دراسه تطالب بتغيير القرأن
 أثارت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومى الأمريكى مشاعر المسلمين عندما أعلنت أن الولايات المتحدة سوف تكرس نفسها لتغيير العالم الإسلامى وإحلال الديمقراطية ومسيرة  الحرية فيه. وكشفت بذلك عن أن الحرب الأمريكية وراءها أسباب غير معلنة، وأعادت إلى الأذهان ما أعلنه الرئيس جورج دبليو بوش بأنه سوف يعلن حربا صليبية، ثم حاول أن يفهمنا أن هذا  تعبير شائع لا يعنى الحرب الصليبية فعلا! كما أعاد إلى الذهان  إعلان رئيس وزراء إيطاليا برلسكونى بأن الحضارة الإسلامية متخلفة وعلى الغرب أن يغيرها.

وإن كان ذلك مما يمكن التغاضى عنه، فإن ما قاله وزير الصحة الإسرائيلى نسيم دهان لا يغتفر ، حيت وصف المسلمين وهم يصلون فى الحرم القدسى بأنهم ثعالب ارتقوا والآن لا هم أفاعى وعقارب وقال: إن المسلمين يتجولون اليوم بصورة آمنة فى القدس، ولكننا سنشهد فى المستقبل أياما سنعرف فيها من هم الأسياد، ومن العبيد.

ما سر العداوة للإسلام؟

وهل الحرب القادمة ستكون حقيقة محتمة بين الإسلام والغرب؟

حاولت مجلة الأيكونومست البريطانية وهى من أكثر المجلات احتراما فى العالم، الإجابة عن ذلك فى تقرير خاص بعنوان (الإسلام والغرب، الحرب القادمة كما يقولون) فى عددها الصادر فى 6 أغسطس 1994، وأفردت له عشرين صفحة وبدأته بالقول بأن هذا التقرير عن فكرة، ربما تكون هى الفكرة الوحيدة المسيطرة على العالم. ونشرت رسما بحجم صفحة كاملة يمثل الحروب  الصليبية وغزو أوربا للعالم الإسلامى وكتبت عليه (يجب ألا يتكرر ذلك ثانية باسم الرب). وتريد بذلك أن تحذر أو تتنبأ بأن الحرب الصليبية سوف تتكرر ويجب منعها من الآن.

ونلخص هذا التقرير المهم فيما يلى :

إن الإسلام يتجاهل الحدود بين سلوك الإنسان فى حياته الخاصة وسلوكه فى حياته العامة، وبين الدين والسياسة، وربما تكون هذه هى آخر أفكار من هذا النوع يشهدها العالم، وإن أهم تنبؤات نهاية القرن العشرين أن العالم الإسلامى يسعى لمحاربة الدول الأخرى التى لا تؤمن بعقيدته عن (الدين السياسى) خاصة فى أوربا، وفى أوربا يتم تعذيب أبناء البوسنة المسلمين على أيدى الصرب المسيحيين، وعلى حدود آسيا وأوربا يضرب مسيحيو أرمينيا المسلمين بعنف يبعث على الاشمئزاز ، ولا تزال الاشتباكات فى فلسطين قائمة بين شعب ديانته الإسلام وشعب ديانته اليهودية، وإذا اتجهنا شرقا سنجد أن مسلمى الهند يعانون من الاعتداء عليهم فى كشمير، ويقوم الهندوس بتدمير مسجد أبو ضيا عام 1992.. ومثل هذه الأمور تجعل المسلمين يشعرون بأن العالم ضدهم، ومادام الأمر كذلك فليس أمامهم إلا أن يقفوا ضد العالم، ونتيجة لذلك دفع  (مرض الخوف من الأجانب ) جماعات تتمسك  بتعاليم القرآن إلى قتل الأجانب فى الجزائر ومصر، وكما قال البروفيسور صمويل هانتنجتون الأستاذ بجامعة هارفارد (إن للإسلام حدودا دموية)، وهانتنجتون هو الذى حدد الإطار الفكرى للمواجهة المحتملة بين الإسلام والغرب، فى مقاله المشهور بعنوان (صراع الحضارات) نشر فى صيف 1993 فى مجلة (فورن افيرز) أكد فيه أن الصراع القادم سيكون بين الثقافات أو الحضارات وكل منها تشمل مجموعة من البلاد، ويبدو ذلك صحيحا، وتوجد ثلاث ثقافات أو حضارات هى التى ستكون ساحة للصراع، الأولى هى الحضارة الغربية الأوربية الأمريكية، وهى نتاج عصر النهضة وعصر الإصلاح والتنوير، وهى التى أفرزت الرأسمالية والديمقراطية المعاصرة، والثانية هى الحضارة الكونفوشية القائمة على الاحترام والخضوع للسلطة على أساس أن الحكومات الكونفوشية تستخدم السلطة بأمانة ولمصلحة الشعوب، وهذه العقيدة الصينية تتعارض مع تاريخ الصين الذى لا يخلو من الكثير من الوحشية التى تميز بها الحكام وما عاناه المحكومون منهم بما يفوق المظالم التى حدثت فى أى مكان آخر على الأرض .. وفكرة وجود تناغم أو تفاهم من نوع خاص بين الحكام والمحكومين فى شرقى آسيا ليست إلا دعاية لحماية الحكام فى بكين وسنغافورة وكوالالمبور وغيرها.

