الشيخ زايد فى قلوب المصريين
لم تتح لى الظروف زيارة الإمارات سوى أربع مرات على طائرة الرئيس حسنى مبارك فى زياراته للقاء الشيخ زايد.. وفى الطائرة اعتاد الرئيس مبارك أن يلتقى برؤساء التحرير ليجيب عن أسئلتهم، ويستمع منهم، وفى كل مرة كنت أسمع من الرئيس مبارك كلمات تعبر عن تقدير خاص للشيخ زايد، وكنت دائما ألمس المحبة التى تربط بين الزعيمين فى لحظة لقائهما حيث تنطق العيون بما فى القلوب.
سمعت الرئيس مبارك يتحدث كثيرا عن شهامة الشيخ زايد، وعن الروح العربية الأصيلة التى يتميز بها، والحكمة، والقدرة على النفاذ إلى جوهر كل موضوع بسهولة والوصول إلى الرأى الصائب. وسمعت من الرئيس مبارك كثيرا جدا عن مواقف الشيخ زايد مع مصر، وهى مواقف لا تعد ولا تحصى، منها مواقفه النبيلة إلى جانب مصر بعد نكسة 67 حين كان بعض الأشقاء يبدى الشماتة، وكان الشيخ زايد يمد يد المساعدة والمؤازرة لكى تعود مصر واقفة على قدميها ورافعة رأسها، ومازالت كلمات الشيخ زايد تتردد على ألسنة الجميع حين قال: إن مصر بالنسبة للعرب هى القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة.
وكان لى شرف لقاء الشيخ زايد مع رؤساء تحرير الصحف المصرية، وذلك فى زيارته الأخيرة للقاهرة، وقد مضت على هذه الزيارة سنوات ولكنى مازلت أذكر كل ما دار فيها وكان اللقاء فى قصر القبة التاريخى الشهير، وقال لنا الشيخ زايد: لقد طلبت من أبناء الإمارات أن يستثمروا أموالهم فى مصر، لأن نهضة مصر نهضة لعرب كلهم، وأوصيت أبنائى بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، وهذه هى وصيتى أكررها لهم أمامكم، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم..
وكان لهذه الكلمات تأثيرها فى قلبى وقلوب المصريين، كما كانت أحاديث الرئيس مبارك عن مواقف الشيخ زايد مع مصر فى حرب أكتوبر 1973، وقراره الشجاع بوقف تصدير البترول، وقد دخل الشيخ زايد التاريخ بكلماته الرائعة حين قال: إن البترول العربى لن يكون أغلى من الدم العربى.. وبعد حرب أكتوبر كانت وقفة الشيخ زايد التى لا تنسى لمساعدة مصر على إعادة إعمار مدن قناة السويس (السويس- الإسماعيلية- بور سعيد) التى دُمرت فى العدوان الإسرائيلى عليها عام 67 . وفى كل مدينة من هذه المدن حى كبير باسم الشيخ زايد تسكنه آلاف الأسر.
وعندما بدأت مصر فى اقتحام الصحراء بمشروع توشكى العملاق الذى يحول نصف مليون فدان من ارض صحراوية مهجورة إلى ارض زراعية عامرة بالسكان والخير، ويتكلف مليارات الدولارات.. فى هذا المشروع المستقبلى الكبير أنشئت قناة تمتد عدة كيلو مترات تحمل الحياة من مياه النيل إلى هذه الأرض الجديدة.. هذه القناة الكبرى تحمل اسم الشيخ زايد.. ويتردد كل لحظة فى مصر الحديث عن قناة الشيخ زايد.. ومدن الشيخ زايد.. ومشروعات الشيخ زايد.. ومواقف الشيخ زايد..
وأكثر ما لفت نظرى فى زياراتى السريعة للإمارات مدى الحب الذى يحمله جميع المصريين الذين يعملون فى هذه الدولة الغالية، حتى أن كل من أقابله يقول لى: المصريون فى الإمارات لا يشعرون أبدا بالغربة، ويحيطهم أبناء الإمارات بمودة، ويستمتعون برعاية خاصة جدا من الشيخ زايد شخصيا، حتى أننى أعرف عددا غير قليل من المصريين قضى سنوات فى الإمارات وعاد إلى مصر ليواصل حياته فيها، ولكن الحنين إلى الإمارات يجعلهم يقومون بزيارات إليها مع عائلاتهم ولم تنقطع صلتهم بإخوانهم هناك، وقال لى بعضهم إن أبناءهم يلحون عليهم لزيارة الإمارات ليلتقوا بأصدقائهم وزملاء الدراسة لأنهم يشتاقون إليهم.. وهذا الشعور يجعل كل مصرى يعتبر الإمارات وطنه الثانى، ويجعل المصريين ما إن يسمعوا شخصا يقول أنا من الإمارات حتى يفتحوا له قلوبهم، ويقولوا له: مرحبا بأبناء الشيخ زايد.
وأذكر أن مجموعة من المصريين قرروا إقامة تمثال للشيخ زايد فى مصر، ولكنهم اختلفوا فى اختيار المكان الذى يقام فيه التمثال: بعضهم أراد إقامته فى حى الشيخ زايد فى السويس، وبعضهم أراد إقامته فى حى الشيخ زايد فى الإسماعيلية، وبعضهم أراد إقامته على رأس قناة الشيخ زايد فى توشكى، وبعضهم أراد إقامته عند مدخل مدينة الشيخ زايد القريبة من مدينة 6 أكتوبر، وهى مدينة سكنية متكاملة تعتبر تحفة فى تنظيمها وتخطيطها ومبانيها ومرافقها.. وقال بعضهم: إن للشيخ زايد تمثالا فى قلب كل مصر، وقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه.
وفى هذه الأيام يعترف العرب بأن الشيخ زايد هو الرجل الحكيم الشجاع الذى قال كلمة فى مؤتمر القمة فى شرم الشيخ لو فهمها العرب وتجاوبوا معها لتحقق إنقاذ العراق من الغزو والاحتلال، حين تقدم إلى القمة بمبادرة تدعو صدام حسين إلى التنحى وتسليم الحكم إلى من يختارهم الشعب العراقى وبذلك تزول حجج الحرب.. والآن- بعد فوات الأوان- يقول الجميع: ليتنا سمعنا كلام الشيخ زايد.. وليتنا أخذنا هذه المبادرة مأخذ الجد ولم نتردد كما فعلنا.. وليت شجاعة الشيخ زايد كانت لدى الجميع!
طبعا لا أستطيع أن أقول كل شىء عن الشيخ زايد.. فالحديث عنه متشعب وله جوانب كثيرة.. وليس سهلا أن أحيط بكل ما أنجزه الشيخ زايد فى الإمارات التى تحولت من صحراء إلى دولة عصرية تزهو بالمواقع والمعالم الحضارية المتقدمة فيها سواء فى التعليم، أو التكنولوجيا والصناعات الإلكترونية، أو الرعاية الصحية، أو إنشاء وتخطيط المدن الجديدة، أو تحويل الصحراء إلى ارض خضراء مليئة بالأشجار والحدائق وناطحات السحاب، والأسواق التى تنافس أسواق أوربا، وبكل مظاهر التقدم والجمال،فضلا عن انتشار أحدث وسائل الاتصال، ولا شك أن ما تحقق يمثل معجزة حقيقية لا يقدر عليها سوى حاكم يتمتع برؤية مستقبلية، وبإرادة هائلة وبقدرة على الإنجاز وتحويل الحلم إلى واقع، والحكام الذين غيروا بلادهم وأعادوا بناءها ليسوا كثيرين فى التاريخ.
والشيخ زايد صاحب القلب الكبير يهتم بالإنسان البسيط ويرعاه بنفسه.. وهو الآن يقود المسيرة فى مرحلة تطور ثانية تنقل الإمارات إلى القرن الحادى والعشرين، وتجعل هذه الدولة العربية العزيزة على قلوب المصريين تقف على قدم المساواة مع الدول المتقدمة.. وأعظم ما فى الشيخ زايد أنه يؤمن بالمستقبل.. ويؤمن بالتطور.. ويؤمن بالإنسان.. ولم يقل يوما أنه حقق كل ما يريد.. فلا يزال يفكر ويعمل.. ولديه الكثير من المشروعات يتابعها بهمة لا تعرف الكلل.
ومن يؤمن بالله ويتبع كل ما أمر مثل الشيخ زايد فلابد أن يشعر براحة الضمير والرضا عن النفس، ولابد أن تحيطه القلوب بالحب فى وطنه وخارج وطنه.. وبخاصة فى مصر التى تعتبر الشيخ زايد نموذجا للشخصية العربية الأصيلة.. ويود كل مصرى لو استطاع أن يشد على يده ويقول له: دمت للعرب جميعا وكل عام وأنت بخير بمناسبة عيد جلوسك يوم 6 أغسطس.. ودعوات من القلب بأن يرعاك الله ويسدد خطاك..