالة السائدة كانت حالة الصراع، ولم تأت أوروبا بجيوشها وموظفيها فقط، وإنما جاءت بالبعثات التبشيرية أيضاً، وكان وصف مارشال فرنسا بوجو لذلك بقوله : إن القساوسة يكسبون لنا قلوب العرب الذين أخضعناهم بقوة السلاح.

***

يقول اسبوزيتو إن القومية العربية وشخصية جمال عبد الناصر حشدت معظم أنحاء العالم العربى بالتحدى للقوى الغربية فى الخمسينات فصاعداً، وظهرت فى الدول العربية حكومات تردد مواقف عبد الناصر ضد الامبريالية الغربية وتدعو إلى النضال ضد الاستعمار وبناء نظام اجتماعى جديد، وربما لم يستحوذ أى زعيم عربى حديث على خيال العالم العربى والعالم الثالث على نحو ما فعل جمال عبد الناصر، ومازالت ذكراه تلقى بظلالها على التطور السياسى فى الشرق الأوسط، إذ ارتبط اسمه بالمواجهتين اللتين ترمزان إلى الحالة المعادية للامبريالية وسياسات تلك الفترة: السويس، وفلسطين، وبوصفه زعيما كاريزميا كانت قدرته على الهيمنة على الجماهير محل حسد كل سياسى عربى، كما كان منغصا لأعدائه، وألهب خيال العرب والمسلمين.

ثم ينتقل اسبوزيتو فى تحليله لجذور العداء إلى قضية فلسطين، فيقول إن خلق إسرائيل كان المثال الأكثر جسارة على ازدواجية الاستعمار ورغبته فى أن يبقى العرب فى حالة الانقسام والضعف، وإسرائيل تعتبر نفسها مستعمرة أوروبية أمريكية وسط الأمة العربية، وكانت هزائم العرب فى 48 و 56 و 67 مزيدا من الإهانة وبالنسبة للقادة العرب كانت فلسطين تقدم لهم قضية لا خسارة فيها، يمكن لكل منهم أن يستغلها داخليا وعالميا ويتبارى الحكام فى عنف الشجب والإدانة، والمسلمون يشاطرون الفلسطينيين معاناتهم، والنضال ضد إسرائيل يرمز إلى المعركة ضد الإمبريالية ويقدم قضية عامة وإحساسا بالوحدة، ويلهى عن فشل الأنظمة، وفشل القومية العربية، ووجد الناشطون الإسلاميون فى تحرير فلسطين هدفا للجهاد ضد الإمبريالية الغربية.

ويقول اسبوزيتو إنه بعد انتهاء الحرب الباردة تعالت أصوات فى أمريكا وأوروبا (المسلمون قادمون، المسلمون قادمون) وأنهم ليسوا خطرا سياسيا فقط ولكنهم خطر سكانى أيضاً.. واستمرت التصريحات من جانب زعماء الدول وقادة الرأى والسياسيين البارزين فى إشاعة مفاهيم التهديد الإسلامى، وصدام الحضارات، حتى أن نائب الرئيس الأمريكى دان كويل فى فترة إدارة بوش الأب تحدث عن خطر الأصولية الإسلامية الراديكالية، وربط بينها وبين النازية والشيوعية، وزادت المقالات التى تتحدث عن حرب الإسلام ضد الغرب، وعدم توافق الإسلام مع الديمقراطية، وأن (الإرهاب الإسلامى) تم تصديره إلى ميادين معارك أخرى فى أمريكا وأوروبا،حتى أعلنت إدارة كلينتون تجميد كل الأصول فى الولايات المتحدة المملوكة لثلاثين منظمة وفردا يعتقد أنهم على علاقة بالمناضلين الإسلاميين فى الخارج، وأعلنت إدارة كلينتون مواجهة (الشبكة الإسلامية الأصولية الدولية)، وأعلن نيوت جنجريتش رئيس مجلس النواب الأمريكى أن هناك ظاهرة منتشرة فى العالم تتمثل فى ذلك الحزب الإسلامى الذى تموله وتوجهه إيران إلى حد كبير، وجدد تفجير مركز التجارة العالمى فى نيويورك فى مارس 1993 المخاوف من (أصولية عالمية) تشن الجهاد على أمريكا ، وللمرة الأولى تم حشد الغضب الأمريكى على (التهديد الإسلامى) وانتشرت الاتهامات للأصوليين الإسلاميين الذين لهم قواعد فى الولايات المتحدة وأوروبا، وأدى خطف طائرة (اير فرانس) فى 24 ديسمبر 1994 على يد المتطرفين الجزائريين والتقرير الذى نشر عن أنهم كانوا يخططون لتفجيرها فوق باريس، إلى إعادة تأكيد المخاوف من تهديد إسلامى داخلى فى طريقه لأن يكتسح أوروبا.