أما المنافس الثانى فهو الإسلام، وهو يقف وحده بصورة فريدة. وهناك سبب قوى جدا لنظرة الكثيرين إلى الإسلام، على  أنه وحده المنافس فكريا للغرب، على عكس الكونفوشية، وحضارة أو ثقافة أمريكا اللاتينية، أو السلاف، واليابانيين، فإن الإسلام يظهر كعقيدة تعتمد على اليقين، اليقين من أنه قائم على كلمات الله التى أرسلها إلى محمد آية بعد آية وقام محمد بحفظها وتسجيلها فى ( القرآن ) .

ومن الظواهر التى لا تحدث فى أى مكان آخر، فإن الكثيرين يتسابقون للانضمام إلى هذا الدين بشكل مستمر ومتزايد، سواء كان الاندماج فى الدين بسبب الهزائم أو الإحباطات المتكررة التى تواجه المسلمين من العالم الخارجى أو من عجز وفساد حكوماتهم، فإن ربع القرن الأخير شهد نموا متزايدا لما يسمى (الأصولية الإسلامية) وإن كان المسلمون أنفسهم يكرهون هذا التعبير مع أنه تعبير صحيح. هناك أعداد كبيرة يشعرون بالخزى مما حدث فى القرون الماضية، ويشعرون الآن أن فى إمكانهم العمل بصورة أفضل، وأن عليهم لتحقيق ذلك أن يقوموا بإعادة اكتشاف هويتهم بالعودة إلى القرآن، وتمكن تسمية هذه الحالة (صحوة) أو (انبعاث) أو (ولادة من جديد) ولكن ذلك لا ينفى أنها عودة إلى الأصول. وهذا هو ما يسبب المخاوف والألم عند الأوربيين لأنهم يرون مسيرة الهلال الإسلامى-آخر العقائد-فى الزحف لتهديد التخوم الجنوبية والشرقية لأوربا. وربما تكون هناك حرب باردة جديدة فى الطريق، وحتما لن تتوقف عند هذه الحالة وتظل حربا باردة. وهناك بعض المسلمين يتصرفون بوحشية فى هذه الأيام ، كما أن هناك بعض الأمور السيئة تظهر فى أوروبا، وفى الماضى كانت هناك أوقات عصيبة بين أوربا والإسلام تمثلت أولا فى محاولة اقتحام جيوش المسلمين أعماق  أوربا، كما تمثلت ثانيا فى الهجوم المضاد الذى يسمى (الحروب الصليبية) ثم سيطرة الإمبراطوريات الأوروبية على العالم الإسلامى فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولم تكن العلاقة بين الإسلام وأوربا علاقة حسن جوار، ولكن كانت العداوات قائمة فى الماضى، والعلاقة فى الوقت الحالى تمر بحالة من التوتر، وينبغى ألا تكون هذه الحالة مقدمة لحتمية الحرب بين الإسلام والغرب.

  وتقول الأيكونومست إن قليلا من الغربيين يقتنعون بأن القرآن من الله، ولا شك أن الدين كان أحد العناصر للحروب خاصة فى الوقت الذى وصلت فيه جيوش  المسلمين إلى (بواتييه) فى جنوب فرنسا، والوقت الذى وصلت فيه جيوش الصليبيين حتى القدس، ولكن لم يكن الدين هو الدافع الوحيد لهذه الحروب. ولكن كانت الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية فى أوربا هما الحضارتين اللتين بلغتا من القوة ما جعل كل منهما تسعى إلى التوسع وتأكيد الذات.

وتقول الأيكونومست إن المشاكل تأتى عندما تكون مسألة البحث عن الأصالة وتأكيد الذات هى المسيطرة على الشعوب. ولكى يتعايش الغرب والإسلام فى سلام يحتاج المسلمون إلى البحث عن أسلوب للتوفيق بين عاداتهم ومتطلبات الحياة الحديثة وليس فى جوهر الإسلام ما يحول دون ذلك. لقد بدأت الثورة الإيرانية بإعلان عدائها للغرب ولا يزال الإيرانيون يزمجرون! وفى الجزائر يهدد المتمردون الإسلاميون الحكومة، والأصوليون هناك ذوو طبيعة دموية، مع سلسلة من الأخطاء ارتكبها الجنرالات الذين حكموا الجزائر وكذلك الأخطاء التى ارتكبتها معظم الحكومات الغربية مما سيؤدى إلى وصول  مجموعة إلى الحكم مجموعة يصعب التعامل معها، وهم يصبون غضبهم على فساد النظام الحاكم ويسعون إلى أن يكونوا هم البديل له، ويوجهون الغضب إلى الغرب أيضا لأنه يدعم هذا النظام، وإذا نجح هؤلاء فقد يمتد التأثير ليشمل العالم الإسلامى كله. والغضب الذى يشعر به بعض المسلمين تجاه الغرب قد يستنفر الاستياء فى الغرب ضد الإسلام ويدور الغضب المتبادل فى دائرة.

***

وتحت عنوان (قنبلة يدوية فى رحلة طيران) تقول الأيكونومست قد تشهد الفترة القادمة صداما مدمرا عبر المتوسط !

وتشير إلى حادثة هجوم (العصابات الإسلامية) على سجن بالقرب من (بطنة) وقيامهم بإطلاق سراح أكثر من ألف سجين بمساعدة حراس السجن، وتقول: إن آلة الموت فى هذه الحرب الأهلية تردى 200 قتيل كل شهر يمكن أن يقفز العدد إلى 300 قتيل كل شهر، مع أنه لا يتم تسجيل حالات الذبح وتفجير القنابل وإطلاق الرصاص على الرأس. والشرطة السرية فى الجزائر يبلغ عددها 200 ألف منهم 40 ألفاً فقط يمكن الوثوق فيهم، والجماعات المسلحة تجند المزيد من الشباب وتحصل على المزيد من السلاح، وأساليبهم بشعة .. فهم يقتلون النساء لمجرد ظهورهن بدون النقاب، ويقتلون الأجانب دون تمييز، وأعمالهم الوحشية تمتد إلى الأطراف الغربية من البلاد، والشرطة لا تستطيع التحرك ليلا فى معظم أنحاء البلاد ولا تستطيع دخول بعض الضواحى والقرى حتى فى النهار، وتقوم هذه الجماعات بجباية الضرائب، وتهدد كيان الدولة!

يشعر الغرب بالقلق مما يحدث فى الجزائر ، ويخشى انتشار الفوضى والقتل باسم الإسلام وكراهية الغرب، وسيؤدى ذلك إلى زيادة القمع فى البلاد الإسلامية الأخرى. وقد تمتد توابع ما يحدث فى الجزائر إلى أقصى الشرق. وترى الأيكونومست أن تأثير هذا الزلزال القادم من شمال أفريقيا يمتد إلى أن يصل إلى أوروبا وخاصة فرنسا، وسوف تزداد أعداد المهاجرين المسلمين إلى دول الاتحاد  الأوروبى، وأوربا فيها الآن 10 ملايين مسلم، وقد يحدث صراع بين المسلمين القادمين من مناطق الاضطرابات والمسلمين المقيمين فى أوربا، وفى مواجهة هذا الاحتمال يحاول الأوربيون منع الهجرة وإعادة المتسللين إلى بلادهم، وتقول الأيكونومست: إن هذه السياسة بطرد المهاجرين قد تؤدى إلى توتر العلاقات مع الدول الإسلامية وتخشى أوربا من وصول الجماعات إلى الحكم وستكون سوق الصواريخ المتوسطة المدى قريبة منهم وكذلك الرؤوس الكيماوية وربما النووية! وعلى أسوأ الافتراضات فإن حدوث تحالف بين القوى الإسلامية الحديثة والصين سيكون الخطر الذى يهدد كوكب الأرض فى القرن الحادى والعشرين.

وتقول الأيكونومست: إن على الراديكاليين الإسلاميين الذين يسعون إلى العودة إلى الأصول أن يسألوا أنفسهم كيف يمكن أن يتحقق الانسجام بين تعاليم محمد-صلى الله عليه وسلم- التى ورثها للأجيال منذ أكثر من 1400 سنة مع مصالح المسلمين فى هذا العصر بما فيه من منظمات اقتصادية، والإقرار بحقوق المرأة، والديمقراطية.

***

وتحت عنوان ( تدفق الأموال بين يدى الله ) تقول الأيكونومست إن ما يحدث فى العالم الإسلامى الآن ثورة ضد الفساد والإذلال. يأخذ شكل العودة إلى الأصول الإسلامية، وهذه الصحوة لن تدوم أكثر من الصحوة المسيحية فى حركة الإحياء فى العصر  الفيكتورى فى بريطانيا رغم استمرارها ثلثى قرن وساهمت فى بناء الامبراطورية البريطانية، ولكن هؤلاء الأصوليون سيحاولون إثبات صحة ما يقولون به عن الاقتصاد والسياسة وفقا للقرآن، والإسلام يدعو إلى الاقتصاد الحر إذ لم يكن الاقتصاد الموجهة معروفا عند ظهور الإسلام، ولم يضع النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) قيودا على السوق الحرة غير منع الاحتكار والاستغلال والغش وما إلى ذلك، وعلى ذلك فإن رجل الأعمال المسلم المثالى عليه أن يفعل الخير ويدفع لعماله أجورا عادلة ويحدد أسعارا للسلع مناسبة ولا ينفق أمواله فى الشر، وينفقها فى الاستثمار (وبذلك يقل التضخم) وعليه أن يعتنى بالبيئة التى خلقها الله وعلى البشر ألا يدمروها.ولكن هناك مشكلات مثل: من الذى يحدد الأجر المعقول؟. وأين دور الله فى الاختيار بين زراعة حقل أو بناء مصنع إليكترونيات مكانه؟، ومن يضمن ان تكون المنافسة بين المشروعات وفق قواعد تحقق مصلحة المجتمع ومصلحة العاملين بدلا من إفلاس بعض المشروعات بسبب المنافسة التى لا ترحم؟، مثل هذه المشاكل ليست غريبة على الاقتصاد الإسلامى، وفى الغرب هناك من يشارك فى البحث عن اشتراكية جديدة كبديل غير ماركسى للرأسمالية التقليدية. ويحاولون أن يجعلوا حرية السوق الموجهة للاقتصاد فى إطار أخلاقى يضمن رعاية الضعفاء وانضباط الأقوياء، كما عبرّ أحد الاقتصاديين المسلمين بقوله : (إن ما فشلت الشيوعية فى تحقيقه بسلطة الدولة يمكن أن يتحقق بالإنسان نفسه) وقد يكون هذا هو الشعار المناسب لاشتراكية القرن الحادى والعشرين.

والزكاة من الناحية الاقتصادية تساعد الفقراء دون حاجة لوجود مؤسسات، ولكن الدول التى فرضت الزكاة بقانون ولا تتركها اختيارية وجعلتها إجبارية مثل باكستان كانت الحصيلة قليلة لا تزيد على نصف فى المائة من الدخل القومى والذين يجمعون الزكاة يحصلون على أجور تساوى ربع هذه الحصيلة، وفى ماليزيا تم كانت هناك حالات لمزارعين تم تحصيل الزكاة الإجبارية من الفقراء وليس من الأغنياء، ولكن مع الأسف هناك إصرار على أن الدعوة إلى جعل الزكاة إجبارية مع أن نظام الضرائب فى الدول الغربية أكثر دقة ويحقق نفس الهدف بصورة أفضل!

هكذا توجه الأيكونومست نقدها إلى نظام الزكاة!

وتقول الأيكونومست إن النظام الوحيد المفيد الذى يقدمه الإسلام هو تحريم (الربا)، وبعض المسلمين يفسرون آية تحريم الربا بأنه (الربا أضعافا مضاعفة) أى الربا الفاحش، والمسيحية أيضا تحرّم الربا الفاحش، وهذا ما كان يدفع المسيحيين إلى الاقتراض من اليهود فى العصور الوسطى، وتعرض الأيكونومست بالتفصيل لفتوى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى بأن العائد من إيداع الأموال فى البنوك حلال لأن البنوك توظف أموالها فى الاستثمار ، والبعض فى الغرب بدأت تستهويه فكرة (المرابحة) لأنها تؤكد المشاركة فى المسئولية بين البنك والمستثمرّ وهذا يجعل السوق الحرة أكثر انفتاحا وأكثر ديمقراطية .. وباختصار تنتهى الأيكونومست إلى القول بأن الاقتصاد الإسلامى ليس نظاما خاصا بالاسلام وحده كما يدّعى المتحمسين له، وأيضا هو نظام لا يستحق هذه السخرية من الجاهلين فى الغرب..وينتهى تقرير الأيكونومست من مناقشة (النظام الاقتصادى الإسلامى) إلى أن فيه جوانب إيجابية وجوانب سلبية وهو فى عمومه ليس جديدا لأن الفكر الاقتصادى الغربى فيه ما يتفق مع كثير من جوانبه.

***

وتحت عنوان ( ماذا فعل الإسلام للنصف الآخر ) تصف الأيكونومست مجموعة من السيدات فى ماليزيا لهن نشاط فى المطالبة بحقوق المرأة المسلمة، ويطلقن على أنفسهن اسم (أخوات فى الإسلام) وفيهن المحامية والصحفية وأستاذة الجامعة والموظفة، ومنذ عام 1987 وهن يعملن على استفزاز الشعور القومى لكى يتفهم المصاعب والمشاكل التى تواجه المرأة الماليزية المسلمة، وهذه الجماعة النسائية تقوم بجمع الأموال، ونشر مطبوعات وكتيبات وتنظيم ندوات وكتابة مقالات فى الصحف بأسماء رجال، ويجدن الدعم من بعض رجال الأعمال المسلمين، وأكثرهن متزوجات ولهن أبناء، وفيما عدا الحجاب على الرؤوس فإنهن لا يختلفن عن زميلاتهن فى لندن أو باريس أو نيويورك.

والحقيقة-كما تقول الأيكونومست-إن أحوال معظم النساء المسلمات ليست مرضية باستثناء بعض التجمعات القليلة مثل عضوات جماعة (أخوات فى الإسلام) فى ماليزيا وأمثالها، أما بدو الصحراء، ونساء الريف فى الدول الإسلامية عموما وفى جنوب شرقى آسيا، فإنهن خاضعات للزوج ويتعرضن للضرب تنفيذا للأوامر الإلهية كما جاءت فى القرآن! وفى مصر والسودان والصومال لا تزال معظم الفتيات يخضعن لعملية الختان وأبسط صور هذه العملية كفيلة بإصابة الإنسان بالفزع.

وتصل الأيكونومست إلى نتيجة : إذا سارت الأمور على ما هى عليه فإنه من الصعب تخيل وجود وفاق طبيعى بين المسلمين وغير المسلمين .

والنتيجة الثانية التى تقررها الأيكونومست: من الصعب حدوث تغير فى أوضاع المرأة المسلمة، لأن وضعها المتدنى راسخ فى الأعماق بسبب القرآن والرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)!

والنتيجة الثالثة : أن الدول الإسلامية التى تتميز فيها المرأة بوضع أفضل يرجع ذلك إلى العادات التى ترسخت فيها قبل وصول الإسلام إليها !

النتيجة الرابعة : أن اقتصاد معظم البلاد الإسلامية لا يهدف إلى تحقيق إنصاف أو حماية للمرأة، مع ملاحظة أن استقلال المرأة اقتصاديا لم يتحقق فى الغرب إلا حديثا جدا، كما أن هذا الوضع المتخلف للمرأة لا يزال قائما فى بعض البلاد غير الإسلامية وغير الغربية.

النتيجة الخامسة : أن رجال الدين الإسلامى هم المسئولون عن تخلف المرأة، لأنهم وضعوا تفسير القرآن وأحكام الفقه فى القرون الثلاثة الأولى من الإسلام وقالوا ( تلك حدود الله ) مما يعنى أنه لا يمكن  لأحد أن يختلف معها أو يفكر فى فهمها على نحو آخر، وأعلنوا قفل باب الاجتهاد والتفكير. ولم تكن عملية عزل أو إخفاء المرأة فى ثياب تغطيها من الرأس إلى القدمين إلا بدعة من الرجل، مع أن القرآن يشير إلى ملكة سبأ باحترام، فلا غرابة أن تصبح المرأة المسلمة رئيسة وزراء أو رئيسة جمهورية كما حدث فى باكستان، وتركيا، وبنجلاديش ما دام القرآن لم يستنكر وجود امرأة تحكم سبأ ودلل- بالعكس- على حكمتها ورجاحة عقلها أكثر من حكمة ورجاحة عقل مستشاريها من الرجال.

***

وتركز الإيكونومست على موضوع تعدد الزوجات فى الإسلام، وتمييز الرجل على المرأة فى القرآن بأن يكون نصيبه ضعف نصيبها فى الميراث، وشهادته تساوى شهادة امرأتين أمام المحاكم..

ثم تنتقل الإيكونومست إلى ما هو أهم بالنسبة لها، فتقول إن القرآن مكتوب بلغة تناسب أسلوب القرنين السادس والسابع، وبلغة أقرب إلى الشعر، ولذلك فإنها تتحمل أكثر من تفسير، والآية 34 من سورة النساء تعد أكبر هنات القرآن.. (هكذا تقول الإيكونومست) لأنها تنص على أن الرجال قوامون على النساء، وحين تعصى المرأة زوجها تستحق الضرب، ولكن البعض يتلطف فيقول إن الرجال قوامون على النساء بمعنى أنهم مسئولون عن حماية المرأة، ربما لأن الرجل فى القرنين السادس والسابع كان هو وحده الذى يكسب المال، أما عن الضرب فيقول بعض المفسرين المتلطفين إنه المقصود مجرد لطمة لطيفة، ولكن هذه التفسيرات غير مقنعة وتظل هذه الآية مثارا للدهشة (!)

هذا ما تقوله الإيكونومست ولم يفكر أحد فى إرسال رد يشرح فيه التفسير الصحيح لهذه الآية وسكت الأزهر وعلماء الدين عن القول بأن هذه الآية (من هنات القرآن)!

***

وتقول الإيكونومست إن معظم ما يقع على المرأة المسلمة يرجع إلى الظروف والبيئة والأحوال الاقتصادية عندما نزل القرآن، فقد بدأت نشأة الإسلام فى الصحراء العربية، فى مجتمع يشتغل فيه الرجال بالرعى، والحرب، والتجارة، ومثل هذه المجتمعات لابد أن يتولى الرجال فيها القيادة، وبعد ذلك انطلق الإسلام صوب الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية، وتأثر المسلمون ببعض عادات هذه البلاد ونقلوها مشوهة إلى بلادهم وطبّقوها على نسائهم، فقد رأى المسلمون الغزاة فى دمشق حين احتلوها أن بعض النساء من طبقة الأثرياء يرتدين الحجاب لإثبات أنهن نساء متميزات لا يعملن، وهكذا صاحب انتشار الإسلام اختلاطه بثقافات وحضارات مختلفة، وكانت السلطة للأب فى العشيرة فى مجتمع بدوى، وبعد ذلك لم يكن اقتصاد معظم البلاد الإسلامية يسمح باستقلال المرأة اقتصاديا، لأنه اقتصاد يعتمد غالباً إما على الزراعة- والأغلبية من الفلاحين- وإما على التجارة المحدودة فى المدن، ولم تبدأ المرأة فى الحصول على فرصة عمل إلا فى العصر الحديث بعد نشأة المصانع والشركات التى فتحت أبوابها للمرأة التى تريد الهرب من التبعية الاقتصادية التى فرضت عليها منذ القرن السابع.

تقول الإيكونومست: لابد أن تتحرر إرادة المرأة فورا، وإلا وجد الإسلام نفسه معزولا.

***

وتقول الإيكونومست: إن أهم الثورات الاجتماعية التى شهدها العالم هى الثورة الفرنسية عام 1789 والثورة الروسية عام 1917 وحركة الطلبة فى باريس عام 1968 وكلها كانت تهدف إلى إعادة تنظيم العلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة، والآن تقف المرأة على قدميها فى معظم بلاد الغرب؟، ولكن ليس معلوما لماذا لا تحذو الكونفوشية، والهندوسية، والإسلام حذو الغرب.. والإسلام إذا لم يحذ حذو الغرب فسوف يعانى من العزلة، والانقسام الداخلى، وسوف تظل نصف الطاقة الاقتصادية فيه معطلة.

الحل الذى تطرحه الإيكونومست هو: التغيير.. وتقول إن هذا التغيير يحتاج إلى (رشاقة اقتصادية) وإلى حكومات ذات عقلية متفتحة، والأهم من ذلك لابد من تغيير المؤسسات التى تسعى إلى إبقاء المرأة المسلمة على ما هى عليه من تخلف.

وتقول: إن علماء الدين فى أيديهم تفسير القرآن، وهم الذين أخطأوا فى حق المرأة فى العصور الماضية ومازالوا مستمرين فى الخطأ، ولابد أن يغيروا ما فى عقولهم، ويسمحوا للمرأة بالوصول إلى أعلى مراتب التعليم، وأعلى المناصب، وتحقيق العدالة التى يأمر بها القرآن- فيما عدا آية أو اثنتين (!)- وإذا بدأ هذا فلابد من إعادة النظر فى حدود سلطة العلماء، لكى تتحقق الديمقراطية، وغياب الديمقراطية فى العالم الإسلامى هو الموضوع الذى تركز عليه الإيكونومست.

فالمعركة متعددة الجبهات.

***

تحت عنوان (العائق الكبير أمام الديمقراطية عند المسلمين) تقول الإيكونومست إن أصعب اختبار لقدرات المسلمين لحصولهم على مزايا العالم الحديث هو غياب الديمقراطية.. وفى بحث شمل 39 دولة إسلامية يمكن تجاوزاً القول بأن سبع دول فقط تتمتع بالديمقراطية.

تركيا تجرى فيها انتخابات بشكل منتظم ودورى، وقد تعرضت فى نفس الوقت إلى ثلاثة انقلابات عسكرية فى الفترة من 1960 إلى 1980، وماليزيا يحكمها ائتلاف أبدى يمثل تيار الوسط بين الماليزيين والصينيين ومهادنة المعارضة الإسلامية، ولا تزال ماليزيا ملتزمة بإجراء انتخابات، بعد ذلك فإن هناك محاولات فى باكستان وبنجلاديش ولبنان التى تحاول أن تتحسس طريقها نحو الديمقراطية بعد الحرب الأهلية، ونحن نرفع القبعة احتراما للملك حسين لأنه سمح للمعارضة الإسلامية بالحصول على مقعد فى البرلمان، وكذلك تحية للثورة الإيرانية لأنها سمحت بإجراء انتخابات أفرزت حكومة معتدلة يمكن التعامل معها، ويمكن بعد ذلك وضع علامة استفهام حذرة حول الانتخابات فى السنغال ونيجيريا والملايو، وفيما عدا ذلك فإن الإسلام يعانى من قصور فى الديمقراطية.

لم تشر الإيكونومست إلى المساحة الواسعة للديمقراطية فى مصر.. بالانتخاب تحت إشراف القضاء.. وبتمثيل جميع التيارات فى البرلمان بما فيها التيار الإسلامى.. وبحرية الصحافة بصورة غير مسبوقة.. وبالانفتاح الفكرى على العالم.. الخ.

وتحت عنوان (ليست بالشورى وحدها)  تقول: (إن هناك من يرى أنه من الظلم اتهام المسلمين بأنهم لم يمارسوا الديمقراطية فى العصور الوسطى، حيث لم يكن فى العالم من يمارس الديمقراطية غير أثينا وسويسرا)، ولكن بعد 200 سنة بدأت الديمقراطية فى الولايات المتحدة وأوربا، وعندما اقترب القرن التاسع عشر ابتلعت الامبراطوريات الأوربية العالم الإسلامى، وفى الفترة بين عامى 1918 و1945 تولى الأمر فى العالم الإسلامى رجال يؤمنون بأن عملية البناء والتنمية أهم من الحرية السياسية، وكان معظم السياسيين المسلمين إما قوميين، وإما شبه ماركسيين ديماجوجيين، وإما رجالا لا هدف لهم غير ملء جيوبهم، ومثل هؤلاء لا يصنعون الديمقراطية، كما أن التخلف الاقتصادى كان العقبة النكداء أمام الديمقراطية، ولو كان السياسيون فى العالم الإسلامى لديهم وعى اقتصادى وأكثر أمانة لكان أداؤهم أفضل لمعالجة التخلف.

وكالعادة أرجعت (الإيكونومست) سر تخلف المسلمين إلى الإسلام ذاته، فقالت: إن معارضة الديمقراطية تستند إلى أن القرآن وتدعى أن فيه منهج أكثر صلاحية للبشر، وأن الديمقراطية لها بديل عند المسلمين هو (الشورى)، فالحكومة تستشير الناس فهل هناك ديمقراطية أكثر من ذلك؟ وهناك أمران مهمان: الأمر الأول أن الرجال الذين يستعينون بالشورى هم على قائمة المبشرين برحمة الله حسب ما جاء فى سورة (الشورى): (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) آية 38- وفى سورة آل عمران: (وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) آية 159، وتتساءل الإيكونومست: ما معنى الشورى؟ وتجيب: إنها ما كان يمارسه بارونات العصور الوسطى، أو قادة الجيوش فى العصر الحديث، فالحاكم يسأل الآخرين عما يرون ثم يتخذ هو القرار، فلا مكان للديمقراطية فى الشورى!

ولا تكتفى الإيكونومست فى هذه الدراسة بتشويه مبدأ الشورى، ولكنها تواصل هجومها على مبدأ (الإجماع) فى الفقه، وتقول إنه قائم على أن الأمة لا تجمع على خطأ، فما اتفقت الجماعة على ما ينبغى عمله فهو ما يجب عمله، وقد يبدو ذلك ديمقراطيا، ولكن المشكلة أن هذا الإجماع هو إجماع علماء الدين وهم الذين يحددون الرأى الصواب وليس من حق فرد من أفراد المجتمع أن ينطق بما يخالف ذلك وإلا يكون خارجا على الإجماع. فالقرآن عند المسلمين هو (كلمة الله) وكلمة الله تحتاج إلى تفسير، والتفسير تحتكره مجموعة تزعم قدرتها على ذلك (!)

وتصل الإيكونومست إلى ما تريد أن تصل إليه منذ البداية وهو (أن الإسلام لا يزال يعيش فى عصر الأوليجاركية (أى حكم الأقلية) لأنه لا يزال يؤمن باليقين الثابت). 

***

وتقول الإيكونومست إن الديمقراطية انبثقت عندما تم التخلى عن فكرة اليقين وعن فكرة سيطرة يقين شخص على آراء شخص آخر، جاءت الديمقراطية وليدة عصر الإصلاح منذ القرن السادس عشر تعلن أن كل إنسان مسئول أمام الله عن الطريقة التى يعيش حياته بها، ربما يشرح القساوسة تعاليم وإرادة الرب لكن الاختيار فى النهاية للإنسان. وقد استغرق الأمر ثلاثة قرون لكى يتحقق انصهار هذا الأسلوب فى السياسة، وبعد ذلك جاءت النتائج ثورية، كان الملوك يعلنون للناس ما هو صالح لهم، وعلى الناس- نساء ورجالا- اتخاذ القرار، وهذه هى الديمقراطية التى انتشرت بسرعة فى أمريكا الشمالية وغرب أوربا، ولم تواجه الديمقراطية أى خطر بعد انتهاء اليقين الماركسى.

تقول الإيكونومست إن القرآن يؤكد على مسئولية الفرد، ولا أحد يحمل أعباء الآخرين (ولا تزر وازرة وزر أخرى) لكن ليس هذا هو مفهوم المسئولية فى الغرب، فالإطار العام للقرآن هو الجبرية، الله يقدر، والإنسان مستسلم، فالإسلام فى النهاية يعنى الخضوع!

ولا تفهم الإيكونومست أن الإسلام يفرق بين الخضوع لله والخضوع للبشر، وكأنها تريد أن يكون الإنسان حرا أمام الله، فيريد غير ما يريده الله، أو يكون له رأى فيما أمره به الله.. أما فى المجتمع فإن القاعدة تؤكد الحرية (أنتم أدرى بشئون دنياكم) كما أرساها الرسول صلى الله عليه وسلم.

***

تقول الإيكونومست: هناك فارق كبير بين الطريقة التى ينظر بها المسلمون إلى العالم ونظرة الغرب المسيحى، فإذا عدنا إلى البدايات فإن آدم وحواء بعد أن أكلا التفاحة- الخطيئة الأولى- فإنهما حسب الرواية المسيحية استمعا إلى نصيحة الثعبان (ستصبحون مثل الآلهة) و(ستعرفون الفرق بين الخير والشر)، ولا شىء من هذا فى القرآن، وتفسير البعض أنك عندما تعرف الفرق بين الخطأ والصواب تستطيع الاختيار بينهما، ومن مفهوم الإرادة الحرة تخرج فكرة المسئولية الفردية، ومن هنا تبدأ ممارسة الديمقراطية، والمشكلة الأساسية أنه كلما زادت فرص الديمقراطية فى الإسلام زادت فرص تقدم الشعوب الإسلامية، وزادت فرص التعايش السلمى بين الإسلام والغرب، ولكن العقبة أن العلماء الذين يدّعون المقدرة على تفسير إرادة الله يعتقدون أنهم يحتكرون اليقين وأنهم ليسوا مثل غيرهم. والسلاح القوى فى أيديهم اسمه (الاجتهاد)، والقرآن هو كلام الله، وفى القرآن 6 آلاف آية من بينها 80 آية تضع القواعد والقوانين للحياة ويمكن تطبيقها الآن، والاجتهاد مطلوب ولكنه مقصور على عدد محدود وعلى المسلمين أن يتبعوهم. وهذا ما يجعل الحكومات قادرة على استخلاص ما تريد من فتاوى العلماء، والعلماء يقدمون الفتوى إلى القيادة السياسية العليا وليس إلى الجماهير.

من هذه العبارات ندرك كيف أن المفاهيم الإسلامية الأساسية غامضة فى أذهان الكتّاب الغربيين، فالدراسة التى نشرتها الإيكونومست كتبتها مجموعة من كبار الباحثين المتخصصين، ولكن مفهوم (الاجتهاد) ومفهوم (حرية الإرادة التى هى أساس الحساب فى الآخرة) ومفهوم (الاجتهاد) ودور المفتى الذى يتوجه بالفتوى إلى الله وليس إلى الحاكم.. كل ذلك غير واضح.

ولذلك تصل الدراسة إلى أنه يجب أن ينحسر دور علماء الإسلام، ويترك لكل إنسان بالغ عاقل حرية الاختيار والحكم، وعلى كل إنسان أن يحمل المسئولية عما يفعل. وقد يستغرق تحقيق ذلك زمنا طويلا لأن تغيير الأفكار لا يحدث فى يوم وليلة، وقد بدأ بعض المستنيرين من مفكرى المسلمين ينادون بعدم قصر الاجتهاد على القلة، وترك الحرية للإنسان ليختار طريقه ويتحمل المسئولية.

وتقول الدراسة: باختصار، على الإسلام أن يعمل على إصلاح نفسه لكى يتحرك نحو عالم الديمقراطية.

***

وتحت عنوان (نحن الآن فى عام 1415 ) تقول الدراسة: إن جمال الدين الأفغانى أعلن منذ قرن من الزمان أن الإسلام فى حاجة إلى مارتن لوثر لتحريره من قبضة العلماء، وكان الأفغانى رجلاً شديد المراس، وهو أصولى من النوع المزعج(!) وسّبب الكثير من القلق لأتباعه، ولذلك لم يهتموا كثيرا بفكرته عن مارتن لوثر، ولكنه للحق كانت لديه المقدرة على التنبؤ، وكلما أمعنت النظر إلى أحوال الإسلام فى القرن الخامس عشر ووجدته قريب الشبه بالمسيحية فى هذا القرن، وهى الفترة التى سبقت مباشرة دخول أوربا عصر الإصلاح.

وكانت قائمة الإصلاح كما يلى:

أولا: تحرير العقل من الأوهام فى الدين والسياسة، فقد كانت موجة الاستياء السابقة على حركة الإصلاح فى أوربا موجهة أساسا ضد فساد ومادية الكنيسة الكاثوليكية، دون أن تخلو من أهداف سياسية، وقد تسبب البؤس الاقتصادى وسلطة الكنيسة المتحكمة فى ظهور المتمرد (وات تايلور) فى انجلترا، و(جاكيرى) فى فرنسا، أما موجة الاستياء الحالية فى العالم الإسلامى فإنها موجهة أساسا إلى فساد السياسيين، وقد تحول صرح الديانة الإسلامية إلى كيان متصدع يعلوه التراب (!) بسبب فساد هؤلاء السياسيين.

قد يقول البعض إنه لا يوجد مجال للمقارنة، فالمسلمون لا يقودهم قساوسة، ولا يوجد التنظيم الهيراركى لطبقات رجال الدين كما فى مسيحية القرون الوسطى، والمؤسسة الإسلامية ليست بناء محكما مثل نظام الكنيسة المسيحية إلا فيما يتعلق بالأقلية الشيعية وهم 15% من المسلمين، أما (الإمام) و(المفتى) و(علماء الدين) فهم يشكلون البناء الرسمى للإسلام، والإصلاحيون الراديكاليون الذين يحلمون بصحوة إسلامية يرون فى هذا البناء الترهل والازدراء(!).

ثانيا: كان فى أوربا فى القرن الخامس عشر شعور عام باليأس بسبب الطاعون الذى تسبب فى موت ثلث السكان دون إنذار أو تفسير، وأيضا بسبب تحلل الكنيسة الكاثوليكية التى كان يقودها بابا فى روما وبابا آخر فى افينون وكانا متنافسين، بينما كانت عوامل الاستياء فى العالم الإسلامى لأسباب خارجية، منها سلسلة الهزائم المذلة على الصعيد الدولى، وموجات السلب والنهب التى كان يتعرض لها المسلمون من جيرانهم، وشعور المسلمين المتزايد بالعزلة، ومع هذه الاختلافات كانت النتائج واحدة، وكان واضحا أن هناك شيئاً ما.. وأن الأمور تسير فى الاتجاه الخاطئ، وعندما يستشعر الناس هذا الخطأ يأتون بأفعال خطيرة.

ثالثا: الرغبة فى وضع الأمور فى نصابها بالعودة إلى جذور الإيمان، وبالنسبة للمتحمسين للصحوة الإسلامية فإن عبارة العودة إلى الجذور تعنى العودة إلى بساطة الأيام الأولى للدعوة، وهذا ما كان يدعو إليه رجال من أمثال جون ويكليف، وجان هس، وقد أفرزت الفترة السابقة على الإصلاح الدينى فى أوروبا العديد من الفرق والطوائف كانت معظمها ترى أن واجبها التبشير بين الفقراء، والآن أيضاً أفرزت الصحوة الإسلامية عددا كبيرا من الجماعات ترى أن رسالتها إنشاء المستشفيات، وإقامة مائدة الرحمن فى رمضان، والمدارس الابتدائية فى ضواحى المدن، فالعودة إلى الجذور عندهم تعنى العودة إلى عمل الخير ورعاية المحتاجين أى (الإحسان).. أى (الزكاة).

رابعا: التشابه الذى يلفت النظر بين حركة الإصلاح المسيحية والإسلامية وجود عناصر إثارة خارجية، وفى رأى جورجين نيلسن مدير مركز العلاقات المسيحية الإسلامية بكلية (سيلى أوك) فى برمنجهام أن الذى ساعد على ظهور حركة الإصلاح عنصران قادمان من خارج أوربا، الأول امتزاج حضارة أوربا بالامبراطورية العربية، وترى الدراسة أن هذا أمر يدعو للسخرية، لأن الحضارة العربية هى التى أعادت أوربا إلى جذورها الحضارية فى اليونان القديمة، وإلى الإفادة من إنجازات العرب فى العلوم والفنون، فساعد ذلك على ظهور عصر النهضة الذى ساهم بدوره فى ميلاد عصر الإصلاح، أما العنصر الخارجى الثانى فهو اكتشاف أمريكا عام 1492 وأعقبه اكتشاف الذهب والفضة مما أنعش الاقتصاد الأوربى، وفى العالم الإسلامى كان لاكتشاف البترول أثر يماثل اكتشاف الذهب والفضة فى أوربا، فقد أدى البترول إلى إثراء بعض الدول الإسلامية، وجاءت صدمة البترول بين عامى 1973 و1979 وارتفاع أسعاره فحول الدول الإسلامية الغنية إلى الأكثر غنى، وكما امتزجت الحضارة الأوربية بالحضارة العربية فى القرن الخامس فكان فى ذلك الشرارة للإصلاح، فإن هذا ما يحدث الآن- ويا للسخرية- من امتزاج الحضارة العربية بالحضارة الأوربية الحديثة، والإفادة من إنجازاتها التكنولوجية والعلمية.

هذه هى عناصر التشابه الأربعة بين عصر الإصلاح الدينى فى أوربا فى القرن الخامس عشر والإصلاح الدينى الآن فى العالم الإسلامى.

تريد دراسة الإيكونومست أن تقول إن الإسلام متخلف خمسة قرون عن مسايرة العصر، وتضيف أن حركة الإصلاح الدينى فى الإسلام- كما يرى المتشككون- لن تتحقق قبل زمن طويل.. ففى أوربا استغرقت المسيرة من عصر النهضة إلى عصر الإصلاح الدينى 150 عاما واستغرقت المسيرة من الإصلاح إلى النمو الفعلى للديمقراطية 300 عام، ونحن لا نستطيع انتظار كل هذه السنين!

***

إذا كانت هذه الدراسة قد نشرت فى أكبر المجلات البريطانية، وأصبحت مرجعا لكثير من الباحثين والمعلقين الذين يتناولون الإسلام فى كتاباتهم، فماذا فعل الأزهر والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية للرد ؟.. سؤال إلى فضيلة الإمام الأكبر د. محمد سيد طنطاوى وإلى وزير الأوقاف الدكتور محمود حمدى زقزوق، وإلى الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر وإذا كان الرد أنه لا يمكنهم متابعة كل ما ينشر فى أنحاء العالم والرد عليه، فهذا هو الخطأ الذى نريد أن ننبه إليه لنقول إنه يجب أن يكون عندنا- كما فى الدول الكبرى- مركز أو مؤسسة أو جهاز يتابع كل ما ينشر ويرد أولا بأول ولا يترك الساحة خالية لتشويه الإسلام فى الغرب.

يجب ألا نكتفى بالقول بأنهم مخطئون.. ولكن يجب أن نعترف بأننا مقصرون.*
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف