احذروا الفتنة القادمة!
 احذروا..

هناك من يفكر.. ومن يخطط.. ومن يستعد لإثارة الفتن فى العالم العربى والإسلامى..

 احذروا..!

فى كل عصر من عصور التاريخ كان الإسلام يواجه فتنة لتمزيق وحدة المسلمين.. وكل عدو فى التاريخ كان يعلم أن الإسلام قوة روحية هائلة إذا توحد المسلمون، ويجد من مصلحته منع ظهور هذه القوة، والسعى إلى تدميرها كلما كانت هذه القوة على وشك الظهور.

وفى هذه المرحلة التى يتحدث فيها الغرب عن صراع الحضارات، ولا يخفى بعض زعماء ومفكرى الغرب عداءهم للإسلام، ولا تحدث جريمة إرهابية فى العالم إلا وتشير أصابع الاتهام إلى المسلمين.. فى هذه المرحلة نجد الفتنة فى العالم الإسلامى تحركها أصابع خفية شريرة، وأحيانا تحركها سياسات معلنة.. مرة تتفجر فتنة بين المسلمين والأقباط ليس لها أساس ولا جذور.. ومرة تظهر فتنة بين دول إسلامية لاختلافات فقهية ومذهبية بينها رغم أن هذه الاختلافات فى الفروع وليست فى جوهر العقيدة..   والفتنة القادمة هى إشعال الخلافات من جديد بين السنة والشيعة.. وهذه فتنة قديمة، وقد تحولت النار إلى رماد، ولكن هناك الآن من يسعى إلى النفخ فى الرماد لإشعال النار من جديد، وظهر ذلك فى العراق، بمحاولة قوات الغزو الأمريكى إثارة الفتنة بين السنة والشيعة فيها، وفوجئت سلطة الاحتلال بانضمام الشيعة إلى السنة وسيرهم فى مظاهرات واحدة يهتفون (لا سنة ولا شيعة ولكن إسلام واحد). وبذلك أثبت شعب العراق أنه على درجة عالية جدا من الوعى السياسى والحس الوطنى والقدرة على إدراك الخديعة التى نصبت له.

ولم تكن محاولة الإيقاع بين السنة والشيعة جديدة.. فقد بدأ التحضير لها منذ وقت طويل.. فى الخارج والداخل.

والفتنة القادمة ليست بين السنة والشيعة فقط.. ولكن التحضير يتم أيضا لإثارة الأقليات فى كل بلد من البلاد العربية.. بعد أن تم إجراء مسح للأقليات التى تمكن إثارتها.

وللدكتور سعد الدين إبراهيم كتاب صدر فى عام 1992 عن الأقليات فى الوطن العربى ويخصص أقساما فى الكتاب عن المسيحيين، والنوبيين، والشيعة. وينتهى فى الكتاب إلى الحل المثالى للأقليات يتلخص فى ثلاثة اتجاهات أولها الفيدرالية، أى تحويل كل دولة عربية فيها واحدة من هذه الأقليات من دولة موحدة إلى دولة فيدرالية تحكم فيها هذه الأقلية نفسها بنفسها.

وفى هذا الكتاب يتحدث الدكتور سعد الدين إبراهيم عن التوتر والصراع بين الجماعات الدينية، ويقول إن وجود التسامح فى المجتمع لا يعنى غياب التوتر والصراع، ولا يعنى تعايش الطوائف سيادة العدل والمساواة بينها، فكثيرا ما يتعرض بعضها لدرجة أو أخرى من القهر أو التفرقة فى المعاملة والتعصب فى الممارسات اليومية، وعدم المساواة يدفع الجماعات الدينية إلى التمحور حول عصبيتها الطائفية فى مواجهة الآخرين. والتاريخ زاخر بالحروب والصراعات الدينية والطائفية، ثم يتحدث عن الصراع الدينى فى الإسلام منذ منتصف القرن الهجرى الأول، أثناء ولاية على بن أبى طالب، وقد أدى ذلك إلى خلافات أو انقسامات فى الإسلام، وارتدى الخلاف على السلطة رداء دينيا جدليا حول (نظرية الإمامة) أو الخلافة فى الإسلام، وفى أواخر سنوات حكم على بن أبى طالب كان المسلمون قد انقسموا إلى ثلاث فرق رئيسية، المناصرين لعلى، والمناصرين لمعاوية بن أبى سفيان، والخارجين عليهما والرافضين لكليهما، وبعد مقتل على تبلورت، وتكلست الخلافات بين الفرق الثلاث وتحولت إلى مذاهب دينية سياسية عرفت فيما بعد فى التاريخ الإسلامى بالسنة، والشيعة، والخوارج، ووقعت فى دار الإسلام حروب دموية على مدى عدة قرون بين أنصار هذه المذاهب الثلاثة، وتفرع عن الشيعة عدة طوائف، وعن الخوارج عدة طوائف، ووقع بينها وبين السنة، وبين بعضها والبعض الآخر من الجدل والاقتتال الدموى قدر ما وقع بين المسلمين وغير المسلمين فى القرون الثلاثة الأولى للإسلام. ويشير بعد ذلك إلى أن بعض الجماعات قد تنتهى إلى أن استمرار تعايشها مع غيرها فى نفس المجتمع السياسى لا يلبى مطالبها وطموحاتها، أو يترتب عليه إضرار بمصالحها، فتبرز بين صفوف أبنائها الدعوة إلى الانفصال، والاستقلال الذاتى فى إقليمها، أو الاستقلال الكامل فى دولة خاصة بها.

ويقول الدكتور سعد الدين إبراهيم إن الحديث عن موقف الأقليات فى العالم العربى قد يبدو حديثا فات أوانه، أو لم يحن أوانه، إلا أن استمرار الصراع الأهلى المسلح فى كل من لبنان والسودان، واشتعاله بين الحين والحين فى شمال العراق، فإن العودة الخجول للمشاريع الوحدوية الوسيطة، مثل مجلس التعاون الخليجى، ومجلس التعاون العربى، واتحاد المغرب العربى، لابد أن تطرح مجددا موقف الأقليات من هذه المشاريع، وعلى أرضية عقلانية جديدة، كما حدث من إصرار حركة العقيد جون جارانج فى جنوب السودان على إلغاء اتفاقيات التكامل مع مصر واتفاقيتى الدفاع المشترك مع كل من مصر وليبيا، وربما كان هذا هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم انضمام السودان إلى أحد التجمعات العربية الإقليمية، ويصل الدكتور سعد الدين إلى أن مسألة الأقليات حساسة للغاية وأن هذه الحساسية سوف تزداد فى المستقبل.

***

يتحدث الدكتور سعد الدين إبراهيم عن الأكراد وأكثر من ثلاثة أرباعهم فى شمال العراق (مرتفعات كردستان) وشمال شرق سوريا (فى الفرات الأعلى) الملاصق جغرافيا لمناطق وجودهم فى العراق وتركيا.

ويتحدث أيضا عن النوبيين ويعتبرهم من الأقليات فى أقصى جنوب القطر المصرى، ويقول عنهم إنهم مجموعة لغوية صغيرة تعرف باسم سكان النوبة، ويقدر عددهم بحوالى نصف مليون، ويقول إن النوبيين شعب حامٍ قديم يسكن منذ آلاف السنين على ضفاف النيل فى بيئة فقيرة قاسية، وقد نزل العرب ديار النوبة عند الفتح العربى الإسلامى فى القرن السابع الميلادى، وتمت (أسلمتهم) ولكن لم يتم تعريبهم، ورغم أن العرب صاهروهم إلا أن الهجرات العربية لم تكن من القوة بحيث تقضى على الثقافة النوبية، لذلك بقيت اللغة النوبية لغة حية للحديث والمعاملات والفنون الشعبية فى بلاد النوبة ويقول الدكتور سعد الدين إبراهيم: ولكن النوبيين مع ذلك يعرفون العربية ويتحدثونها كلغة ثانية مع الأغلبية العربية شمالا وجنوبا.

وعندما يتحدث الدكتور سعد الدين إبراهيم عن المسيحيين يقول إن التوسع العربى الإسلامى فى القرن السابع الميلادى (أسلم) و (عرّب) معظم رعايا الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية وكان أغلبهم مسيحيين ويهودا، غير أن احترام الإسلام لأتباع الديانتين بصفتهم (أهل كتاب) أو (ذميين) هو الذى أدى إلى استمرار الجماعات المسيحية واليهودية منذ ذلك الوقت بقدر كبير من التسامح، ولم تتعرض طوال الأربعة عشر قرنا الماضية لاضطهادات جماعية إلا نادرا، ويقول عن الأقباط فى مصر إنهم مندمجون اجتماعيا واقتصاديا فى نسيج المجتمع المصرى، وإن لم يلعبوا دورا سياسيا معترفا به رسميا إلا منذ بداية عصر النهضة الحديثة، مع الحملة الفرنسية، وعهد محمد على، وأصبحوا منذ بداية القرن العشرين يلعبون دورا سياسيا متناميا، وصل أوجه فى ثورة 1919 وخلال الحقبة الليبرالية (1923 - 1952) وهم متساوون مع المسلمين بحكم الدستور والقوانين الوضعية، ولكن التاريخ الطويل للتسامح والتعايش بين الأغلبية المسلمة والأقلية القبطية لم يخل من لحظات التوتر والصراع بدأ آخرها مع حكم الرئيس السادات فى السبعينات، ووصل قمته حينما أقبل هذا الأخير على عزل بطريرك الأقباط البابا شنودة فى سبتمبر 1981، ورغم احتواء ذلك فى بداية عهد الرئيس حسنى مبارك (بعد اغتيال الرئيس السادات فى أكتوبر 1981) إلا أن الأقباط لا يزالون يتعرضون بين الحين والآخر لاعتداءات من الجماعات الإسلامية المتطرفة التى نمت فى مصر فى العقدين الأخيرين، كما أن الأقباط، رغم ارتفاع مستوياتهم التعليمية والمهنية والاقتصادية، لا يحظون بما يعتقدون أنهم يستحقونه من المناصب السياسية العليا فى الدولة.

هذا ما يقوله الدكتور سعد الدين إبراهيم عن الأقباط فى مصر فماذا قال عن العراق تحديدا فى هذا الوقت المبكر؟

***

الدكتور سعد الدين إبراهيم يقدم معلومات عن العراق- هى ما تنشر فى الإعلام الأمريكى الآن- يقول فيها: إن العراق فيه أغلبية عربية تصل إلى 80% من إجمالى السكان، وأقلية من الأكراد يشكلون 18%، وجيوب ضئيلة من التركمان، والايرانيين، والآشوريين، والأرمن، لا يتجاوزون أكثر من 2%. وفى العراق أغلبية مسلمة تصل إلى أكثر من 95% من إجمالى السكان، وإلى جانبها أقليات مسيحية (معظمها أيضا أقليات لغوية) تصل إلى حوالى 4%، وجيوب ضئيلة من اليزيديين والمانديين والصابئة واليهود تصل فى مجموعها إلى حوالى 1%، وبين المسلمين نجد مجموعتين متساويتين فى الحجم تقريبا، هما السنة (حوالى 48%) والشيعة (حوالى 48%).

وينتهى من ذلك إلى أن هذه التعددية تجعل الحفاظ على تماسك ووحدة المجتمع العراقى مهمة غاية فى الصعوبة والحساسية، وأدنى اختلال يؤدى إلى التوتر، أو إلى الصراع السافر، وهو الأمر الذى حدث بالفعل على مدى العقود الثلاثة الماضية بين الأقلية الكردية والأغلبية العربية.

وحين يتحدث عن العلاقة بين السنة والشيعة فى العراق يقول إنها تتراوح بين التعاون فى أوقات الكفاح ضد عدو خارجى (كما حدث فى العشرينات والثلاثينات فى أثناء مقاومة الاحتلال الانجليزى) والتعايش السلمى فى أوقات الاستقرار والرخاء، والتوتر المكتوم فى أوقات عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى، ويقول إن العرب السنة هيمنوا على معظم المناصب السياسية القيادية فى العراق منـذ عشـرينات القرن العشرين، وقد انفجــر الصـــراع المسلح داخـــل العـــراق فى أعقــاب هزيمتها المروعة فى حرب الخليج (يناير - فبراير 1991). وفى أعقاب هذه الهزيمة ظهرت وانفجرت التوترات العرقية والدينية بشكل أكثر سفورا وحدة مما حدث من قبل. فقد نشب تمرد شيعى واسع فى جنوب العراق، وتمرد كردى مماثل فى شمال العراق، ورغم هزيمة النظام العراقى وضعفه وانهيار هيبته بعد حرب الخليج، فإنه تعامل مع المتمردين بعنف وقسوة بالغين حتى اخمدهم، وظل الوضع فى العراق فى ظل حكم الحزب الواحد، والزعيم الواحد، قلقا للغاية، وقابلا للتفجر من جديد.

وينتقل الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى الحديث عن البحرين فيقول إنه فى السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن العشرين، حينما انفجرت الثورة الإسلامية فى إيران بقيادة آية الله الخمينى، تحركت فى نفوس شيعة البحرين بذور السخط على الأسرة الحاكمة التى يعتبرها معظم البحرينيين (شيعة وسنة) عقبة فى طريق مزيد من المشاركة فى السلطة والثروة فى البلاد، ولكن لم يصل هذا السخط إلى مستوى الصراع السافر بعد، ورغم أن إمكانية الصراع قائمة، فإنها فى الأساس تتمحور حول قضية المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية أكثر من كونها قضية مذهبية دينية، ولكن كالعادة، قد يتطابق العامل الإثنى (المذهبى فى هذه الحالة) مع عوامل طبقية وسياسية، فيأخذ التوتر أو الصراع أبعادا متعددة تطمس القضية الأساسية، وتعطى الفرص لقوى أجنبية للتدخل.

كذلك حين يتحدث عن سوريا يقول إنه توجد الأغلبية العربية المسلمة السنية وتوجد ما لا يقل عن 17 أقلية دينية ومذهبية ولغوية. والأغلبية العربية السنية تمثل أكثر من 65% من مجموع السكان، والعلويون 12% والمسيحيون بمختلف طوائفهم 8%، والأكراد 8% وهم مسلمون سنة إلا أن لهم لغتهم وثقافتهم الكردية وإن كان معظمهم يتحدثون العربية، ويليهم الدروز 3% وهم عرب مسلمون لهم مذهبهم الدينى الخاص، والأرمن 3% وهم أقلية مسيحية دينية ولغوية وافدة فى العصر الحديث من بلادها الأصلية فى أرمينيا، كما توجد فى سوريا جيوب أخرى تشمل الشيعة الاثنى عشرية وعددهم 55 ألفا، والشيعة الإسماعيلية وعددهم 66 ألفا، واليزيدية 110 آلاف، وبقايا الطائفة اليهودية 30 ألفا التى هاجر معظمها إلى إسرائيل. والأقليات تميل إلى التمركز فى مناطق جغرافية معينة. فالعلويون يتركزون فى جبل العلويين بمحافظة اللاذقية، والدروز فى جبل الدروز بجنوب سوريا، والأرمن فى محافظة حلب، والأكراد فى محافظة الجزيرة والفرات الأعلى.. هذا التركيز الجغرافى لمعظم الأقليات، إلى جانب المبدأ الاستعمارى العتيد (فرق تسّد)، كان وراء محاولات الفرنسيين فى فترة ما بين الحربين لخلق دول طائفية فى سوريا، أسوة بما فعلوا فى لبنان بالفعل، فبعد أن أنهت قوات الاحتلال الفرنسى حكم الأمير فيصل فى دمشق 1920، وبعد الانتفاضة الوطنية بقيادة الزعيم الدرزى سلطان باشا الأطرش 1925 قامت سلطات الحماية الفرنسية بتقسيم سوريا إلى خمس دويلات إحداها علوية، والثانية درزية، والثالثة سنية فى حلب، والرابعة أيضا سنية فى دمشق، والخامسة مسيحية فى لبنان، ولكن لم يكتب الدوام إلا لهذه الأخيرة التى أصبحت فيما بعد الدولة اللبنانية، والدولتان السنيتان فى حلب ودمشق اندمجتا فيما يسمى بدولة سوريا بعد انتفاضة 1925، وانضمت إليها دويلتا العلويين والدروز عام 1937، ولا شك أن هذه المشروعات الفرنسية كان لها بعض المؤيدين من أبناء تلك الأقليات. والعصبيات المحلية قابلة للاستثارة بين الحين والآخر بفعل مؤثرات داخلية وخارجية.. الخ.

ويقول الدكتور سعد الدين إبراهيم إن الأقلية العلوية كانت أكثر الجماعات حرمانا واضطهادا إلى عقود مضت، ولكن مزيدا من أبناء هذه الطائفة وجدوا فى الجيش السورى وفى حزب البعث مجالا للحراك الاجتماعى والسياسى إلى أعلى، ومع أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن العشرين أصبحوا بالفعل هم النخبة الحاكمة فى سوريا، ولأول مرة أصبح رئيس الجمهورية فى سوريا من أبناء هذه الطائفة، وقد أدى ذلك فى منتصف السبعينات إلى تبرم الأغلبية السنية التى وجدت نفسها محكومة بواسطة نخبة من الأقلية العلوية التى كرست مواقعها فى السلطة من خلال الجيش، وتحت غطاء أيديولوجى حزبى، وحدثت بالفعل بعض حوادث العنف المتبادل بين النظام الحاكم والإخوان المسلمين فى سوريا الذين نصبوا أنفسهم متحدثين باسم الأغلبية الإسلامية السنية، ووصل هذا الاصطدام إلى قمته فى حوادث مدينة حماة فى أوائل الثمانينات، ولكن هنا، كما فى العراق والجزائر، يختلط التبرم الطائفى أو الثقافى بالسخط العام على تسلط الحزب الواحد الذى تكون قياداته فى غالبيتها من إحدى الجماعات دون جماعات أخرى مهمة فى المجتمع.

هذا ما يقوله الدكتور سعد الدين إبراهيم عن سوريا فماذا يقول عن لبنان؟

***

يقول إن لبنان ينقسم دينيا بين المسلمين والمسيحيين مناصفة، فالمسلمون 51.5% والمسيحيون 48.5% ولكن داخل كل مجموعة يوجد عدد من الطوائف المذهبية التى لا تشكل أى منها أغلبية عددية، ينقسم النصف اللبنانى المسلم إلى الشيعة 25% من إجمالى سكان لبنان، والسنة 20% والدروز 7% وهم جميعا عرب لغة وثقافة، أما النصف المسيحى فينقسم إلى الطائفة المارونية 20% من إجمالى سكان لبنان، تليها طائفة الروم الأرثوذكس 11% والروم الكاثوليك 7%، ثم البروتستانت، واللاتين الكاثوليك، والسوريون الكاثوليك، والسوريون الأرثوذكس وكل منها تمثل أقل من واحد فى المائة من مجموع السكان، وهم جميعا طوائف مسيحية عربية لغة على الأقل، وإن كان بعضها، وخاصة الموارنة، ينكرون هويتهم العربية حينما تتوتر الأمور بينهم وبين بقية الطوائف. وأخيراً هناك مجموعة غير عربية هى الأرمن، وهم أقلية مسيحية وافدة، يحافظون على لغتهم وثقافتهم الأرمنية وهم يمثلون 7% من إجمالى سكان لبنان، وهم مندمجون فى الحياة الاقتصادية. ولهم تمثيل نيابى فى البرلمان اللبنانى، ولهم عادة وزير واحد على الأقل فى مجلس الوزراء.

يقول الدكتور سعد الدين إبراهيم إن لبنان مجموعة من الأقليات، وتاريخ لبنان الحديث هو نتاج للتعايش والتعاون والتوتر والصراع بين هذه الأقليات، وأصبحت (الطائفية) متداخلة فى النسيج السياسى والإدارى والاقتصادى والنفسى للمجتمع اللبنانى، وأعطت هذه التركيبة الطائفية اللبنانية الحساسة مجالا واسعا لتدخل القوى الأجنبية الإقليمية والدولية فى شئون لبنان طوال القرنين الماضيين.. الخ

ويقول إن أهم الترتيبات فى لبنان ما عرف بالميثاق الوطنى عام 1943 والذى نص على أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا، ورئيس الوزراء مسلما سنيا، ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا، وقائد الجيش مسيحيا مارونيا، وتوزيع مقاعد المجلس النيابى التسعة والتسعين على أساس 54 مقعدا للمسيحيين (20 للموارنة، و11 للروم الأرثوذكس، و6 للروم الكاثوليك، و4 للأرمن، و3 للطـوائف المسيحية الأخـــرى) و45 مقعدا للمسلمين (20 للسنة و19 للشيعة و6 للدروز) وقد تغير التوزيع وفقا لميثاق  الاتفاق الوطنى فزاد عدد مقاعد المجلس النيابى إلى 108 وأصبحت المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.. وقد استمر الالتزام بهذه الترتيبات إلى أن أصابه زلزال عنيف حيث نشبت حرب أهلية ضارية لم تر لبنان مثيلا لها منذ ستينيات القرن التاسع عشر. وكان سبب الهزة والزلزال التغير فى الوزن السكانى، فقد أصبح المسلمون ككل أكثر من نصف سكان لبنان، وأصبح المسيحيون ككل أقل من نصف السكان، ثم تبدل الوضع النسبى لعدد من الطوائف داخل المجموعتين الكبيرتين، ورغم عدم وجود تعداد رسمى تعترف به كل الطوائف، فإن معظم التقديرات العلمية تشير إلى أن المسلمين الشيعة مثلا أصبحوا أكبر الطوائف (حوالى 25%) يليهم السنة والموارنة، هذه التغيرات صاحبها، كالعادة، تغيرات اجتماعية واقتصادية أخرى، كانت تقتضى مراجعة التركيبة السياسية لاقتسام السلطة بفروعها التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ولكن تلكؤ النخبة، أو معارضة أقسام منها فى إعادة النظر، أدى إلى زيادة السخط بين بعض الطوائف، وإلى زيادة الخوف بين بعضها الآخر، وأصبح المجتمع اللبنانى مستقطبا بين ساخطين على تركيبة يعتبرونها ظالمة، وخائفين يتوجسون من أى تغيير يفقدهم مكانتهم المتميزة، بتفاعل هذا الاستقطاب الداخلى مع عوامل إقليمية ودولية كان لابد للوضع اللبنانى أن ينفجر، وبالفعل نشبت حرب أهلية عام 1975، واستمرت إلى بداية عام 1991 وفقد اللبنانيون ما يزيد على مائة ألف قتيل، وضعف هذا العدد من المشوهين، وثلاثة أضعافهم من اللاجئين داخليا الذين اضطروا إلى تغيير أماكن إقامتهم، ناهيك عن حوالى نصف مليون لبنانى لجأوا للمعيشة فى الخارج ولو مؤقتا، وقد ضاعف من تعقيد وامتداد الحرب الأهلية اللبنانية تدخل قوى إقليمية ودولية عديدة منها سوريا، وإسرائيل، والولايات المتحدة، وفرنسا، كما أن الوجود المسلح الفلسطينى خاصة فى جنوب لبنان وفى بيروت كان عاملا إضافيا فى مضاعفة الصراع الداخلى، ومرة أخرى لم تهدأ الحرب إلا حينما حدث توافق نسبى بين الأطراف الداخلية من ناحية، والأطراف الإقليمية والدولية من ناحية أخرى، وترجم ذلك عن نفسه باتفاق الطائف فى أواخر عام 1989، واستغرق سنتين حتى نفذ.

***

ويتحدث الدكتور سعد الدين إبراهيم عن اليمن فيقول إنها تنقسم إلى جماعتين: الشيعة الزيدية، والسنة الشافعية. وكانت الجماعتان متساويتين فى الحجم السكانى- حوالى 49% لكل منهما، مع جيوب صغيرة من الأباضية (إحدى فرق الخوارج) واليهود الذين نزح معظمهم إلى إسرائيل بعد 1948، ومع الوحدة بين شطرى اليمن تغيرت المعادلة السكانية إلى صالح السنة الشافعية، حيث كان معظم سكان اليمن الديمقراطية من السنة، فأصبحت النسبة المئوية لهذه الطائفة أكثر قليلا من 58%.. وينتهى الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى أن اليمن يمكن أن يعانى من القلاقل، وفى جو القلاقل العنيفة من الممكن للمتصارعين أن يستحقوا الخلافات المذهبية.

***

وعن السودان يقول إن تعثر جهود التنمية شمالا وجنوبا، والتلكؤ فى إرساء دعائم المشاركة السياسية وبناء المؤسسات الحديثة، يجعل المشكلة الإثنية فى السودان فى حالة انفجار مستمر، ويرجع تفاقم الصراع بين الشمال والجنوب نتيجة عاملين إضافيين يتعلقان بالنخب السودانية العربية فى الشمال. ويقول إن الصراع المدنى- العسكرى هو العامل الأول وقد استخدمت قضية الجنوب كإحدى قضايا هذا الصراع المدنى- العسكرى بين عرب الشمال أنفسهم، أما العامل الثانى الذى يجعل مسألة الجنوب معقدة فهو نمو حركة الإخوان المسلمين التى تسمى الآن بالجبهة الإسلامية القومية بقيادة الدكتور حسن الترابى، ودعوتها إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وهذا أمر يزيد الجنوبيين رفضا ومقاومة لهيمنة الشمال على مقدراتهم!

***

وفى المغرب يقول إن فيه 33% من سكانه من البربر وهى جماعة إثنية رئيسية من كل الوجوه، حجما، وتاريخا، وثقافة، وسياسة، ثم الأغلبية العربية 66% مسلمة مالكية، وهناك تقليد فى الأسرة المالكة فى المصاهرة بين العرب والبربر، فملوك المغرب العرب يحرصون على أن يتزوجوا من بيوت بربرية.. وهكذا فإن أم الملك الراحل الحسن الثانى من البربر، وزوجته أم الملك الحالى محمد السادس من البربر، ولذلك يرى الدكتور سعد الدين أن الصراع لن يكون قريبا.

ثم يتحدث عن موريتانيا فيرى أن فيها عوامل للصراع.. ففى موريتانيا جماعة (البيضان) ولغتهم تسمى (الحسانية) وهى عربية تتخللها ألفاظ بربرية، ودينهم الإٍسلام، وهذه هى الجماعة الرئيسية المهيمنة فى موريتانيا اجتماعيا، ويكون هؤلاء البيضان 50% من السكان، وإلى جانبهم جماعة ثانية هى البربر الذين أسلموا ولم يعربوا ونسبتهم 15%، ومجموعة ثالثة هم (السودان) وهى القبائل الزنجية التى تتحدث بلغات ولهجات زنجية أفريقية وهم معا يكونون 35% من إجمالى السكان. ويقول إن موريتانيا مثل الصومال، تواجه مشكلة بلورة الهوية الثقافية، فقد اختارت على المستوى السياسى الهوية العربية، ولكن الحسم السياسى لصالح الهوية العربية لم يؤد إلى سيادة اللغة والثقافة العربية، وقد اصطدمت محاولات تعريب برامج التعليم بصعوبات والذى يمنع الصراع فى موريتانيا الفقر الشديد من ناحية، والانشغال بمشكلة الصحراء مع المغرب والجزائر والبوليساريو من ناحية ثانية، وتوزع طائفة السودان إلى قبائل وعشائر ولغات متنافرة من ناحية ثالثة، ولكن هذه العوامل مع التدخل الأجنبى يمكن أن تؤدى إلى الانفجار.!

التشخيص لواقع الدول العربية عند الدكتور سعد الدين إبراهيم أن فيه اختلافات يمكن أن تؤدى إلى صراعات وانقسامات..

ما الحل..؟

الحل- عند الدكتور سعد الدين إبراهيم: الفيدرالية، والديمقراطية، والمجتمع المدنى.. إنه يطالب الدول العربية بالاعتراف بحقيقة التعددية، وصيغة الحكم الذاتى لأبناء المنطقة أو الإقليم هى الحل، ويرى أن الحكم الذاتى حق مشروع لأى جماعة تعيش فى منطقة واحدة سواء كانت تختلف، أو لا تختلف إثنيا عن الأغلبية.. ويرى أن يحتفظ كل إقليم بمعظم موارد الثروة على أرضه وتذهب نسبة منها إلى الحكومة المركزية.. ويركز الدكتور سعد الدين على حالة العراق، ويقول إن مصادر الثروة (النفط) موجودة فى المنطقة الكردية وجنوب العراق.. ويشرح أسبابا كثيرة تبرر تقسيم العراق..

***

المهم.. هناك أبحاث ودراسات علمية وغير علمية عن العالم العربى تبحث عن الثغرات وعوامل التوتر والصراع المحتملة..

وهناك من يستغل هذه الثغرات..

وهناك من يريد تقسيم العالم العربى إلى دويلات صغيرة هزيلة بلا حول ولا قوة..

وبعد أن كنا نتحدث عن الوحدة العربية.. أصبح بعضنا يتحدث عن التجزئة العربية..

وعلينا أن نعمل حسابنا من الآن إلى أنه ستكون هناك فتن.. وستكون هناك صراعات.. وستكون هناك أزمات..

وهـذا جـزء مـن مخطط كبير.. قد يحين وقت الحديث عنه.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف