بحث عــن أحــــلام الشـباب
وليس جديداً أن يتحرك الشباب مطالبين بالتغيير والاصلاح وفى التاريخ المصرى حركات شبابية كان لها الفضل فى تقدم المجتمع وتجاوز دعوات الجمود والتخلف.
وفى العصر العثمانى بدأت المطالبة بالتغيير من الأزهر ورجاله، وبعدها ظهر الشيخ حسن العطار اثناء الحملة الفرنسية داعيا إلى مقاومة الاحتلال الأجنبى واصلاح المجتمع المصرى، والمؤرخون يعتبرون الشيخ حسن العطار الذى صار شيخا للأزهر الشريف أحد رواد النهضة الحديثة فى مصر وبعده قاد الشيخ محمد عبده حركة إصلاح كبرى تبدأ بمقاومة الاحتلال البريطانى وتمتد إلى إصلاح الحكم والحياة الثقافية والاجتماعية والتجديد الدينى وتحديث التعليم، وفى ثورة 1919 ولدت أجيال جديدة اكتسبت الوعى بضرورات الاصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى ومقاومة الاحتلال والتدخلات الأجنبية واستقلال الإرادة الوطنية. وحققت هذه الثورات الشبابية انجازات مهمة نحو النهضة، ولكن كان هناك دائماً من يعرقل وصولها إلى أهدافها كاملة بالتسويف، والمماطلة، والتأجيل، وتبديد الوقت.. ولكن ظل هدف الشباب فى كل مراحله هو ما أعلنه رفاعة الطهطاوى أن تكون مصر مكان سعادتنا أجمعين، نبنيه بالحرية والفكرة والمصنع. وبعد ذلك فإن دور الشباب فى ثورة 23 يوليو وما بعدها معروف.
المراة أكثر انشغالا بالمستقبل
فى ثورة الشباب فى ميدان التحرير نلاحظ تواجدا كثيفا للفتيات والسيدات والأمهات لكبار السن، وهذه الظاهرة لفتت الأنظار خصوصا مع الزحام الشديد جداً، والمفروض أن تتردد المرأة فى الاشتراك فى هذا الزحام خوفا من التحرش أو المضايقات المعروفة، ولكن المدهش أنه طوال أيام المظاهرات، وتواجد الفتيات والسيدات طوال الليل والنهار لم تحدث حالة اعتداء أو تحرش أو مضايقة واحدة، وهذا دليل على أن مثل هذه اللحظة يظهر فىالشباب المصرى أنبل وأجمل مافيه من حرص على القيم والأخلاق، والإيمان باحترام المرأة لدورها ومشاركتها فى العمل الوطنى.
وفى الدراسات النفسية الاجتماعية ما يؤكد ذلك، بل وفيها نتائج أبحاث للمركز القومى للبحوث الاجتماعية اكتشفت أن المرأة أكثر اهتماماً بالتفكير فى المستقبل وتوقعاً للنتائج المستقبلية، وأنها فى نفس الوقت على نفس الدرجة من الاهتمام بالحاضر مع الرجال، وتقول دراسة للدكتور شحاتة زيان خبير علم النفس بمركز البحوث أن الإناث أكثر إيجابية فى توجههن للمستقبل، ويفسر ذلك بأن الأدوار التى يلقيها المجتمع عليهن تساعد على تدريبهن على القيام بمسئوليات عديدة فى وقت واحد.
فيما يخص الأسرة، والأبناء والزوج، والمحافظة على كيان الأسرة حتى لو ضحت المرأة بحقوقها، وتتعلم المرأة المصرية منذ الصغر أن عليها ان تتحمل كثيراً من المتاعب والمضايقات فى سبيل المحافظة على الأسرة، كما تتعود على تحمل الدور الرئيسى فى اختيار أهداف الأبناء وتشارك فى ذلك الرجل مشاركة قوية وتكاد تكون مهيمنة على ذلك، فالمرأة هى التى تبدى الرأى فى كل من يتقدم لبناتها للزواج، ولابنائها من زوجات، وكل هذه الأدوار والمسئوليات تكسب المرأة قوة داخلية وقدرة على تحمل المسئوليات مهما كانت صعبة ومتعددة، وهذا ما جعل الشاعر يرى أن «الأم» مدرسة، هى كذلك بالفعل، فهى التى تنقل ثقافة وقيم المجتمع إلى الأبناء، وهى التى تتولى الرعاية والتوجيه، والتمسك بالتقاليد وتلقين الأبناء الأخلاق والسلوك الاجتماعى السليم.. ومن منا لا يذكر كيف ينصت إلى أمه باهتمام شديد ويستوعب ما تحكيه من قصص وتوجيهات ويختزنها فى داخله ويظل يتذكرها طول سنوات عمره؟.. ولا ينكر أحد أنه مدين لأمه بما تعلمه عن الحياة والمجتمع والناس.. وهذا ما يفسر به علماء الاجتماع كثافة تواجد الفتيات والنساء فى مظاهرات ميدان التحرير لأنها، فى نظرهن تتعلق بالمستقبل وترسم خريطة الحياة والمرأة بطبيعتها مهمة بكل ما يتعلق بصنع المستقبل سواء على المستوى الفردى أو على المستوى الاجتماعى.. وهذا ما يقوله علماء الاجتماع، ويشيرون إلى دور المرأة فى الصعيد وفى المجتمعات البدوية فى بقاء ظاهرة «الثأر» وتحريض الأبناء عليها ودورها فى ذلك أكبر من دور الرجال، وفى بحث الدكتور شحاتة زيان نكتشف أن الوقت الذى تقضيه المرأة فى المواصلات أقل من الرجل، وتعطى لعملها وقتاً أقل من الرجل، وتخصص وقتا للراحة والترفيه، والثقافة والرياضة أقل، بينما تخصص وقتا للعبادة أكبر من الرجل، وهناك طبعا فروق بين كبار السن وصغار السن من الذكور والاناث ودلت النتائج على الصغيرات أكثر اهتماماً بالتفكير والعمل للمستقبل من الشبان، ويلفت النظر فى نتائج هذا البحث أن الجميع «الذكور والاناث». كبار السن وصغار السن.. تغلب عليهم صفة التفاؤل، والرغبة فى العمل للمستقبل على أسس واقعية، والتفاؤل يجعلهم قادرين على إنجاز ما يريدون انجازه، والمتفائلون، وهم الأغلبية، هم الأقل معاناة من الشعور بالقلق، والاكتئاب، والوسواس، واليأس والخوف من الموت، والأمراض الجسمية التى ترجع لأسباب نفسية، وعدد مرات الاستيقاظ من النوم أثناء الليل، بينما يعانىالمتشائمون أكثر من هذه الأعراض، كما أن المتفائلين يتمتعون أكثر من المتشائمين بالصحة وأداء أفضل لأعمالهم، وقدرة أفضل على التفكير، وهم أكثر تدينا ولديهم دافع للإنجاز، وحين سئل أفراد العينة عن رأيهم فى السبب الذى يجعلهم يشعرون بالتفاؤل قال معظمهم أن السبب أنهم يتعاملون مع المشكلات التى تصادفهم بتفكير هادى وتصرفات إيجابية بينما تؤدى المشكلات بالمتشائمين إلى المشاعر الانهزامية والاستسلام للاحساس بالعجز.. المتفائلون قالوا إنهم حريصون على متابعة تنفيذ أهدافهم مهما قابلتهم العقبات، وقالوا إنهم اكتسبوا التفاؤل والقدرة على التغلب علىالمشاكل وتعلموا ذلك من الاسرة، وبعضهم قال إنه حرص على أن يتعلم ذلك بنفسه.. والمهم فى هذه النتائج أن المتفائلين هم الذين لديهم أمل فى تغيير الواقع، ولديهم الشعور بالقدرة على المساهمة فى هذه التغيير، ولديهم احساس قوى بأن آمالهم وطموحاتهم سوف تتحقق، ويقول البحث إن المتفائلين لديهم «مؤشرات الأمل»التى تجعلهم واثقين من تحسن الأحوال فى مصر اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا، وهذا ما يجعلهم يشاركون فى كل عمل إيجابى يمكن أن يؤدى إلى تحسين نوعية الحياة فى المستقبل.. وقد تكون المفاجأة فى نتائج هذا البحث أن نكتشف خطأ الفكرة السائدة بأن أهل الريف أقل اهتماما بالمستقبل، وأنهم يميلون إلى الاستسلام للمقادير، وسذج، متعصبون، وشديدو التمسك بالتقاليد، فالنتائج ترسم صورة أخرى للريفيين تدعو إلى تغيير النظرة إلى «الفلاح» فهو مشغول بالمستقبل، وقد اكتسب ذلك من طبيعية حياته وعمله، فهو ينظم حياته على ما يقوم به من جهد فى الأرض وهذا الجهد لا تظهر نتائجه على الفور ولكن الزراعة تقتضى أن يعمل وقتا طويلا فى التجهيز والرعاية اليومية لكى تأتى الثمار بشكل يرضيه وشعاره إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وباختصار فإن الدراسات الاجتماعية أن المجتمع فيه كل ألون الطيف، فيه المتفائلون والمتشائمون، ولكن المتفائلين هم الأكثر، وفيه المشغولون بالمستقبل، والمشغولون بالحاضر ويفكرون يوما بيوم فيما يمكن أن يعملوه، ولكن المشغولين بالمستقبل، وفيه الذين يحملون هموم المجتمع ومن يحملون همومهم فقط، والذين يحملون هموم المجتمع أكثر.. وفيه أفكار عن سلبية أهل الريف، والنساء، وعدم اهتمامهم بالقضايا العامة.. والدليل على ذلك فى ميدان التحرير.