لماذا يكرهون الإسلام؟.
 فى أواخر عام 2001 ثارت ضجة فى إيطاليا عندما أعلن أن السفير الإيطالى فى السعودية (توركوا توكارديللى) اعتنق الإسلام، يوم 16 نوفمبر، وأعلن أنه اهتدى إلى الإسلام بعد دراسة عميقة للقرآن والقيم والحضارة الإسلامية.

وعلقت صحيفة (لاستامبا) الإيطالية على هذا الحدث فى عددها يوم 26 نوفمبر فقالت إن (كارديللى) انحاز إلى الإسلام فى الوقت الذى احتدم فيه الصراع بين الحضارات والديانات، وأن اختيار السفير للإسلام يثير كثيراً من الجدل، خصوصا أنه ليس أول دبلوماسى يعتنق الإسلام، فقد اعتنق الإسلام قبله (ماريو شيالوجا) الذى اعتنق الإسلام فى عام 1988 وتولى منصب سفير إيطاليا فى السعودية عشر سنوات بعد إسلامه وأصبح رئيسا للمجلس الإسلامى الإيطالى ونائبا لرئيس رابطة العالم الإسلامى فى مكة ولها فرع فى العاصمة الإيطالية روما.

أما كارديللى السفير الذى شغل الصحافة والرأى العام فى أوربا لاعتناقه الإسلام فهو باحث متعمق فى شئون العالم الإسلامى، درس اللغات والحضارات الشرقية، كما درس الحياة السياسية فى الشرق، وبدأ العمل فى السلك الدبلوماسى عام 1967 وتولى مناصب عديدة فى سفارات إيطاليا فى عديد من الدول الإسلامية منها سوريا والعراق وليبيا، وشغل منصب السفير فى دار السلام عاصمة تانزانيا من عام 1993 حتى 1997، عاد بعدها إلى وزارة الخارجية الإيطالية، ومنذ عام 1998 حتى عام 2000 شغل منصب أمين المجلس العام لشئون الإيطاليين بالخارج ثم نقل سفيرا فى السعودية، فهو إذن شخصية لها وزن سياسى ودبلوماسى كبير فى الخارجية الإيطالية، وهو من المثقفين والدارسين للحضارات والديانات، وعلى إلمام كبير بقضية صراع الحضارات التى تدور رحاها فى الغرب، ولذلك فإن اختياره للإسلام وللحضارة الإسلامية فسّره بعض المعلقين فى الصحافة الغربية على أنه هزيمة للغرب ونقطة تحسب لصالح الإسلام ليس هذا هو الوقت المناسب لحصول الإسلام عليها كما قالوا.

وانشغلت الصحافة الغربية بالبحث عن كيفية اعتناق السفير الإيطالى للإسلام..

وهل تعرّض لضغوط من جهات ما.. أو وقع تحت إغراءات ما؟. فاكتشفوا أن الرجل أعلـن أنه اختار الإسـلام نتيجـة بـحث ودراسـة لسـنوات، وبعد قـراءات وتأمـلات طويلـة فى القـرآن والأحاديـث وكتب التفسير المعتمدة، حدث هذا التحول فى وجدانه وعقلـه، وكان ذلك قبل أن يصـل إلى السـعودية، وهذا ما حـدث للسـفير الآخر الذى سبقـه (شـيالوجا) فى عـام 1988 وكان وقتهـا دبلوماسـيا يمثـل بلاده فى نيويورك ويشغـل منصـب نائـب المندوب الدائم لإيطاليا لدى الأمـم المتحـدة.. وعكف على دراسـة الأديان.. وقال: شعرت بانبهار بالإسلام واليهودية لعلاقتهمـا البسيطـة والمباشـرة مع الله من خلال الصلاة، وعدم وجود وسطاء بين الإنسـان والله، وعندما وصلت إلى الرياض كان الإسلام قد تمكن من قلبى وعقلى، ولكن من واقع منصبى كسفير اعتنق الإسلام لم أتمتع بأية امتيازات خاصة فى السعودية، وبعد شهر إسلامى تمت الموافقة على أن أزور البيت الحرام وأشاهد الكعبة، ودخلت الكعبة مع الدبلوماسيين المسلمين فى السعودية فى مناسبة غسيل الكعبة، وكانت زيارتى للكعبة تجربة روحية يصعب وصفها، ولذلك سأدعو (كارديللى) إلى زيارتها حتى لا تفوته هذه التجربة..

كل هذا الكلام أشعل الخصومة للإسلام وهناك كثير ممن يدخلون فى الإسلام ويتحدثون عما جذبهم فيه كعقيدة توحيد تدعو للتسامح والإيجابية مما يثير أعداء الإسلام فتزيد الحملة على الإسلام والمسلمين.

وأعادت الضجة التى أحدثها إسلام السفير الإيطالى الحديث عن اعتناق الفيلسوف الفرنسى روجيه جارودى إحدى الشخصيات الغربية الشهيرة الذى يعتبر أحد رموز الفكر الأوربى والحضارة الغربية عموما، وقصة إسلام جارودى جرَّت عليه وعلى الإسلام والمسلمين المتاعب وحملات الكراهية..

وجارودى أقام شهرته كمفكر يسارى، ولكنه اكتشف مبكرا جدا، ومنذ عام 1956 أن الشيوعية تسير فى طريق مسدود، بعد البيان الذى ألقاه الزعيم الســوفيتى نيكيتـا خروشوف وكشف فيه الفضائح والفظائع التى كانت ترتكب فى عصر ســتالين الذى كانـت الدعايات الشــيوعية تصـوره على أنه العصر الذهبى وأن السوفيت يعيشون فى ظله فى النعيم، وبعد هذا البيان يقول جارودى: إنه استيقظ من غفوته ومر بمرحلة من الشك والقلق، وبدأ يبحث عن ملاذ جديد لليقين، مع تصميم بألا يؤمن إلا بناء على معرفة يقينية، ولا يصدق ما يقال إلا بعد الفحص والتحليل بمنتهى الدقة.

اكتشف جارودى فى مرحلة البحث والتأمل أن مركز الإبداع والحضارة ليس فى أوربا وأمريكا وحدهما كما كان يتصور، كما اكتشف أن المبدأ الماركسى القائل بأن الدين أفيون الشعوب ليس إلا هراء، وأن أفيون الشعوب الحقيقى هو الماركسية ذاتها، وأن الدين ضرورى للإنسان لأنه يوقظ فى الإنسان الشعور بالمسئولية والالتزام بالقيم سرا وعلانية، ويجعله حذرا من اقتراف الذنوب بينه وبين ضميره، وبعد دراسة لكل الأديان أعلن أنه وجد أن الإسلام فيه الإنقاذ للبشرية من الاحتضار الذى وصلت إليه الحضارة الغربية. ويقول جارودى إنه توقف طويلا أمام مفهوم الجهاد كما ورد فى الحديث: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. جهاد النفس ورأى أنه درس مهم للثوريين الذين يحاولون تغيير كل شىء ما عدا أنفسهم!

والسبب الحقيقى لما واجه جارودى من اضطهاد أنه بدأ يعمل على رد الاعتبار إلى الإسـلام وحضارتـه أمـام الفكر الغربى الذى يتخـذ موقـف الجاحـد والمتجاهل، وأغرقـوه فى حملة من النقد والتشهير بعد أن أصدر كتابه (وعود الإسـلام) وأراد به أن ينزع الكمامات عن عيون المفكرين فى الغرب ويخلصهم من الأحكام السابقة التجهـيز التى يرددونها عن الإسلام.. هاجموه لأنه رفض نزعة الترفع العرقى لدى الغرب، والقيام بدور المعتدى على ثقافات وحضارات أخرى تستحـق التقـدير، وكرهوه لأنه قام بتعرية موقف الغرب وكشف الحقيقة وهى أن الهيمنة الاقتصاديـة للغرب هى الدافع إلى الهيمنة الثقافية، وهذه الأسباب الاقتصادية الإمبرياليـة هى التى تدفع مفكرى الغرب إلى ازدراء الإسلام وحضارته وثقافته.. فالرأسماليـة الغربية تسعى إلى الهيمنة على العالم والسيطرة على العقول والعقائد أيضـا، ولم يغفـروا لجارودى أنه قال: إن الإسلام قوة روحية فى الماضى والحاضر والمسـتقبل، ويجب ألا يضيِّق الغرب نظرته للإسلام فلا يرى منه إلا جماعات متشـددة تستخـدم العنف فيقع فى نفس الخطأ الذى وقع فيه أصحاب النزعة الإلحاديـة القديمـة الذين حاربوا المسيحية وخلطوا بين مبادئها وبين الكنيسة فى عهد قسطنطـين وخلفائـه، والحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، والبابا بورجيا وبعض رجال الدين المتخلفين الذين كانوا قوة رجعية ضد الديمقراطية والتقدم..

هذا الخطأ الذى وقع فيه الملحدون قديما فى الغرب يقع فيه كثير من المثقفين والسياسيين والباحثين اليوم، ومنذ أكثر من ألف سنة، وما زال (الخوف) هو الذى يلون نظرتهم للإسلام، والخوف- كما يقول جارودى- ناصح مضلل يشوه أحكام كثير ممن يتصدى للإسلام فى الغرب. فالحرب الصليبية استغلها قادة أوربا لنشر صورة كريهة عن الإسلام وروجوا لها وسط جماهير غير مؤهلة للتمييز، ومن هؤلاء مثلا (جيبرت توجينت) المتوفى سنة 1124م- هذا الراهب له كتاب كان فى حقيقته برنامجا كاملا لجميع المواقف والأفكار المعادية للإسلام، وكان كتابه بعنوان (الفرنسيون، الصليبيون أدوا مهمة الله) وبعدها ازدهرت حركة الاستشراق، ولم يكن هدفها البحث العلمى والمعرفة ولكن كان هدفها- كما يقول جارودى- خدمة السياسة والاستعمار والكنيسة وإعادة صياغة دول وشعوب (الشرق وفقا لاحتياجات ولسيطرة (الغرب).. فكان الجد الأكبر لحركة الاستشراق لفرنسا وأوربا (سلفتر دى ساسى) المتوفى سنة 1838 ميلادية أول أستاذ للغة العربية وأول مدير لمدرسة اللغات الشرقية فى باريس والأستاذ فى كوليج دى فرانس وكان يعمل فى نفس الوقت فى وظيفة أخرى فى وزارة الخارجية الفرنسية، وهو الذى كتب منشورات جيش نابليون ونداء الجيش الفرنسى عند احتلال الجزائر عام 1830. وكان المستشرق ماكس مولر (1823- 1900) الآمر الناهى فى جامعة اكسفورد البريطانية والمحاضر فى جامعة كامبريدج، وكان يتولى فى نفس الوقت تدريب وإعداد الإداريين الاستعماريين البريطانيين للهند وغيرها.. ومئات غيرهم من (المستشرقين) درسوا العربية والإسلام بقصد خدمة المشروعات التبشيرية والاستعمارية والسياسية لدول الغرب فى العالم العربى والإسلامى، وشاركوا فى صياغة نظريات لتبرير الهيمنة الغربية، ولم يكونوا مخلصين أو موضوعيين فى عرض الإسلام على حقيقته، للرأى العام فى الغرب، ولكنهم كانوا يريدون إصدار أحكام إدانة على الإسلام والمسلمين انطلاقا من معايير غربية، كما لو كانت الحضارة الغربية هى النموذج الوحيد الذى يجب أن يعم العالم، وبالتالى تعمقت فكرة رفض الإسلام وحضارته، وهذا ما جعل فولتير يصور الرسول صلى الله عليه وسلم فى كتابه (محمد) عام 1741 نموذجا للمكر الدينى فى خدمة الاستبداد السياسى.. يقول جارودى: إن الإسلام لم يدرس لذاته فى الغرب فى أية حالة من الحالات وإنما وفقا للصراعات الأيديولوجية ومصالح الغرب.. واستخدم الغرب الخداع للسيطرة على العالم الإسلامى، كما فعل نابليون بونابرت عندما وجه بيانا إلى شعب الإسكندرية عند نزول الحملة الفرنسية يوم 2 يوليو 1798 قال فيه: إننا نحن (جيش الاحتلال الفرنسى) المسلمون الحقيقيون! وقال نابليون أيضا إنه جاء يقاتل من أجل الإسلام!

وسرد جارودى قائمة طويلة من كبار المفكرين الغربيين كتبوا ضد الإسلام كتابات أثّرت فى العقل الغربى بعمق.. من هؤلاء فيكتور هوجو فى كتابه (شرقيات)، وشاتوبريان فى كتابه (رحلة من باريس إلى القدس) عام 1811 وبعده جاء كتاب لامارتين (رحلة إلى الشرق) عام 1833 الذى قال فيه: عندما تسقط الإمبراطورية العثمانيــة ســوف تأخــذ كل واحـدة من القوى الأوربية جزءا منها، وهذا النوع من الإقطاعية من السيادة المطلقة سيصبح من الحقوق الأوربية، وسيكون من حق كل دولة أوربية أن تقيم مستعمرات فى الجزء الذى يخصها.. وبعد ذلك قال جيرار دى نرفال بعد رحلة للشرق فى عامى 1842 و1843 إنه لم يجـد فى الشـرق إلا الفراغ، والقليل من المعرفة، وكتب فلوبير رواية (سالامبو) قال إنه يريد بها إيقاظ الشرق من هلوساته الإسلامية.. وهذا ما قاله لورانس العرب حين ادعى أنه ذهب إلى العالم العربى ليعمل على تشكيل أمة جديدة، وقال: إن جميع ولايات الإمبراطورية العثمانية لم تكن تساوى فى نظرى موت إنجليزى واحد!

ويشير جارودى إلى أن نزعة التحديث فى مصر ثم فى العالم العربى كان فيها تياران، تيار يرى أن مستقبل العالم العربى والإسلامى فى محاكاة أوربا، على الصعيد السياسى باستيراد أنظمة الحكم الأوربية ابتداء من البرلمان إلى قوانين السوق الحرة، وعلى الصعيد الاقتصادى كان الاندماج فى أسواق الغرب وتسهيل انتقال السلع من الغرب إلى أسواق العالم العربى والإسلامى دون الوصول إلى مرحلة إنتاج هذه السلع، وعلى صعيد الثقافة كانت الحداثة هى الثقافة والقيم الغربية- الفردية- ونظرية أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان! وبذلك فإن المعروض على العالم العربى والإسلامى هو السير فى نفس الطريق الذى سار فيه الغرب منذ أربعة قرون، واعتبار الماضى الأوربى هو المستقبل العربى والإسلامى!

أما التيار الآخر- كما يقول جارودى- فهو تيار السلفيين، وقضيتهم: كيف يستطيع العالم العربى- الإسلامى تأكيد حقه فى الوجود؟ وإجابتهم أن تحديث العالم العربى والإسلامى لا يكون بتقليد هؤلاء الذين يقتلوننا وأن نصير مثلهم، ولكن بالعودة إلى الدين، لأن المسلمين تخلفوا عندما ابتعدوا عن دينهم، وانطلاقا من هذه الفكرة قرروا احتجاز الإسلام فى قلعة وإغلاق الأبواب عليه بلا نوافذ ولا حتى فتحات للتهوية والنور، كما يقول جارودى، ومن هؤلاء ظهر أصحاب العقيدة المتصلبة، والإسلام ليس منغلقا إلى هذا الحد، والله أرسل لكل شعب رسوله لكى يستطيع كل شعب أن يفهم الرسالة بما يناسبه، ولذلك أيضا جاء الاجتهاد وظهرت المذاهب الفقهية كمحاولات للإجابة عن المشكلات الجديدة التى ظهرت بعد انتشار الإسلام فى مجتمعات مختلفة عن مجتمع الجزيرة العربية، وإغلاق باب الاجتهاد لم يأت بأمر إلهى، ولكن بقرار سياسى.

يقول جارودى إن المشكلة هى هذا (العقل المغلق) الذى يتعارض فى حقيقته مع روح مبادئ الإسلام كما جــاءت فى القــرآن، فالرســول (صلى الله عليه وسلم) اعـتبر نفسه مجددا ومكملا لرسالات اليهودية والمسيحية، ومعنى ذلك أن الإسلام منفتح على غيره من الأديان، وعظمة الإسلام أنه عرف كيف يدمج العقيدة السابقة عليه فى عقيدته ويجرى عملية تكامل مع أفضل ما فى الثقافات الأخرى ولم يرفضها ولم يغلق الأبواب على نفسه، ولم يبدأ الانحطاط إلا عندما بدأ الانغلاق. وحين تم خلط السنة بالتقاليد والعادات التى لا أساس لها فى القرآن وأعمال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهكذا فرضوا الملابس الغريبة على المرأة وهى ملابس تنتمى إلى عصر الجاهلية قبل الإسلام.

ويشير جارودى إلى ما يلاحظه الغربيون من تناقضات فى سلوك المنغلقين من المسلمين، فهم يغلقون عقولهم عن كل فكر يأتيهم من الغرب، وفى نفس الوقت يستخدمون الوسائل التى تأتيهم من الغرب (من السيارة والطائرة إلى السينما والتليفزيون والكمبيوتر والإنترنت) ومن طرق الغرب الجنونية فى الاستهلاك، والفردية الغربية المتوحشة.. ويصل جارودى إلى أن الغرب هو المسئول عن تخلف الدول الإسلامية.. والقضية الأساسية التى تكمن وراء جميع مشكلات العالم من مشكلة الفقر والجوع إلى مشكلة التسلح وهما وجهان لنفس المشكلة ، ومن غياب معنى وهدف الحياة فى الغرب، وانتشار العنف بين الأفراد والجماعات والقمع فى الداخل.. كل هذه مشكلات مصدرها الغرب.. واقتصاد الغرب قائم على إنتاج كل شىء بكثرة سواء كان مفيدا أو ضارا.. حتى الأسلحة النووية وغير النووية.. ولابد من سوق لاستهلاك هذه المنتجات، ولابد من زيادة الطلب عليها، ولابد أن يقنع الناس بأن السعادة والتقدم مرتبطان بكثرة المنتجات المستهلكة.. والغرب يوهم الجائعين فى الدول المتخلفة بأن خروجهم من دائرة البؤس التى يعيشون فيها لن يتم إلا بأن يقلدوا الغرب فى الاعتماد على التكنولوجيا الضرورية وغير الضرورية.. وزيادة الاستهلاك.. والنتيجة أن ثروة العالم تركزت لدى دول الغرب حتى إن أقل من 30% من سكان العالم يملكون 82% من الإنتاج العالمى، وينفقون 85% من الأموال المخصصة للتسلح، و500 مليون إنسان فى العالم يعيشون حياة غير إنسانية ويموتون من سوء التغذية وقلة الدخول، والبطالة، ويدعى الغرب أنه يقدم مساعدات مالية للدول الفقيرة، وهذه المساعدات ليست إلا واحدا على عشرين مما تنفقه دول الغرب على التسلح، وتتراكم الديون على الدول المتخلفة لصالح دول الغرب وتتعثر بسبب الأقساط والفوائد.. والنظام العالمى قائم على أن يزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا.. ويقوم البنك الدولى وصندوق النقد الدولى بالدور الأكبر لتحقيق ذلك. وإذا كان البترول موجودا فى العالم الإسلامى.. فإن أموال البترول موجودة فى بنوك الغرب ومعظمها فى الولايات المتحدة وتستطيع تجميدها كما فعلت من قبل.

وفى تحليل جارودى لأوضاع العالم فى هذا النظام العالمى الجديد الذى يحقق مصالح الغرب فقط يقول: إن عدد سكان الدول الصناعية سدس سكان العالم، ولكنهم يحصلون على 60% من المنتجات الزراعية فى العالم.. وتستخدم ثلثيها لتغذية الماشية، بينما يزداد الجوع فى دول العالم الثالث، ولهذا يصدق القول بأن طعام الفقراء يصل إلى ماشية الأغنياء!.

وفى النهاية وصل جارودى فى ضوء اختلال الموازين وضياع القيم الإنسانية فى العــالم إلى أن الوقــت قد حان للالتقـــاء بالإسلام وأن نعيش رؤية توحيدية للتاريخ التى كان إبراهيم وموسى ومحمد فيها لحظات تنبيه واستيقاظ.. وأعلن أنه بالإسلام نتجاوز شرائع الغاب ونبنى مجتمعا لا يمكن أن يوجد بدون الإيمـان.. ويعلـن أن الثـورة الإسلامية فى مرماها العميق مختلفة تمام الاختلاف عن الثورات الغربية سواء الثورة الفرنسية البرجوازية عام 1789 أو الثورة الروسية الاشتراكية عام 1917.. لأنها ثورة قائمة على العدل والحرية الإنسانية..

وتساءل جارودى ما الذى يمكن أن يتعلمه العالم من الإسلام؟.

وأجاب: إن الإسلام عقيدة تلهم وتحرك.. وليـس فى الإسلام عداء للمسيحية، والقرآن يذكر المسيح والسيدة مريم باحـترام جليـل، وفى القرآن الكريم: (وقفينا على آثارهـم بعـيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور) .. (سورة المائدة- الآية 24) وقال: (إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمتـه ألقاهــا إلى مريـم وروح منه)..(سورة النساء- الآية 171).. وهذا يعنى أن الإسلام لا ينكر ولا يعادى المسيحية.. فلماذا يظن مفكرو الغرب أن عليهم معاداة الإسلام..؟.

وأثار جارودى ثائرة أعداء الإسلام فى الغرب حين أعلن: دعونا نفكر فى حلم عظيم، بأن نرى الأمم الغربية الكبرى التى ازدهر فيها الإسلام مثل قرطبة، وباليرمو، وباريس، لتعود هذه الأماكن مراكز لقاء لنشر ما يقوله الإسلام لنا.. إن التعاليم القرآنية تساعدنا على أن نكتشف الإنسان من جديد، لندرك أن الإنسان يحمل فى ذاته جميع درجات الوجود، وينطوى فيه العالم الصغير، والإنسان هو الذى حمل مسئولية الضمير والعقيدة: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبـين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان) ..(سورة الأحزاب الآية 72).. فالإنسان فى مفهوم الإسلام هو خليفة الله فى الأرض، مكلف بالمحافظة على توازن العالم، وأمامه كل ما فى الكون آية تدل على حضور الواحد الأحد.

هكذا أسس جارودى أيمانه بالإسلام على فلسفة متكاملة تكاملت فيها حقائق الواقع بحقائق الإسلام.. وكان ذلك أهم أسباب الحملة التى وصلت إلى حد تهديده بالقتل، ثم تقديمه إلى المحاكمة بتهمة معاداة السامية بعد أن كشف بالتحليل والدليل بطلان الأساطير المؤسسة لإسرائيل.. وأولها: أسطورة أن فلسطين هى (أرض الميعاد) التى وعد الله بها اليهود، وثانيها: أسطورة أن اليهود هم (شعب الله المختار)، وثالثها: أسطورة التطهير العرقى فى سفر يشوع، ورابعها: أسطورة معاداة الصهيونية للفاشية، وخامسها: أن ضحايا الهولوكوست من اليهود بلغوا ستة ملايين يهودى، وسابعها: أن فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وأخيراً أسطورة المعجزة الإسرائيلية.

بذلك تجمع تيار المعادين للإسلام وتيار اللوبى الصهيونى، وتمت محاكمة جارودى طبقاً لقانون فرنسى معروف باسم (قانون فابيوس- جيسو) وحكمت عليه المحكمة بغرامة 20 ألف دولار، واستأنف جارودى الحكم وكانت القضية مناسبة انتهزها اللوبى الصهيونى ليعلن مدى قوته ونفوذه حتى أن جماعات صهيونية، كانت تتجمع أمام المحكمة للاعتداء على الصحفيين ومراسلى شبكات التليفزيون من الدول العربية والإسلامية، وعدد منهم نقل إلى المستشفى مصابا بكسور ونزيف، وتلقى جارودى تهديدات بالقتل، وتم الاعتداء على المكتبات التى تبيع كتبه فى فرنسا وسويسرا واليونان حتى امتنعت عن بيعها، بالرغم من أن جارودى لم يطعن فى الديانة اليهودية، ولا فى التوراة، ولا فى أنبياء بنى إسرائيل، وكل ما حوكم بسببه هو دعوته إلى مراجعة لرقم ستة ملايين عدد ضحايا النازى من اليهود.. وصدر الحكم بسجن جارودى واستأنف الحكم أمام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ولم تصدر حكمها بعد.. وكل ذلك لأن الرجل أعلن اختياره للإسلام فى وسط معاد للإسلام، وحاول مناقشة واقعة تاريخية مناقشة علمية!!..

أما الرجل الذى حظى بتكريم الزعماء والمثقفين وربح ملايين الدولارات من كتاب واحد فهو سلمان رشدى.

سلمان رشدى مؤلف رواية (آيات شيطانية) اكتسب شهرة هائلة وغمرته أضواء الإعلام فى دول الغرب لأنه لم يترك شخصية من شخصيات الصحابة إلا وجه إليها السباب والشتائم والاتهامات بألفاظ بذيئة، وأشار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم باسم (ماهاوند) وصوره على أنه رجل شرير، ونبى مزيف مصاب بالصرع والهلوسة، ولا يتورع من أى عمل ليحقق أغراضه مهما يكن متعارضا مع الأخلاق، ويصور زوجات الرسول أمهات المؤمنين رضى الله عنهن على أنهن غانيات يعملن فى بيت للدعارة يحمل اسم (الحجاب) وكبيرتهن تروى كيف تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم هى السيدة عائشة فى يــوم واحد، ويقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنه نبى الجاهلية، ويقول: إن جبريل كبير الملائكة من مؤيدى اللواط، بذىء اللسان، وأن الشيطان خدع الرسول صلى الله عليه وسلم وأجرى على لسانه آيات تجعل لأوثان الجاهلية اللات والعزى ومناة شفاعة ترتجى، ويقول أيضاً: إن الصحابى الجليل سلمان الفارسى- رضى الله عنه- قام بتزوير الوحى وخداع الرسول.

هذا الكاتب البذىء الذى كان يصنف على أنه مؤلف روائى من الدرجة الثانية، أصبح أشهر مؤلفى الروايات، بعد أن قدم هذه الرواية المليئة بألفاظ وقحة، وبدلا من محاكمته بتهمة الإساءة إلى عقيدة دينية، وجد التكريم، وحصل على الجوائز، وقامت الحكومة البريطانية بتخصيص حراسة مشددة عليه حرصاً على حياته كلفت الخزانة البريطانية عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية.. ودعاه رئيس الوزراء البريطانى (تونى بلير) للعشاء فى منزله، واستقبله رئيس الولايات المتحدة (بيل كلينتون) فى مكتبه فى البيت الأبيض، وأعلن الرئيس الأمريكى أن تكريمه لهذا الكاتب هو تعبير عن وقوف أمريكا خلف حرية الرأى.

سلمان رشدى، بعد أن انحسرت عنه الأضواء عاد إلى الأضواء مرة أخرى بمقال نشره فى صحيفة (نيويورك تايمز) يوم 2 نوفمبر 2001 بعنوان (نعم، هذا عن الإسلام) قال فيه: إن قادة العالم يرددون القول بأن الحرب التى أعلنتها الولايات المتحدة ليست حربا على الإسلام، وهدفهم من ذلك تخفيف الهجمات الانتقامية التى يلاقيها المسلمون فى الغرب، ويريد هؤلاء القادة الحفاظ على الائتلاف ضد الإرهاب مع أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تفترض براءة الإسلام من الإرهاب من حيث المبدأ والمشكلة أن إنكار الصلة بين الإرهاب والإسلام لا يعبر عن الحقيقة، وإذا لم يكن الإسلام هو الإرهاب فلماذا قامت كل هذه المظاهرات من المسلمين فى أنحاء العالم لتأييد أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، ولماذا احتشد عشرة آلاف من الرجال المسلحين بالسيوف والفئوس على الحدود الباكستانية الأفغانية مستجيبين لدعوة زعيم طالبان وزعيم القاعدة بالجهاد؟.. ولماذا كان أول ضحايا بريطانيا فى الحرب على الإرهاب فى أفغانستان ثلاثة (مجاهدين) مسلمين قتلتهم القوات الأمريكية وهم يقاتلون مع طالبان؟..

هكذا، ومنذ البداية يؤكد سلمان رشدى بكلمات قاطعة أن الإسلام دين يرتبط بالإرهاب، وبالتالى فإن الحرب على الإرهاب يجب أن تكون حربا على الإسلام دون مواربة، ولكى يقدم أوراق اعتماد جديدة إلى أعداء الإسلام فى الغرب زور الحقائق.. وادعى أن المظاهرات قامت فى العالم الإسلامى لتأييد بن لادن وطالبان والقاعدة بينما الحقيقة أن المظاهرات فى العالم الإسلامى قامت احتجاجا على المجازر التى أقامها شارون للفلسطينيين، والحرب التى أعلنها على هذا الشعب الأعزل الذى يطالب بإنهاء الاحتلال والحصول على الاستقلال وإقامة دولته ليعيش حرا فى وطنه كسائر شعوب العالم.. قلب سلمان الرشدى الحقيقة.. المظاهرات قامت لتأييد الشعب الفلسطينى فى نضاله من أجل الحرية، فادعى أنها كانت لتأييد منظمات وقادة الإرهاب ليثير الغرب على المسلمين ويكسب من وراء ذلك ثروة جديدة باعتباره أداة الغرب فى الهجوم على الإسلام القادر على اصطناع الأكاذيب التى تنطلى على العامة فى الغرب.

ومضى سلمان رشدى فى مقاله يقول: لماذا هذه المعاداة للسامية التى جعلت المسلمين يرددون الافتراءات بالقول بأن اليهود هم الذى خططوا للهجمات على مركز التجارة العالمى والبنتاجون.. وبما يردده أنصار طالبان والقاعدة من أن هذين التنظيمين ليست لديهما قدرات أو مهارات تكنولوجية لتنفيذ مثل هذا العمل المعقد، ولماذا يقول (عمرو خان) البطل الرياضى الباكستانى الذى تحول إلى السياسة إنه يطالب الولايات المتحدة بتقديم الأدلة على مسئولية القاعدة عن هذه الهجمات؟ ولماذا ينشرون تهديدات قادة تنظيم القاعدة للغرب بأسراب الطائرات وتحذير المسلمين فى الغرب من السكن أو العمل فى المبانى المرتفعة؟.. ولماذا كل هذا الحديث عن الكفار من العسكريين الأمريكيين والقول بأنهم يدنسون التراب المقدس للسعودية؟.

يقول سلمان رشدى إجابة عن هذا التساؤلات المغرضة : بالتأكيد إنه الإسلام، والسؤال هو ماذا يعنى ذلك بالضبط؟.. إن معظم المسلمين ليسوا متعمقين فى فهم القرآن، وإيمانهم ليس قائماً على الفهم والتحليل، وبالنسبة لمعظم المسلمين المتدينين يمثل الإسلام بالنسبة لهم الخوف من الله أكثر من حب الله، ويخضعون لمجموعة من الآراء، والعادات والممارسات بدون وعى، وهمهم ينصب على عزل المرأة، ويلقى شيوخهم الخطب التى تثير فى المسلمين الاشمئزاز من الحياة الحديثة، وكراهية المجتمعات المتقدمة لأنها مليئة بالكفر والجنس والموسيقى.. ويثيرون فى نفوسهم المخاوف من أن تنتشر فى المجتمع الإسلامى أساليب الحياة الغربية المتحررة، والمنظمات الإسلامية متورطة فى حركات سياسية راديكالية على مدى الثلاثين عاما الماضية، وهؤلاء الإسلاميون السياسيون هم الإخوان المسلمون فى مصر، والمقاتلون ذوو الأيدى المخضبة بالدماء فى جبهة الإنقاذ الإسلامية، والجماعة الإسلامية المسلحة فى الجزائر، والشيعة الثوار فى إيران، وطالبان، والفقر هو الذى يعاونهم، وجنون الاضطهاد لدى المسلمين ليس إلا ثمرة جهودهم.. وهذا هو (الإسلام المضطهد) الذى يلقى باللوم على الأجانب (الكفار) فى كل المحن التى تعيش فيها المجتمعات الإسلامية، وليس هناك حل سوى دفع هذه المجتمعات الإسلامية دفعا نحو الاقتراب من العالم وتنفيذ مشروع لتحديث هذه المجتمعات المختلفة.

ويستطرد سلمان رشدى فى مقاله فيقول: إن هذا ليس تأييدا لنظرية صموئيل هنتجنتون عن صدام الحضارات، لسبب بسيط هو أن مشروع الإسلام السياسى لم يعد مقصوراً على العداء للغرب ولليهود، ولكنه أصبح موجهاً ضد المسلمين أيضاً.. ومهما كان الظاهر فإن هناك قدرا من التعاون بين طالبان والحكم فى إيران.

ويقول أيضا: إن الدول الإسلامية فيها استياء من الغرب وفى نفس الوقت فإن الخلافات فيما بينها لا تقل عن خلافاتها مع الغرب.. ومن السخف إنكار أن الإسلام مصاب بجنون الاضطهاد، ويبرئ نفسه من الجرائم التى يرتكبها، وهو فى نفس الوقت أيديولوجية تحظى بإعجاب واسع وانتشار.

ويقول سلمان رشدى: منذ عشرين عاماً، عندما كنت اكتب رواية عن الصراع على السلطة فى باكستان، كان من الأمور الضرورية فى العالم الإسلامى إلقاء اللوم على الغرب دائماً ونسبة كل محنة تصيب المسلمين إلى الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، وفى ذلك الوقت، وكما هو الحال الآن، كانت بعض هذه الانتقادات قائمة على أساس من الصحة، وليس من المفيد لأمريكا تكرار سياسات الحرب الباردة، والسياسة الخارجية المدمرة لأمريكا ودورها فى إنشاء وتأسيس نظم الحكم البغيضة ودعم القادة المكروهين من شعوبهم، ومع ذلك أليس من واجب المسلمين أن يتحملوا مسئوليتهم عما يصيبهم من الفشل والهزائم ويتعلموا كيف يواجهون مشاكلهم ويتغلبوا عليها بأنفسهم.. وإن كان كثير من المسلمين والمحللين العلمانيين الذين لهم جذور فى العالم الإسلامى يسألون مثل هذه الأسئلة الآن، ويتردد على ألسنة بعض الكتاب المسلمين القول (نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا) وكتب مسلم بريطانى يقول: (الإسلام أصبح عدو نفسه).. وقال لى صديق لبنانى عائد من بيروت: إن النقد ازداد بدرجة كبيرة للإسلام السياسى فى إعقاب هجمات الحادى عشر من سبتمبر، ويتحدث كثير من المعلقين الآن عن الحاجة إلى الإصلاح فى العالم الإسلامى.. ويذكرنا ذلك بما كان يقوم به الاشتراكيون غير الشيوعيين من نقد للاشتراكية السوفيتية الاستبدادية، وكان لهؤلاء أهمية كبيرة، ولذلك فمن الضرورى تشجيع الأصوات التى تدعو إلى المصالحة بين الإسلام والحداثة، لكى تعلو هذه الأصوات أكثر وتطغى على غيرها.. حتى تدرك المجتمعات الإسلامية أن تقدمها واقترابها من الحضارة الحديثة مرتبط بالفصل بين الدين والسياسة، وإدراك أن الدين مسألة شخصية، لا تتجاوز النطاق الشخصى.. ويتحتم على العالم الإسلامى تبنى المبادئ العلمانية الإنسانية التى تمثل الأساس للحضارة الحديثة والتى بدونها ستظل الحرية فى الدول الإسلامية حلما بعيد المنال.

هكذا انتقل سلمان رشدى من الهجوم على الإسلام واتهامه بأنه دين زائف ونبى الإسلام واتهامه بالتضليل واتهام مبادئه بأنها سفسطة وخرافات، إلى هجوم جديد يناسب الظروف بالقول بأنه دين يتضمن التحريض على الإرهاب، والهجوم على المجتمعات والدول الإسلامية بأنها متخلفة لأنها متمسكة بالإسلام.. ويمضى فى النفاق فيدعى أن المسلمين أعداء الغرب وأعداء اليهود أيضا! وذلك لكى يرضى عنه اللوبى الصهيونى. وبذلك يضمن سلمان رشدى أن يظل موضع اهتمام فى الغرب مادام يقدم كل هذه الخدمات لتشويه الإسلام وتغذية الكراهية للمسلمين.

وما يقوله سلمان رشدى إلا صياغة جديدة لما أعلنه مؤخراً رئيس الوزراء الإيطالى سيلفيو بيرلسكونى فى مؤتمر صحفى وقال فيه: (إننا يجب أن نكون على دراية بسمو حضارتنا القائمة على ضمان الوجود واحترام حقوق الإنسان وتوفير مستوى المعيشة المناسب، على عكس ما يحدث فى الدول الإسلامية.. إن النظام فى الغرب يحترم الحقوق الدينية والسياسية ويحترم قيم التسامح واختلاف الآراء، ولذلك سوف يستمر انتصار الغرب على الشعوب المتخلفة كما هزم الشيوعية حتى لو كان ذلك يعنى مواجهة حضارة أخرى مثل الإسلام الذى ظل جامداً منذ 1400 سنة).

وجاءت تصريحات بيرلسكونى لتكشف مدى الكراهية والعداء للإسلام، ولم يستطع إخفاء حقيقة مشاعره رغم أن موقعه السياسى يفرض عليه الكياسة واستخدام لغة هادئة وعدم إظهار العداء لدول ترتبط ببلاده بمصالح اقتصادية وبروابط ثقافية، ولم يضع فى اعتباره التوقيت الذى أطلق فيه هذا الهجوم على الإسلام وصوره على أنه دين جامد ومتخلف وقائم على قيم تتعارض مع حضارة الغرب، وعلى الغرب أن يعلن الحرب عليه كما حارب الشيوعية .. كل هذا فى الوقت الذى يتعرض فيه العرب والمسلمون فى أوربا وأمريكا لاعتداءات انتقامية.. مما دعا صحيفة هيرالد تريبيون إلى كتابة مقالها الافتتاحى يوم 2 أكتوبر 2001 بعنوان (حديث صريح إلى بيرلسكونى) قالت فيه إنه مما يزيد الأمر سوءا أن هذه التصريحات صدرت على لسان رئيس دولة حليفة كبرى للولايات المتحدة، وأفسد بذلك محاولات الزعماء الغربيين للتفرقة بين الحرب على الإرهاب والحرب على الإسلام، فجاء بيرلسكونى ليرفض هذا التمييز، مما يؤدى إلى تحويل المعركة من معركة بين الإنسانية والإرهاب لتصبح مواجهة أبدية لا يمكن لأحد أن يتحملها أو يرغب فى الخوض فيها، والأجدى القول بأن الحرب هى فقط على الذين يرفعون السلاح ضد المدنيين بغض النظر عن انتماءاتهم وعقائدهم الدينية، وعدم القدرة على رؤية هذا التمييز الواضح يعنى أن نكون مثل أسامة بن لادن فى دعوته للجهاد.

صحيح أن بيرلسكونى عاد بعد أيام ليقول إنه يأسف إذا كانت نظرياته تؤذى مشاعر العرب والمسلمين.. ولكن هل يكفى ذلك للاقتناع بأن القلوب فى الغرب فيها ما فيها من كراهية وعداء للإسلام والمسلمين.

تزداد الحملة على الإسلام إلى الحد الذى دفع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم (الايسيسكو) إلى عقد ندوة فى لندن يومى 21 و 22 يونيو 2002 رأسها الدكتور عبد العزيز التويجرى المدير العام للمنظمة، ودارت مناقشات هذه الندوة حول أربعة محاور هى: أولا: الصور النمطية وتشويه الحقائق فى الغرب عن الإسلام، وثانيا: إلى من ينتمى الإرهاب؟ وهل الإسلام هو المسئول عن الإرهاب أو سياسات الغرب وإسرائيل؟.. وثالثا: فلسطين بين سطوة الاحتلال وصمت العالم، ورابعا: الغرب والعالم الإسلامى تعاون أم مواجهة؟

وأعلن الدكتور التويجرى أن أغلب وسائل الإعلام الغربية تبتعد عن مبادئ الإعلام النزيه الموضوعى المنصف الذى يلتزم بالحقيقة.. ويظهر الآن أمام الجميع أن الرأى العام فى الغرب يتلقى معلومات تثير فيه البلبلة وسوء الظن، وتنشر فى الصحف وتبث فى التليفزيونات أخبار، وتقارير وموضوعات عن المجتمعات الإسلامية تظهر صورة الإسلام بشكل منفر ومخيف، ويؤدى ذلك إلى تأزم العلاقات بين دول وحكومات وشعوب الغرب والمسلمين.. ويؤدى كذلك إلى توسيع دائرة الاختلاف وصعوبة الفهم عند كل جانب للآخر، وسيؤدى ذلك إلى إضرار بالمصالح المشتركة للطرفين ، اقتصاديا ، وسياسياً.

وأهم من ذلك أعلن الدكتور التويجرى أن منظمة (الايسيسكو) قامت بدراسات ميدانية وإحصائية لما تنشره الصحف والمجلات وتذيعه محطات الإذاعة والتليفزيون فى دول الغرب.. فى أوروبا وأمريكا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، وكشفـت هـذه الدراسات أن صورة الإسلام والمسلمين فى وسـائل الإعلام الغربيـة مشوشة ولا تعـبر أغلبها عن حقيقة الإسلام والمجتمعات الإسلامية، وتتكرر هذه الصورة النمطية دائماً لتشويه الإسلام عن قصد أو عن قلة معرفة، أو نتيجة للاعتماد على مصادر غير موثقة تتعمد تشويه الحقائق لأغراض ليست بريئة، والصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين فى الإعـلام الغـربى ترتبـط فى أغلبها بالإرهاب، بحيث يرتبـط الإسـلام فى الذاكرة الجماعية للشعوب الغربية بالإرهاب فى حين لا نجد فى الإعلام الغربى مثل هذا الربط بين الإرهاب وأى دين من الأديان الأخرى.

قيل أيضاً إن الإسلام خسر كثيراً ولا يزال يخسر الكثير من الاتهامات الموجهة إليه من كل الأطراف بالضلوع فى عمليات الإرهاب وتصديره، بينما الحقيقة التى يتم تجاهلها هى أن الإسلام فيه إدانة واضحة للإرهاب، ورفض لقتل الأرواح البريئة، وترويع الناس، والقرآن يؤكد على أن من قتل نفسا بغير حق كإنما قتل الناس جميعاً، والإسلام يلزم المسلمين بالمحافظة على الحياة الإنسانية، حتى حياة الجنين فى بطن أمه مما لم تصل إليه القوانين الدولية إلى اليوم، وأن الشجاعة الأدبية وروح العدل والإنصاف تقتضى أن يتصف الإعلام الغربى بالشجاعة الأدبية لتصحيح هذه الصورة بناء على الحقائق وكشف الأكاذيب.

وفى هذه الندوة تحدث مايك اوبراين وزير الدولة البريطانى للشئون الخارجية فقال: إن هناك تشويها، ومعلومات غير صحيحة فى الصورة التى تقدمها بعض وسائل الإعلام فى الغرب عن الإسلام والمسلمين، وألقى بالمسئولية فى ذلك على المسلمين أيضاً لأنهم يجب عليهم أن ينشطوا لتوضيح صورة الإسلام، ونشر المعلومات الصحيحة عنه بين الرأى العام الغربى.. وقيل كلام كثير على هذا المنوال، وفى ختام الندوة لخص الدكتور التويجرى نتائج المناقشات فقال: لقد خرجنا من هذه الندوة بتصور واضح للمشهد الإعلامى الغربى وتعامله مع الإسلام وقضايا العالم الإسلامى، فوضحت لنا معالم الصورة النمطية غير الصحيحة التى تروجها بعض وسائل الإعلام فى الغرب عن الإسلام والمسلمين، واستخلصنا من المناقشات وأوراق العمل أن الازدراء المتعمد المدبر بالدين الإسلامى سيؤدى إلى الإضرار بالمصالح المشتركة بين الغرب والعالم الإسلامى، والإضرار كذلك بالأمن والاستقرار فيهما ، ولابد من أن نبدأ صفحة جديدة من علاقات التعاون فى إطار الاحترام المتبادل.

لكن ندوة واحدة مهما تكن لن تفلح فى إزالة الركام من العقد النفسية والمخلفات والأفكار المسبقة وسوء الظن والشك والاتهامات الباطلة والشبهات التى لا تقوم على أساس.. ولا تغير التصرفات والمواقف المعادية للإسلام.

ندوة واحدة لا تكفى..

والدفاع عن الإسلام باللغة العربية أمام المسلمين فى العالم الإسلامى لا يجدى.

ولا بـد من تحرك فى داخل الدول الغربية والحوار بلغاتهـم وبالمنطق الذى يفهمونه لأن تغلغل العداء للإسلام والمسلمين فى الغرب أكبر وأعمق من كل تصور، وهو ليس وليد 11 سبتمبر، ولكنه قديم جدا، وجاءت أحداث 11 سبتمبر لتشعل الفتيل الذى كان جاهزا وقابلا للاشتعال.!


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف