الأزهر فى مفترق طرق!
السهام توجه إلى الأزهر الآن من أكثر من اتجاه.
سهام من الخارج من عدد غير قليل من رجال السياسة والفكر فى الغرب هم المسئولون عن صناعة الكراهية والعداء للإسلام وتشويه صورته وإلصاق التهم به، وهم يجدون فى الأزهر قلعة منيعة للإسلام، وفيه صفوة علماء المسلمين المدافعين عن الدين وأهله وسهام من مواقع إسلامية أخرى تريد أن تنتزع لنفسها مكانة الأزهر (!).
وسهام من الداخل من المتطرفين والمتعصبين وأصحاب الفكر المنحرف، الذين يسيئون إلى الإسلام ويقولون إنهم المصلحون، ويجدون الأزهر هو العقبة أمام مخططهم الشيطانى، لأنه المنارة التى تشع فكر الإسلام المعتدل، وتدافع عن العقيدة الصحيحة، وتكشف الزيف والباطل الذى يرتكب الجرائم وينسبها إلى الإسلام.
وسهام أخرى من أقلام لا ترعى حرمة ولا كرامة لهذا الصرح العلمى وتاريخه، فتتحدث عنه، وعن أهله، باستهانة، وتطاول، وتعمل بخبث شديد على التشكيك فى مصداقية ما يصدر عنه.
وبعض ضيقى الأفق يحسبون أن الإخلاص لعقيدة الإسلام تتلخص فى الدعوة إلى إقامة تكتل عنصرى أو دينى يواجه من يختلفون معهم فى العرق أو الدين، وهؤلاء خارجون على شريعة الإسلام وهى شريعة التسامح والتعاون بين البشر والإيمان بكل الأديان، وكل الكتب السماوية، وكل الأنبياء والرسل دون تفرقة بين أحد منهم.
والبعض يعمل على توسيع الهوة بين المسلمين وبين العالم، ويرون أن الفجوة بين عالم الإسلام وعالم الغرب لا مفر منها، وهم يرون أن التمسك بعقيدة الإسلام يعنى الجمود والتشبث بالماضى ومعاداة الحاضر.
يضاف إلى كل ذلك حالة التشرذم الخطير فى فكر الأمة المسلمة، واختلاف تياراتها واجتهاداتها ومفاهيمها عن الدين، وقد وصل الخلاف والاختلاف إلى حالة من الصراع الفكرى أحياناً، والصراع الدموى أحيانا أخرى، حتى يخيل لمن يراقب عن بعد أن الإسلام وكأنه أكثر من إسلام وليس إسلاما واحدا، وهذه البلبلة الفكرية يستفيد منها صُنّاع الكراهية والعداء للإٍسلام.
وفى وسائل الإعلام الغربية تبدو صورة الإسلام على أنه دين الإرهاب، والعنف، وإباحة الجرائم واعتبارها دفاعا عن العقيدة، والإسلام برىء من هذه الجرائم وليس هناك دين يدعو إلى الاعتداء على البشر أو انتهاك الحرمات أو سفك الدماء إلا فى حالة الدفاع عن النفس ومقاومة الاعتداء. وذلك بنص الأمر الإلهى (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
ثم إن الأزهر يبدو كأنه قد تحول إلى مجرد إدارة لمعاهد وجامعة، وإدارته محصورة فى الجهد الذى يبذله فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، فى إلقاء الأحاديث والخطب.
والمفروض أن الأزهر أكبر وأهم مؤسسة دينية فى العالم الإسلامى.. هو صوت الإسلام.. وهو صاحب الكلمة العليا فى الإفتاء فى الحلال والحرام، وما يجوز وما لا يجوز اختلاف المسلمين حوله. وهو الممثل للفكر الإسلامى المستنير فى حواراته مع العالم.. بمؤسساته الدينية.. والمدنية.. والإعلامية..
والمفروض ألا يقضى شيخ الأزهر الشهور فى مكتبه فى نظر أوراق وأمور روتينية يمكن أن يقوم بها سواه.
المفروض أن يقوم شيخ الأزهر بجولات فى أنحاء العالم.. ويلتقى بالقادة السياسيين.. وبقادة الفكر والمجتمع.. وبممثلى الطوائف والجماعات الدينية.. فى جميع أنحاء العالم.. لكى يشرح ويوضح.. ولكى يعرض على شعوب العالم الحقائق التى شوهها الإعلام والفكر المغرض فى الغرب.
أذكر عندما صحبت فضيلة الإمام الأكبر فى زيارة إلى الولايات المتحدة منذ سنوات بعيدة، أن استقبله نائب الرئيس الأمريكى وقال له إنه سعيد بحضوره وبلقائه برؤساء الطوائف وممثلى الإعلام، لأن صورة الإسلام تتعرض للتشويه فى الولايات المتحدة.. وأذكر عندما صحبت فضيلته فى زيارة إلى ألمانيا أن عددا كبيرا من أهم المفكرين وأساتذة الجامعات قالوا إن لقاءاتهم مع شيخ الأزهر أدت إلى تغيير بعض الأفكار والتصورات التى كانت لديهم عن الإسلام وأحكامه، وطالبوا بأن يكرر هذه الزيارات واللقاءات..
ومن حسن الحظ أن فضيلة شيخ الأزهر الحالى الدكتور محمد سيد طنطاوى له قبول فى الداخل والخارج وهو يمثل سماحة الإسلام، وجوهره الداعى إلى الإخوة بين البشر، والتعاون فيما بينهم على البر والتقوى كما أمر الله لا على الإثم والعدوان ، وهو مؤهل لأن يحسن عرض الإٍسلام على أهله وعلى غير أهله عرضا رشيدا بعيدا عن جمود الفكر والتعصب. وهو قادر فى نفس الوقت على القيام بدور كبير لتصحيح مسار الفكر الإسلامى الرشيد بعد أن أفسده أدعياء الدعوة، وأصحاب نظرية فرض الرأى بالعنف والتهديد، والداعون إلى الغلو فى الدين، وهذا الغلو هو الذى أهلك من كان قبلنا..
أريد أن أقول إن الأزهر له رسالة عالمية.. وعليه مسئولية كبرى.. وله دور عظيم.. فلماذا لا يقوم بكل ذلك والظروف تستدعى أن يقوم بها وبما هو أكبر..؟ لماذا يتقوقع الأزهر ويكتفى بدور التعليم وأداء الواجب الدراسى.. وإرسال بعض الوعاظ.. وبعض المقرئين.. إلى بعض الدول.. فى بعض المناسبات..؟
إن الأزهر يحتاج إلى هزة.. يحتاج إلى تحديث.. يحتاج إلى تجديد.. يحتاج إلى مفاهيم جديدة.. مفاهيم جديدة فى الإدارة.. فإدارة مؤسسة دينية لها دور عالمى يختلف عن إدارة مسجد أو مؤسسة وعظ وإرشاد.. ويحتاج إلى تطوير أسلوب العمل.. ويحتاج إلى خطة للانتشار..
ويحتاج إلى آلية عصرية للاتصال الخارجى بجميع المؤسسات العالمية.. وهذا يقتضى أن تكون فيه إدارات جديدة تجيد فنون ووسائل الاتصال.. وتجيد لغات العالم.. وتدعو الوفود من الخارج لزيارة الأزهر والالتقاء بعلمائه.. وتوفد بعثات للالتقاء بممثلى المنظمات والهيئات المختلفة فى الخارج وإجراء حوارات معها.. وعقد اتفاقات للتعاون المشترك.. ونتابع ما ينشر وما يذاع وتتولى الرد عليه.. وتوالى يوميا تغذية موقع الأزهر على الانترنت.
نحن نطالب بإدخال نظم وأساليب الإدارة الحديثة فى الأزهر.. نطالب بأن يكون فيه خبراء متخصصون على أعلى مستوى فى الإدارة.. والعلاقات الدولية.. والاتصال.. والإعلام.. ومتخصصون فى التفاوض.. وهكذا.
فى القرن الحادى والعشرين لا يصلح ما كان صالحا قبله.
وفى ظل العولمة.. والنظام العالمى الجديد.. وانتشار الفضائيات.. والإنترنت.. لم يعد ممكنا أن تكون مهمة الأزهر محلية داخل مصر أو حتى داخل العالم الإسلامى..
هل الأزهر مؤهل لهذه الرسالة العالمية الكبرى؟
الإجابة: نعم.
لابد أن يكون الأزهر فى قلب العالم.. وليس فى قلب مصر وحدها.. ولا فى قلب العالم الإسلامى وحده.
والأزهر الآن أمام مفترق طرق.. وعليه أن يختار مستقبله وهو فى نفس الوقت مستقبلنا. *