وزاد الاعتقاد فى أمريكا وأوروبا بأن صداماً وشيكا بين العالم الإسلامى والغرب، من خلال عناوين مثل (حرب مقدسة تتجه نحونا) ، و(الجهاد فى أمريكا) و(انتبهوا: الرعب الإسلامى.. مجموعة انتحارية عالمية) .. و(أنا مؤمن بالخوف من الإسلام) و(جزائريون فى لندن يمولون الإرهاب الإسلامى) و(فرنسا تتعذب من جديد).

***

ويشير جون اسبوزيتو إلى فهم واستجابة الغرب للأحداث التى تجرى فى العالم الإسلامى وفقا للأنماط الشائعة، وهى النظر إلى الإسلام باعتباره تهديدا عالمياً، وعدواً تاريخياً تتعارض ديانته وأولوياته مع ديانة الغرب وأولوياته ويقول إن اتجاه الحكومات ووسائل الإعلام فى الغرب إلى المساواة بين الإسلام والإرهاب ونزعة معاداة الغرب هو ما يعوق فهم الغرب للإسلام ويحدد رد فعل العالم الإسلامى تجاه الغرب، ويكون النتيجة شعوراً متبادلاً بين الإسلام والغرب بأن يعتبر كل منهما الآخر تهديداً وبأن المواجهة والصدام بينهما أمر لا مفر منه.. ويعترف جون اسبوزيتو بأن الغرب فيه تربة أيديولوجية لهذا العداء، ومازال مقيداً بما يحمله من الماضى، وبآثار الجهل والتنميط وكل هذا يعمى حتى من يتمتعون بحسن القصد عندما يتناولون العالم الإسلامى، وكثيرون يرون أن تاريخ الإسلام وتعاملات العالم الإسلامى مع الغرب هو تاريخ من الافتراس والقهر، وهم يرددون بأن (المسيحية المقاتلة) و(اليهودية المقاتلة) وراء فشل وعدم استقرار المجتمعات الإسلامية كما حدث فى عدوانية الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش والاستعمار الأوروبى وتقسيم أوروبا للعالم العربى والإسلامى، وتأسيس إسرائيل، واحتلال إسرائيل للأراضى العربية، والدور الذى لعبته المصالح البترولية فى دعم نظم الحكم الفردى، وإذا كان الغربيون يشعرون بالخوف من التهديد الإسلامى، فإن كثيرا من المسلمين يعتقدون أن هناك أيضاً تهديداً غربياً من الإمبريالية الاقتصادية والسياسية والاحتلال السياسى، والغزو الثقافى، والنتيجة (عملية متبادلة لتصوير الآخر فى صورة الشيطان) ويبدو أحياناً أن موقف الغرب تجاه الشيوعية قد تم نقله لإظهار تهديد جديد من الإسلام.. وكثيرا ما كتب علماء بارزون ومعلقون سياسيون مقالات تعلن: (لا تبحثوا عن المعتدلين فى الثورة الإسلامية) و.. الجهاد يتجه نحونا.. وصدام الثقافات : صعود الإسلام فى فرنسا يزعج عامة الشعب ويؤدى بنا إلى حركة رجعية و(انتبهوا.. الإرهاب الإسلامى فرقة انتحارية عالمية).. و(الأمير تشارلز على خطأ الإسلام يهدد الغرب فعلا). ويؤكد اسبوزيتو بعد ذلك بأن هناك معلقين غربيين كثيرين يرون أن الإسلام والغرب يسيران على طريق الصدام، وأن الإسلام يحمل تهديدا ثلاثيا للغرب: سياسيا، وحضاريا، وسكانيا، وهناك كتابان كان لهما تأثير خاص الأول كتاب (جذور الهياج الإسلامى) تأليف برنارد لويس، والثانى نظرية (صدام الحضارات) التى ذاعت بعد كتابات صمويل هنتجتون.

***

لقد كان برنارد لويس هو الذى قدم الصورة التى صدمت الغرب عن الإسلام والمسلمين فى كتابه (الأصولية الإسلامية) باعتبارهم أصوليين مقاتلين خطرين وكان هذا الكتاب فى أصله محاضرة ألقاها برنارد لويس لعام 1990 باسم (محاضرة جيفرسون) وهى أعلى شرف تسبغه حكومة الولايات المتحدة على أى باحث تقديرا لمكانته التى وصل إليها فى مجال الدراسات الإنسانية، ثم نشرت بعد ذلك منقحة تحت عنوان (جذور الهياج الإسلامى) ونشرت كموضوع رئيسى فى مجلة اتلانتك الشهرية، وبسبب مكانة برنارد لويس الدولية كباحث وخبير فى شئون الشرق الأوسط فقد كان لهذا المقال رد فعل واسع، وكان له تأثير عالمى فى الفهم الغربى للإسلام.

ومع عنوان المقال نشرت مجلة اتلانتك صورة مسلم معمم بلحية كبيرة وفى عينيه المتوهجتين أعلام أمريكية، وداخل المجلة نشرت رسماً يصور حية ضخمة عليه نجوم العلم الأمريكى وهى تزحف على الصحراء، ورسما آخر لنفس الحية وهى كامنة وراء مسلم يؤدى الصلاة، والمسلم فى هذه الرسوم يظهر وكأنه يعيش فى العصور الوسطى، وقد علق على المقال والرسوم جون اسبوزيتو فقال إن عنوان (جذور الهياج الإسلامى) فى ذاته يخلق توجسا، فهل نرى مقالات تتحدث عن الغضب المسيحى أو الغضب اليهودى؟.. ولماذا الإصرار على تسمية القدرات النووية الباكستانية (القنبلة الإسلامية) وليس (القنبلة الباكستانية) كما يقال (القنبلة الهندية) و(القنبلة الإسرائيلية) ولا يقال (القنبلة اليهودية) وكما يقال (القنبلة الأمريكية ولا يقال (القنبلة المسيحية)؟.

يقول برنارد لويس: (إن الصراع بين الإسلام والغرب استمر حتى الآن على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان، وقد جاء تكوينه من سلسلة طويلة من الهجمات والهجمات المضادة.. الجهاد.. والحملات الصليبية.. والغزو .. واليوم فإن معظم العالم الإسلامى تسيطر عليه مرة أخرى حالة استياء عنيفة ضد الغرب، وفجأة صارت أمريكا العدو الأكبر، وتجسيدا للشر للمسلمين والإسلام.. لماذا؟.. ويعلق جون اسبوزيتو على ذلك بأن هذا تصوير للإسلام والمسلمين فى صورة المحرضين طوال أربعة عشر قرنا.. أى أن الإسلام عدوانى.. والإسلام والمسلمون مسئولون عن الهجمات بينما الغرب دفاعى يرد هجمات مضادة.. ويورد اسبوزيتو عبارة لمعلق إسرائيلى يقول فيها: لا يهم كيف كانت الشيوعية سيئة، فإنها لم تكن أبداً خطوة للعودة إلى العصور الوسطى، أما ما يصعب علينا تصوره هو كيف ستتمكن ديمقراطيات القرن الحادى والعشرين من العيش فى سلام مع قوى عقدت العزم على أن تبرهن أن الألف سنة الأخيرة لم تحدث.

يقول اسبوزيتو إن الصحافة البريطانية (التايمز، والديلى تلجراف، وسبكتانور) عكست الخوف من الإسلام (اسلامو فوبيا) وكتبت كلير هولينجسورث: (إن الأصولية الإسلامية تصبح بسرعة التهديد الرئيسى للسلام والأمن العالمى، كما تتحول إلى سبب من أسباب الاضطراب الوطنى والمحلى بالإرهاب، وهى مثل التهديدات التى شكلته النازية والفاشية فى ثلاثينيات القرن العشرين،ثم الشيوعية فى الخمسينيات.

وكتب برنارد ليفين فى صحيفة التايمز يقول: هل تدركون أنه ربما فى غضون نصف قرن لا أكثر، وربما أقل من ذلك كثيراً، ستكون هناك حروب سوف يكسبها المسلمون المتعصبون؟.. وعندما ألقى الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا خطبة داعيا إلى بناء جسر بين الإسلام والغرب كان تعليق صحيفة ديلى تلجراف: (إن الأمير تشارلز على خطأ-  الإسلام يهدد الغرب فعلا) وفى تقرير لجنة (رينميبر) البريطانية بعنوان (الإسلامو فوبيا) قالت إن الخطاب النابع من الخوف من الإسلام صاخب أحياناً وغالباً ما يكون محملا بالرموز هو جزء من نسيج الحياة اليومية فى بريطانيا، بنفس الروح التى كان عليها خطاب معاداة السامية يؤخذ كأمر مسلم به فى فترة سابقة من القرن العشرين.

ويورد جون اسبوزيتو نماذج كثيرة بلا حصر، ويحدد مكان وتاريخ نشر كل كلمة مثل:

مجلة دير شبيجل الألمانية كتبت بعد تفكك يوغسلافيا والحرب على المسلمين فى البوسنة كتب: (سرعان ما سيكون فى أوروبا دولة دينية (ثيوقراطية) متعصبة جاثمة على أعتابها).. وكتبت أيضاً: (فى الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وهو المركز والمهد للإسلام، يمثل الملتحون المتطرفون دائماً صورة مقاتل تتحدد ملامحه بالجهاد والتضحية بالدم والتعصب والعنف وعدم التسامح وقهر المرأة).

وفى فرنسا فإن النزعة تجاه المسلمين تتحدد باعتبارهم قوما معادين للتقدم من أهل العنف، ويمكن شرح ذلك من خلال أصول دينهم، فإنه دين يدعو إلى الحرب، متعطش للغزو، وملىء بالاحتقار لغير المسلمين.

وفى استفتاء تبين أن ثلاثة من بين كل أربعة فرنسيين تم سؤالهم يرون أن كلمة متعصب تطبق تماما على الإسلام،وقضية منع التلميذات من لبس الحجاب تمثل الفجوة التى تتسع باستمرار بين المجتمع الفرنسى والأقلية المسلمة وبعد ثلاثة عشر قرنا تقريبا من تصدى شارل مارتل للغزو الإسلامى لفرنسا عند مدينة بواتييه، فإن معركة بواتييه الجديدة تتضمن فى طياتها الشك المتصاعد، والعدواة، تجاه الدين الإسلامى فى أوروبا.

ويقول اسبوزيتو إن مخاوف الغربيين يعبرون عنها بقولهم: لقد كان المهاجرون الذين وفدوا إلينا من قبل أوروبيين، أما هؤلاء فليسوا كذلك.. البنات يصرون على ارتداء الحجاب فى مدارسنا، فهن لسن فرنسيات ولا يردن أن يكن كذلك.. لقد كان ماضى أوربا أبيض، ويهودى-  مسيحى، أما المستقبل فليس كذلك وهناك شك فى أن مؤسساتنا وهياكلنا القديمة سوف تصمد لهذه الضغوط.

وأقوال أخرى كثيرة يقتبسها اسبوزيتو مثل: (بينما استطاعت أوروبا أن تتغلب على الحرب الباردة فإنها تخاطر الآن بخلق نزاعات جديدة باعتبارها القلعة البيضاء المسيحية الغنية التى تصارع ضد عالم إسلامى شديد الفقر).

وعندما بدأ إنشاء الجامع الكبير فى باريس ظهرت مخاوف ووجد مقاومة شديدة من السلطات الفرنسية وقيل إنه سيكون مكانا لتفريخ المتطرفين، انسياقاً وراء الفكرة السائدة بأن المسلمين متطرفون، وأن كل مسجد هو مكان لتفريخ المتطرفين، وأعلن حزب (الجبهة الوطنية) اليمينية المتطرفة التى يقودها لوبن، وهو حزب يعادى الإسلام والمسلمين والمهاجرين، وزعيمه يعلن بكل وضوح إن عندما يصل إلى الحكم فسوف يطرد كل (الأجانب) من فرنسا لتبقى فرنسا للفرنسيين فقط، وفى حملته الانتخابية حين كان لوبن مرشحا للرئاسة ومنافسا للرئيس جاك شيراك أعلن لوبن عداءه الصريح لكل ما يمت للإسلام بصلة، وكاد يفوز بالرئاسة، وحصل على أصوات جعلته يدخل انتخابات الإعادة بينه وبين شيراك، مما يدل على القوة التى وصل إليها التيار المحافظ المعادى للأجانب وللإسلام والمسلمين حتى فى فرنسا بلد الحرية والإخاء والمساواة.

***

يقول اسبوزيتو فى كتابه: (ويبدو المسلمون فى الغرب أولاً مختلفين عن غيرهم من المهاجرين، أو الأهالى الذين اعتنقوا الإسلام ممن يشتركون فى ثقافة يهودية-  مسيحية مشتركة أيا كانت اختلافاتهم العرقية، والمسلمون مثل اليهود فى الماضى، يجدون أنفسهم فى سياقات ثقافية غربية يُعتبرون فيها هم (الآخر) بكل معنى الكلمة، ومن ثم فإنهم يشكلون تهديداً، كما قالت صحيفة (نيو ريبابلك) الأمريكية فى مقال بعنوان (المهاجرون) يوم 19 أبريل 1993 إن المرء لا يمكن أن ينكر أن هناك ثقافة عربية فى بروكلين، وجيرسى سيتى، وديترويت، يتغذى عليها المجرمون، ويحصلون على نشوة غريبة منها، وهم لا يعترفون بأن بلادنا بلادهم، ولا يشاطروننا قيمنا.. ويعلق اسبوزيتو على ذلك بقوله إن السبب فى هذه الكراهية ليس الجهل بالإسلام فقط، أو مساواة الإسلام بالتطرف والإرهاب فقط، ولكن يضاف إلى هذين السببين الفشل فى التعرف على المدى الذى يكون فيه الإسلام جزءا من الموروث اليهودى المسيحى الإسلامى، وغالبا ما تكون التقسيمات التى تضع الإسلام فى مواجهة الغرب قد فرضتها رؤى فكرية ودينية تميز تراثاً يهودياً مسيحياً، وتضعه فى مرتبة أعلى من الديانات الأخرى وفى مواجهة معها.. ولذلك فإن الإسلام بالرغم من أنه ديانة توحيد وله نبى، يضعه الغرب ضمن مجموعات (الديانات الأجنبية) تماماً الهندوسية، والبوذية، والتاوية ويضاف إلى ذلك أن الغرب ينظر إلى المسلمين على أنهم أعداء التحررية الليبرالية، لأنهم يجعلون الإسلام هو الهوية بينما الغرب لا يرى أن هوية شعب تتوقف على ديانته..يقول اسبوزيتو أيضاً: أن تلوين الإسلام بالعنف جعل النظرة إلى المسلمين تماثل النظرة إلى مجموعة (بويرتو ريكان) الإرهابية فى نيويورك، وعصبة الدفاع اليهودى ، والجيش الجمهورى فى أيرلندا، والمافيا، والمتطرفين المسيحيين الذين يسمون أنفسهم (جيش الرب) .

وكذلك ليست هناك تفرقة بين حركات التحرير والمقاومة من ناحية والمنظمات الإرهابية من ناحية أخرى، وأيضاً هناك من يرون تناقضا بين الإسلام والتراث اليهودى- المسيحى فى قضايا مثل: العنف، والجهاد ، والسلام ، والثأر وبالإضافة إلى اختلافات ثقافية ودينية، وفروق جوهرية تجعل من المستحيل التوفيق بين مبادئ الإسلام، والمبادئ والقيم السائدة فى الغرب، وهذا كله أدى إلى وجود هذا الاتجاه الذى صنع الغربة والتهميش والتشدد.

***

ويتوقف اسبوزيتو عند القضية التقليدية التى تثار فى الغرب، وهى أن الإسلام غير ديمقراطى بطبيعته وغير متسامح مع الآخرين، أو هو فى أحسن الأحوال لا يرحب بالديمقراطية، وعلى الرغم من النفوذ الغربى فى الدول الإسلامية ووجود واجهة برلمانية فى بعض البلاد الإسلامية فإن الحقيقة وراء ذلك هى الحكم الاستبدادى، وجمعيات برلمانية يسيطر عليها حزب واحدة، وقد تم وصف الدول العربية بأنها دول مخابرات، ويعتمد استقرار حكامها على القوات العسكرية وقوات الأمن، وغالبا ما يفرض الحظر على الأحزاب والاتحادات ، أما مؤسسات المجتمع المدنى الثقافية فهى ضعيفة وليس لها تأثير.

والحديث عن التحول الديمقراطى يزعج الحكام فى العالم الإسلامى، والدول الغربية تخشى تحول الدول الإسلامية إلى الديمقراطية، لأن ذلك قد يؤدى إلى تغيير الأصدقاء القدامى الذين يعتمد عليهم الغرب، أو يؤدى إلى أن تصبح الدول الإسلامية أكثر استقلالا فلا يمكن التنبؤ بأفعالها وعلى ذلك فإن الاستقرار فى هذه الدول والحفاظ على الوضع الراهن يضمن استقرار مصالح الغرب.

واسبوزيتو له كتابان عن (الإسلام والديمقراطية) يطرح فيهما سؤالاً: هل الإسلام يتعارض مع الديمقراطية بالضرورة؟.. ويقول إن كثيرين يرون أن القيم الإسلامية تتصادم بطبيعتها مع القيم الديمقراطية على نحو ما شوهد فى قضية مثل عدم المساواة بين المؤمنين وغير المؤمنين وعدم المساواة بين الرجال والنساء، وقد حدث تغير فى الفكر اليهودى المسيحى ولم يحدث تغير مماثل فى الفكر الإسلامى، فقد كان الفكر اليهودى المسيحى فى مرحلة سابقة يؤيد الحكم المطلق ، والاستبداد، والحق الإلهى للملوك فى الحكم ثم أعيد تفسير الفكر لكى يلائم الديمقراطية، والإسلام يستخدم لتبرير جميع النظم الديكتاتورية والديمقراطية والملكية، والجمهورية، وقد أعلن بعض قادة الحركات الإسلامية أنهم ضد الديمقراطية الغربية ونظم الحكم البرلمانى وقالوا إن الإسلام مكتف ذاتياً، وله نظام شرعه الله يقوم على السلطة الإلهية وعلى الشريعة والحاكمية لله، وهذا يتعارض تماما مع مفاهيم السلطة الشعبية والقانونى المدنى، وحتى بعض الإسلاميين المعتدلين يعلنون أن الديمقراطية مؤسسة غربية غريبة عن الإسلام، وينقل اسبوزيتو عن مجلة (مرآة الشرق الأوسط) عدد 30 مارس 1992 قول أحد الحكام فى العالم الإسلامى إن النظام الديمقراطى السائد فى العالم لا يناسب هذه المنطقة.. فالنظام الانتخابى لا وجود له فى العقيدة الإسلامية التى تدعو إلى حكومة قائمة على الشورى،وانفتاح الراعى على الرعية، وتجعل الحاكم مسئولا أمام الله وأمام شعبه.. وإن كان كثير من المسلمين قد تقبلوا مفهوم الديمقراطية فإنهم قبلوها بشكل مختلف عن معناها الدقيق فكانت أسلمة الديمقراطية تقوم على إعادة تفسير المفاهيم الإسلامية التقليدية عن الشورى، والإجماع والاجتهاد، وبعض الراديكاليين الإسلاميين رفضوا الديمقراطية البرلمانية وبعضهم رأى قبولها والاستفادة منها للدخول فيها ومعارضة أنظمة الحكم، وهذا هو موقف الإخوان فى مصر والجماعة الإسلامية فى باكستان وكشمير.

والهند وبنجلاديش، وحزب الرفاه فى تركيا، وجبهة الإنقاذ فى الجزائر، وحزب النهضة فى تونس، وجمعية الإصلاح فى الكويت، والمحمدية ونهضة العلماء فى إندونيسيا، وغيرها، كلهم حبذوا الانتخابات ويشاركون فيها. يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين إن الحكام فى العالم الإسلامى يقبلون (ديمقراطية بلا مخاطر ) أو ( ديمقراطية بدون معارضة ) .

***

 هكذا نرى أن صورة الإسلام كما تنعكس فى كتابات جون اسبوزيتو مليئة بالتشويه والتضليل، وهو الذى يوصف بأنه أكثر الكتاب الأمريكيين موضوعية وتفهما للإسلام:

فالإسلام إذا وصل إلى السلطة لا يعرف إلا الحكم الدكتاتورى ولا يسمح باختلاف أو معارضة سياسية لأن الحاكم يحكم بالشريعة أى أنه يحكم بما أنزل الله وأية معارضة ستكون معارضة لله ، ولن تكون للأقليات  حرية، ولن تجد المرأة إلا المكانة المنحطة التى وضعتها فيها حكومة طالبان فى أفغانستان، ويقول اسبوزيتو أكثر من ذلك: إن المسلمين يستسهلون الحديث عن التسامح وحقوق الإنسان فى الإسلام ولا يمارسونها فى الواقع، والمسلمون يقولون إن هناك فرقا بين تعاليم الإسلام وما يفعله بعض المسلمين، وهذا نوع من التضليل لأن ما يفعله هؤلاء البعض يستندون فيه  إلى النصوص المقدسة، والمسلمون يقولون: إنهم يعترفون بالأديان السابقة عليهم وهذا غير صحيح بدليل  أنهم يعتبرون دينهم قد نسخ الأديان الأخرى، بينما يؤمن المسيحيون بأنهم أصحاب الوحى الأخير والكامل، وإن لديهم ابن الرب وليس نبياً، وأن لديهم تكليفا عالميا بتحويل العالم إلى المسيحية، وبعض المسلمين مثل بعض المسيحيين واليهود غير متسامحين قولا وفعلا، وبعض المسلمين والمسيحيين تفرض عليهم مواقعهم الدينية نوعا جامدا من الدين، وشعورا بأنهم وحدهم على الحق، إلا الآخرين ، وهم يؤكدون على صحة ديانتهم يرحبون بالحوار مع المؤمنين الآخرين عندما يدركون حقائق العالم المعاصر الذى يقوم على التعددية والاعتماد المتبادل. وبدون إعادة تفسير الشريعة الإسلامية التى تعتبر الأقليات غير المسلمة من أهل الذمة، وأية دولة إسلامية تقوم على أيديولوجية دينية لن تكون دولة ديمقراطية، وفى أحسن الفروض ستكون الديمقراطية فيها محدودة.

***

كل هذا وجون اسبوزتيو يعتبر دارسا موضوعيا ومنصفا للإسلام!

إذا كان هذا رأى أكثر الباحثين الأمريكيين فهما للإسلام وإنصافا له، فهل فكرت جهة إسلامية فى دعوته وأمثاله إلى حوار لتصحيح هذه المفاهيم الظالمة للإسلام و المسلمين؟.. وهل فكرت جهة فى تكوين جماعات من المفكرين والمثقفين الدارسين للإسلام والمتابعين للتيارات المعادية له فى الغرب والمدركين لطبيعة عصر العولمة الذى اصبح مستعدا لإعلان الحرب على كل من يختلف مع القيم والمفاهيم السياسية والاقتصادية التى جاءت مع العولمة؟!.

ماذا فعلنا لإقناع العالم بأن الإسلام دين الناس الطيبين وليس دين الشياطين والأشرار المخربين؟!.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف