أحدث كتاب أمريكى عن بوش.. رئيس صنع فى تكساس
 أحدث كتاب صدر فى أمريكا عن الرئيس جورج بوش بعنوان (صنع فى تكساس) ومؤلفه باحث معروف فى السياسة هو مايكل ليند Michael Lind وهو عضو فى مؤسسة أمريكا الجديدة وله مؤلفات عديدة أهمها : أمريكا القادمة، بعيدا عن التيار المحافظ، فيتنام، وله كتاب مهم بالاشتراك مع تيد هالستيد Ted Halstead بعنوان (مستقبل السياسات الأمريكية).

وفى هذا الكتاب تحليل لشخصية الرئيس بوش ومكونات ثقافته وأفكاره، والمؤثرات الشخصية والعائلية والاجتماعية التى ساهمت فى صياغة توجهاته الأساسية، وتأثير الحياة فى تكساس بالذات، وهى ولاية لها خصائص مميزة وأهلها لهم طبيعة خاصة وينظر إليهم الأمريكيون نظرة خاصة-وأعتقد أن قراءة هذا الكتاب ضرورية لمن يريد أن يعرف الرئيس بوش-ويفهم سلوكه الشخصى والسياسى.

يتحدث مايكل ليند فى المقدمة عن ولاية تكساس وقد نشأ فيها ثلاثة رؤساء فيما بين عام 1964 وعام 2000 هم ليندون جونسون، وجورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، وخرج منها أيضا مرشح الرئاسة لويد بينستين وهـ -روس بيروت H. Ross Perot وهكذا تميزت ولاية تكساس بصادراتها من القطن، والبترول، والماشية، كما تصدر الرؤساء والراغبين فى تولى الرئاسة. وإن كانت هناك ولايات أخرى خرجت منها الرئاسة، مثل ولاية فرجينيا فى أوائل القرن التاسع عشر، وولاية أوهايو فى أواخر القرن التاسع عشر، ثم كاليفورنيا التى خرج منها نيكسون وريجان، ويلفت النظر أن الرؤساء الذين خرجوا من ولاية واحدة كانوا ينتمون لسلالات سياسية واحدة، وينتمون إلى نفس الحزب، ويعتنقون نفس وجهات النظر، فرؤساء فرجينيا كانوا يؤمنون بحق كل ولاية فى الاستقلال، بينما كان رؤساء أوهايو يؤمنون برعاية الصناعة، ورؤساء كاليفورنيا كانوا أشد الأعداء للشيوعية فى سياساتهم الخارجية، أما رؤساء تكساس فقد كانوا مختلفين دائما، ولم يكونوا من سلالة سياسية أو من مدرسة سياسية واحدة، بل كانت بينهم اختلافات، وربما تعارض فى الآراء، وفى بعض الحالات يبدو أن بينهم درجة من العداء السياسى. ففى أقل من ثلاثين عاما خرج من تكساس رئيس من أشد الرؤساء ليبرالية فى التاريخ الأمريكى، واثنان من أشد المحافظين. بوش الأب وروس بيروت كانت أفكارهما وبرامجهما متعارضة، وفى عام 1992 كان الأمريكيون والمراقبون الأجانب محقين فى اعتقادهم بأن الحرب الأهلية فى تكساس امتدت إلى السياسة. وقد استمرت هذه الحرب السياسية على مدى أجيال كاملة، وكانت جبهات القتال السياسى بين تيار اليمين المتشدد وتيار اليسار الجديد مشتعلة.. كان ليندون جونسون وروس بيروت فى جانب، وليود بينستين الديمقراطى بجانب بوش الأب وبوش الابن فى جانب آخر، ويمكن القول بأن الجانبين يمثلان تكساس التقليدية وتكساس الحديثة، فالتقليديون يرون أن الاقتصاد يجب أن يقوم على خفض الأجور، وخفض الضرائب، وزيادة التصدير، ولا يهتمون باتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء أو عدم تكافؤ الفرص فى المجتمع، والتفاوت الكبير فى الثروة، أما تيار تكساس الحديثة فإن فيهم نزعة وطنية قوية مشبعة بالروح العسكرية، وهم يرون أن مستقبل أمريكا يجب أن يقوم على اقتصاد يعتمد أساسا على التكنولوجيا العالية ومجتمع يؤمن بالفضيلة. وإن كانت تكساس التقليدية  هى شركات البترول، ومزارع المواشى، والحقول، أما تكساس الحديثة فهى مركز جونسون الفضائى فى هيوستن، وصناعات الكمبيوتر التى بلغت قمة نموها فى أواخر القرن العشرين فى سيلكون هيلز فى أوستين.

ومنذ الستينات وحتى الوقت الحاضر حل التقليديون المحافظون محل التيار الجديد. وتولى قيادة التيار المحافظ فى السياسة القومية بوش الأب، وبوش الابن، وقادة الكونجرس من الجمهوريين من أمثال السناتور فيل جرام، والنائب توم ديلاى، والنائب ديك آرماى، وازداد نفوذ المحافظين فى الخمسينات عندما كان يسيطر على مجلس النواب سام رايبرن Rayburn  وكان ليندون جونسون يسيطر على مجلس الشيوخ، وكانت سيطرة اليمين وتراجع أنصار الفكر الحديث الذى كانوا يطلقون عليه اسم البرنامج الجديد new-deal فى الستينات، وكانت قوة اليمين ظاهرة وقوية فى تكساس أكثر من غيرها من الولايات الأمريكية الأخرى.

***

ومع نمو النزعة المحافظة الرجعية وتزايد النفوذ السياسى للتيار التقليدى فى تكساس وامتداده إلى أمريكا يمكن القول، دون مبالغة إن إضفاء سمات تكساس على اليمين الأمريكى ككل كان حقيقة من حقائق الحياة السياسية الأمريكية، ابتداء من وليام بوكلاى Buckley و ج . آر ابن رجل بترول تكساس، إلى رجال بترول تكساس الآخرين من أمثال بوش الأب وبوش الابن، سلسلة من السياسيين نجحوا فى فرض فكر تكساس المحافظ القديم-وأعادوا تعريف المذهب السياسى للتيار المحافظ فى الولايات المتحدة، وامتد تأثير أفكارهم حتى الشمال الشرقى والغرب الأوسط، وتراجع الفكر المحافظ فى الولايات الأخرى، وساد فكر المحافظين فى الجنوب الأمريكى وبالذات فى تكساس، وهو فكر يؤمن بسياسة خارجية مولعة بالقتال فى أنحاء مختلفة من العالم، وفى الداخل تتمسك بالتشدد الدينى، وقد اثر هذا الفكر على أمريكا فى إدارة ريجان، وكذلك فى إدارة بوش الأب، كما سيطر على مجلس النواب عندما كان الجمهوريون هم الأغلبية فى عام 1994 ، ولكن فكر تكساس التقليدى لم يمتلك القوة الطاغية إلا بعد أن أصبح بوش الابن رئيسا، وأصبحت السلطة فى أيديهم ، وبالتالى أصبحوا قادرين على تشكيل السياسة القومية، ولم تكن النتيجة إدارة محافظة ومتشددة فقط، بل إدارة محافظة على طريقة تكساس، ففى السياسة الداخلية كان يمكن أن يثير أى رئيس محافظ آخر القلق لدى أصحاب المصالح المالية والاقتصادية والبيزنس، ولكن خطة بوش-تشينى للطاقة، وسياستهما الخاصة بالبيئة، جذبت أصحاب المصالح ورجال البيزنس إلى الأجندة المصنوعة فى تكساس من رجال البترول القادمين من تكساس والتى كانت شركة إنرون أكبر لاعب فيها، والتى أدى إفلاسها عام 2002 إلى زلزال زعزع الثقة فى الاقتصاد الأمريكى، وكانت السياسة الخارجية أيضا من صناعة تكساس، ففى العامين الأولين من إدارته، أدت تقاليد تكساس ونزعتها العسكرية وسياساتها إلى مساندة القوميين فى أمريكا والجناح اليمينى فى إسرائيل، وظهر على السياسة الأمريكية تأثير التيار اليمينى الدينى البروتستانتى فى تكساس والجنوب الأمريكى، وأدى ذلك إلى إبعاد أقوى حلفاء أمريكا نتيجة النزعة القادمة من تكساس، وهى نزعة أحادية، فردية، ميالة للعنف واستخدام القوة وفرض الإرادة على الآخرين.

وهكذا-كما يقول المؤلف-فإن وجود رئيس فى البيت الأبيض يمثل المذهب المحافظ التقليدى فى تكساس، لابد أن يكون له تأثيره الكبير على الولايات المتحدة والعالم كله، وإن كان ذلك قد حدث عندما قاد ليندون جونسون مجلس الشيوخ، وقاد سام رايبون مجلس النواب وتداخلت السياسة القومية الأمريكية مع سياسة تكساس التقليدية.

***

الرئيس بوش الابن لا يمثل التيار الغالب فى أمريكا والدليل على ذلك أنه لم  يحصل على أصوات تجعله واثقا من أنه يمثل الأغلبية فعلا، وهو يعلم أنه حصل على أصوات من الأقلية الآخذة فى الانكماش من المتشددين دينيا من البروتستانت والكاثوليك البيض الذين يرتبطون بالكنيسة ويتمسكون بالمعتقدات الدينية المتشددة، فالقاعدة التى جاءت به إلى  الحكم تستند إلى مجتمع رجال الأعمال وأصحاب المصالح المالية ورجال البيزنس الكبار من ناحية، والتيار الدينى المتشدد الصاعد، وهو واحد من هذا التيار، وعندما سئل خلال الحملة التمهيدية فى عام 2000 عن المفكر الذى تأثر به أكثر من غيره، قال إنه يسوع المسيح، وهذا شىء جديد بالنسبة للأمريكيين، فالمجتمع الأمريكى يتميز بدرجة عالية من التسامح، وقبول التعددية الدينية، ونسبة الذين لا يؤمنون بالأديان تتراوح بين 10% و 15% ويمكن اعتبارهم الطائفة الثانية فى العدد بعد الطائفة الكاثوليكية وفقا لاستطلاع الرأى ا لذى  أجرته مجلة نيوزويك عام 2002 ، فقد ذكر 45% أنهم يريدون الولايات المتحدة دولة علمانية، بينما ذكر 29% فقط أنهم يريدونها دولة مسيحية، و19% قالوا إنهم يريدونها دولة الكتاب المقدس اليهودى المسيحى.

والرئيس بوش الابن عضو فى الكنيسة الأسقفية البروتستانتية، ثم تحول إلى الكنيسة التى كانت تنتمى إليها زوجته لورا، وفى عام 1986 عندما بلغ  سن الأربعين حدث له تحول قال عنه إنه ولد من جديد، وأن هذا الميلاد الجديد حدث على يد القس بيل جراهام، وقد حكى قصة هذا التحول فى كتاب له فقال: زار أسرتى بيل جراهام لقضاء إحدى عطلات الأسبوع الصيفية فى مينى Maine ، وكان كلامه مؤثرا وشعرت بتغير فى قلبى، وخلال هذه العطلة زرع بيل جراهام بذرة فى روحى ظلت تنمو على مدار العام التالى، فقد هدانى إلى الطريق، فبدأت أسير فيه، وكان ذلك بداية التغيير فى حياتى.

وبذلك أصبح جورج بوش هو الرئيس الثانى بعد جيمى كارتر الذى يعمل بتصميم على نشر عقيدته الدينية، والضغط على الأمريكيين لكى يسيروا معه على نفس الطريق، ويكرر لهم قوله: إن القوة الحقيقية لأمريكا تكمن فى عامل واحد هو أن تكون أمريكا كلها مؤمنة، وهو يبدأ يومه بالركوع للصلاة، ويخصص يوما لدراسة  الكتاب المقدس. وهو يقول إنه فى السنوات الأولى من عصر المعلومات كان يتابع الثورة العلمية والتكنولوجية وتحول الحضارة الأمريكية ، ولكنه كان مشغولا بقضية واحدة هى : هل غير المسيحيين يمكن أن يدخلوا الجنة أو أن مثواهم النار؟. وفى سنة 1993 تحدث بوش  إلى صحفى نمساوى وقال له إن الذين يؤمنون بأن يسوع المسيح هو مخلصهم هم وحدهم الذين سيدخلون الجنة، وفى لقاءات صحفية مع صحيفة (هيوستن بوست) ومجلة نيويورك تايمز فى سنة 1998 ذكر حوارا دار بينه وبين والديه فى البيت الأبيض عندما كان والده رئيسا لأمريكا، وأنه سال والدته بربارا هل سيقبل الرب (الآخرين) فى الجنة، وكان هو قد وصل إلى مرحلة التوبة بعد أن كان مستهترا مدمنا للخمر، وذكر لأمه آية فى العهد الجديد تشير إلى أن المسيحيين فقط هم الذين سيدخلون الجنة، واتصل بوش ووالداه بالقس بيل جراهام من البيت الأبيض لسؤاله فى هذه المسألة. فقال جراهام لهم: من وجهة نظرى الشخصية فإننى اتفق مع ما يقوله جورج (الابن) والعهد الجديد مرشدى، ولكن ليس عليكم أن تقوموا بدور الرب.. من أنتم حتى تقوموا بدور الرب؟

***

 جورج بوش الأب بروتستانتى، ومع ذلك لم يحصل على ثقة اليمين الدينى، وانحاز اليمين الدينى إلى منافسة السناتور جون ماكين Mccain حاكم أريزونا خلال حملة التزكية للرئاسة، وأسلم بوش قياده إلى اليمين الدينى البروتستانتى، وسمح لمساعديه بعمل أشياء بغيضة مثل قيام نشطاء اليمين الدينى بتشويه سمعة السناتور الجمهورى السابق وارن رود مان Warren Rudman وألصقوا به تهمة العداء للمسيحية لمجرد أنه انتقد تعصب اليمين الدينى المتشدد، وشوهوا السناتور جون ماكين لأنه اجتمع مع جماعة من الجمهوريين تسمى Cabin وقالوا إن هذه الجماعة تنشر الخلاعة، وتحمس بوش بقوة لقانون تجريم العلاقات الجنسية المثلية، وقانون لتجريم الإجهاض، وهذا الحماس الدينى جمع حوله المتعصبون دينيا، إلى حد أن عضو مجلس النواب عن هيوستون توم ديلاى خطب فى المصلين فى الكنيسة المعمدانية الأولى فى بيرلاند يوم 2 ابريل 2002 فقال: تجب محاكمة الرئيس السابق كلينتون لأنه يعتنق رؤية للعالم منحرفة، وقال ديلاى للمصلين إن الرب يستخدمه لنشر رؤية الكتاب المقدس فى السياسة الأمريكية.. وأصبح هذا النوع من الحديث مألوفا بين السياسيين الجمهوريين بعد هيمنة الحزب على الجنوب فى الثمانينات والتسعينات، وفى المؤتمر الدينى الذى عقد فى فلوريدا تحت شعار (إصلاح أمريكا) قال دان كويل Quayle نائب الرئيس بوش الأب: (إننى أتعهد بالولاء للراية المسيحية، وللمخلص الذى تمثل الراية المسيحية مملكته، وهو مخلص واحد، صُلب، ورُفع، وسيعود مرة أخرى بالحياة والحرية لكل من يؤمن به).

***

التدين المفرط ، المتزمت، للرئيس بوش الابن، وإدارته مثل عناصر أخرى فى فكره وسياساته وإدارته، لها أصول فى الجنوب الأمريكى، وفى تكساس بالذات، وفى التاريخ القديم لم يكن الجنوب أكثر مناطق أمريكا تدينا، كان الاستعمار شديدا وقاسيا فى الجنوب، وكانت بداية الجمهورية من الجنوب،وكان السادة  المستعمرون أغلبهم يتبعون المذهب الانجليكانى البروتستانتى، أوربيون مثل جيفرسون، وواشنطن، وكان السادة المستعمرون البريطانيون أعداء للمبشرين المعمدانيين الذين كانوا ينتقدون عادات المستعمرين البريطانيين مثل شرب الخمر، ولعب القمار، والمبارزة، وفى بداية الجمهورية، لم يكن الكثيرون من أهل الجنوب البيض الفقراء من سكان الريف يذهبون إلى الكنيسة، ونادرا ما كان يظهر المبشرون أو تعقد الاجتماعات الدينية، وكان أغلبية السكان لا يقرأون الإنجيل لأنهم كانوا أميين، وكان السحر الشعبى البريطانى منتشرا بين سكان التلال حتى وقت قريب. ثم بدأت البروتستانتية الإنجيلية تسيطر على الجنوب نتيجة للتحضر والتصنيع، وبعد أن استقر معظم أهل الجنوب فى المدن الصغيرة، ثم فى المدن الكبيرة بعد ذلك، وأصبح الذهاب إلى الكنيسة بانتظام أكثر شيوعا.

وكان الشمال الأمريكى يسيطر عليه التيار البروتستانتى فى ذلك الوقت، إلا أن البروتستانتية فى الشمال اختلفت عنها فى الجنوب، وخاصة فى تفسير سفر الرؤيا، آخر أسفار العهد القديم، الذى يتحدث عن الحكم الألفى وهو عودة المسيح بعد إعادة هيكل سليمان ليحكم العالم بالعدل وينشر السلام ألف عام.

وقد انقسم البروتستانت إلى قسمين، قسم يرى أن هذا العصر الألفى السعيد لن يبدأ إلا بعد بعث يسوع وعودته إلى الأرض، بينما يؤمن القسم الثانى بأن يسوع المسيح سيعود بعد انتهاء هذا العصر الألفى السعيد وليس قبله، وهذا الخلاف اللاهوتى الغامض - كما يقول المؤلف - له تأثير عميق على السياسة الأمريكية، وعلى سبيل المثال فإن الذين يؤمنون بعودة المسيح بعد الحكم الألفى يعتقدون بأن البشر فى إمكانهم التعجيل بمجىء هذا العصر الألفى وبالتالى مجىء المسيح بعده، وذلك بالإصلاح الاجتماعى، وبجهودهم فى إقامة مملكة الرب على الأرض، أما الذين يؤمنون بأن مجىء المسيح سوف يسبق العصر الألفى السعيد فإنهم يعتقدون أن العالم سوف تزداد فيه الشرور إلى أن يتم تدمير العالم فى موقعة (هرمجدون). وهو الموقع الذى ستجرى فيه المعركة الفاصلة بين قوى الخير وقوى الشر، وعندئذ فقط ينزل يسوع المسيح على الأرض ليحكم، ويأمر بإعادة إقامة عالم جديد خير، هو يوتوبيا بالمعنى الحرفى، وبناء على ذلك فإن هذه الطائفة لا تبالى بعملية الإصلاح الاجتماعى، ولا تكره الشر، وترى أنه لا فائدة فى إصلاح عالم كله شرور وسيزداد فيه الشر إلى أن يصل إلى آخر المدى فتكون تلك نهايته، وربما يكون ذلك فى المستقبل القريب.

ومن الذين يؤمنون بمجىء المسيح قبل بدء الألفية السعيدة طائفة البيورتياتيين المهاجرين إلى أمريكا من نيو انجلند فى القرن السابع عشر، وظلوا يتوقعون نهاية العالم فى أية لحظة، ولكن تحول معظم من ذهب إلى الولايات الشمالية إلى الطائفة الأخرى وأصبحوا يؤمنون بأن حكم المسيح للعالم الذى سيستمر ألف عام سيبدأ بمجئ المسيح أولا، وفى القرن التاسع عشر شارك هؤلاء المهاجرون فى القيام بإصلاحات اجتماعية شملت إلغاء نظام العبودية فى أمريكا، كما شملت نشر التعليم لأبناء الفقراء، والاعتراف بحقوق المرأة، والاعتدال فى التفكير والسلوك.. الخ. بينما كان المهاجرون الذين عاشوا فى الولايات الجنوبية على عكس ذلك.. يؤمنون بأن الإصلاحات الاجتماعية لا فائدة فيها، بل هى خطط من وحى الشيطان لأنها تعجل بنهاية العالم.

وفى القرن العشرين تعمق هذا الانقسام الدينى بين أهل الجنوب وبقية الأمريكيين، وبحلول التسعينات كان البروتستانت من ذوى الأصول المهاجرة من نيو انجلند أقلية فى ولايات الشمال، بعد أن ازدادت أعداد المهاجرين إليها من أوربا من الكاثوليك واليهود، وبعد أن أصبحت الخلافات الدينية سببا لإشعال المعارك والانقسامات، فقد بدأ أهل الشمال الشرقى والساحل الغربى والغرب الأوسط يفصلون موضوع الدين والعقائد الدينية عن الثقافة والحياة السياسية، أما فى ولايات الجنوب فكانت هجرة الكاثوليك واليهود إليها محدودة، فبقى الدين مؤثرا بصورة كبيرة فى حياة الأمريكيين فيها، وظل أسلوب الحياة فى هذه الولايات متأثرا تأثيرا عميقا بالبروتستانتية.

***

هكذا كان هناك اختلاف تكوين الأمريكيين فى ولايات الجنوب عن بقية الأمريكيين، وزادت الخلافات نتيجة الاختلاف فى استجابة كل منهما للتقدم العلمى الذى حقق طفرة كبرى فى القرن العشرين، فقد كان اللاهوتيون البروتستانت حتى منتصف القرن 19 يرون أن نتائج علم الطبيعة تتفق مع قصة الخلق فى الكتاب المقدس، ولكن عندما جاء دارون بنظريته عن التطور والنشوء والارتقاء أثار الجدل، لأن مؤدى نظريته أن التطور فى الكائنات وفى الكون من الممكن أن يكون ناتجا عن عمليات عشوائية وتحولات فى المادة، دون وجود خالق أو قوة وراء الطبيعة، فقد تجاوبت البروتستانتية فى الشمال مع هذه النظرية، ولم تقاومها، بعد أن أصبحت بروتستانتية علمانية إلى حد ما، وبعد أن أعادت تفسير قصة الخلق كما جاءت فى الكتاب المقدس على أنها قصة رمزية وفى مواجهة هذا الفهم الشمالى ظهر رد الفعل فى مذهب العصمة الحرفية، وهى حركة لاهوتية بروتستانتية ظهرت فى أوائل القرن العشرين، وقاومت أية محاولة للربط بين الدين والعلم الحديث، وكانت هذه الحركة منتشرة فى أنحاء أمريكا. ولكنها تركزت بعد ذلك فى الجنوب البروتستانتى، وأصبحت ولايات الجنوب هى القاعدة أو القلعة لهذه الحركة اللاهوتية. وظلت حركة العصمة الحرفية البروتستانتية فى الجنوب قوية منذ العشرينات فى القرن العشرين حتى الآن. وفى التسعينات نظمت جماعة الأغلبية المؤمنة Moral Majority التى يرأسها القس جيرى فالويل، وجماعة يرأسها كريستيان كوليشن تسمى تحالف المسيحيين Christian Coalion ما يسمى باليمين الدينى. وهو اليمين البروتستانتى الجنوبى الأبيض المتشدد، وكان معظم المنتمين إلى هاتين المنظمتين من الأجيال السابقة من الديمقراطيين المحافظين، وفى البداية كان المتشددون لا يزيدون على 5% من الأمريكيين، ولكن نشطاء اليمين الدينى استطاعوا أن يحشدوا وراءهم نسبة أكبر بكثير من حجمهم الحقيقى، وظهر أثر ذلك فى الانتخابات الأولية للرئاسة، ومنذ التسعينات وهذا التيار هو المسيطر على الحزب الجمهورى، ولكن هذا التيار الدينى البروتستانتى المتشدد المنتشر فى الجنوب وإن كانت له الهيمنة على الحزب الجمهورى، ومؤثرا على مستوى الناخبين، إلا أنه ليس مؤثرا على مستوى الصفوة من الخبراء، والمفكرين، والأكاديميين، وحتى الصحفيون والكتاب الجمهوريون، والسبب فى ذلك معروف وهو معاداة هذا التيار للفكر، وعموما فإن البيئة الثقافية المتشددة فى الجنوب لا تنتج مفكرين. ولذلك فإن اليمين الدينى استعان ببعض مفكرى اليسار من الساحل الشرقى، وفى الثمانينات والتسعينات وجد المتشددون البروتستانت فى الجنوب حلفاء لهم من مفكرى تيار المحافظين الجدد، وهؤلاء المحافظون الجدد كانوا فى الأصل ديمقراطيين وتحولوا إلى الحزب الجمهورى بعد هزيمة الديمقراطيين فى الستينات، وكان أغلبهم من الأمريكيين اليهود، والأقلية كانت من الكاثوليك والبروتستانت، وكان معظمهم علمانيين ولم يكن ارتباطهم بالدين سوى مسألة انتماء أكثر من كونه إيمانا حقيقيا، وكانت تجمعهم بالمسيحيين المؤمنين فى الجنوب خلفيات سياسية ووجهات نظر واحدة.

***

وفى البداية كان التحالف بين المتدينين المتشددين والمحافظين الجدد مقصورا على هدف واحد مشترك هو مساندة إسرائيل فى مواجهة الذين يوجهون إليها النقد، ولكن مع الوقت تبنى قادة المحافظين الجدد مثل ايرفنج كريستول، وابنه ويليام كريستول، آراء اليمين الدينى الخاصة بالسياسة الاجتماعية مثل معارضة الإجهاض، وحقوق الشواذ، ومعاداة التكنولوجيا الحيوية، وتأمين الدعم الحكومى للمدارس الدينية، وأدى تحول حركة المحافظين الجدد إلى اليمين إلى ابتعاد كثير من المعتدلين من هذا التيار، وكان دفاع المفكرين من المحافظين الجدد عن تحالفهم مع المتشددين دينيا فى الجنوب وهم أعداء الفكر، أن السياسة الأمريكية تواجه حربا ثقافية، أو صراعا ثقافيا بين الحركة الدينية الإنسانية من جهة والعلمانية من ناحية أخرى، وبعض المحافظين الجدد أصبحوا يرون أن العلمانية هى الزندقة، وبهذه الفكرة ترسخت الدعوة من المحافظين الجدد إلى البروتستانت والكاثوليك واليهود المتدينين لكى يتجاوزوا عن الاختلافات اللاهوتية فيما بينهم، وأن يوحدوا صفوفهم باعتبارهم مؤمنين ليقفوا ضد قوى الزندقة.

ويمضى المؤلف فى تحليل الخريطة الدينية فى أمريكا، ويشرح أبعاد ونتائج التحالف بين المحافظين الجدد والمتشددين دينيا فى الجنوب، وأهمها أن إسرائيل كانت أكبر الرابحين من هذا التحالف، وإن كان قد بقى تيار من البروتستانت يعتقدون أن الكاثوليك ليسوا مسيحيين حقيقيين، وأن اليهود والمسلمين والبوذيين والهنود والعلمانيين جميعا سوف يكون مصيرهم جهنم، إلا إذا أنقذوا أنفسهم وتحولوا إلى المسيحية، علاوة على ذلك فإن عددا من المحافظين الجدد وصلوا إلى مواقع مهمة فى الحكومة والكونجرس والمؤسسات الفكرية فى واشنطن وإلى المجلات السياسية المؤثرة، وهؤلاء كانوا يرفضون سلوك العلمانيين الشخصى مثل ممارسة الجنس بدون زواج، ومثل اللجوء إلى الإجهاض ومنع الحمل، وكان البروتستانت المتشددون ملتزمين فى حياتهم بالتعاليم الدينية، ولكن معظم المحافظين الجدد كانوا يكثرون من الوعظ ويطالبون الناس بالتحفظ الأخلاقى بينما كانوا فى حياتهم الخاصة متحررين أخلاقيا، وهكذا كانت هناك تناقضات داخل تحالف تيار المحافظين الجدد والمتشددين دينيا، لكنه لم يمنع من استمرار هذا التحالف لتحقيق أغراضه.

***

وكالعادة ظهر فيلسوف قدم نظرية لتبرير هذا التناقض والنفاق الدينى فى جبهة المحافظين الجدد، هذا الفيلسوف هو ليو شتراوس Leo Strauss وهو أستاذ بجامعة شيكاغو، يهودى، ألمانى، وكان له تأثير كبير على معظم المفكرين فى تيار المحافظين الجدد بمن فيهم ايرفينج كريستول، وآلان بلوم. ونشر شتراوس فكرة أنه يجب التمييز بين الصفوة والعامة.. الصفوة هم أهل الفكر، وهم صفوة قليلة العدد، هم القادرون على فهم الحكمة والفلسفة، أما العامة فإن عقولهم بدائية وبسيطة ولا تستطيع فهم القضايا الفلسفية الرفيعة، ولا يفهمون سوى الديانات التقليدية مثل اليهودية والمسيحية، وما دامت العامة غير قادرة على فهم الأفكار الخاصة بالصفوة، فإن على الصفوة أن تحتفظ بأفكارها لنفسها بدلا من استفزاز العامة وقد يصل هذا الاستفزاز بهم إلى قتل المفكرين والصفوة كما حدث فى أثينا حين قام الرعاع بإعدام سقراط.. وكانت نتيجة هذا الفكر أن أتباع شتراوس كانوا ينظرون بازدراء إلى معتقدات المعمدانيين الجنوبيين، دون أن يفصحوا عن هذا الشعور، أما فى العلن فقد سايروا التيار وشاركوا فى العلن فى الدفاع عن السياسات المتشددة تجاه الإجهاض، والشواذ، وهم يعتقدون أن ذلك ليس نفاقا، ولكنها الحكمة هى التى تدعوهم إلى أن يظهروا غير ما يبطنون، فهم فى هذا الموقف أقرب إلى موقف (التقية).

***

ما علاقة كل هذا بالرئيس جورج دبليو بوش؟

يصل المؤلف بعد هذا التحليل إلى أن المفكرين من التيار المحافظ الجديد قدموا للرئيس بوش المبررات التى يستخدمها الآن، وقدم له المتشددون دينيا من الجنوب جدول أعماله فى السياسة الاجتماعية، وهذا ما جعله ينقل مسئوليات الحكومة فى الرعاية الاجتماعية إلى المؤسسات ذات الطابع الدينى، وكان العقل الموجه للرئيس بوش فى هذه المبادرة شخصا غريب الأطوار هو مارفن أولاسكى Marvin Olasky وهو أستاذ الصحافة بجامعة تكساس، وهو يهودى، كان والده مدرسا للغة العبرية فى بوسطن، وتحول من اليهودية إلى المسيحية، وقبل ذلك كان شيوعيا وهو الآن يؤمن بمذهب العصمة الحرفية البروتستانتى وهو مذهب يفسر الكتاب المقدس تفسيرا حرفيا ويؤمن بأن كل كلمة فيه مقدسة ولا يجوز التأويل. وله كتاب صدر عام 1992 بعنوان (مأساة الشفقة الأمريكية) يدعو فيه إلى التخلى عن برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية ونقل مسئوليتها عن رعاية الفقراء والمحتاجين إلى المؤسسات الخيرية المسيحية والمؤسسات الدينية الأخرى، وقد أعلن الرئيس بوش أنه تأثر بأفكار أولاسكى، وعمل على جعل برامج وخدمات الرعاية الاجتماعية مسئولية مشتركة بين الحكومة والمؤسسات الدينية بدلا من مسئولية الحكومة وحدها عنها، وأنه فعل ذلك حتى قبل أن يرشح نفسه للرئاسة وفقا لشعار المحافظة الرحيمة Compassionate Conservatism وهذا الشعار ابتكره أولاسكى، وكان يخفى وراءه هدفا أكبر، هو رفض التقليد الأمريكى بالفصل بين الكنيسة والدولة الذى يعتقد أنه خطأ، ويرى ضرورة العودة إلى التقليد الاستعمارى فى القرنين 17 و18 الخاص بالكنائس البريطانية الرسمية فى أمريكا.

كذلك كانت مبادرة بوش بتحريم إجراء أبحاث عن الخلية الأولى البدائية استجابة لدعوة المتشددين البروتستانت الجنوبيين، بينما يعتقد العلماء أن الخلايا الأولية البدائية التى تتحول عند نموها فتصبح عضوا أو نسيجا فى الجسم يمكن أن تكون وسيلة لعلاج أمراض مستعصية، وإطالة العمر، وذلك باستبدال الأعضاء التالفة وزرع أعضاء جديدة مكانها، وهذه الأعضاء الجديدة يمكن الحصول عليها من المريض نفسه بأخذ خلايا من جسمه وبعد أن يكتمل نموها تمكن زراعتها مع ضمان ألا يرفضها الجسم، كذلك الحصول على أجنة من زرع خلية من المريض فى بويضة أى أنثى، وهذا هو ما يعرف باسم الاستنساخ العلاجى، لأن الجنين الذى سينمو سيكون بمثابة قطع غيار بشرية، وهناك مقاومة للسماح بالاستنساخ العلاجى إلى حد أن يصبح الجنين طفلا رضيعا ثم يتحول إلى قطع غيار، ومعظم دول أوربا وشرق آسيا تسمح بالاستنساخ العلاجى تحت رقابة حكومية صارمة بينما تمنع الاستنساخ بقصد الحصول على أطفال لمن فقدوا الأمل فى الإنجاب. واليمين الدينى فى الجنوب الأمريكى يعارض بشدة الاستنساخ العلاجى لإنتاج خلايا أولية، كما يعارض الإجهاض، وهذا ما جعل الرئيس بوش بعد تولى الرئاسة، يتحمس لإصدار قانون بمنع الاستنساخ البشرى وقد وافق مجلس النواب الجمهورى على هذا القانون سنة 2001 لكن الديمقراطيين فى الكونجرس منعوا صدور هذا القانون، وانتهى الأمر بتحريم استنساخ البشر بقصد الحصول على أطفال، والسماح بالاستنساخ العلاجى الذى يقف بعملية الاستنساخ عند حدود إنتاج خلايا جديدة لمعالجة المرضى، على أن يتم ذلك وفقا لنظم وقواعد حكومية.. وقد عمل الرئيس بوش على منع الاستنساخ العلاجى أيضا، وفعلا استخدم سلطته الدستورية لجعل الاستنساخ لإنتاج خلايا بشرية مقصورا على أغراض البحث العلمى واستخدام الأجنة الناتجة عن الاستنساخ قبل 9 أغسطس 2001 فقط، وعدم السماح بإنتاج غيرها بعد ذلك التاريخ. ولكن تطبيق القرار ما زال مقصورا على الأبحاث التى تدعمها الحكومة فقط ولا يسرى على الأبحاث التى تمولها جهات خاصة غير حكومية.. وعلى كل حال فإن قرار بوش كان انتصارا لليمين الدينى.

***

وكان الرئيس بوش منفذا لبرنامج تيار المحافظين واليمين الدينى عندما نفذ سياسته بخفض الضرائب تخفيضا كبيرا فى عام 2001، وخصصته برنامج الرعاية الاجتماعية..

وباختصار - كما يقول المؤلف - فإن ثقافة وتكوين وشخصية الرئيس بوش مصنوعة فى تكساس.. وأهم ما فيه الجمع بين التشدد الدينى البروتستانتى، والنزعة إلى العنف التى تميز الجنوب، والاتجاه فى المجال الاقتصادى إلى المشروعات الرأسمالية الكبيرة فى المواد الأولية مثل البترول والقطن أكثر من الاهتمام بالتكنولوجيا المتقدمة.. ولكن إدارة بوش الابن منذ أيامها الأولى كانت يمينية أكثر من إدارة ريجان وبوش الأب.. فقد كان ريجان يمينيا محافظا ولكنه كان يقود ائتلافا عريضا يخفف من نفوذ المحافظين الجنوبيين وقارب بينهم وبين الجمهوريين الجنوبيين، والديمقراطيين من أبناء الطبقة العاملة الذين كانوا محافظين اجتماعيا، ومتحررين اقتصاديا.. وكان بوش الأب شخصيته تدمج بين روح المحافظين المتشددين من الجنوب، والتوجه المعتدل لطبقة الصفوة فى الشمال الشرقى، أما بوش الابن فقد استخدم نفوذ الرئاسة لدعم السياسة الاقتصادية والخارجية لليمين المتطرف الجنوبى.. وأهم إنجازاته داخليا التخفيض الهائل فى الضرائب، وخارجيا مساندة حزب الليكود الإسرائيلى، وتنفيذ خطط استيلاء أمريكا على حقول البترول.

الرئيس بوش رئيس قادم من الجنوب.. من تكساس.. وهى متحف للتقاليد الاستعمارية البريطانية فى القرنين 17 و18،  وهى تقاليد انقرضت فى بريطانيا نفسها كما يقول المؤلف، كما انقرضت فى المناطق التى تأثرت ببريطانيا، ولكنها بقيت فى الولايات الجنوبية، وبخاصة فى تكساس، لأن مجتمع تكساس مجتمع محافظ، متشدد، ولا يحب الهجرة والمهاجرين ولذلك لم يتعرض لتنوع الثقافات كما حدث فى المناطق الأمريكية الأخرى.

وتيار اليمين والمحافظون الجدد الذى يمثله بوش يهيمن عليه اليهود - كما يقول المؤلف - وهذا التيار يمثل انقلابا على النظام العالمى الذى نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، ويؤمن بضرورة التخلى عن هذا النظام العالمى وهدمه، وإقامة نظام عالمى جديد يتوافق مع القيم والمبادئ التى يؤمن بها هذا التيار الجنوبى، وهى قيم ومبادئ تشبه ما كان سائدا فى العالم بقيادة بريطانيا فى القرن التاسع عشر.. هذا التيار يؤمن بضرورة العمل على بناء إمبراطورية أمريكية تقود العالم وحدها، وتتمتع بعلاقة خاصة مع إسرائيل وحدها، وتقود العالم باعتبارها النصير للقيم المسيحية اليهودية، ولها الحق فى شن الحروب دون تقيد بالتحالفات أو المنظمات الدولية والقانون الدولى.. ما دامت هذه الحروب من أجل أمريكا.

هذا ما يقوله المؤلف مايكل ليند فى كتابه، وهو يصف الرئيس بوش بأنه من أسوأ الرؤساء فى تاريخ أمريكا، ويأمل فى أن يأتى بعده رؤساء يمكنهم إصلاح ما لحق بأمريكا من دمار نتيجة سياسات اليمين.. ويقول المؤلف: إن هذا الدمار لحق بالنظام الدولى الذى شيده الأمريكيون من الحزبين الجمهورى والديمقراطى بعد الحرب العالمية الثانية وتحملوا الكثير من التضحيات بأموالهم ودمائهم..

***

فى أمريكا من يقدر على الجهر بما لا يستطيع أحد من العرب الجهر به. *
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف