إصلاح الحزب الوطنى لا يكفى!
يستعد الحزب الوطنى لمؤتمره العام الثانى، ويتحرك قادته بنشاط ملحوظ على أجهزة الإعلام، أما تأثيره فى الشارع فإنه يحتاج إلى دراسة للرأى العام ولا تكفى الانطباعات الظاهرة..
فى نفس الوقت أعلن الحزب عن بداية مرحلة جديدة بعنوان فكر جديد دون تفسير أو توضيح لهذا الفكر الجديد.. وما هى أوجه الخلاف بينه وبين الفكر القديم.. هل هو فكر اقتصادى جديد قائم على نظرية اقتصادية أو توجهات جديدة؟.. أو هو فكر سياسى جديد يبشر بنظرية سياسية جديدة.. أو هو فكر جديد فى أسلوب العمل والممارسة والإدارة الداخلية للحزب؟.. وحتى الآن لم يقدم الحزب وثيقة فكرية توضح معالم هذا الفكر الجديد، سوى مجموعة شعارات وأوصاف عامة.
وانفرد الحزب الوطنى بالإعلان عن أن الفكر الجديد لا يستلزم تغيير القيادات ويكفى تغيير أفكارهم، ومعنى ذلك أن الحزب يبشر بفكر جديد بعقول قديمة.. وهذا الاتجاه فى ذاته جديد!
ولأن إصلاح الحزب الوطنى يؤدى بالضرورة إلى إصلاح الحياة الحزبية كلها باعتباره الحزب الحاكم الذى يمسك بمفاتيح الإعلام والتأثير من ناحية ويوجه السلطة التنفيذية ويضع سياساتها من ناحية أخرى، ولديه من الفرص ما ليس لغيره من الأحزاب الأخرى، حتى أن بعض قياداته أعلنت أن الحزب الوطنى هو حزب كل المصريين وهذا يكشف ما فى العقل الباطن من بقايا نظرية الحزب الواحد، أو تصور أن الحزب الوطنى يجب أن يكون كذلك. وهذه الفكرة سواء كانت ظاهرة أو باطنة خطر على مفهوم التعددية وعلى الحياة الحزبية ذاتها..
وليس من صالح البلد أن تكون الحياة السياسية قائمة على حزب وحيد، مهما كانت الظروف، ومهما يكن فى هذا الحزب من عناصر القوة والكمال، لأن النظم السياسية القائمة على الحزب الواحد انتهت وانتهى العصر الذى كان يبرر وجود الاتحاد الاشتراكى بفكره وشعاراته وتنظيماته وأسلوبه.. والعالم الآن يتجه بقوة نحو الديمقراطية.. والديمقراطية معناها وجود أفكار وتوجهات ومناهج للعمل مختلفة، ومن خلال صراع الأفكار والأحزاب يتحقق الصالح العام، فإذا تم القضاء على الاختلاف والصراع الحزبى أصبح ذلك خطرا على الصالح العام.. وليس ثمة حاجة إلى القول بأن هذا الصراع صراع سلمى وموضوعى ونزيه وليس له هدف سوى المنافسة على الخدمة العامة.
والحزب الوطنى وهو الحزب الذى تجتمع فيه كل الكفاءات والخبرات والعقول أو غالبيتها بحكم وجوده فى السلطة، ومن يعمل خارجه يفقد الأمل فى الحصول على فرصة التقدم والصعود، ووجود حزب بهذا الحجم والنفوذ يؤثر سلبا على بقية الأحزاب، وهذا هو السبب فى أن الحزب الوطنى ليس مسئولا عن تقوية كيانه وحده.. ولكنه مسئول عن تقوية بقية الأحزاب وتحريك الحياة الحزبية، وإعادة بنائها على أساس جديد ليكون الفكر الجديد الذى ينادى به ليس له ولصالحه وحده، ولكن للبلد كله ولصالحه، ولذلك أقترح أن يكون على جدول أعمال مؤتمر الحزب الوطنى بحث علاقته بالأحزاب الأخرى ودوره فى تنشيط الحياة الحزبية فى عمومها..
وحالة الأحزاب الصغيرة أصبحت تحتاج إلى وقفة، واستمرار تجاهل هذه الحالة لن يفيد الحزب الوطنى.. بل سيؤدى إلى العكس.. ومن يصدق أن فى مصر 10 أحزاب على الأقل تكاد تكون مجهولة، بعضها عمره الآن أكثر من عشر سنوات ومع ذلك ليست لها قاعدة جماهيرية، ولم تشارك فى أى انتخابات، وليس لها نشاط سياسى أو اجتماعى ملحوظ أو غير ملحوظ، ولا يرد ذكرها فى الصحافة أو التليفزيون، بينما تتفرغ أجهزة الإعلام لمتابعة أنشطة الحزب الوطنى فقط وجولات قياداته، من الذى يعرف شيئا عن حزب الجيل الديمقراطى، أو حزب الوفاق الوطنى، أو حزب الشعب الديمقراطى، أو حزب التكافل الاجتماعى، أو.. أو.. وهذه كلها أحزاب مسجلة تجعل عدد الأحزاب فى مصر أكبر من عددها فى أمريكا وبريطانيا وفرنسا مجتمعة، ولا أحد يفكر ما قيمة هذه الأحزاب، ولماذا هى بلا فاعلية، وكيف يمكن إحياؤها أو إعادة بنائها أو إنشاء أحزاب بديلة لإقامة حياة حزبية حقيقية والبعض يكتفى بالسخرية، لأن رئيس أحد هذه الأحزاب يقف فى المناسبات النادرة التى تتاح له ويقول باسم جماهير الحزب نؤيد كذا ونرفض كذا.. وينظر الجميع إلى جماهير الحزب فلا يجدون سوى ثلاثة رجال أو أربعة خلف رئيس الحزب.. وهذا الحال لا يدعو للسخرية.. ولكنه يدعو للقلق على مستقبل الحياة السياسية.
وليس هناك من يفكر فى تصحيح العلاقة بين الحزب الوطنى والأحزاب الأخرى، والعلاقة الآن غير سوية. والحزب الوطنى يمثل قوة ضاغطة على هذه الأحزاب تجعلها فى حالة إجهاض أو إفلاس متكرر.. والمفروض أنها أحزاب معارضة ومع ذلك فهى لا تعارض، لأنها تشعر بعدم جدوى معارضتها.. بل إن بعضها أعلن عن انضمامه للحزب الوطنى يأسا فى الحصول على مساحة للحركة، وقد يكون هناك حزب أو اثنان يمارسان المعارضة من خلال صحيفة الحزب التى تنشر موضوعات مثيرة بعيدة عن المفهوم السياسى الصحيح للمعارضة لمجرد لفت الأنظار.. فهى توجه الشتائم، وتنشر الشائعات، وتؤلف قصصا وهمية لإثارة القراء، وشأنها فى ذلك شأن الطفل المنبوذ الذى يلجأ إلى المشاغبة لتأكيد الذات ولفت الأنظار، وربما يكون ذلك تعبيرا عن تشنجات تسبق الموت.. ومن ناحية أخرى لم يسع الحزب الوطنى إلى مد يده إليها، أو الاشتراك فى حوار معها، أو إعادة الاعتبار أو إظهار الاحترام إلى هذه الأحزاب، وربما تكون نظرة التعالى التى ينظر بها الحزب الوطنى هى السبب، وقد يكون الرضا باستئثاره بالأغلبية هو السبب، وربما لأن الحزب الوطنى يتعامل من موقع قوة، وهذه القوة هى العقبة أمام ظهور أحزاب قوية جديدة أو نمو الأحزاب الصغيرة القائمة.
والآن ليس أمام هذه الأحزاب الصغيرة سوى إنقاذ نفسها إما بالاندماج، وإما بتكوين تكتلات وتحالفات بينها، قبل أن تذوى وتموت ويبقى الحزب الوطنى وحده، وتعود أيام الاتحاد الاشتراكى تحت مسمى جديد فى عصر مختلف كلية عن عصر الاتحاد الاشتراكى.
وإذا قيل إن الأحزاب الصغيرة مصابة بالشلل بسبب الصراعات والخلافات داخلها وعدم وجود قيادات سياسية لها شعبية وتأثير وقدرة على جذب الأنصار لها.. فإن مؤدى ذلك أننا على وشك الوصول إلى مرحلة من الفراغ السياسى، لأنه لا يمكن أن تقوم الحياة الحزبية السليمة على حزب واحد مهما كانت قوته، ومهما كان التفاف الجماهير حوله، وثقتها فيه، وتفانيها فى الدفاع عنه.. ولا يمكن نظريا أو عمليا أن يتحقق إجماع الأمة على فكر واحد أيا كان، أو على حزب واحد مهما بلغت قوته، ولو كان الإجماع ممكنا لكان الإجماع على دين واحد.. ولكن شاء الله أن تختلف الأديان، وأن يظل هذا الاختلاف إلى يوم القيامة، وأن تتفق كل الأديان على عبادة إله واحد وتختلف فى الطرق المؤدية إليه.. فكيف إذن تتفق الأمة كلها وبالإجماع أو ما يشبه الإجماع على حزب واحد؟.. وكيف تجتمع الأمة على رفض كل ما عداه من الأحزاب والاتجاهات السياسية؟..
إن الحزب الوطنى ليس مسئولا عن نفسه فقط، ولكنه بحكم نشأته وتكوينه والفرص المتاحة له مسئول عن إقامة حياة ديمقراطية سليمة لا يمكن أن تتحقق إلا بإعطاء مساحة لكل التيارات والاتجاهات والأفكار.. وخلق الفرص أمامها للتعبير عن نفسها، والوصول إلى الرأى العام، وهذا ما يعطى حيوية للمجتمع ويؤدى إلى الإبداع وابتكار حلول جديدة للمشاكل القائمة، ويجذب الأغلبية الصامتة إلى المشاركة، ويزيد حيوية العمل السياسى.
وطبعا يحتاج الفكر الجديد للحزب الوطنى إلى عقول جديدة، وقيادات جديدة، ووجوه جديدة، ودماء جديدة، وهذا سوف يتحقق حتما إن لم يكن اليوم.. فسيكون غدا.. *