المعارضة فى أمريكا
 لا يكاد المرء يلاحق ما تنشره الصحف الأمريكية هذه الأيام من مقالات لشخصيات لها وزنها وتأثيرها فى الحياة السياسية الأمريكية تعبر عن اتجاه قوى لمعارضة سياسات الرئيس جورج دبليو بوش. وما يقال فيها أقوى وأكثر حدة مما يمكن أن يقولــه العـرب تعبيرا عن حالة الغضب والرفض التى يشعرون بها لاتجاهات الإدارة الأمريكية المعادية للعرب.

الجنرال برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومى للرئيس جورج بوش الأب، والصديق الحميم لأسرة بوش، والذى رشح كوندوليزا رايس لمنصب مستشارة الأمن القومى للرئيس بوش الابن، وهو الآن رئيس المجلس الاستشارى الرئاسى للمخابرات الخارجية نشر مقالا فى صحيفة وول ستريت جورنال بعنوان. (لا تهاجموا صدام) عبر فيه عن القلق من اتجاه بوش إلى ضرب العراق، وقال: إن حمى الحرب قد بلغت ذروتها وحان الوقت لوضع  كمادات  باردة عليها.

وبذلك انضم إلى عدد من الجمهوريين أصحاب الوزن الثقيل مثل السناتور تشاك هاجـل، ووزير الخارجية الأسبق لورنس إيجلبرجر. وقالت مجلة نيوزويك الأمريكية إن كولن باول وزير الخارجية يحاول أيضا إيقاف تأثير الصقور الذين يقودهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة الأمن القومى كوندوليزا رايس، وقالت المجلة إن كولن باول التقى مع وزير الخارجية الأسبق هنرى كيسنجر ليبحث معه كيفية إقناع بوش ( بإيقاف )  اندفاعه نحو ضرب العراق، وإن هذا ما جعل بوش يقول للصحفيين منذ أيام .. إن بعض الأشخاص من أصحاب الذكاء الشديد يقومون بالتعبير عن آرائهم فى صدام حسين، وهذا نقاش صحى ولكنى سأتخذ القرار على أساس آخر المعلومات الاستخبارية.

والمعارضة لبوش ليست ممثلة فقط فى سكوكروفت، وكبار الزعماء الجمهوريين، وإلى حد ما كسينجر وكولن باول، ولكن انضم إليها مؤخرا الجنرال نورمان شوارزكوف قائد قوات التحالف فى حرب الخليج الذى قال للرئيس الأمريكى : لا تذهب إلى الحرب بمفردك، وقال له أيضا إن الكويت وتركيا ليستا كافيتين بينما السعودية ترفض المشاركة، وأعرب شوارزكوف مع سكوكروفت عن أن ضرب العراق بدون حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى سيقلب الشرق الأوسط رأسا على عقب ويفسد الحرب الأمريكية ضد الإرهاب.

ووصلت المعارضة إلى قضية أخرى غير العراق هى رفض سياسة بوش تجاه الفلسطينيين والصمت الأمريكى لإعطاء شارون الفرصة لتدمير الكيان الفلسطينى واغتيال الشخصيات الوطنية الفلسطينية، حتى أن طلبة وأساتذة 40 جامعة أمريكية بدأوا حملة تدعو لمقاطعة الشركات الأمريكية التى تعمل فى إسرائيل، وقرروا عقد مؤتمر يحتشد فيه ممثلو هذه الجامعات فى جامعة ميتشجان فى الخريف القادم لتوسيع نطاق هذه الحملة.

تمتد تيارات المعارضة داخل أمريكا من معارضة سياسة بوش تجاه العراق، وتجاه الفلسطينيين إلى معارضة سياسته تجاه السعودية.. وقد عبرت عن هذا الاتجاه مقالات كثيرة كان آخرها مقال راشيل برونسون مديرة دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية  الأمريكى بعنوان لا تضع السعودية فى وضع حرج ونشرته صحيفة هيرالد تريبيون.. وقالت فيه: إن تزايد النقد فى أمريكا للسعودية سوف يؤدى إلى صعوبة الحوار معها، كما حدث بعد نشر المذكرة المقدمة إلى هيئة سياسات الدفاع فى البنتاجون والتى تضمنت  أن السعودية مسئولة عن تمويل الجماعات الإسلامية الإرهابية التى تثير الذعر فى العالم، وما تضمنته المذكرة من اقتراح بالاستيلاء على المنطقة الشرقية الغنية بالبترول، وقالت راشيل برونسون إن هذا الاقتراح بعيد الاحتمال، وليس مفيدا لأمريكا، ولن يؤدى إلا إلى تشدد السعودية فى موقفها الرافض لضرب العراق وإشعال نيران العداء لأمريكا وإظهارها على أنها تسعى إلى الاستيلاء على الشرق الأوسط بأكمله، على حساب أصدقاء أمريكا الذين يعملون على مساعدتها . وقالت أيضا: إن التغاضى عن هذه المذكرة كان ممكنا إذا كانت صادرة عن منظمة لا قيمة لها، أو كانت هى وحدها التى تتحامل على السعودية، ولكن مطاردة السعودية أصبحت قضية يومية فى أمريكا. وصحيفة ( نيوستيتسمان) البريطانية تقول إن تمزيق السعودية اصبح هدفا يتردد فى أمريكا وبريطانيا، كما يتردد الحديث عن أن الأموال السعودية التى تتدفق على المدارس والجوامع فى شرق أفريقيا وآسيا الوسطى وشرق آسيا هى التى ساهمت فى نشر الفكر الدينى المتشدد .

وتطالب البروفيسورة راشيل برونسون الحكومة السعودية بالقيام بالمراقبة والسيطرة على الأموال والتبرعات التى تذهب إلى  الجمعيات والجماعات الدينية والخيرية .. وأن تتحمل الحكومة السعودية المسئولية عن نشاط وفكر الجماعات التى تمولها، أما التهديد بتمزيق السعودية فإنه لن يؤدى إلا إلى إضعاف المصالح الأمريكية الجوهرية، وتقوية العراق، وليس من المنطقى أن تعادى أمريكا العراق والسعودية معا. وعلى الإدارة الأمريكية أن تدرك أن الاتجاه المعادى للسعودية فى أمريكا هو الوقود الذى يشعل نار العداء لأمريكا  فى الخارج، وواشنطن لها رصيد من العداء فى الخارج يكفيها ولا تحتاج إلى مزيد . وعلى الإدارة الأمريكية أن تكون واقعية فيما تطلبه من الآخرين.

وتمتد المعارضة الداخلية أيضا إلى سياسة بوش لتحويل أمريكا إلى دولة بوليسية تنتهك فيها حقوق الإنسان والحريات، حتى أن صحيفة واشنطن بوست نفسها جعلت افتتاحيتها فى عدد 17 - 18 أغسطس 2002 عن (حقوق المسجونين) أشارت فيه إلى رفض المحكمة الأمريكية التماس 12 سجينا كويتيا تحتجزهم القوات العسكرية الأمريكية فى معتقل جوانتانامو، على أساس أن الدستور الأمريكى لا يحمى خارج أمريكا إلا المواطنين الأمريكيين ، وبذلك فإن السلطات الأمريكية لها أن تعتقل من تشاء دون توجيه تهمة معينة، ودون السماح بمحام أو السماح بزيارة الأهل مادام المسجونون خارج الأرض الأمريكية، وقالت الصحيفة إن هذا المبدأ يتعارض مع العدل ومع القيم الأمريكية حتى وإن كان يتفق مع القانون الأمريكى.. وقالت الصحيفة أيضا إن الأمريكيين لا ينشغلون بالمعتقلين فى جوانتانامو ولا يشغلهم إلا الأمريكيون الذين تعتقلهم السلطات الأمريكية وتتهمهم بأنهم متعاونون مع  العدو، بينما هناك المأزق الذى تتجاهله الإدارة الأمريكية والذى يتمثل فى أن بعض المسجونين فى جوانتانامو تم القبض عليهم نتيجة سوء فهم أو سوء تقدير للمعلومات المتوافرة عنهم، كما حدث مع بعض الكويتيين الذين كانوا يقومون بأعمال خيرية فى المنطقة بحسن نية وقامت جماعة باختطافهم وتسليمهم للقوات الأمريكية مقابل مكافأة. ومادامت القوات الأمريكية لا توفر أية معلومات عن المسجونين، فكيف يمكن اكتشاف الأخطاء التى ارتكبتها السلطات أو القوات الأمريكية، وكيف يمكن التفرقة بين المذنبين والأبرياء؟

وحتى من بين الإسرائيليين أيضا من يعارضون سياسة الرئيس الأمريكى فى تأييده المطلق للعدوان العسكرى الإسرائيلى اليومى على الفلسطينيين، ومن هؤلاء جيف هالبر المسئول فى اللجنة الإسرائيلية لحقوق الإنسان، الذى أعلن أن تأييد أمريكا لشارون هو الذى يشجعه على مواصلة هدم منازل الفلسطينيين. وقال فى بيان باسم اللجنة الإسرائيلية: إن هدم منازل المدنيين غير المتهمين بأى جريمة هو عقاب جماعى، وهذا ضد القانون الدولى الإنسانى  ووصف قرار المحكمة الإسرائيلية بالسماح للجيش بهدم منازل الفلسطينيين بأنه خطوة أخرى فى تآكل شرعية النظام وتآكل الديمقراطية الإسرائيلية.

وفى صحيفة واشنطن بوست الأمريكية كتب مولى مورجون أندرسون يوم 8/8/2002 أن قيام السلطات الإسرائيلية بعقاب اسر المشتبه فى أنهم يساعدون من تتهمهم إسرائيل بالنفى من الضفة أمر مثير للجدل، وإن كانت سياسة الطرد والإبعاد متبعة من الحكومات الإسرائيلية من قبل إلا أن حكومة شارون أضافت إليها طرد الأمهات والشقيقات، وكمثال على ذلك  فقد اعتقلت السلطات الإسرائيلية الفتاة ( انتصار 26 سنة ) وفقا لنظام الاحتجاز الإسرائيلى الذى لا يستلزم توجيه اتهام رسمى، ثم قامت السلطات الإسرائيلية بنفيها خارج الضفة التى تعيش فيها هى وأسرتها منذ مولدها، بينما إدارة الرئيس بوش ترى وتسمع ما يحدث لحالات كثيرة تتكرر ولا تعترض ولا تنطق بكلمة عن حقوق الإنسان الفلسطينى التى تنتهك يوميا وعلنا وأمام عدسات التلفزيون، والحكومة الإسرائيلية فى مأمن من العقاب والحساب و بفضل الحماية الأمريكية!

هذه بعض نماذج من المعارضة لسياسات الرئيس الأمريكى تزداد يوما بعد يوم.. فهل ستجد آذانا صاغية؟!..

دعونا لا نفقد الأمل فى أن يعود الرشد والصواب إلى البيت الأبيض .
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف