أيها السادة : استعدوا للحساب!
 وصل قطار الفساد إلى المحطة الأخيرة !

وجاءت الوقفة الحاسمة لقطع دابر الفساد والفاسدين.

وربما يكون حجم الفساد فى مصر أقل مما هو فى بقية دول العالم، ولكن شعور الناس به جعله يبدو أمامهم أكبر من حجمه الحقيقى .. لأنهم يرون بعيونهم.. ويسمعون بآذانهم.. ويعرفون تاريخ كل واحد منذ بدايته ويتابعون كيف كان لا يملك ثمن قيراط أرض فأصبح صاحب ضياع ومزارع، وكيـف كان لا يملك ما يسدد به إيجار مسكنه المتواضع وأصبح يملك القصور، وكيف كان هو وأسرته عند خط الفقر واصبح يدعى أنه ورث عن أهله الملايين !

الناس تعـرف قصـة حيـاة كـل واحـد فى مصـر، وفى كـل قرية وحى، هنـاك مؤرخـون لديهم أخبار وأسرار قد لا تكون لدى أدق الأجهزة..

ولذلك عندما يقال ليس فى مصر فساد لا يصدق الناس .. وعندما يقال إن الفساد موجود فى العالم كله حتى فى أمريكا وفرنسا وإيطاليا كما فى  زيمبابوى وبوركينا فاسو يقول الناس ولكن هناك حساب وعقاب وشفافية ولا تتم التغطية على فساد.

الآن أدرك الجميع أن مصر فيها أيضا قوانين، ومحــــاكم ، وسجــون، وعيــون لا تغمض .. قد تطول حبال الصبر ، ولكن فى النهاية ساعة الحساب آتية لكل فاسد لا ريب فيها . وما يجرى الآن، وما سيجرى غدا، سوف تهدأ النفوس وتعود الثقة والطمأنينة إلى القلوب وتخرس ألسنة السوء التى كانت تتاجر بالفضائح والشائعات .. الآن على كل من يشغل موقعا فى الحياة العامة أن يقدم حسابا عما فعل بالمناصب التى تولاها، والمسئولية التى كان مؤتمنا عليها .

سوف تهدأ النفوس كلما وصلت يد العدالة إلى رقبة واحد من الفاسدين، لأن إفلات فاسد واحد من يد العدالة يعمق الشعور بالسلبية وعدم الانتماء .. وقد لاحظ كثيرون من قبل أن صور الفساد اكتسبت مع الوقت قيمة  اجتماعية، فأصبح  الشخص الذى ينجح فى التهرب من الضرائب ويتحايل على القوانين يلقى  التقدير، ويعتبر الناس ما فعله شطارة ويعملون مثله .. وصاحب النفوذ الذى يساعد أقاربه وبلدياته فى الحصول على الوظائف والامتيازات على حساب من هم أولى بها وأكثر كفاءة يعتبر الناس أن استغلاله للنفوذ شهامة .. ومسئول الجمارك الذى يساعد على التهريب أو على تخفيض قيمة الجمارك مقابل رشوة أو مقابل خدمات يوصف بأنه موظف ( جدع ) .. ورجل الأعمال الذى يفسد مناخ المنافسة برشوة مسئول يوصف بأنه يعرف من أين تؤكل الكتف ونموذج لرجل (البزنس) الناجح .. والمسئول الذى يتلقى الهدايا الثمينة فى صور مختلفة يبررون هذه الرشوة المقنعة بأنها مجرد هدية ويرددون ( النبى قبل الهدية )..

هذه الصور التى لاحظها المفكر الراحل الدكتور إبراهيم شحاتة أضاف إليها صورة أخرى، ففى معظم البلاد يدفع الراشى لكى يحصل على منافع غير مشروعة، أو ليتحايل على القانون أو ليتهرب من دفع ما عليه من التزامات للدولة، أما فى مصر فقد أصبحت الرشوة جزءا من سمات التعامل العادى، وأصبحت أكثر الرشاوى الصغيرة تدفع لكى يقوم الموظف العام بأداء العمل الذى يدخل  فى اختصاص وظيفته والمفروض أن يقوم به بدون تعقيد، وأصبح من يريد أن يحصل على حقه عليه أن يدفع إلى شخص ما فى كل مرحلة .. وظهر وسطاء وسماسرة لإنجاز الأعمال المشروعة وغير المشروعة وكل شىء بثمنه. والمفروض أن تكون ترقية الموظف بناء على كفاءته ، ولكن الناس ترى أن الذين يصعدون يصعدون لأسباب شخصية ومعايير التقييم أصبحت مهتزة.. ولذلك أصبح من أمور حياتنا العادية التى لا تثير أحدا أن نجد المدرس الذى يجب أن يعلم التلاميذ فى المدرسة لا يعلمهم إلا إذا دفعوا فى الدروس الخصوصية أو فى المجموعات فى أحسن الأحوال. وما يدفعه التلاميذ ليس إلا صورة جديدة من صور الرشوة المقنعة لكى يحصل التلميذ على حقه فى التعليم.

وما أكثر الذين كتبوا عن صور الفساد لدى الصغار والكبار .. وعن الفساد الظاهر والمستتر وأرادوا التنبيه منذ سنوات إلى أن الفساد والعلاقات الشخصية أصبحتا الأساس فى التعامل وبديلا لحكم القانون، بل ومعيارا للنجاح وللعلاقات الاجتماعية المثمرة .. وحتى الذين يرون الفساد فسادا يكتفون بالتباكى على الأخلاق الضائعة ويرددون أن المشكلة فى أساسها مشكلة أخلاقية، مما يعنى استحالة معالجتها ما لم تنصلح أخلاق الناس بأعجوبة .

والحقيقة أن المناخ العالمى ملئ بالفساد حتى أصبحت له تنظيمات ومؤسسات كبرى عابرة للقارات مثل المافيا والشركات العالمية الكبرى، وعصابات تهريب المخدرات الدولية، ومنظمات غسيل الأموال، وكما يقول تقرير للأمم المتحدة فإن الفساد موجود فى الكبار والصغار، فى القطاع العام والقطاع الخاص وأجهزة الحكومات، ورجال الأعمال فى كل دول العالم يقومون بدور المحرض والمشجع على الفساد لتمرير صفقات بطرق غير مشروعة، أو إدخال السموم إلى البلاد ، وما أكثر الحالات التى تم فيها اكتشاف سلع فاسدة من كل نوع ابتداء من أنواع الطعام إلى أسلاك الكهرباء والأدوات المنزلية إلى الأجهزة الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر و .. و .. كميات هائلة بمئات الملايين من الجنيهات نجحت أجهزة الرقابة فى ضبطها ونظمت لها معرضا هو الأول من نوعه .. كيف دخلت إلى البلاد؟..كيف عرضت فى الأسواق .. من الذى أدخلها؟ .. ومن الذى ساعد من موظفى الدولة؟.. أسئلة لم تقدم الإجابات عنها فى هذا المعرض العجيب .. معرض الفساد فى الأسواق الذى أقامته وزارة التموين .. ولو نظمت كل وزارة معرضا مماثلا لما يدخل فى اختصاصها لشاهدنا ما لا يخطر على بال بشر !

ومن المضحك ما تنشره الصحف فى الخارج عن فساد من صناعة مؤسسات دولية تحت غطاء محاربة الفساد وقيام هذه المؤسسات الدولية بتسهيل وتهريب أموال الفساد إلى الخارج.

والقاعدة الذهبية لتقليل الفساد تتلخص فى خطوات متلازمة.

أولا : أن الإعلان عن حالات الفساد وعدم إخفائها أو التغطية عليها يجعل الفاسدين يترددون، بينما التأجيل والتغطية بحجة أن ذلك يسئ إلى البلاد فهذه حجة لتبرير استمرار الفساد وحمايته .. ومن هنا فإن الصحافة لها دور كبير فى كشف وتعرية الفساد والفاسدين، ومن حسنات هذا العهد فتح الأبواب والنوافذ أمام الصحافة لتلقى الأضواء الكاشفة على خفافيش الظلام. وثانيا: محاسبة كل من يتولى منصبا أولا بأول محاسبة جادة ودقيقة.. وثالثا: تحديد الأجور المناسبة لكل وظيفة خاصة بعد أن قيل: إن البعض يحصل كل شهر على مئات الآلاف من الجنيهات بصفة رسمية، وما قيل عن صور الحصول على مكافآت وبدل حضور جلسات وحوافز بأرقام فلكية وبدون ضوابط تزيد على المرتب الأصلى مئات المرات وكأن هذه الأمور بدون رقيب، وكأن المال السايب بلا حدود.

قيل، ويقال كلام كثير.. ولكن اصبح الشعور العام الآن بأن كل شىء له آخر .. وإن هذه هى نهاية الفساد الفاجر الذى يباهى بفساده ويرفع صوته بكل ثقة ليلصق التهمة بكل من يكشف حقيقته، ولا يجد وسيلة للدفاع عن نفسه إلا التهديد بأن يكشف الآخرين.

اليوم لا أحد فوق القانون . ولا أحد فوق الحساب والعقاب .

وغدا سوف نرى نهاية الفساد والفاسدين. وعلى الجميع أن يستعدوا لهذا اليوم القريب
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف