هل أصبـح الإسلام هو (العدو) فى أمريكـا.. و(المشكلة) فى أوروبا؟
فى واشنطن تجمع 30 ألف أمريكى مسلم ممن عانوا من المضايقات بعد الهجمات على نيويورك وواشنطن فى 11 سبتمبر. بدأ مؤتمر الأمريكيين المسلمين يوم 31 أغسطس 2002 بمناسبة مرور عام على الحادثة واستمر أربعة أيام، وقال رئيس الجمعية الإسلامية فى أمريكا الشمالية التى نظمت المؤتمر: إن هذا بلدنا، ونحن نحرص على الخير لهذا البلد ولكل إنسان، ولكننا نعانى من آثار 11 سبتمبر على الحريات المدنية، وعلى الإسلام، وعلى الحياة السياسية فى الولايات المتحدة.
وقال أمين عام الجمعية سيد سعيد إن الجمعية تسعى جاهدة للتصدى للتشويه الذى يتعرض له الإسلام والمسلمين، وتعمل على إبراز الفرق بين الصورة الحقيقية للإسلام والصور المتطرفة منه، وفعلنا كل ما فى وسعنا لتوضيح أن الإسلام لا يقدم هذا النوع من التطرف، ولكن كثيرا من المسلمين فى أمريكا عانوا من أوقات صعبة، داهمت الشرطة عددا من الجمعيات الخيرية الإسلامية كما داهمت عددا كبيرا من المساجد.. وكان تعليق مراسل الإذاعة البريطانية فى واشنطن، اليكس فان، إنه على الرغم من جهود المسلمين للحيلولة دون اعتبار دينهم دين (الشيطان) فإن الهجمات غيرت من صورة الإسلام، ولفترة من الوقت شعر المسلمون فى أمريكا بالخطر يتهددهم، ولا يزال كثير منهم حتى الآن يرون أنه عليهم الدفاع عن أنفسهم من الاتهامات الموجهة إلى الإسلام.. وأخيرا تجمع عدد كبير من (التحالف لحماية الحرية السياسية) فى مسيرة كبيرة فى ميدان الحرية فى العاصمة الأمريكية.
هكذا، لم يجد المسلمون فى أمريكا وسيلة للتعبير عما يلاقونه من متاعب وتحيز ضدهم سوى عقد المؤتمرات والقيام بالمسيرات، ومع ذلك استمرت الحملة على الإسلام والمسلمين ولم يشفع لهم احتفال المسلمين بذكرى هجمات سبتمبر وإقامة الصلاة على أرواح الضحايا، وكشف استطلاع أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية أن 57% من مسلمى أمريكا تعرضوا لممارسات عانوا فيها من العنصرية والتمييز، وأن 87% يعرفون زملاء لهم تعرضوا لهذه الممارسات، و48% حياتهم تحولت إلى الأسوأ، واتهم 67% وسائل الإعلام الأمريكية بأنها أصبحت أكثر عدائية للإسلام والمسلمين.
مجلة (الأيكونومست) البريطانية نشرت تقريرين فى عدد 10 أغسطس 2002 أولهما بعنوان (المسلمون فى أوربا) والثانى بعنوان (تقرير خاص: المسلمون فى أوربا الغربية) قالت فى التقرير الأول: إن العقود الأخيرة تحولت فيها مشاعر اللامبالاة تجاه الإسلام إلى مشاعر ازدراء، ثم إلى شعور بالشك، ثم تحولت مؤخرا إلى شعور بالعداء، واختلطت بهذا الاتجاه العام مشاعر تجاه الشيوخ المسيطرين على البترول، و(الإرهابيين) الفلسطينيين، وآيات الله فى إيران، والهجرات الجماعية، ثم هجمات 11 سبتمبر التى نفذها المسلمون المقيمون فى الغرب، بتأييد ومساندة من نظام حكم بغيض فى أفغانستان.
أكثر من ذلك قالت (الايكونومست) إن المسلمين وسط القلق المتزايد بسبب هجراتهم إلى الغرب أصبح عليهم مواجهة الاتهام بأن بعض الجوانب فى دينهم تتعارض بشكل أساسى مع قيم التحرر والديمقراطية فى الغرب، ففى بريطانيا مليون و300 ألف مسلم، وفى ألمانيا 3 ملايين و200 ألف، وفى فرنسا 4 ملايين و200 ألف، والإسلام أصبح أسرع الأديان نموا فى الولايات المتحدة، بل أصبح أسرع الأديان نموا فى العالم، وسيكون الأمر خطيرا إذا كان الإسلام يتعارض حقا مع قيم التحرر والديمقراطية.
وبعد التعبير عن مخاوف الغرب من العقيدة الإسلامية ومن زيادة أعداد المسلمين زيادة كبيرة حاولت (الايكونومست) أن تكون متوازنة، فقالت إن قليلا من المسلمين هم الذين يؤمنون بأن السلطة الدينية لها الأولوية والسبق على قوانين البلاد التى يعيشون فيها، ومثلهم فى ذلك مثل بعض المسيحيين فى أمريكا والبلقان وأيرلندا الشمالية، ومثل بعض الهندوس رغم أن الهند دولة ديمقراطية علمانية، ومثل بعض اليهود فى إسرائيل الديمقراطية(!) فهؤلاء أيضا يفكرون بنفس الطريقة.. لكن المسلمين فى عمومهم يعيشون فى المجتمعات الغربية ويجدون الفرص للتقدم، فمنهم أصحاب محلات، وأثرياء، وأطباء مشهورون، وفيهم أغاخان، ومعظمهم يعمل بجد ويتمسك بقيم الأسرة ولا يرتكب أية جرائم.. ومع ذلك فلن يجدى التظاهر بأن المسلمين لا يمثلون مشاكل فى الغرب، وهذه المشاكل من نوعين: النوع الأول مشاكل مرتبطة بجماعات مهاجرة من مناطق ريفية فقيرة، ومعظمهم قليل المعرفة، وتعليمهم ضعيف، ولون البشرة الأسمر يسبب لهم متاعب من أبناء الغرب الذين يشعرون بالخوف من الأجانب، وعموما يعانى هؤلاء من التمييز العنصرى، وأحيانا يزداد الأمر سوءا بسبب حملات السياسيين العنصريين، وهؤلاء المهاجرون المسلمون لا يجيدون لغة البلاد التى يهاجرون إليها، ولذلك يجدون صعوبة فى الحصول على وظائف، ويصارع أطفالهم فى المدارس ويتكدس هؤلاء المهاجرون المسلمون فى أحياء فقيرة، ويميلون إلى الانسحاب من المجتمعات التى يهاجرون إليها ليعيشوا فى عالمهم الخاص، وينشئوا مجتمعات مستقلة مقصورة عليهم ومكتفية ذاتيا، وهذه ليست الطريقة الصحيحة للتكيف مع المجتمع الأوسع.
وعلى الجانب الآخر فإن الحكومات فى الغرب لا تعترف بحقوق هؤلاء المسلمين المهاجرين ولا تساعدهم على الاندماج ليصبحوا مواطنين صالحين فى البلاد التى هاجروا للإقامة فيها، أمامهم العراقيل لمنحهم الجنسية، وحق الانتخاب، وغير ذلك من الحقوق التى يتمتع بها المواطنون فى الدول الغربية. وعلى سبيل المثال فإن 10% فقط من المسلمين فى ألمانيا هم الذين يتمتعون بحق التصويت، وفى فرنسا اعتقاد سائد بأن المهاجرين يجب عليهم أولا التخلى عن جميع الخصائص الثقافية لمجتمعاتهم الأصلية، والدول الغربية تسمح بقبول (استيعاب) المسلمين المهاجرين ولكنها تقاوم (اندماج) هؤلاء فى المجتمعات الغربية.. كيف يمكن وضع نهاية للتمييز العنصرى؟.. فى بريطانيا منظمة لمقاومة التمييز العنصرى وضمان المساواة عمرها الآن 36 عاما، وليس فى ألمانيا وفرنسا جهة مثلها يمكن أن يلجأ إليها بالشكوى من يعانى من الاضطهاد من المسلمين.
تقول الايكونومست: إن المسلمين المهاجرين أيضا عليهم الاجتهاد للاندماج فى المجتمعات الغربية، خاصة أن الدين الإسلامى يمثل صعوبات عند الغربيين. وهذا يقود إلى الحديث إلى النوع الثانى من المشاكل التى يعانى منها المسلمون فى الغرب وهى مشاكل ثقافية، والمأزق الذى يواجه المسلمين هو الاختلاف بين القيم والمبادئ الإسلامية والقيم والمبادئ الغربية.. مثل تعدد الزوجات.. ومثل ذبح عشرات الآلاف من الأغنام فى عيد الأضحى ويسبب إزعاجا للفرنسيين.. والأكثر من ذلك أن بعض المسلمين المهاجرين يرون أن التزاماتهم بمبادئ الإسلام تتضمن العداء الصريح لمبادئ المجتمعات الغربية.. وكثيرا ما تحدث مشاجرات بسبب الذبح الشرعى واللحم الحلال واللحم الحرام.. وتجد الحكومات صعوبة فى التعامل مع المسلمين لأنهم- مثل اليهود- ليست لهم سلطة دينية يمكن التعامل معها، وبالتالى لا تعرف الحكومات مع من تتكلم حين تريد التفاهم مع المسلمين لتحديد قواعد التعايش وحل المشاكل.. فالمسلمون فى أوربا جماعات متفرقة وبينها اختلافات فى الثقافات والمفاهيم الدينية وما يراه البعض حلالا يراه البعض الآخر حراما، وما يراه البعض من ضرورات الإيمان ومن مبادئ الإسلام الأساسية لا يراه الآخرون كذلك.. والمنازعات بين الجماعات والمجموعات الإسلامية دائمة.. وهم قادمون من دول مفهوم الديمقراطية فيها غير معروف، وبعضهم قادم من دول الحكومات فيها ليست مسئولة أمام الشعوب ولكنها مسئولة أمام الله وحده ولا يسألها أحد غيره عما تفعل، وهذا أمر يثير الدهشة فى الغرب.. ووظيفة (المفتى) فى الدول الإسلامية غير واضحة، فما يصل إليه غير ملزم بل يجد معارضة من المتطرفين.. فليس هناك إسلام واحد أمام الغرب.
بعض العلماء المسلمين فى الغرب يدعون إلى تطوير المفاهيم والثقافة الإسلامية لتضييق الفجوة بينهم وبين الغربيين فى القيم والمفاهيم.. وبعضهم يدعو إلى الاندماج فى المجتمعات ولكن هناك أيضا من يظل ولاؤهم لبلادهم الأصلية ويظهرون الولاء الزائف للدول الغربية التى يعيشون فيها وبعضهم يستمد أفكار التطرف والكراهية من بلادهم.
واضح من تقرير الايكونومست أن هناك شعورا بالقلق والخوف فى الغرب من الإسلام والمسلمين؛ لأنهم لا يندمجون فى المجتمعات الغربية، والغرب لا يريد منهم مجرد (التواجد) أو (التعايش) ولكن يريد منهم (الاندماج) أو (الذوبان) بحيث يصبحون غربيين لحما ودما.. يتحدثون بلغة البلاد التى يعيشون فيها فى الغرب.. أفكارهم غربية والقيم التى يعتنقونها قيم غربية.. وسلوكهم سلوك غربى.. ولا مانع من أن تكون ديانتهم الإسلام بشرط أن يكون (إسلاما غربيا)..
باختصار هناك مشكلة للمسلمين فى الغرب.. مشكلة يعانى منها المسلمون.. ويشكو منها الغربيون أيضا، ويرون أن وجود الإسلام ومبادئه تتعارض مع الحضارة والثقافة الغربية.
والتقرير الثانى فى مجلة الايكونومست بدأته بسؤال: هل فى الإسلام ما يجعل من المستحيل على المسلمين التكيف مع المجتمعات الغربية المتحررة..؟
وأجابت عن سؤالها بأن دول أوربا اعتادت منذ عشرات السنين على استقبال مهاجرين من أنحاء العالم دون أن تشعر بالقلق، ولكن أوربا الآن تشعر بالقلق من المهاجرين المسلمين على وجه الخصوص.
وفى تحليل الايكونومست لأسباب القلق فى أوربا من المسلمين بأن هجمات 11 سبتمبر وتبرير أسامة بن لادن للعنف بأنه تعبير عن روح الإسلام كانا أهم أسباب هذا القلق، ونبه الغرب إلى أن بعض دول العالم الإسلامى تعيش فى ظل نظم حكم ثيوقراطية، وتعانى فيها المرأة من الاضطهاد، ويطالب فيها المتشددون بقطع الأيدى والرجم بالحجارة حتى الموت كعقوبات على بعض الجرائم (!) ومما ضاعف القلق فى الغرب أن بعض من قاموا بالهجوم على برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك عاشوا لسنوات فى الغرب، ويشتد القلق أكثر بسبب وجود مجتمعات مغلقة من المسلمين المهاجرين داخل المجتمعات الغربية ومنفصلة عنها تقريبا، وهذه المجتمعات المغلقة يتم فيها تلقين المهاجرين المسلمين وأبنائهم كراهية الغرب، والتخطيط لخيانة الدول التى هاجروا إليها، ولا تدرى سلطات الدول التى تؤويهم بحقائق ما يجرى داخل هذه المجتمعات المغلقة، إلى أن جاءت الانتخابات الهولندية وفاز بيم فورتين فيها فوزا مذهلا بسبب حملته المعادية للهجرة، ولفت الأنظار أن الذين التفوا حوله واستجابوا لآرائه المعادية للإسلام والمسلمين لم يكونوا فقط من المتعصبين والعنصريين فى هولندا ولكنهم كانوا من القاعدة العريضة، وكانوا يؤيدونه فى قوله بأن الإسلام (دين بدائى متخلف) لا يتسامح مع الشذوذ الجنسى، ولا يعترف بحقوق المرأة، وكانت لهذه الحملة أصداء فيما وراء هولندا، وظهرت فى تعليقات وزير خارجية ألمانيا الذى أعلن بعدها أنه أصبح من الضرورى اكتشاف مدى تعارض التعاليم الإسلامية مع القيم الغربية. أما المهاجرون المسلمون أنفسهم فقد تصاعدت شكواهم مما يعانونه من الفقر وصعوبة حصولهم على فرصة عمل أو سكن لائق، وحقيقة أن معظم المسلمين الباكستانيين هاجروا إلى بريطانيا على أمل أن تكون هجرة مؤقتة بحثا عن عمل ثم يعودوا إلى وطنهم الأصلى فى النهاية.. وكذلك ذهب المسلمون الأتراك إلى ألمانيا فى الستينات كعمال لفترة وتنتهى.. ومثلهم المسلمون من المغرب والجزائر وتونس ذهبوا إلى فرنسا وكانت لديهم أسباب مشابهة لترك أوطانهم، وآمال مشابهة فى العودة، ولكنهم استقروا ولم يعودوا أبدا، وفى الوقت نفسه فشلوا فى إجادة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، وزادت أحوالهم سوءا عندما فقد معظمهم وظائفهم، ولم تعد أمامهم إلا فرص العمل فى أعمال الخدمة، وحتى أطفالهم شب معظمهم على لغة وثقافة أهاليهم، ولذلك واجهوا الفشل فى المدارس.. ويضاف إلى ذلك (الفجوة الحضارية الهائلة) بين الحياة فى قرى بنجلاديش وباكستان والحياة فى بريطانيا أو فرنسا، ثم إن هؤلاء جاءوا وليست لديهم مهارات، ويعيشون فى الغرب بعقليات وأفكار وتقاليد تنتمى إلى النظم الإقطاعية التى ولدوا فيها، وظلوا على انتمائهم لجماعة المهاجرين معهم من أبناء وطنهم، ولذلك يشعر البريطانيون بالدهشة حين يرون هؤلاء المسلمين المهاجرين وقد حصلوا على الجنسية البريطانية، وأصبح لهم حق إعطاء أصواتهم فى الانتخابات البريطانية، ولكنهم يعطون أصواتهم معا كأنهم فرد واحد وفقا لما يمليه عليهم كبيرهم. وهكذا يعيشون فى الغرب بأجسامهم وبدلاً من أن يندمجوا فى الغرب فإنهم يستحضرون أساليب الحياة المتخلفة من بلادهم إلى الغرب، ولا يتزوجون من أبناء وبنات البلاد ولكن يتزوجون من رجال ونساء من بلادهم الأصلية ويحضرونهم للعيش فى هذه المجتمعات المغلقة المنفصلة تقريبا عن المجتمعات الغربية.
تقول الايكونومست إن بريطانيا كانت أسرع من فرنسا وألمانيا مثلا فى السماح للمهاجرين بالاحتفاظ بثقافاتهم ودياناتهم وانتماءاتهم لأوطانهم الأصلية، ولكن مجتمعات المسلمين بالذات تعيش فى عزلة فى الغرب وكأنها عالم منفصل.
وتقول الايكونومست أيضا إن وضع المرأة فى مجتمعات المسلمين مسألة تثير الناس فى الغرب، وتثير التساؤل: هل هذا الوضع المتدنى للمرأة يرجع لأسباب تاريخية أو ثقافية فى المجتمعات الإسلامية أو أن هذا الوضع ناشئ عن طبيعة الدين الإسلامى وهو الذى يأمر بذلك..؟
وقد قال بيير بيدييه الوزير الفرنسى يوما إنه لاحظ أن المهاجرين المسلمين لا يتعايشون مع الفرنسيين، ولا يشاهدون حتى برامج التليفزيون الفرنسى، ولا يشاهدون سوى الفضائيات التى تبثها دول إسلامية، وهذه الفضائيات لا تتحدث إلا عن المحنة التى يعيشها الفلسطينيون وتردد أن العرب هم الضحايا. وكثير من المهاجرين المسلمين تظهر المبالغة والتشدد فى الطقوس ومظاهر التقوى لتأكيد هويتهم كمسلمين وللتعبير عن هويتهم كأنهم يريدون أن يؤكدوا للغربيين أنهم فخورون بأصولهم ولا يخجلون منها، ولذلك ينتشر الحجاب بين السيدات والفتيات فى هذه المجتمعات.. وبالتأكيد تؤذى بعض الممارسات الإسلامية مشاعر الأوربيين.. مثل ذبح عشرات الآلاف من الأغنام فى عيد الأضحى وهذا يصدم الفرنسيين.. وكذلك فإن طريقة دفن موتى المسلمين يرى الغربيون أنها تتعارض مع قواعد الصحة العامة، ولذلك يتم نقل موتى المسلمين الأتراك من ألمانيا بالطائرات لدفنهم فى بلدهم، لأن ألمانيا لا تسمح بالدفن بالطريقة الإسلامية ولذلك ليس فيها مقابر للمسلمين، أما فرنسا فليس فيها سوى مقبرة واحدة للمسلمين.. ومثل هذه الممارسات تزيد روابط المسلمين المهاجرين بأوطانهم الأصلية.. ويضاف إليها أن معظم دول أوربا ترفض منح الجنسية للمهاجرين ويمتد هذا الرفض لأطفالهم الذين يولدون فى أوربا.. ولكن لا شىء يعمق هذه الروابط على نحو مثير للقلق أكثر من المنظمات الإسلامية الموجودة فى أوربا، والمساجد التى يتجمع فيها المسلمون فى أوربا، ففى ألمانيا- على سبيل المثال- أكبر منظمة للمهاجرين المسلمين هى منظمة D.I.T.I.B وهى امتداد لوزارة الشئون الدينية فى الحكومة التركية، ومع أن تركيا دولة علمانية ومعادية للتعصب الدينى إلا أن هذه المنظمة لا تسهم فى تحقيق (الاندماج) فى المجتمع الألمانى، واهتمامها الأول هو تحقيق مصالح تركيا القومية، وتشجيع الأتراك فى ألمانيا على أن يظلوا أتراكاً، ولذلك فإن لهم صحافة وتليفزيونا باللغة التركية.. وفى ألمانيا 3 ملايين و200 ألف تركى مسلم وفيها 19 جماعة إسلامية سياسية وأكبر هذه المنظمات منظمة (ميلى جورس) ذات الصلة بالحزب الإسلامى فى تركيا، وهى لا تحرض على العنف، ولكن أعضاءها البالغ عددهم 27 ألفا و500 عضو يتم تلقينهم أن الاندماج فى المجتمعات الغربية يعتبر خيانة للإسلام.
وهذه المنظمات الإسلامية تؤدى خدمات للمهاجرين مثل إيجاد فرصة العمل والسكن، وفى برلين وحدها 180 ألف تركـى ومعدل البطالة بينهم 40%، ولا تعرف الدولة مع من الذى تتعامل معه فى شئون المسلمين.. ومعظم المساجد فى برلين قائمة على أساس الانتماء للبلاد الإسلامية.. ويرى الغربيون أن ما يقوله أئمة المساجد غريب وغير مفهوم بالنسبة لهم.. وفى لندن يبث أبو حمزة المصرى فى المصلين الكراهية لأمريكا فى كل خطبة.. وقد أعلن الرئيس الأمريكى جورج بوش أن البوليس الإيطالى كان على علم بأن معهد الثقافة الإسلامية فى مدينة ميلانو يؤوى خلية إرهابية.. ومعظم المساجد فى أوربا ليست مثل المساجد فى الدول الإسلامية من حيث المبانى الخاصة والقباب والمآذن، ولكنها عبارة عن قاعات أو جراجات، وتزيد الشكوك حولها كلما ترددت أخبار بأن الأئمة يحرضون المسلمين فى هذه المساجد على العنف كما حدث مؤخرا فى العاصمة الهولندية أمستردام. والمعتاد أن ترسل حكومات الدول الإسلامية أئمة وتتحمل أجورهم، وتركيا مع أنها دولة علمانية فإنها أيضا ترسل أئمة لإعطاء الدروس للكبار والأطفال فى ألمانيا من خلال منظمة D.I.T.I.B، وكذلك تفعل الجزائر والمغرب نفس الشىء فى فرنسا، وفى (ليه فال فوريه) تم بناء مسجد بتمويل من السعودية، ولفترة كان فى جهاز المخابرات الفرنسى إمام متطرف (!).
وتتساءل (الايكونومست): لماذا تعتقد الحكومات فى الدول الإسلامية أن من واجبها إنشاء المساجد وإرسال الأئمة إلى دول أجنبية؟ هل لحرص (حكومات هذه الدول الإسلامية) على إبقاء المهاجرين منها على نفس الثقافة والقيم التى هاجروا بها وحمايتهم من التأثر بأفكار التحرر الأوربية؟ أو لأن مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة ليس واضحا بعد فى أذهان المسلمين الذين يؤمنون بنظم الحكم الثيوقراطية؟
والخوف من المتطرفين الإسلاميين ليس مقصورا على غير المسلمين فى الغرب، بل إن بعض المسلمين أيضا يعبرون عن مخاوفهم من التطرف الإسلامى فى أوربا، ومنهم مثلا (خول مولاى) أحد أئمة مارسيليا فى إيطاليا الذى يعلن صراحة مخاوفه من المتطرفين ليس فقط من الصومال أو اليمن ولكن من بريطانيا أيضا! ويقول صهيب بن شيخ مفتى مارسيليا إن من الضرورى تحصين المسلمين ضد التطرف الإسلامى الموجود فى أوربا، وكثيرون يطالبون بتدريب الأئمة الذين يتولون الإرشاد والخطابة فى مساجد أوربا، ولكن من أين ستأتى الأموال الكافية لإنشاء وإدارة المعاهد لتدريب هؤلاء.. بينما دولة مثل فرنسا يحظر دستورها تقديم أموال من الدولة للشئون الدينية، مع أن الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية تحصل على فوائد الضرائب.. وهناك اقتراحات لتيسير إقامة معاهد تأهيل وتدريب الأئمة.. منها اقتراح بأن تقوم الحكومات بتأجير المبانى الحكومية بقيمة إسمية لإنشاء هذه المعاهد، واقتراح آخر للتحايل على الحظر القائم فى الدستور الفرنسى هو أن تنشئ الدولة معهدا إسلاميا لتدريب الأئمة فى منطقة (الزاك- لوريان) التى لم تكن جزءا من فرنسا عندما صدر قانون الفصل بين الكنيسة والدولة.. المهم أن هناك محاولات للبحث عن وسائل للتحايل على القوانين والدساتير الأوربية من أجل تطعيم الإسلام الأوربى بأفكار متحررة بعيدة عن التعصب.. وفى ألمانيا ينص الدستور على حق الأطفال فى الحصول على تعليم دينى فى المدارس، وفى بعض المقاطعات تشرف الكنيسة على نصف مدارس الأطفال تقريبا وتدفع لها الدولة 60% من ميزانيات هذه المدارس.. أما الأطفال اليهود فإنهم يدرسون الديانة اليهودية تحت إشراف المجلس المركزى اليهودى، ولكن المسلمين فى ألمانيا لا يتلقون دروسا فى الدين الإسلامى فى مدارس الدولة مع أن عدد مسلمى ألمانيا 3 ملايين و200 ألف مسلم، ولا يدرس الدين الإسلامى إلا فى المدارس غير الحكومية، ويتولى المجلس المركزى للمسلمين هذه المهمة، وقد بُدئ فى إنشاء معهد لإعداد مدرسى الدين الإسلامى.. أما أسبانيا فهى متخلفة عن ذلك كثيرا جدا.. وتقول الحكومة إنها ما زالت تبحث عن جهة أو سلطة تبحث معها كيفية التعامل مع المسلمين فى الدعوة والتعليم.
يتمتع مواطنو دول الكومنولث بحق التصويت فى الانتخابات البريطانية، ومن هؤلاء مسلمون من بنجلاديش، والهند، وباكستان، وبعض دول أفريقيا لهم أصوات فى الانتخابات بمجرد وصولهم إلى بريطانيا، وعلاوة على ذلك يعتبر أبناؤهم بريطانيين إذا ولدوا فى بريطانيا.. وعلى العكس من ذلك تمنح الجنسية فى فرنسا وألمانيا بصعوبة للمهاجرين.
وفى آخر التقرير تقول الايكونومست إن المسلمين يمكنهم التكيف مع المجتمعات الغربية بدليل اندماج آلاف منهم ونجاحهم فى الغرب، كذلك من الخطأ الاعتقاد بأن الإسلام دين يدعو بالضرورة للتعصب، وصحيح أن بعض المسلمين غير متسامحين مع الجنسية المثلية، ويعاملون المرأة معاملة سيئة، ولكن العلاقات الجنسية الشاذة كانت تعتبر جريمة فى معظم الدول الغربية إلى وقت قريب، ولم تحصل المرأة على حقها الكامل فى التصويت إلا فى عام 1929، ولم يكن مسموحا للمرأة بتوقيع شيكات أو فتح حسابات باسمها فى البنوك حتى عام 1962 (!) ومع الوقت سوف يكتسب المسلمون المهاجرون الثقافة الأوربية، ويقل حرصهم على الزواج من داخل مجتمعاتهم.. ومع ذلك ففى الغرب أيضا مثل هذا الحرص على الزواج من داخل المجتمعات.. فكثير من الكاثوليك يرفضون الزواج من البروتستانت مثلا.. ويبقى الشىء الخطير هو تشرذم المسلمين فى أوربا فى تجمعات ومجتمعات مغلقة تجعل اندماجهم فى المجتمعات الأوربية صعبا..
وتختم الايكونومست تقريرها بأن المسلمين فى عمومهم أناس صالحون ويتبعون القوانين ويتمسكون بقيم الأسرة، وأبناؤهم الذين يتلقون تعليما دينيا يكتسبون ثقة فى أنفسهم تساعدهم على التقدم، ولكن الإسلام دين قابل للتحريف واعتناق التطرف مثل الأديان الأخرى، وليست هناك سلطة دينية تحكم المسلمين، وكل إمام يقول ما يريد وما يعتقد أنه الإسلام الصحيح حتى ولو كان يعبر عن التطرف بوضوح.
المسلمون فى الغرب مشكلة لأنهم- كما تقول الايكونومست- منغلقون على أنفسهم، وهم مشكلة- كما تقول- لأنهم يرفضون الحضارة والثقافة الغربية المتقدمة ويريدون أن يفرضوا على الغرب ثقافتهم التى جاءوا بها من دول متخلفة.
هل هذا تعبير عن (صدام الحضارات) الذى تحدث عنه صمويل هنتجتون وأصبح الحديث عنه على ألسنة الجميع بعد ذلك؟ وهل تحول (صدام الحضارات) من صدام بين دول الغرب المتقدمة والدول المتخلفة إلى أن أصبح الصدام داخل المجتمعات الغربية ذاتها بعد أن انتقلت الثقافة والحضارة الإسلامية المتخلفة مع المهاجرين إليها؟
وكيف سيكون مستقبل هذا الصدام؟
وقد نفهم وجود الخوف والعداء من الإسلام عند الغربيين ولكن لا نفهم الهجوم على المسلمين من المسلمين أنفسهم..
ففى 19 يوليو 2002 وقف رئيس وزراء ماليزيا ماهاتير محمد فى المؤتمر الدولى عن الإسلام الذى عقد فى كولالمبور عاصمة ماليزيا، وتساءل: كيف حال العالم الإسلامى اليوم؟ وأجاب: إن العالم الإسلامى اليوم ضعيف وميئوس منه وليس خطأ القول بأن العالم الإسلامى يمر اليوم بأكبر فترات الانحطاط وهو مستمر فى الانحطاط والتدهور.. ومنذ سقطت الإمبراطورية التركية أمام هجوم الدول الأوربية، تفكك العالم الإسلامى إلى دول صغيرة غير مؤثرة، ولم يستطع العالم الإسلامى إصلاح أحواله أو إعادة تواجده على المسرح الدولى، كما لم تستطع كل دولة من الدول الإسلامية أن تحقق لنفسها أى تقدم أو يكون لها أى تأثير.. وكل ما حدث أن تعاون المسلمون مع الأوربيين ليتخلصوا من الحكم التركى فلم يحققوا إلا شيئا واحدا هو استبدال سيد بسيد.. ذهب الأسياد الأتراك وجاء الأسياد المستعمرون البريطانيون والفرنسيون.. وظلوا تحت حكم الاستعمار سنوات طويلة ولم يتخلصوا منه إلا بصعوبة شديدة.. ولم يقدروا بعد الاستقلال على تطوير بلادهم وتعثروا فى مشكلات داخلية ظلت تعوق تقدمهم، وحتى عندما جاءتهم الثروة لم يحققوا أى تقدم، والآن لا توجد دولة مسلمة واحدة ضمن دول العالم المتقدم. وحتى عندما ظهرت الثورة الصناعية فى القرن التاسع عشر كان العالم الإسلامى فى حالة أفضل.. لم يكن منقسما كما هو الآن.. ولكن المسلمين كانوا فى غيبة مما يحدث.. فلم يدركوا أن هناك ثورة صناعية، وأسوأ من ذلك أن المسلمين ظلوا لسنوات طويلة يرفضون نتائج الثورة الصناعية.. يرفضون تعلم العلوم التى قامت عليها.. ويرفضون المكاسب المادية التى حققتها.. ويرفضون النظم الجديدة التى جاءت معها.. وكان الرفض لأن هذه النظم (غير إسلامية).. ورفضوا لهذا السبب حتى الكهرباء، والسيارات، والآلات لسنوات طويلة.. وضاع على المسلمين وقت طويل وثمين تقدمت فيه دول الغرب علميا وثقافيا وصناعيا وتكنولوجيا.. وظل المسلمون واقفين فى مكانهم.. وضاعت عليهم فرصة التقدم..
مشكلة المسلمين- كما قال مهاتير محمد- أنهم مهتمون بالحرام، ويبالغون فى التحريم، ويتحمسون لهذه المبالغة، حتى وصلوا فى أفغانستان إلى أن إظهار أى جزء من وجه المرأة حرام.. بينما فى دول إسلامية مسموح بإظهار الوجه والكفين.. وفى دول إسلامية أخرى مسموح شرعا بما هو أكثر.. ولا أحد يعرف من الذى أصدر هذه الأحكام الخاصة بالأزياء الشرعية للرجال والنساء، بينما يتجاهلون تعاليم الإسلام فيما هو أهم.. فالمبدأ فى الكتاب (إنما المسلمون خوة) ومع ذلك فإن هناك مسلمين يجعلون رسالتهم فى الحياة محاربة وقتل إخوتهم المسلمين، ويوجهون أحكام الإدانة للمسلمين بأنهم كفار لتبرير عدائهم لهم.. ولو ساد هذا الفهم المغلوط فلن يتبقى فى العالم مسلمون.. ما دام المسلمون يقتلون بعضهم بعضا، مع أن الإسلام يحرم الحكم على مسلم بالكفر ما دام ينطق بالشهادتين.. وبالمثل فإن الإسلام يأمر المسلمين أن يكتسبوا العلم ويسعوا إليه، ولكن المسلمين يتجاهلون هذا الأمر (اطلبوا العلم) ونتيجة لذلك تدهور حال العلم والعلماء فى الدول الإسلامية بعد أن كان التقدم العلمى على أيدى علماء مسلمين عظام فى الرياضيات والطب والكيمياء والفلك والجغرافيا وسائر العلوم الأخرى.. عندما كانت للمسلمين حضارة مزدهرة.. ولكن بعد أن جاء من أطفأ أنوار العقل، وادعى أن العلم هو العلم بالدين فقط، تقهقر المسلمون وعاشوا فى ظلام الجهل، وحتى اليوم ما زالوا متخلفين فى عصر المعرفة.. وأصبح نصيب المسلمين فى التقدم العلمى ضئيلا.. ولا مكان لهم فى التنافس العلمى القائم فى هذا العصر.. وهم يقرأون فى كتاب الله الدعوة إلى امتلاك أسلحة القوة.. والعلم هو أول أسلحة القوة.. ومع ذلك لا يفهمون هذه الحقيقة ولا يعملون بها.. بينما اليهود لا يزيدون على 13 مليونا فى العالم كله، ولكنهم بامتلاكهم للمعرفة والقوة قادرون على التفوق على 1300 مليون مسلم.. والمسلمون الآن فى حال تجعل كل من يريد قهرهم قادرا على ذلك ولم يعد أمامهم غير البكاء ومناشدة العالم بالقانون وطلب العدالة.. والواقع يشهد بأن العالم الإسلامى ضعيف، ومتخلف بشكل ميئوس منه.. ولن يتقدم إلا إذا أدرك أن التقدم قائم على العلم والمعرفة ليس فقط بشئون الدين بل بشئون الدنيا أيضا..
ولن تكون للمسلمين قيمة فى العالم إلا إذا كانوا قادرين على التقدم صناعيا وتكنولوجيا.. وقادرين على الاختراع والابتكار.. وقادرين على صناعة السلاح المتقدم.. وإذا لم يصلوا إلى هذه الدرجة فلماذا يعمل العالم لهم حسابا.
هذا ما قاله مهاتير محمد ليؤكد ويعمق فكرة تخلف المسلمين لأنهم لا يفكرون، ولا يتفرغون للعلم والبحث العلمى، ولا يؤمنون بقيمة العلم، لأن مفهوم العلم عندهم هو العلم بشئون الدين والجدل حول الحلال والحرام ولا شىء قبل أو بعد ذلك.
وهذه هى الفكرة التى تغذى تيار الكراهية والعداء فى الغرب للإسلام باعتباره دينا يدعو للتعصب والكراهية للآخرين ويعادى العقل والتفكير والمعرفة العلمية..
وما أكثر الذين يتلقفون هذه الفكرة ويصنعون منها الكثير من الصور المشوهة للإسلام والمسلمين. وما أكثر الذين أخذوا كلام مهاتير محمد ونشروه وروجوا له بكل وسيلة فى أوربا وأمريكا ليقولوا إن الإسلام هو سبب تخلف المسلمين بلسان رئيس وزراء دولة إسلامية.!
أكبر مشاكل المسلمين أنهم حتى الآن لم يدركوا كيف ينظر إليهم الآخرون فى الغرب، وماذا يقولون عنهم، ولماذا تتزايد مشاعر العداء تجاههم؟.
فى واشنطن عقدت ندوة مهمة يوم 26 مايو 1994 موضوعها (الصحوة الإسلامية فى الشرق الأوسط) شارك فيها روبرت بيللترو الذى كان سفيرا لأمريكا فى القاهرة ثم مساعدا لوزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى، وجون ايسبوزيتو مدير مركز التفاهم الإسلامى المسيحى بجامعة جورج تاون بواشنطن، ودانيل بايبس الباحث ومحرر مجلة الشرق الأوسط الفصلية التى تصدر فى واشنطن، وقال بيللترو فيها: إن أهداف السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط تتلخص فى: البترول، وإسرائيل، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل فى المنطقة (مع استثناء إسرائيل) وترويج مبادئ المشاركة السياسية وحقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب، والخصخصة واقتصاد السوق، وتشجيع رجال الأعمال الأمريكيين على اقتناص فرص الاستثمار فى المنطقة.. أما عن الإسلام فقال إن أمريكا ضد الذين يستخدمون الدين الإسلامى لتعميق الشعور المناهض للغرب.
أما دانيل بابيس فطرح مباشرة السؤال الذى يدور فى عقول الأمريكيين: هل الإسلام هو العدو؟ وأجاب: لا. ثم تساءل: هل هناك أصوليون طيبون وأصوليون أشرار؟ وأجاب: لا.. كلهم أشرار.. والسبب هو طبيعة الأصولية ذاتها.. فالأصوليون الإسلاميون ضد الغرب، وبالتالى فإن على الولايات المتحدة أن تعد (الحملات النشيطة ضدهم).
قيل هذا عام 94 ولم يفهم المسلمون ما تعنيه عبارة (كلهم أشرار) ضرورة قيام أمريكا بإعداد حملات نشيطة ضد الأصوليين الإسلاميين.. وأظن أنه يمكن الآن فهم ما تعنيه هذه العبارة.. ولا يهم أن تعتبر أمريكا أى دولة وأى جماعة إسلامية أصولية.. المهم أن توجه إليها (الحملات النشيطة) لإخضاعها.!
وقال بايبس أيضا إن على الغرب أن يمارس الضغوط على عدة دول إسلامية من بينها إيران والسودان وأفغانستان والعراق، وكذلك على الولايات أن تقدم كل ما تملكه من تأييد لأمثال سلمان رشدى الذى وقف فى وجه الأصوليين.
طبعا المغالطة واضحة لأن سلمان رشدى كان يشوه تشويها متعمدا ومقصودا مبادئ الإسلام وشخصية نبى الإسلام وزوجاته، ويشكك فى أن القرآن كتاب الله، وهو بذلك ضد الإسلام ذاته وليس ضد الأصولية الإسلامية.
المهم أن هذه الندوة انتهت إلى ضرورة محاربة أو احتواء الأصولية الإسلامية، ومن الممكن أن يتعاون الغرب مع الأصوليين إذا كان فى ذلك مصلحة للغرب كما حدث فى دعم أمريكا للمنظمات الأصولية فى أفغانستان، ولكن لا يمنع ذلك من الانقلاب عليهم بعد ذلك وفى الوقت المناسب بعد أن ينتهى تحالف المصلحة وهذا ما حدث فى أفغانستان وما سيحدث قريبا فى دول إسلامية أخرى.
وانتهت الندوة كذلك إلى أنه لا أمل للمسلمين فى تعاون الغرب معهم إلا أن (يكونوا مثلنا).. وهذا يعنى أن يتخلوا عن إيمانهم أو على الأقل التخلص عن بعضه!
وعلق على الندوة الباحث الأمريكى جون مونرو فقال إن الفارق كبير بين الغرب والإسلام والتقارب غير ممكن.. فالأساس فى الإسلام هو (الطاعة) فى جميع الأحوال، ويشترك فى الإيمان بذلك جميع المسلمين المعتدلين والأصوليين لأن الطاعة هى التى تجعل المسلم مسلما صالحا، بينما الطاعة ليست من القيم الغربية، والقيمة الأولى فى الغرب هى (الحرية).. الحرية.. فى التفكير.. الحرية فى التصرف.. الحرية فى أن تؤمن بما تود أن تؤمن به طبقا لما يمليه على الفرد عقله وضميره.. وكذلك فإن الغرب والإسلام ينظران إلى (الله) وإلى (العالم) بنظرة مختلفة وهذا الاختلاف هو المصدر الرئيسى للاحتكاك والخلاف والانقسام.. المسلمون ينظرون إلى (العالم) من خلال عيون النبى والأئمة.. والغربيون ينظرون إلى العالم من خلال عيون الباحثين الواقعيين والعلماء ومن خلال المصلحة والمنفعة..
هكذا يفكرون، ويعملون، من أجل البحث عن العدو، وإيجاد العدو حتى ولو لم موجودا وليس هنتنجتون وحده الذى بحث عن (العدو) للغرب ووجده فى (الإسلام). وقد تحدث عن ذلك بوضوح الكاتب البريطانى باتريك سيل فى مقال بعنوان (التحالف الأمريكى الروسى ضد الإسلام) نشرته صحيفة الحياة اللندنية فى 18 يناير 2001 وحذّر فيه من أفكار وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد وقال باتريك سيل إن الغرب اعتاد الاختباء وراء عبارة (الأصولية الإسلامية)، بينما يقصد فى الحقيقة (الإسلام) نفسه، ولذلك يتعمد الغربيون الخلط بين الإسلام والإرهاب لأن مفهوم الأصولية الإسلامية عندهم هو الإسلام ذاته.
وأخيرا يجب أن يلفت النظر ما يقال من أن على أمريكا أن تقدم كل ما تملك من دعم وتأييد لأمثال سلمان رشدى والادعاء بأنه وقف فى وجه الأصوليين.. بينما رواية سلمان رشدى (آيات شيطانية) مليئة بالسباب والإساءة للعقيدة الإسلامية.
ولو قرأنا هذه العبارة مرة أخرى ربما نفهم لماذا تقدم أمريكا الدعم المالى والسياسى لأمثال سلمان رشدى