الإرهاب الفكرى الصهيونى أمامنا والإرهاب العسكرى الإسرائيلى خلفنا
لم تكـــن مفاجأة تلك القضية التى أقامتها جمعية يهوديـة فرنسية على صحيفة (الأهرام) أمام محكمة باريس بتهمة معاداة السامية .. ولا كان غريبا استدعاء الأستاذ إبراهيم نافع للتحقيق معه أمام المحكمة العليا فى باريس بتهمة الدعوة العنصرية ومعاداة السامية، لأننا كنا نتوقع أن يحدث هذا أو شىء قريب منه. ومنذ فترة طويلة كنا نلاحظ فى زيارة إلى (واشنطن) أن هناك ملفات تضم قصاصات من الصحف المصرية فيها كل المقالات والتعليقات ورسوم الكاريكاتير التى نشرت فى كل الصحف المصرية الكبيرة والصغيرة دون استثناء وتتضمن نقدا للحكومة أو الجيش أو المستوطنين الإسرائيليين ، وتدين الإرهاب الإسرائيلى المستمر على الشعب الفلسطينى.. ونجد هذه الملفات قد أعدت بمنتهى العناية، ومترجمة إلى اللغة الإنجليزية، وموزعة على أعضاء الكونجرس، والكتاب والمحللين والصحفيين، وعلى زعماء الجماعات اليهودية الأمريكية، ونجد أن هذه الملفات هى التى تستقى منها رابطة مكافحة التشهير اليهودية، والمنظمة اليهودية (إيباك) مادة الهجوم على مصر وعلى الصحافة المصرية.
وفى كل مرة كان يثار موضوع ما فى الصحف المصرية من مواد فيها عداء لليهود وللسامية، وكان آخرها فى اللقاء الذى حضره الرئيس حسنى مبارك فى واشنطن ونظمته جمعية يهودية واحتشد فيه مئات من الشخصيات اليهودية المؤثرة فى السياسة والإعلام فى أمريكا، وقام أحدهم ليكرر أمام الرئيس الادعاء بأن الصحافة المصرية فيها اتجاه واضح لمعاداة السامية. وأفحمه الرئيس مبارك على الفور بقوله:
لا تقولوا ذلك، نحن ساميون أكثر منكم، وليس فى مصر من يحمل مشاعر عنصرية بالمعنى الذى تقصدونه، وكل ما تشيرون إليه انتقاد لممارسات إسرائيل، وماذا تنتظرون ممن يشاهدون الدبابات والطائرات والقوات الإسرائيلية وهى تقتل الفلسطينيين وتدمر بيوتهم، والحكومة الإسرائيلية تقيم المستوطنات على أراضى الفلسطينيين؟ .. أنصحكم بألا تخلطوا بين كراهية اليهود كيهود وكراهية الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، ونحن ليس لدينا مشكلة مع اليهود ولا مع الديانة اليهودية، والدين الإسلامى يأمر اتباعه باحترام جميع الديانات وجميع البشر لأنهم كلهم بنو آدم .
وكانت لقاءات الرئيس مبارك فى واشنطن تتضمن دائما شرحا وتوضيحا لأن ما فى الصحافة المصرية موجه إلى الحكومة الإسرائيلية بسبب النزعة العدوانية المستمرة، وليس بسبب الديانة أو العنصر، أو الجنس، وفى كل مرة كان الرئيس مبارك يكرر أن فكرة العنصرية فى ذاتها هى فكرة غربية، نشأت فى الغرب، والمآسى التى عانى منها اليهود كانت فى الغرب، وليس لدى العرب عامة والمصريين خاصة مثل هذه الفكرة.
ومع ذلك كنا نشعر بأن هناك من ينفخ فى النار، ويقلب الحقائق، ويمهد لعمل فرقعة لإرهاب الكتاب والصحفيين فى مصر وفى العالم العربى لكى يقابلوا بالصمت والقبول الإرهاب الإسرائيلى خوفا مما يمكن أن يلحق بهم من أذى، وهذا أسلوب صهيونى قديم، ومازالت أصداء محاكمة الفيلسوف الفرنسى الكبير روجيه جارودى مدوية فى العالم، وتمثل صفحة سوداء فى التاريخ، ولابد أن الفرنسيين يشعرون بالخجل لأنهم حاكموا مفكرا كبيرا على آرائه وهم وطن الحرية .
والقدرة على المغالطة وقلب الحقائق وخلط الأوراق موهبة معروفة وقديمة جدا لدى الجماعات الصهيونية .. والتاريخ طويل .. والكتاب الأسود للإرهاب الصهيونى ملىء بآلاف الحوادث الدامية والمجازر التى ارتكبتها العصابات الصهيونية وقتلت فيها بالجملة ودون تمييز عشرات الآلاف من الفلسطينيين والعرب، ومع ذلك فإن رابطة مكافحة التشهير اليهودية الأمريكية وجدت فى نفسها الجرأة لتقيم حفلا لا مثيل له منذ فترة قصيرة لتكريم شارون ويداه تقطران بدم الفلسطينيين فى بيروت، وفى صابرا وشاتيلا ، وفى الخليل، ورام الله، وجنين، وغزة، وعشرات المواقع التى قَتَلَ فيها دون تمييز وبدم بارد الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، وشرّد عشرات الآلاف، وجعل آلاف الأطفال فى الشعب الفلسطينى من اليتامى والمشردين.
وفى هذا الحفل الكبير الذى حضره الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون وعدد من الوزراء الأمريكيين وأعضاء الكونجرس، وزعماء الأحزاب الأمريكية ورجال الأعمال، وكبار الكتاب.. الخ وقف إبراهام فوكس رئيس رابطة مكافحة التشهير ليقدم إلى شارون (جائزة السياسى المتميز) ويقول فى كلمته البليغة: إن إسرائيل خلال خمسين عاما شهدت جنرالات عظام من أمثال رابين وباراك ولكن الجنرال شارون هو أعظم من حمى روح دولة إسرائيل، منـــذ انضمامه إلى (عصـابة الهاجـناة)، واشتراكه فى الحرب ضد مصر سنة 1956 وفى حرب 1973 ، وقام بأعمال عظيمة كوزير للدفاع، ووزير للتجارة، ووزير للمستوطنات، وجاء أخيرا رئيسا للوزراء فى 6 فبراير 2001 ليؤكد لأبناء وطنه أن إسرائيل دولة يمكن لليهود أن يعيشوا فيها فى أمان، ويقاتلوا من أجلها، وليؤكد أنه يفهم ويتفهم أهمية السلام لأنه خاض الحروب، وهو كمحارب قوى يخوض الآن أهم معاركه (ضد الشعب الفلسطينى الأعزل المحاصر الجائع) ويتخذ قرارات مثيرة للجدل (يقصد قرارات القتل، والاغتيال بالصواريخ والطائرات، وهدم المنازل، والاستيلاء على الأراضى، والحصار، وإغلاق المناطق، وضرب المدارس، وإغلاق الجامعات ومنع الدراسة) ومن أجل ذلك فهو الجدير بجائزة رجل الدولة والسياسى المتميز تكريما لدوره فى خدمة (أهداف السلام).
وختم إبراهام فوكس رئيس رابطة مكافحة التشهير كلمته بتوجيه الحديث إلى شارون الذى جلس منتفخا مختالا فخورا بإنجازاته وانتصاراته على الفلسطينيين، وقال له:
(أنتم رجل سلام .. ورجل للشعب .. والجائزة رمز للحرية.. تذكركم باعتزازنا فى هذه الرابطة بكم).
هكذا هم وحدهم دون سواهم فى العالم قادرون على تكريم القاتل والإرهابى ومجرم الحرب على أنه بطل السلام.
أما شارون نفسه فقد وقف فى هذا الحفل وقال: أزف إليكم تحيات القدس عاصمة الشعب اليهودى، وعندما ذكرت أنها عاصمة الشعب اليهودى لاحظت أن السفير الأمريكى فى إسرائيل حاضر، لذلك أكرر ما ذكرت، فإن القدس عاصمة الشعب اليهودى لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، وهى موجودة، وغير مقسمة إلى الأبد، ثم واصل شارون حديثه فى تحويل القاتل إلى ضحية والضحية إلى قاتل، فقال: لقد واجهت إسرائيل حملة إرهاب عنيفة تشجع عليها القيادة الفلسطينية، وإسرائيل الآن فى حرب، وبعد 11 سبتمبر أصبح لدى الولايات المتحدة والعالم الحر فهم أفضل للإرهاب وما يمثله من خطر على العالم الحر والدول المتحضرة والمتحررة.. نحن نحمى وندعم الرئيس بوش لقيادته الشجاعة للحملة على الإرهاب، وإسرائيل ستواصل دعمها للحملة ضد الإرهاب. وأعتقد أننا يجب أن نكسب هذه المعركة، وإن كان الإرهاب عدوا غير مرئى، والحرب على الإرهاب مبررة سواء كانت فى أفغانستان، أو فى شوارع واشنطن، أو فى القدس، فإن هناك رابطة بين الحرب الأمريكية فى أفغانستان وعملية (السور الواقى)، فكلاهما عملية حماية للنفس ضد قوى الشر المصممة على تدمير الحضارة، وعلى النوايا الشريرة لقتل المدنيين على يد الانتحاريين، ولأنى عسكرى فإننى أعرف أنه يقع قتلى مدنيون، ونحن نعبر عن أسفنا لذلك، ولكن ذلك يحدث فى كل حرب! وإسرائيل دولة تسعى للسلام، وعبر كفاحنا ضد (الإرهاب) يمكن أن نحقق الظروف المناسبة للسلام! وقال شارون أيضا: (لقد كسبت إسرائيل مكانتها عن جدارة بين الدول الديمقراطية، ودافعت عن نفسها، وحققت العديد من الإنجازات، إسرائيل الآن هى الدولة رقم 25 فى ترتيب دول العالم من حيث مستوى دخل الفرد، وإسرائيل رائدة فى مجال الخدمات التكنولوجية والصحية، وإسرائيل حققت تقدما فى البنية التحتية والتعليم، وإسرائيل تستوعب عشرات الآلاف من المهاجرين الجدد! واللغة العبرية أصبحت هى السائدة بين المهاجرين القادمين من مائة دولة، وإسرائيل جذبت السياح من أنحاء العالم ولكن السياحة تأثرت بالحرب التى شنت علينا! (طبعا لم يعترض أحد ليقول إن شارون هو الذى بدأ بشن الحرب) وقال أيضا: نحن نقدر دعمكم بزيارتكم، ومساعداتكم، وأعبر عن امتنانى لقوات الدفاع الإسرائيلية، وأود هنا أن أقول كعسكرى خدم فى الجيش لعدة سنوات إننى أعتقد أن الجيش الإسرائيلى بالمقارنة بالجيوش الأخرى يتمتع بقيم أخلاقية عالية جدا! فقد كانت لنا خسائر وحاولنا عدم وقوع ضحايا مدنيين ولا أعرف جيشا آخر كان مستعدا لتحمل مثل هذه الخسائر لمجرد تفادى وقوع ضحايا مدنيين! وقد وجه إلينا اللوم، ووصفنا بأن هناك دماء على أيدينا، ولكنى أؤكد لكم: لم تكن هناك مجازر! وقد واجهت حملة لعدة أيام وكنت حاسما فى موقفى بأن دولة إسرائيل يجب ألا تخضع لمحاكمة من أى جهة فى العالم! وليس لأى أحد فى العالم أن يحاكم دولة إسرائيل! وإننى أشكر الإدارة الأمريكية وقادتها التى ساعدتنا وأيدتنا للخروج من هذا المأزق ومن الوضع الخطير الذى كنا فيه.. وزير الخارجية (كولن باول) كان يساعدنا للخروج من هذا الوضع المعقد (يقصد الإدانة فى مجس الأمن على مذبحة جنين)، وكنت حاسما فى رفض التحقيق مع الجنود الإسرائيليين ، لأن الجيش يتمتع بإخلاق عالية جدا! وكان قرارا صعبا ألا نسمح للأمم المتحدة بإجراء أى تحقيق عن التهم التى وجهت لنا من الفلسطينيين، وكان دعم إسرائيل فى الولايات المتحدة دعما لحب الحياة! وإسرائيل تتمتع بدعم الإدارة الأمريكية، والكونجرس، وهذا ما يطمئن شعب إسرائيل. نحن نحتاج إلى دعمكم.. يجب أن ندافع عن شعبنا فى كافة أرجاء العالم.. أود أن أطالبكم بمواصلة جهودكم لمواجهة التشهير والحملة ضد السامية! نحن فى حاجة إلى جهودكم من أى وقت مضى.. نحن نمر بموقف حرج وأمامنا الكثير من المخاطر والأوضاع الخطيرة .. وقد مررنا فى الماضى بأوقات صعبة جدا، ويمكن أن نتطلع إلى الأمام بتفاؤل ، ومع أن الوقت الحالى صعب أيضا، فإننا نستطيع أن نجتازه بمساعداتكم..
لا أظن أننى محتاج لكى أبين مواضع المغالطة فهى تملأ حديث رئيس رابطة مكافحة التشهير الأمريكية وحديث شارون على حد سواء.. ويكفى أن تقرأ مــــرة أخــرى لترى القدرة النادرة على المغالطة، فكيف لا نتوقع المغالطة بالنسبة لما ينشر فى الصحافة المصرية من نقد لسياسة البطش والإرهاب التى تمارسها حكومة إسرائيل .. ماداموا يعتبرون قتل المدنيين الفلسطينيين أمرا لابد منه.. والاستيلاء على أراضى الفلسطينيين حقا لهم.. وإن من يقاوم الاحتلال إرهابى ومن يحتل الأرض هو الضحية!
فما الغرابة إذن فى أن ترفع الجمعية اليهودية الفرنسية قضية على (الأهرام).. وقد اختارت هدفها بدقة؟!، فالأهرام أكبر صحيفة عربية ومعروفة جيدا على المستوى العالمى، ورئيس تحريرها هو نقيب الصحفيين المصريين ورئيس اتحاد الصحفيين العرب، إذن فالقضية يمكن أن تحقق (الفرقعة) المطلوبة، وتصبح رسالة تحذير لكل من يتكلم أو يفكر أو يكتب بأن يلزم الصمت ولا يوجه نقدا أو اعتراضا للممارسات الوحشية الإسرائيلية، وإلا فإن دوامة التحقيقات والمحاكمات سوف تلاحقه .. وعلى جميع المفكرين والكتاب العرب أن يختاروا لأنفسهم السلامة.
وتهمة معادة السامية أصبحت سيفا مسلطا على رقاب كل الذين يعلنون آراءهم فى رفض ما يفعله الإسرائيليون وما يقولونه، لأن ما يفعلونه وما يقولونه يتعارض مع الشرائع السماوية، ومع العدالة، ومع المنطق، ومع القانون الدولى، ومع الشرعية الدولية، فكيف يسكت صاحب الضمير وسط كل هذا الظلام والظلم الإسرائيلى؟.
وأكثر من كاتب ومفكر يهودى ينتقد هذا الإرهاب الصهيونى باسم معاداة السامية، وآخرهم ريتشارد كوهين الذى كتب مقالا فى صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية فى 6/ 5/ 2002 بعنوان (انتقاد إسرائيل ليس معاداة للسامية) قال فيه: لو لم أكن يهوديا لكنت قد اتهمت بمعاداة السامية، فقد كنت أنتقد إسرائيل أحيانا، وأتخذ جانب الفلسطينيين فى أحيان أخرى، كما أننى أعتقد أن احتلال الضفة الغربية خطأ، وعلى الرغم من أننى فى داخلى أؤيد إسرائيل، فإننى مصّر على أن القضية الفلسطينية قضية عادلة برغم ما يشوبها من أعمال عنف. وفى إسرائيل نفسها لا تعتبر مثل هذه المواقف أعمالاً تستحق الإدانة، وفى الكنيست الإسرائيلى هناك من يتخذ مواقف مشابهة كما تحتوى الصحف الإسرائيلية على كتابات فى هذا الاتجاه، وأصحاب هذه المواقف يتعرضون أحيانا للانتقادات، إلا أن أحداً منهم لا يوجه إليه الاتهام بمعاداة السامية، أو بكراهية أنفسهم كيهود!
ويقول ريتشارد كوهين إن الانتقادات توجه داخل إسرائيل للأفكار والممارسات العدوانية الإسرائيلية، ولا يتهم أصحابها بمعاداة السامية وكراهية اليهود لأنهم ساميون ويهود، ولكن لا يحدث ذلك فى أمريكا، حيث يتساوى نقد إسرائيل ومعاداة الصهيونية مع معاداة السامية، وهناك منظمة من أهم المنظمات الأمريكية اليهودية تقول علانية فى الصحافة والإعلام إن معاداة الصهيونية هى أساسا معاداة متأصلة للسامية وإن الدول العربية لم تعد تخفى كراهيتها لليهود تحت ستار مهاجمة إسرائيل. بينما الحقيقة أن معاداة الصهيونية وكراهية إسرائيل ومعارضتها وحتى الدخول فى قتال معها لا يتساوى مع معاداة السامية أو كراهية اليهود فى كل مكان بناء على افتراض أن هناك سمات معينة متأصلة فيهم.
ثم يقول ريتشارد كوهين: إننى لو كنت فلسطينيا أعيش فى مخيم للاجئين لكنت كرهت إسرائيل من كل قلبى لأنها السبب فى أزمتى، ولكنت كرهت اليهود عامة. وبرغم كل شىء، فإن إسرائيل التى تعتبر نفسها دولة يهودية، وتحتفل رسميا بالأعياد اليهودية بما فى ذلك أيام السبت، وتسمح للحاخامات المتشددين بالتحكم فى الأمور الحياتية كالزواج، وتعطى لأى شخص تعتبره يهوديا الحق فى أن يكون مواطنا إسرائيليا بسبب الدين، فإن هذا الحق المزعوم لابد أن يصدم مشاعر الفلسطينيين، لأنه يعطى لهؤلاء الغرباء حق (العودة) كمواطنين أصحاب الأرض والحق فيها بينما ليست لهم صلة سابقة بها ولم يكن لهم وجود فيها من قبل.
وبصراحة يقول ريتشارد كوهين بالحرف: (إن مساواة المعادين للصهيونية، أو المنتقدين لإسرائيل، بالمعادين للسامية أمر يجعلهم أشبه بالنازيين، لأن فيها ادعاء بأن كراهية الصهيونية وانتقاد إسرائيل قائمان على نظرية عرقية أو على تطرف دينى مضلل، وبهذا الادعاء يرفض الإسرائيليون والصهاينة كل الانتقادات مهما كانت شرعيتها على أساس أنها متحيزة وأنها بلا قيمة، وإن كان هناك تزايد فى حوادث معاداة السامية فى أوربا، إلا أن هناك أيضا تزايدا فى النقد المشروع الموجه إلى إسرائيل والذى لا يمكن اعتباره عداء للسامية بأى شكل من الأشكال، وعلى سبيل المثال فقد اعتقلت إسرائيل مؤخراً أربعة سويديين مؤيدين للفلسطينيين منهم طبيبان، ثم طردتهم بسبب السياسة المضللة القائمة على رؤية كل المتعاطفين مع الفلسطينيين أعداء لإسرائيل.. مثل هذه الحادثة تستحق الإدانة، لأن السويديين الذين أعلنوا رأيهم وموقفهم لا يمكن اعتبارهم معادين للسامية كما قيل.. والشىء ذاته ينطبق على اليهود الأمريكيين، فعدم الاستماع إلى مطالب الفلسطينيين أو تجريدهم من الإنسانية واعتبارهم متعصبين، يزيد الكراهية على الجانبين.. والفلسطينيون لديهم قضية.. صحيح أن وسائلهم تكون فى بعض الأحيان فيها مبالغة ولكن هذا لا يغير من حقيقة أنهم شعب بدون دولة، ومادام أن هذا الوضع مستمراً فإن صراعهم سوف يستمر. والطريقة الوحيدة للخروج من الفوضى الحالية هى أن يستمع كل طرف لما يقوله الطرف الآخر.. فإن الاعتراض على الظروف المعيشية فى الضفة الغربية ليس معاداة للسامية، وإدانة الاعتداءات المتزايدة لبناء المستوطنات اليهودية ليس معاداة للسامية.. والقول بأن أرئيل شارون شخص مكروه يثير استفزاز الفلسطينيين ليس معاداة للسامية.. وهذا نقد ليس أكثر تعصباً عما يقولـه شارون والإسرائيليون من أن ياسر عرفات كذاب ولا يمكن الوثوق فيه، ولا يقول إن مثل هذا الكلام يصدر عن معاداة العرب، وهكذا لا ينبغى أن نضع نظرية معاداة السامية فى غير موضعها وإساءة استخدامها لمجرد إرهاب المخالفين والمعترضين على الأعمال الإسرائيلية.
ومع ذلك فما هى العنصرية؟
العالم عرف العنصرية فى أبشع صورها على يد هتلر والنازية، وقامت على فكرة أن العنصر الآرى عنصر متفوق على سائر البشر، ولــه خصائص ليست لغيره من البشر، ولذلك قامت العنصرية النازية على تحريم زواج الألمان من الأجناس الأخرى، لأن اختلاط الدم الآرى بغيره يؤدى إلى فقدان الجنس الآرى المتفوق لمميزاته الوراثية وخصائصه التى تجعله فوق الجميع، وبالتالى يؤدى اختلاط الدم الجرمانى بدم الأجناس الأخرى إلى هبوط مستوى الشعب الآرى وموت ثقافته، وفناء الشعوب لا يكون بالحروب بقدر ما يكون بزوال خصائصها المميزة لها، ولذلك قامت النازية على نظرية أن دور الدولة هو المحافظة على نقاء العنصر الآرى وتفوقه باعتباره أرقى وأنقى عناصر البشر (!)
وكل من يردد أمثال هذه الأفكار يعتبر عنصريا.. وكل نظرية قائمة على تفوق جنس من أجناس البشر أو مجموعة من الناس دون سواهم لأن فيهم خصائص وراثية تجعلهم فوق الجميع.. كل من يقول بذلك يعتبر مرددا لنظرية عنصرية.. أما الجانب الآخر من النظرية النازية فهو (القوة) وكان هتلر يقول (إن العالم غابة لا يعيش فيها ولا يحكمها إلا الأقوى، وسنّة الحياة أن يتغذى كل مخلوق على غيره من المخلوقات، ففى موت الضعيف حياة للأقوى) و(الطبيعة تدفع بمخلوقاتها إلى هذا الكون ثم تشرع فى مراقبة أفعالهم لتختار من بينهم الأكثر قوة وشجاعة ومثابرة، فمن حق الأقوى أن يسيطر، وعليه أن يتجنب الاختلاط بالضعفاء فإن فى ذلك حطاً من قدره وعظمته) من هو (طفل الطبيعة المدلل) الذى منحته العناية الإلهية حق السيادة؟.. يجيب هتلر عن هذا السؤال فى نظريته التى شرحها فى كتابه (كفاحى) فيقول: (إنه الرجل الآرى الذى يرجع إليه الفضل فى كل ما حققته الإنسانية من رفعة، وما أمكن للرجل الآرى أن يحقق ذلك إلا لأنه تخطى الآخرين وداس عليهم بأقدامه).
لذلك نكره هتلر ويكرهه العالم.. ونكره النازية ويكرهها العالم.. نكره العنصرية ويكرهها العالم.. ونكره كل من يكره شعبا بالجملة على أساس أنه عنصر أقل من غيره أو فيه خصائص وصفات مكروهة..
ولعنة الله على عنصرية هتلر وعلى فلسفة نيتشه التى ألهمته هذه النظرية، فقد كان الفيلسوف الألمانى نيتشه يتحدث عن (النخبة الممتازة) التى يجب أن تحكم العالم، ومن هذه النخبة يظهر (السوبرمان) أو الرجل الفائق القدرة، ومن الواجب إعداد تقييم لترتيب فصائل البشر والاحتفاظ بالعنصر المتفوق ليكون منه الرجال الموهوبون فى عقولهم وإرادتهم ويقودوا العالم.
ولو راجعنا كل كلمة كتبت باللغة العربية منذ نشأة اللغة العربية حتى اليوم فلن نجد فيها شيئا مثل هذا الذى يمثل العنصرية.. لأن الإسلام قائم على المساواة بين البشر والرسول (صلى الله عليه وسلم) علمّ المسلمين أن (الناس) سواسية كأسنان المشط.. وقال الناس بما يعنى كل البشر من كل الديانات وكل العناصر بدون تفرقة فى اللون أو الجنس أو الدين.. والكلام كثير والأدلة تملأ عشرات الكتب عن رفض الإسلام لكل فكر عنصرى وكل فكر معاد لفئة أو لشعب أو لدين بالجملة..
ومع ذلك فقد كانت معاداة السامية ظاهرة موجودة فى أوربا، وكانت تتردد دائماً أقوال مثل: لا نتعامل مع اليهود.. ليخرج اليهود.. حتى أن هيرتــــزل قال وهو يشرح عوامل نجاح مشروعه لإقامة دولة إسرائيل: إن الدول الأوربية تسود فيها معاداة السامية ولذلك فسوف ترحب بمساعدة اليهود على إقامة دولتهم وعلى أن تكون لهم السيادة على شعب أضعف من اليهود وأقل منهم اجتماعيا، وسوف يتمتع اليهود بحماية الدول الأوربية التى يهمها التخلص منهم على أراضيها وتصديرهم إلى أرض أخرى.
ويريد الإسرائيليون أن يزيفوا التاريخ ويسدلوا ستار النسيان على مرحلة إنشاء دولة إسرائيل ابتداء من تكوين عصابات لاغتصاب أراضى الفلسطينيين وقتلهم وإرهابهم.. يريدون ألا يقول أحد إن هذه كانت عصابات.. مع أنهم هم الذين يسمـونها كذلك.. وإلا فماذا يطلقون على (الهاجناه) و(زفــى ليومـى) و(شتـيرن) و(الأرجون)..؟ هل كانت جماعات من الطيبين الصالحين الذين يتعاملون مع الفلسطينيين بالحسنى، أو كانت عصابات مسلحة تشن الغارات على القرى الفلسطينية وترتكب المذابح.. من أمثال مذبحة دير ياسين ومذبحة كفر قاسم؟ وما أكثر المذاج فى التاريخ الفلسطينى الحديث.. (وما أكثر الدماء الفلسطينية التى ارتوت بها. وما أكثر ما فعله بن جوريون، وموسى شاريت، وموشى ديان.. و.. و.. الخ
ولكن هناك كتاب يهود قالوا الحقيقة وهم كثيرون، منهم مثلا ابراهام ليون الذى أعد دراسة مهمة عن المسألة اليهودية فى كتابه (المفهوم المادى للمسألة اليهودية) ورفض فيه النتائج التى يروج لها المؤرخون الصهاينة حول تاريخ الشعب اليهودى ونجحوا فى الترويج لها وإشاعتها على أنها حقائق تاريخية.. فهل نتهم هذا المؤرخ اليهودى بأنه معاد للسامية؟
وإلياهو بن اليسار له كتاب مشهور اسمه (الدبلوماسية مع الرايخ الثالث) يتحدث فيه عن أول اتفاق رسمى معروف عقدته الوكالة اليهودية مع حكومة ألمانيا النازية وهو الاتفاق الشهير باسم (العبارا) الذى تم التوقيع عليه سنة 1933 ومنح اليهود الألمان الحق فى نقل أموالهم على شكل بضائع ألمانية إلى فلسطين فى الوقت الذى كانت فيه جميع دول العالم تقاطع النظام الهتلرى النازى بسبب جرائمه ضد اليهود، وتكون الحركة الصهيونية قد ساعدت ألمانيا على التخلص من يهودها، والياهو بن اليسار الذى كان أول سفير لإسرائيل فى مصر هو الذى كتب ذلك فى دراسة علمية- فهل يتهمون الياهو بن اليسار بمعاداة السامية لأنه كشف صفحة من التاريخ يريدون إخفاءها؟
والأمثلة كثيرة.. والكتابات كثيرة ليهود وجهوا النقد للحركة الصهيونية ولسياسة الإرهاب الإسرائيلية.. فلماذا يصفون ما يكتبه العرب عن الإرهاب الإسرائيلى بأنه معاداة للسامية وهو معاداة للظلم وسياسات القوة سواء كانت سامية أو غير سامية..
وهل نسينا (باروخ جولد شتاين) الذى حمل مدفعه الرشاش واقتحم الحرم الإبراهيمى أثناء صلاة الفجر (15 رمضان- 25 فبراير 1994) وفتح نيران مدفعه على المصلين فقتلهم بالجملة تحت سمع وبصر الجنود الإسرائيليين؟.. بماذا نسمى ما فعله جولد شتاين؟. وهل هو وحده الذى ارتكب مثل هذه المذبحة؟. أليس هناك أمثال جولد شتاين بالملايين ممن يؤمنون بفكرة شعب الله المختار وتفوق اليهود على سائر البشر وحقهم فى السيطرة على الشعوب؟ ويرددون فى كتاباتهم أن اليهود شعب فريد ومتميز وعليهم ألا يختلطوا ببقية الشعوب حتى لا يتلوثوا تطبيقا لقول التوارة كما يقولون (افصل المقدس عن الخبيث)؟.. وماذا نقول فى الكتابات التى تملأ الصحف والكتب وتقول إن العنف واجب شرعى على كل يهودى ولو كان على حساب إذلال الآخرين والتنكيل بهم؟، ومن لا يتبنى فكرة العنف فليس جديرا بالاحترام؟.. وماذا نقول فيمن يرددون فى إسرائيل- وفى غيرها- أن المسيح اليهودى المخلص لن يظهر إلا بعد إنشاء دولة إسرائيل وتكون خالصة لليهود دون غيرهم، وعلى ذلك فإن العرب لا مكان لهم لأن وجودهم يفسد جوهر اليهودية ويؤثر على طبيعة الدولة اليهودية. والحاخام كاهانا لـه كتاب واسع الانتشار بعنوان (الفكرة اليهودية) تحدى فيه اليهود الذين يقولون إن المخلص يمكن أن يأتى مع وجود العرب فى إسرائيل، بينما الرب عبرّ عن نفسه فى هذه الأرض- فلسطين- من خلال الشعب اليهودى- الشعب المختار- وعندما يكون هذا الشعب قويا فإن جلال الرب يظهر، وعندما يكون الشعب اليهودى ضعيفا ذليلا فإن الرب يدنس اسمه ويختفى جلاله ولا تظهر قوته وقدرته، وعلى ذلك فإن تقديس الرب مهمة اليهود ومسئوليتهم الكبرى، ولكى يحققوا قدرة الرب وجلاله عليهم قتل أعدائه (!) وأعداء الرب هم »العماليق« فى كل زمان، والعماليق تاريخيا طبقا لروايتهم هم القبائل التى كانت تهاجم بنى إسرائيل فى صحراء التيه وتقتلهم، وهؤلاء (العماليق) يجب قتلهم وإبادتهم فى كل زمان ويقول كاهانا إن التوراة أمرت بذلك وجاء فيها: (وقال الرب لموسى: اكتب هذا ذكرا فى كتاب وضع فى أذن يشوع يأتى سأمحو ذكر عماليق محوا من تحت السماء.. فالحرب قائمة بين الرب وعماليق من جيل إلى جيل (سفر الخروج 17/ 14- 16) ويقول كاهانا العماليق هم كل من يعادى اليهود فى أى زمان وأى مكان.. هم النازيون فى الجيل السابق.. وهم العرب فى هذا الجيل وخصوصا الفلسطينيين والرب يتقدس بإبادتهم وسيزول الشر وسيكون ذلك علامة لعودة المخلص ومعجلا بظهوره.. وعدم قتل الفلسطينيين يؤخر ظهور المخلص ويعرقل قدومه ويخفى اسمه وهذا يؤدى إلى ذل اليهود وضعفهم.
ولذلك هاجــر الحاخـام كاهانا من نيويورك إلى فلسطين عام 1971.. لمحاربة (العماليق) وكان يقول هو وأتباعه: إن التنازل عن أى جزء من الأرض الموعودة (فلسطين) له تأثير على النظام الكونى جميعه.
وهذا الفكر هو الذى جعل جولد شتاين يختار لقتل الفلسطينيين فى مذبحة الحرم الإبراهيمى يوم (عيد الفوريم) وهو يوم احتفال بثأر اليهود على أعدائهم والقضاء عليهم، وهم الأعداء الذين كان على رأسهم (هامان) وهو من (العماليق).. ومن أجل ذلك اعتبر اتباع الحاخام كاهانا أن السفاح (جولد شتاين) قديس قام بالقتل بدافع دينى وقدس الرب بذلك.. ويومها أصدر ممثل (كاخ) فى نيويورك بيانا قال فيه: إن جولد شتاين كان رجلاً تقياً صالحاً وسيؤدى عمله إلى تبديد الفكرة الخاطئة التى تقول إن عيش الفلسطينيين والإسرائيليين معاً سيجلب السلام.. ويومها أيضا أقام الحاخام دوف ليورد رئيس حاخامات (كريات أربع) صلاة أعقبها بكلمة رثاء قال فيها (إن باروخ جولد شتاين كان قديسا يحمل القيم والمثل العليا اليهودية، وكان هذا الحاخام يبيح إجراء التجارب الطبية على الفلسطينيين الذين تعتقلهم الحكومة ليكونوا (فيران التجارب) فى المعامل..
وقتل الحاخام كاهانا ولكن أتباعه كثيرون.. كثيرون.. فى حزب (كاخ) وحــزب (كاهانا حى) ومدرســة (جبــل الهيكــل) والمدارس الدينية وجماعـة كبيرة مــــن (جوش أمونيم) وغيرهم من يقولون إن دم غير اليهود لا يصل إلى مستوى دم اليهود.. وهناك شباب كثيرون يتعلمون كراهية العرب فى المدارس الدينية..
وهل نسينا مذبحة (قانا) حين أمر شيمون بيريز بقتل مائة مدنى عربى بالصواريخ!
هل يتعرض من يقول الحقيقة إلى محاكمة بتهمة معاداة السامية.. والحقيقة أن العرب عموما ليست لديهم معاداة السامية.. ولكن لديهم معاداة الظلم.. ومعاداة الإرهاب الإسرائيلى..
ويبدو أن إسرائيل تريد القيام بهجوم مضاد على المفكرين العرب ليسكتوا ولا يثيروا مسألة طلب محاكمة المسئولين عن جرائم الحرب القديمة والحديثة فى فلسطين، وعلى رأسهم شارون..ولكن العرب لن يخضعوا للإرهاب الذى أمامهم ولا للإرهاب الذى يترصد لهم وراء ظهورهم..
ويجب ألا ننسى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى العاشر من نوفمبر عام 1975 اتخذت القرار رقم 3379 بأن (الصهيونية هى شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصرى).
ولا ننسى ما كتبه الفيلسوف البريطانى الشهير برتراند راسل قبيل وفاته وقال: (كثيرا ما يقال لنا إن علينا أن نتعاطف مع إسرائيل بسبب ما عاناه اليهود فى أوربا على يد النازيين، ولكنى لا أرى فى هذا القول ما يبرر معاناة أخرى، فما تفعله إسرائيل اليوم أمر لا يمكن أن يغتفر، واتخاذ فظائع الماضى مبررا لارتكاب فظائع الحاضر هو نفاق ورياء، وإسرائيل لا تقف عند حد إخضاع عدد ضخم من الفلسطينيين للبؤس والشقاء، ولا تكتفى بإخضاع عدد كبير من العرب للاحتلال العسكرى، بل إنها تحكم على الدول العربية أيضاً التى لم يكد يمضى وقت يذكر على خلاصها من الاستعمار، بالتعرض لحالة من الإفقار المستمر لأنها مضطرة إلى إعطاء الأولوية للمطالب العسكرية وتقديمها على مقتضيات التنمية الاقتصادية).
ومن الذى يحاكم كتاب إسرائيل على ما يكتبونه ضد العرب وما تنطوى عليه الصحافة الإسرائيلية من معاداة للعرب؟، ومن الذى يحاكم قادة إسرائيل على ما يفعلونه من أعمال القتل والاغتيال الموجهة إلى وجود شعب فلسطين ورفض الاعتراف بوجوده أو الاعتراف بوطن أو هوية؟.. من الذى يحاسب من يسلب شعبا بأكمله من هذه الحقوق الطبيعية الأساسية؟ أليس ذلك نوعا من إبادة الجنس البشرى؟. وهل يستسيغ العقل الادعاءات بأن إسرائيل لا تحارب الشعب الفلسطينى ولكنها تحارب الإرهاب الفلسطينى؟. وهل يعقل أن يوصف شعب بأكمله بالإرهاب ويتم الاعتداء عليه بالدبابات والصواريخ والقنابل الذكية لقتله بالجملة؟. وهل يسمح الضمير الإنسانى بما تفعله إسرائيل من تدمير الثقافة الفلسطينية وإحراق المسجد الأقصى وهدم الكثير من المعالم الأثرية والإسلامية والمسيحية؟.
ثم إننا نحن العرب نعارض اللاسامية.. لماذا؟. لأنها تميز بين حقوق اليهود وحقوق غير اليهود.. أليس هذا هو بالضبط ما تفعله الصهيونية وهى تفرق بين اليهود وغير اليهود..؟ إننا نعتبر اللاسامية شكلاً من أشكال العنصرية، فلماذا لا نعتبر الصهيونية أيضا شكلاً من أشكال العنصرية..؟ هل هناك تعريف للصهيونية يمكن أن ينفـــى ذلك..؟ هل يمكن أن يوضح لنا الإسرائيليون مضمون (العنصرية) ومضمون (الصهيونية) والفارق بينهما.؟ وهل يمكن أن يقول لنا أحد إذا كان اليهود هم شعب الله المختار فلماذا اختارهم الله دون سائر البشر؟، وهل اختارهم للسيطرة على الشعوب الأخرى أو للغزو والحرب أو اختارهم لخدمة الله وبالتالى لخدمة البشرية..؟
وأخيراً نقول إن السامية نسبة إلى سام بن نوح، ووفقا للتوراة فإن سام هو الابن البكر لسيدنا نوح، وهو جد الشعوب التى تعتبر سامية وهى تضم: العبرانيين، والآراميين، والعرب، والأثيوبيين.. الخ وهؤلاء جميعا يتحدثون بلغات سامية، فالسامية أساسا تصنيف لغوى وليست تصنيفاً عنصريا، واللغات السامية مجموعتان، الأولى هى مجموعة اللغات العبرية والكنعانية والفينيقية والآرامية.. الخ أى لغات المناطق الشمالية، والمجموعة الثانية من اللغات السامية تضم اللغة العربية ولغات أخرى، فالسامية مرتبطة باللغة وليست مرتبطة بالعنصر أو القومية أو الدين أو الوطن.. وهذا ما يقوله علماء الأجناس وعلماء اللغات وعلماء الأديان.. وما يهمنا أن نقولــه هو أننا نحن العرب جميعاً فى كل التقسيمات وكل الأحوال نحن ساميون.. نحن ساميون.. ولا يحق لأحد أن يتهمنا بالعداء للسامية أو يزايد علينا أو يحاول الابتزاز بهذه التهمة التى لا يمكن أن توجه إلينا..